المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عرب وفرس كنعان وعدنان وانوشيروان



yasmeen
02-01-2009, 07:21 AM
جعفر رجب - تحت الحزام



عرب وفرس(1-5) كنعان وعدنان وانوشيروان




مع برودة الصباح كنت كعباد شمس ابحث عن قرص الشمس لتدفأ وجنتاي، كانت دافئة ورقيقة كقبلة طفل... استمتعت بالشمس وعذرت أجدادي المجوس عشقهم هذا الإله في أيام الشتاء الباردة..!

تركت زرادشت يحارب الظلام و«رجعت» للحاضر، وإذا بالمنصات تطلق الصواريخ من تل أبيب وتقصف غزة، تقتل الأطفال وتدمر البيوت، وحناجر صورايخ العرب الخطابية تنطلق وتقصف طهران! فسواء انطلقت الصواريخ من تل أبيب، واشنطن، لندن، أو موسكو... اتجهنا شرقا وشتمنا، وكلما قتل أبناء «كنعان» أبناء عدنان، اتجهنا لنشتم أبناء «انو شيروان»!

ورغم حبنا للزعفران، والكافيار، والفستق، والكباب الإيراني ورغم عشقنا لاقتناء السجادة التي تنولها أنامل بنات فارس، إلا ان هذا لا يمنعنا من كراهيتهم، وفي المقابل الإيرانيون يعيشون نفس الحالة العربية، فالعداء ارث تاريخي استعمل فيه أسلحة العرق، والدين، والمذهب، واللغة... حتى أصبح أشبه بمباريات «الديربي» الشهيرة، فنحن والحمد لله امة عريقة! عريقة بمشاكلها، فكل أمم العالم تنهي مشاكلها بـ«في يوم، في شهر، في سنة... » ونحن ألف واربعمئة عام عندنا نفس المشاكل، شيعة سنة، صوفية سلف، شوافع وأحناف، عرب وعجم، عرب شمال وعرب جنوب!

نترك المصائب الكثيرة ونرجع للعرب والفرس، للعرب العاربة مبرراتهم الجاهزة لكره «العلوج» فهم أقوام بلا نسب ولا حسب أصيل، فالعربي يتصور انه الوحيد في العالم الذي يملك دما نقيا، طاهرا، خاليا من الأملاح، وثانيا الفرس قوم تسلطوا على العرب وقبائلهم الشمالية قبل الإسلام، يذلونهم، يبيعون فيهم ويشترون، وهم من خططوا وقتلوا عمر بن الخطاب، وهم من نشروا السبئية، وهم من أطاحوا بالدولة الأموية العربية بقيادة الخراساني، وهم من اضعفوا الدولة العباسية، وفي النهاية تآمروا مع هولاكو لتدمير بغداد... وهم أساس الحركات المذهبية المارقة على أهل الجماعة فقد خرجت من بين أظهرهم الخوارج واغلبهم من الموالي، الذين طالبوا بإبعاد الخلافة عن قريش وحتى العرب، والقرامطة، والبهائية... والتاريخ طويل في أسباب كره العرب للفرس، وتستمر مع سيطرة الفرس على الأهواز، والجزر الثلاث في الخليج... فهم مجرد موالي أعزهم العرب بالإسلام!

أما الفرس فقد وضعوا مبرراتهم لكراهية العرب، فهم أبناء الآريين، لا يقارنون بأكلة الجراد، وزواحف الصحراء، وهم يرددون مع مهيار الديلمي «وأبي كسرى على إيوانه، أين في الناس أب مثل أبي» بينما العرب يسكنون الخيام البالية، وهم أصحاب أول دين توحيدي، بينما كان العرب يعبدون الحجارة، وكان العرب الحفاة العراة يقطعون المسافات من اجل اخذ العلم من أهل فارس، وهم من أسسوا فنون القتال، وأول من وضع نواة حقوق الإنسان من حرية الأديان والفكر، وهم «من عمموا الشمس هاماتهم، وبنو أبياتهم في الشهب»، والعرب قوم غلاظ، أعراب، جاؤوا طامعين لا فاتحين، فكما يرى العرب أنفسهم فاتحين، يرونهم العجم غزاة!

ما قيل ليس أحاديث سنوات مضت بل تراكمات مئات السنين، والصراع بين العرقين حول تفوق كل منهما على الآخر قديم قدم العلاقة بين الطرفين، والتي أنتجت متطرفين من الطرفين، الذين كانوا يؤلفون الكتب التي تبين مثالب الطرف الآخر، وفي القرن الماضي مع بروز الروح القومية كان ساطع الحصري يقاتل بقومية فاشية كل ما هو غير عربي، كان احمد كسروي في إيران يقدم الثقافة الفارسية الأصيلة على الدين والمذهب المستورد من الخارج!

وفي ظل حالة الصراع القديم بين الطرفين ظهر«الشعوبيون» وهم المسلمون الأعاجم الذين عرفوا بـ«أهل التسوية» الذين آمنوا بتساوي العرب والعجم وفقا للآية «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» وقد بدأت مع الفرس وانتشرت بعد ذلك مع بقية الشعوب من البربر والزنج وحتى الأسبان في الأندلس... ومع صراع السياسي ومحاربة الخلافة العباسية للشعوبية اتجهت تدريجا إلى تفضيل العجم مرة أخرى على العرب، كرد ضد العرب الذين رفضوا حتى هذه التسوية، كونهم خير البشر قاطبة، داعمين رأيهم بغطاء ديني!

لا أريد الخوض كثيرا في أوحال الماضي، وأوجاعه، فالتاريخ أيضا يكشف لنا حالة تآلف وتأثير ثقافي متبادل، وحالة الحضارة الواحدة، فقد حملوا كثيرا نفس الآمال والآلام، ومع تراكم السنين حملوا نفس الأمراض أيضا، ومهما حاولنا أن نفك المسارات بين الطرفين، إلا ان قدرهم الجغرافي حتم عليهم قدرا تاريخيا أيضا... وللتاريخ سطوته في الشرق، فعلى شرق الفرات وغربه القبور ليست صامتة، بل تتحدث تناقش وتجادل تمرض وتشفي، وحية أكثر من الأحياء... عدت استمتع بشمس الشتاء، تدفئ روحي وقلبي لتنبت فيها أزهرا صفراء، «والويل للذي يحمل في داخله صحراءه»، هكذا تكلم زرادشت، وللحديث «القديم» بقية!


جعفر رجب

jjaaffar@hotmail.com

yasmeen
02-02-2009, 07:30 AM
عرب وفرس (2-5)

سيد قطب في طهران وصفوي في القاهرة



جعفر رجب - الراي



مع دفء «ميترا» - إله الشمس - في يوم شتائي بارد، ذهبت بعيدا عن اله الآريين، إلى الساميين، بينما كان أبناء العم في حالة حرب، استعملت فيها حتى الأسلحة الدينية.

وفي نفس الوقت كان الإيرانيون والأتراك، يتفرجون من قريب دون أن يتعبوا أنفسهم في متابعة القصص الأسطورية التي تسيطر كثيرا على الشرق، ولا يهمهم من تظهر ومن يحلم بقدر أهمية أين تضع قدمها على «بورد» خارطة الشرق الأوسط، إنها لعبة

أشبه بلعبة «ريسك» عليك ان تلم بقوانينها حتى تفوز، أو تستمر في اللعب!
الغرب يشم رائحة عمائم الفرس هنا وهناك، دون أن يشاهدوهم، هكذا هي اللعبة الدولية، أن تملك نفوذا لا يعني أن تلطخ يديك بالدماء، أبق يديك نظيفة دائما، وامسح آثار الجريمة من خلف، التحريض شيء وارتكاب الفعل شيء آخر، لا تترك بصمات، ففي النهاية الأمور ستنقلب وتتغير، والغرب بطبعه منافق إنسانيا، لا يستطيع أن يسلم عليك ويداك ملطخة، فالمظاهر الإنسانية مهمة جدا!

الإيرانيون موجودون هنا وموجودون هناك، في بيروت، غزة، صنعاء، الخرطوم، كابل... «كورش» ملك الفرس، كان موجودا دون أن يرسل جيوشه، ودون أن يحارب، فعلى قصور «بيرسوبوليس» كورش لا يحارب ولا يحمل السيوف ويقتل مثل بقية التماثيل الموجودة في كل الحضارات السابقة، فـ «كورش» جالس وتأتي إليه الوفود صاغرة من ممالكه المختلفة لتقدم له العطايا... وهكذا كانت الإمبراطورية الفارسية، تمارس نفوذها وتستفيد من مختلف الشعوب دون أن تفرض ثقافتها ودينها عليهم، الأهم من كل هذا كم من الأموال والهدايا تدخل إلى خزان «البيرسوبوليس» قديما، والآن الأهم من كل شيء كم من الفوائد تكسبها طهران!

الإيرانيون يعيشون هواجس دائمة خوفا على حدودها، ثقافتها، تاريخها، وجودها... فهم حساسون جدا تجاه شخصيتهم الفارسية وتاريخهم القومي، ويعتزون حتى بحروب مرت عليها آلاف السنوات ضد اليونان، ولذلك ليس غريبا أن تقوم الدنيا ولا تقعد في طهران بسبب فيلم «300» الذي يتحدث عن الاسبرطيين في مواجهتهم للفرس، واعتبر انتقاصا لكرامة الفرس، ومازالوا يعتبرون الغرب خطرا دائم، سواء كان «الاسكندر» الذي احتل فارس قبل أكثر من ألفي عام، أو أمريكا فالحالة واحدة، فمن الغرب يأتي الشر والظلمة، ومن الشرق نور الشمس المشرقة، انه صراع ابدي بين النور والظلمة، بين الخير والشر، وبين «اهورا مازدا» اله الخير و«اهريمن» اله الشر، ... انهم حساسون تجاه لغتهم وثقافتهم، وحدودهم... وفتحت أبواب جهنم عندما نشرت إحدى المجلات الغربية اسم الخليج العربي بدلا من الفارسي على خريطتها، واعتبرت جزءا من المؤامرة فالخليج فارسي، ولا تراجع عنه، والمساس بمسماه مساس بالسيادة!

وإذا كان العرب يعيشون هاجس نظرية المؤامرة مرة، فالفرس يعيشونها ألف مرة، ولذلك كان الخوف على حدودهم قلقها الدائم، وأطماع الآخرين فيها هاجسها الأول، في السابق كان اليونان وآخرها كانت حربهم مع صدام، ولكي يبعدوا الخطر عن حدودهم، قاموا بعمل حزام آمن، وحزامهم الأمني ليس على الطريقة الاسرائيلية، بل امتد بصورة نفوذ تصل الى بيروت وغزة وكابل وغيرها... فهذه الحدود الجديدة تحافظ على حدودها!

مياه الخليج وجبال زاجروس، حاجز طبيعي تقف ضد أعدائها، ولكنها لا تمنع امتدادها خارجيا، ومحاولة كسب النفوذ غرب الفرات ليس بالشيء الجديد على السياسة الإيرانية بل كانت دائما تعمل وفق هذه الطريقة، لو نرجع بعيدا جدا لتذكرنا دعمهم «لسيف بن ذي يزن» في اليمن، وبناء الخط التجاري بين اليمن والشام مرورا بمكة قبل الإسلام، وامتداد نفوذهم إلى مصر ويقال ان «المقوقس»- الذي راسله الرسول الأكرم - لم يكن بيزنطيا بل مندوب للدولة الفارسية - وان اختلف الباحثون في ذلك - ولم يسقط نفوذهم مع سقوط إمبراطوريتهم بعد الإسلام، فقد اسقطوا الدولة الأموية ومارسوا نفوذهم عبر البرامكة، والبويهيين ثم الصفويين...!

في التاريخ الحديث ومع بدايات القرن العشرين الإيرانيون تأثروا واثروا، وان كان جمال الدين ذهب من «أسد آباد» باتجاه مصر وما صاحب ذلك من تجديد الفكر الديني، فالعرب ردوا بتحية أحسن منها فكانت كتابات محمد عبده ورشيد رضا أثرت بدورها في الحياة الثقافية في إيران، وفي الخمسينات من القرن الفائت كانت كتابات سيد قطب التي ترجمت إلى الفارسية من الأسس الثقافية التي بنيت عليها أسس الثورة الإيرانية، خاصة فكرة الجاهلية الجديدة التي تبناها سيد قطب!

لم تكن الحركة الإسلامية في إيران، غريبة عن حركة الإخوان المسلمين خاصة، منذ البدايات، ولم تظهر فجأة هذه العلاقة التي قد تبدو غريبة بين إخوان فلسطين ممثلة في «حماس» وحكومة إيران، ففي بداية الخمسينات ظهر فجأة «نواب صفوي» قائد منظمة «فدائي الإسلام» - وهي منظمة إيرانية ثورية كانت تقوم باغتيالات ضد رموز الشاه والمثقفين العلمانيين - في الشام ومصر وتصدرت صوره وكلماته الثورية فيها، وقد كان يدعو حتى بانضمام الشيعة العرب إلى حركة الإخوان المسلمين بدلا من التنظيمات العلمانية والشيوعية التي كانت سائدة في تلك الفترة، والتي كان الشيعة يشكلون قاعدة رئيسية لها!

لمس شجرة، وقال للشاب الجالس بقربه «لا استطيع هز الشجرة بيدي... لكن الرياح غير المرئية، تمزق الشجرة وتلويها كيفما تشاء، فالأيدي الخفية تمزقنا وتلوينا بقوة اشد من الأيدي المرئية» هكذا تكلم زرادشت، وفي الشرق الأوسط، الأيدي الخفية هي التي تحرك كل شيء، فاللاعبون لا يظهرون على المسرح، ومن نراهم على الشاشات أصنام لا تضر ولا تنفع!... أريح قلمي وأعينكم، وأكمل غدا!


جعفر رجب
jjaaffar@hotmail.com