jameela
01-24-2009, 01:29 AM
رئيس المجلس الأعلى لرعاية آل البيت في مصر انتقد من يستبيح الإنسانية باسم الإسلام
الدريني لـ «النهار»: نهوض الأمة قائم على وحدة السنة والشيعة
ليلى محمد أمين - النهار
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2009/01/24/fb22e449-bac8-4c67-9f38-3ae1202bee49_main.jpg
تصوير محمود الشريف
لا يمكن لعاقل أن ينكر وجود التيارات الفكرية المذهبية، فواقع الحال يشهد بوجود تلك التيارات وتغلغلها في المجتمع الإسلامي، ومحاولة كل تيار استقطاب الأتباع والمعاونين والأنصار.
ولأن الاختلاف سنة فطرية، وطبيعة بشرية وكثيراً ما تكون مساحة الاختلاف التي إذن بها الله تعالى رحمة للعباد وتوسعة عليهم فإن هناك من يبالغون في التمسك برؤاهم لدرجة التعصب المزموم.
والاختلاف بين الفقهاء والمتكلمين في كل فن ليس ببعيد فلا شبهة ولا غبار على أن توسيع أتباع كل مذهب دائرة الخلاف وراحوا يفسرون الكثير من القضايا المحسومة دينياً بحسب ما يرمون إليه من مصالح، فاختلطت الأمور على الناس وحدثت الفرقة وعلت أصوات التعصب والانشغال بالمعارك الداخلية الفكرية، فكثرت الاتحادات والأحلاف بين المختلفين في العقيدة والاتجاهات ولا نجد ذلك فيمن يجمعهم دين واحد.
وعندما يذكر أهل البيت ينصرف الذهن مباشرة إلى السادة ذرية الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام من السيدة فاطمة البتول لما لهم من منزلة حب عالية في قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقربهم منه ووصاياه بهم، وهؤلاء هم صفوة أهله وأهم أحبابه. وفي القاهرة مجلس أعلى لرعاية آل البيت يحيون ذكرى مواقفهم البطولية ومحاسنهم السلوكية والتعرف على سير الذين انتقلوا إلى الدار الآخرة والبحث عن رفيع مناقبهم وجليل أفعالهم، ويجمعون أنسابهم فهو نسب لا ينقطع أبدا إلى قيام الساعة، فهو موصول في الدنيا والآخرة.. هكذا يرى ويؤكد رئيس المجلس الأعلى لرعاية آل البيت في مصر محمد الدريني، ولأنه يمثل تيارا فكرياً عقائدياً فإن رؤيته لمفهوم الشهادة في الإسلام يمثل ركنا مهماً حري بنا أن نلقي عليه الضوء ونحن نحاول مع غيرنا وضع الأمور في نصابها وإجلاء الحقيقة التائهة بين فوضى الاختلاف والغلو والتطرف، وخطورة ذلك على المتلقي.
ثمة تساؤلات عن مفهوم الشهادة حملناها لمحمد الدريني وهي دعوة للتلاقي ونبذ الشتات فأكد أنه لا يمكن الفصل بين مناقشة قضية الشهادة في الإسلام ومقتل الامام الحسين بن علي عليه السلام والتي تعتبر أول قضية حقوقية في التاريخ الإسلامي، وقال إن تضحيته تثمين لقيمة الشهادة موضحا أنها محصلة لأمر جهادي ولم يرد بها أمر صريح، وعن الشهادة عبر التاريخ قال الدريني: «إن المفاهيم توسعت ولم تعد قاصرة على الدفاع عن الإسلام وفسره العلماء على أنه الموت الطوعي أيا كان الهدف الذي يناضل من أجله».
وشدد الدريني على أن ردود الأفعال الفطرية هي التي باتت تحكم الاستشهاديين الذين يقدمون على الموت بكامل إرادتهم لافتا إلى حال العرب الجالسين على مقاعد الشتات وأوضح الدريني في حواره مع «النهار» الآثار السلبية لكثرة الطروحات وتباينها وفقهاء الفضائيات والجدل الذي يتركونه لأن بعضهم يسعى للبروز الإعلامي فاختلطت المفاهيم وزادت من غطرسة العدو الاسرائيلي فهم يحاربون الشهادة بأطروحات لا علاقة لها بالدين، مشيراً إلى أن الدول العظمى ما كان لها أن توحد نفسها إلا عبر البارود وتساءل الدريني: «هل سيكون لهم غفور رحيم ولنا شديد العقاب».
وشن الدريني هجوماً لاذعاً على الأنظمة العربية التي وصفها بالمستبدة الفاسدة وحملها مسؤولية نظرة الآخر للعرب والمسلمين الدونية متهما المتطاولين على الإسلام باستقاء هجومهم من منابع فكريه معينة وألقى باللائحة على فشل إقناع العالم بمفهوم الشهادة في الإسلام إلى غياب جبهة تجمع السنة مع الشيعة تدافع عن الإسلام داعيا إياهم للتعلم من القساوسة والرهبان في تمسكهم عندما يجابهون خطراً ما، كما استشهد بعدد من أدباء الغرب والعرب في التدليل على مكانة الامام الحسين عليه السلام رمز الشهادة الخالد على مر العصور.
ودعا الدريني إلى ضرورة إقامة تجمع شيعي سني في الفترة المقبلة من تاريخ نضال الأمة العربية بعيدا عن الأنظمة للتصدي للمسيئين للإسلام والأديان، معتبرا أن السنة والشيعة مجرد مسميات مفتعلة.... وفي ما يلي نص الحوار:
الاستشهاد عبر التاريخ هل هو محصلة لأمر صريح، وكيف تطور مع الزمن؟
الاستشهاد تاريخيا هو صورة من صور العطاء الإنساني الذي يقف في مجابهة الظلم والطغيان على مر العصور كما قدمها لنا التاريخ كصورة نبيلة مشرفة تمثل أسمى أنواع العطاء من أجل الانتصار لحزمة حقوق، ولا يمكن الفصل بين هذه الحالة، ومقتل الإمام الحسين عليه السلام والتي تعتبر أول قضية حقوقية، في التاريخ الإسلامي في سياق المخطط الإلهي قد ضحى بنفسه وتعتبر تضحيته تثمين لقيمة الشهادة والمكانة العظيمة، ولذا كان ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنوانا لهذه المظلمة التي مازالت قائمة حتى اليوم وتلهم مشاعر وعواطف وملكات الكثير من المستثمرين على النحو الذي تناولوه.
الشهادة في الإسلام هي محصلة لأمر جهادي ولكن لم يرد أمر صريح بها، لكنها وردت في آيات قرآنية بمعنى أن نشهد لله، وفسر البعض عبر التاريخ من الفقهاء، هذا الأمر على أنهم سمعوا شهداء لأنهم سيكونون شهداء في الجنة أمام الله على المظالم التي واجهوها ولقوا حتفهم راضين مرضيين مضحين عن البشرية والوطن والأمة والعشيرة كل ذلك في تقديرنا وفي فكر آل البيت عليهم السلام، ووفق ما افهمه أنا اعتبره شهادة.
هناك توسيع لمفاهيم الشهادة عبر التاريخ أيضاً بحيث أنها لم تعد قاصرة عن ذاك الذي يدافع عن الإسلام ويثبت راياته، بل تجاوزت إلى من يقتل دون حقه وماله وعرضه وألحق بها الغرقى ومن هدمت ديارهم ومن قتلوا ظلماً وعدواناً ومن حرق وكل صور الموت ذلك أن رحمة الله واسعة وأن مفاهيم هذه الشهادة على النحو الذي فسره علماء النفس وعرفوا جانبا منه على أنه ذلك الموت الإداري الطوعي والذي يحتل مساحة كبيرة في فكر الإنسان الذي يقدم على هذا العمل وفق قناعة معينة أياً كانت ثقافته ودرجتها وأياً كان الهدف الذي يناضل من أجله.
الفطـــــرة
كيف وقد اختلط مفهوم الشهادة على الجميع ووسط هذه الفوضى والعبثية في القتل تحت اسم الإسلام احيانا، كيف ترى الصورة عن قرب؟
هناك من يستبيح الإنسانية باسم الإسلام وهناك من يستبيحها باسم الحقوق والديموقراطية وبقي على المتلقي في عالمنا العربي سواء كنا نتعاطى قدراً من الدين يسمح لنا بفهم ماهية الشهادة إلا أننا دوماً نجد أنفسنا في ساعات معينة جميعنا على أهبة الاستعداد للشهادة رغم أننا لم نتلق فتوى بذلك ولم تصدر لنا تعليمات بالقتال غير الفطرة السليمة للإنسان السوي التي تدفع دوماً للدفاع عن إنسانية الإنسان، من هنا أرى أن مفهوم الشهادة في أبسط صوره عندما اقترب من فكر آل البيت والصحابة الأجلاء وأذكر على سبيل المثال أبو ذر الغفاري الذي قال «عجبت على رجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه» أن ندعوه للقتال لمجرد أنه جاع فما بالنا إذا اغتصب حقه.. أراد أن يقول إن الجوع نوع من الكفر وبالتالي عليه أن يدافع عن الإسلام لا عن بطنه، لأن الإسلام كفل لكل إنسان ألا ينام وهو جائع، ولا تهدر كرامته، في منظومة رافقت بعث الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم حين قال «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وظلت تجد من يدافع عنها عبر التاريخ فرادى وجماعات ضد كل ألوان وأشكال الظلم.
حق الدفــــاع
باعتبار الاستشهاد أداة ضمن منظومة أدوات مقاومة الاحتلال، هل ترى من يفجرون أنفسهم في أماكن يوجد بها جنود الاحتلال ويسقط معهم أبرياء من المدنيين هم شهداء؟ وكيف تقرأ معنى الشهادة في القوانين الوضعية؟
حسب ما أفهم وما يفهم المواطن البسيط الذي ترصدين رد فعله المباشر حال ما تلتقطه الفضائيات من صور المذابح والقتلى والدمار ونهاية الوجود الإنساني أعتقد دون أن يرجع لأحد يكون رد فعله الفطري الذي أملاه عليه ضميره ورسوله الخاص به وهو العقل الذي ألهمه هذه الفتوى لنفسه يتمنى أن يقدم عوناً طوعاً على الموت أبدأ به وأقول إن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنذ إعلان دولة إسرائيل وحتى اليوم هو نوع من الشهادة التي يرضى عنها الله ونبيه وآله والمؤمنون، ولطالما ذِكْر الشهادة هنا فأذكر بما قاله قادة إسرائيل وهم مذعورون من أولئك الاستشهاديين الذين يقدمون على الموت بكل شجاعة فيقول إننا نخيف هؤلاء فهل نحبسهم أو أن نأسرهم ونعدمهم، إنهم يحملون أكفانهم ويأتون إلى الموت فماذا نفعل بهم؟ إنها قمة الحرب النفسية. إن الشهادة عندما نقرأ في مسوغات ومشروعات القوانين الوضعية وغيرها نجد أن لها معنى آخر فيما يخص الدفاع عن النفس، والدفاع الجماعي على مستوى القوانين المحلية، وحق الدفاع عن سيادة الدولة لكننا وإزاء ما نشهده من تشرذم الحالة العربية وكثرة الطروحات الإسلامية المتباينة وظهور فقهاء الفضائيات، وفقهاء المولوتوف، أولئك الذين تعاملوا بنظرية لنا غفور رحيم ولكم شديد العقاب!! فكان الجهاد والاستشهاد درب من دروب الجنة بينما كان للآخرين درب من دروب النار.. والعكس.
الانقسام الذي تشهده الأنظمة العربية اليوم حول مفهوم الشهادة كيف تفسره؟
هذه الحرب واختلاط المفاهيم بلا شك لن تؤثر على الرأي العام العربي والإسلامي الإنساني بشكل عام لم تفلح إلا في المتعاقدين على تسويق هذه المواد التي تحط من شأن الإنسان وتعطي المزيد من القوة للمتغطرس القاتل الذي لم نتعود منه إلا القتل والتدمير ونهاية الأشياء الجميلة في صور مرعبة مخيفة مترسخة في الأذهان ويكمِّل هذه الصور فقهاء ورؤساء ومستبدون يحرصون على استمرار هذا الوضع ويحاربون الشهادة بأطروحات دينية، أعتقد لا علاقة لها بالدين، ويبقى ذلك الشعور الجماعي الذي ينفجر في لحظة من اللحظات.
فشــــــــلنا!
إذن لماذا لم نفلح إسلامياً بإقناع العالم بمسألة الشهادة في سبيل الله؟ نحن نعلم أن التوراة حملت مفاهيم للشهادة؟
في تقديري أنه تندر الينابيع الفكرية الصحيحة لبعض الدعاة الذين يتولون القيام بهذه المهام أو أجهزة الدبلوماسية العربية التي تعمل في هذه المجالات وكما تقولين فإن التوراة حملت مفاهيم للشهادة وأزيد على ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال أو أي من الدول العظمى التي أصبحت منفردة برسم الإستراتيجية الكونية ما كان لها أن تحصل على استقلالها وأن توّحد نفسها إلا عبر البارود ارتضوه لأنفسهم من أجل الدفاع عن الولايات المتحدة أياً كان معتقد هذا الشخص الذي أقبل طواعية على فرض هيبة وسيادة وتوحيد تلك البلاد، لا أعتقد أن لهم غفور رحيم ولنا شديد العقاب، حين نعلن واستناداً لأطروحات إنسانية قبل أن تكون دينية أعطت الحق للجميع الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وديمومة استمراره.
الفشل العربي في رسائل كثيرة جعلتنا في نظر الآخر أناساً يجب أن تقام عليهم الوصاية، ويجب ألا يمتلكوا أسلحة حديثة نووية وغيرها ويجب أن يكون هناك عاقل وهو إسرائيل، هؤلاء المسؤولون عن الأنظمة المستبدة الفاسدة المعنية بنفسها والمخلصة لنفسها ولكن الذين يحرصون على دينهم وعلى أخلاقياتهم وعلى عروبة بلدانهم وحضاراتهم الإنسانية عليهم أن يتواصلوا مع الإنسانية وأن يشرحوا لهم الينابيع الفكرية، ليس غريباً أن تجد الأمم المتحدة قبل خمس سنوات أن تدعو إلى الاقتداء بفكر الإمام عليّ بن ابي طالب عليه السلام كنموذج إسلامي في شتى المناحي، اليوم لا نستطيع ولا يوجد لدينا هيئة أو عالم يستطيع أن يواجه حملة تنصيرية منظمة معلنة.
لماذا؟
للأسف الشديد، الذين يتطاولون على الإسلام يتطاولون من واقع ينابيع فكرية معينة، وأصحاب هذه الينابيع لا يستطيعون الرد عليها لأنه مشكوك في أمرها بينما القادر على مجابهة هذه الأطروحات التي تريد النيل من الإسلام هو فكر غير هذا الفكر واقرأوا من تعرضوا للتنصير وأعلنوا عن أنفسهم بكل وقاحة في ساحتنا المصرية.. لهذا وغيره أرى أن سبب الفشل يعود إلى عدم وجود جبهة قوية بين السنة والشيعة تشكل من داخلها لجنة للدفاع عن الإسلام وتعد نواة للجمع، ثم نبدأ من نقاط الاتفاق.. يقيناً عندما نقف في خندق واحد ندافع عن إسلامنا، سنجد السني سوف يكون سعيداً لأنه ليس متعاقداً على ضرب الإسلام بقدر ما هو متعاقد على مذهب معين يعتقد أنه مخالف له.
في تقديري لا يوجد علماء ناضجين يتعلمون من القساوسة والرهبان والحاخامات من أبناء الأديان المختلفة الذين انشقوا على أنفسهم تاريخياً ولهم أطروحاتهم المتناقضة والمتباينة ويتراشقون فيما بينهم، ولكنهم في المحصلة النهائية تجدهم يقفون عند حائط لا يستطيع أحد منهم أن يقترب، وأتصور هذه الحقبة بالذات تتطلب من علماء المسلمين الأوفياء الأجلاء المخلصين لله ونبيه الذين يبرءوون ذمتهم من الحكام وما يفرضونه عليهم من فتاوي تتعلق بالجهاد وتكدير عباد الله وتركهم حقوقهم، سوف تكون بداية طيبة لتعريف الغرب بحضارة الإسلام العريقة التي لن تعرف الدماء إلا دفاعاً عن الحق لا غير.
شهادة الحسين
كيف يمكن تأسيس مضامين للشهادة في وجود فريقين الأول يتشدد في شروطها والثاني ما نراه من واقع، وكيف ترى مستقبل الشهادة في ظل التطورات التي يشهدها العالم اليوم؟
بداية لابد أن نضع أمامنا عدونا الصهيوني وإذا كنا بصدد تأسيس محددات للشهادة كما تفضلت بسؤالك فنحن بالفعل أمام فريقين، واحد منهم يقيد موارد الشهادة حتى أنها لا تكون محصورة في شيء قد لا يحدث بالمرة وهؤلاء تاريخياً خُدام السلاطين غير المعينين بقضايا الإنسانية، وهناك طرح آخر الذي يجسده ابن بنت رسول الله، ليس غريباً أن يكون هذا هو رمز الشهادة وسيد شباب أهل الجنة فمن منا يرى نفسه هو أحسن من الحسين؟ ومن منا يرى أن أمه أفضل من فاطمة الزهراء أو أباه أفضل من علي بن أبي طالب من منا واجه مغريات كمثل الحسين وواجه ضغوطاً مثله ولكنه في سبيل حزمة حقوق قدّم نفسه واطفاله للشهادة، هذه المدرسة بكل تأكيد شغلت بال المفكرين من غير المسلمين، ولكم يؤسف المرء أن نجد فرياستارك، وكارلكتون وجونسلمان وغيرهم من المدارس الغربية تتحدث عن شهادة الحسين، حتى أن فرياستارك تقول «إنها من القصص القليلة جداً التي لا أستطيع قراءتها دون أن ينتابني البكاء».. كيف لهذه المدرسة التي نشأت بعد مدرسة عربية مسيحية تعاطت شأن أهل البيت والشهادة فيه فكان أن كتب جورج جرداق، وبولس سلامة وغيرهم ومن قبلهم إيليا أبو ماضي ومجموعة من الأدباء العرب الذين سجلوا هذه الشهادة حتى أننا في العصر الحديث نجد غاندي وهو أحد زعماء حركة عدم الانحياز يقول «لقد تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر» أدرك السر وعرف أنه سلاح الشهادة.. كثير من الزعماء العرب ومنهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يضع شهادة الحسين نصب أعينه ودوماً كما ورد في مقالات نجله د. خالد عبد الناصر، حيث يردد «أحب الحسين لكني إمعة سيفي ضده وقلبي معه».
يظل الطرف الآخر الذي يشارك في أطروحات تتعلق بالشهادة حريص على أن تكون دوماً متوقدة يُقْبل عليها المسلم والإنسانية جمعاء ذلك أن الإسلام هو دين أممي وإلا ما كانت التقت معنا جموع العالم في قضية فلسطين. أتصور أن الفترة المقبلة من تاريخ نضال الأمة العربية الإسلامية لابد وأن يرتكز بالأساس على تجمع سني شيعي مخلص لله ونبيه والمؤمنين بعيداً عن الأنظمة حتى لا يكون نموذجاً من تلك التي تسيطر عليها أنظمة معينة وهي التي تحتل إعلاماً يتيماً بائساً لكلما أرادت هذه الدولة أو تلك أن تُفَعِّل علاقاتها بدولة أخرى فيأخذونها هذه المادة، أتصور أن كياناً شيعياً سنياً بعيداً عن هؤلاء جميعاً يضع نصب أعينه الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمة الشرسة وجوده من أساسه وتمت هذه الحركات بعد الحادي عشر من سبتمبر، هذا الكيان ضرورة للتصدي لأمثال المغرضين المسيئين للأديان أمثال بطرس زكريا وغيره.
واقع مــــرير
كثر الحديث عن خطاب ديني موّحد، وعن ضرورة تجديد الخطاب وغيره بهدف التواصل مع التطور في الحياة ومواكبة المتغيرات مع التأكيد على الثوابت لكنا نجد العكس على طول الخط، وتتعمق الفجوات واراك تكثر من الحديث عن الشيعة والسنة. ألا ترى أن الاعلام اليوم ساهم في إبراز الفتنة النائمة أو التحريض عليها؟
لك أن تعلمي أنني أذكر واقعاً معاشاً نعيشه أنا وأنت وغيرنا من عباد الله فلا أتحدث إلا وأقر حقيقة موجودة، أما أنا على المستوى الشخصي فأؤمن بأن السنة والشيعة مسميات نشأت لإضفاء شرعية معينة، وجُمّلْ مفتعلة.. هل كان نبي الله محمد بن عبد الله سنياً أم شيعياً إن كان سنياً فنحن سنة وإن كان شيعياً فنحن شيعة، وبالمناسبة نحن في المجلس الأعلى لرعاية أهل البيت هو إطار للأشراف البالغ تعدادهم في مصر ستة ملايين تقريباً.
وقفات من الحوار
قال الدريني نحن هنا في مصر لنا دعوة منذ أن تأسس المجلس وحتى اليوم هي التقريب بين المذاهب، وتحتل في فكري مساحة كبيرة جداً، ولربما تعلمون أنني كنت أحد المتهمين بعمل تحالف سني شيعي مسيحي وكان معي المتهم الثاني عبود الزمر في قضية قتل الرئيس السادات والذي يقضي عقوبة السجن منذ 27 عاماً.
بعد أن طفت كل معتقلات مصر السياسية حدث شيء غريب جداً فقد تم تفويضي من قيادات الجماعات الإسلامية، والتكفير والسلفية والقاعدة بأن أدافع عنهم وقمت بإصدار كتابي «عاصمة جهنم» الذي أحدث دوياً حينهاً وكتب عنه كبار الكتاب ورفضت الأهرام نشره وتم نشره في جريدة مستقلة وأصبح بعد نشره مادة التحقيق الرسمية في عمل خرج إبان حكم الرئيس السادات ويتضمن جميع الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، كان معي في هذا الكتاب عبود الزمر وهو يمثل التيار السني وأيمن الظواهري والشيخ مصطفى سلامة صاحب كتاب كشف الأسرار عن الشيعة.
بسبب التقارب السني الشيعي تم توجيه التهم للعديد من أعضاء الجماعات بالتشيع من بينهم القيادي أحمد صبح، وتم الدفع ببعض الرموز الذين يهاجمون عبود الزمر ويتهمونه بالتشيع، والسبب التقارب بين المذهبين بعيداً عما هو قائم في بلادنا، هذا التقارب أزعج الكثيرين الذين يغذون الفتنة ونحن في مجلس آل البيت وبفكره نجحنا في أن نتواصل مع الأخوة الأقباط حتى نسب إلينا بأنه تحالف سني شيعي مسيحي.
نحن في تقدير فكر آل البيت مثلما يرى بعض إخواننا في مصر من غير الأشراف السادة ومن غير الشيعة يرون أن الموارد الفكرية تساهم كثيراً في حل المشاكل الاجتماعية حتى في مصر ومنها على سبيل المثال قضايا الزواج والطلاق لهذا فإن فكر آل البيت هو فكر الإنسانية دون النظر إلى الدين واللون والعرق، نحن نتنفس هذا الأمر ونسأل الله أن نؤسس الكيان الذي ينتهي معه مسميات سنة وشيعة.
الدريني لـ «النهار»: نهوض الأمة قائم على وحدة السنة والشيعة
ليلى محمد أمين - النهار
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2009/01/24/fb22e449-bac8-4c67-9f38-3ae1202bee49_main.jpg
تصوير محمود الشريف
لا يمكن لعاقل أن ينكر وجود التيارات الفكرية المذهبية، فواقع الحال يشهد بوجود تلك التيارات وتغلغلها في المجتمع الإسلامي، ومحاولة كل تيار استقطاب الأتباع والمعاونين والأنصار.
ولأن الاختلاف سنة فطرية، وطبيعة بشرية وكثيراً ما تكون مساحة الاختلاف التي إذن بها الله تعالى رحمة للعباد وتوسعة عليهم فإن هناك من يبالغون في التمسك برؤاهم لدرجة التعصب المزموم.
والاختلاف بين الفقهاء والمتكلمين في كل فن ليس ببعيد فلا شبهة ولا غبار على أن توسيع أتباع كل مذهب دائرة الخلاف وراحوا يفسرون الكثير من القضايا المحسومة دينياً بحسب ما يرمون إليه من مصالح، فاختلطت الأمور على الناس وحدثت الفرقة وعلت أصوات التعصب والانشغال بالمعارك الداخلية الفكرية، فكثرت الاتحادات والأحلاف بين المختلفين في العقيدة والاتجاهات ولا نجد ذلك فيمن يجمعهم دين واحد.
وعندما يذكر أهل البيت ينصرف الذهن مباشرة إلى السادة ذرية الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام من السيدة فاطمة البتول لما لهم من منزلة حب عالية في قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقربهم منه ووصاياه بهم، وهؤلاء هم صفوة أهله وأهم أحبابه. وفي القاهرة مجلس أعلى لرعاية آل البيت يحيون ذكرى مواقفهم البطولية ومحاسنهم السلوكية والتعرف على سير الذين انتقلوا إلى الدار الآخرة والبحث عن رفيع مناقبهم وجليل أفعالهم، ويجمعون أنسابهم فهو نسب لا ينقطع أبدا إلى قيام الساعة، فهو موصول في الدنيا والآخرة.. هكذا يرى ويؤكد رئيس المجلس الأعلى لرعاية آل البيت في مصر محمد الدريني، ولأنه يمثل تيارا فكرياً عقائدياً فإن رؤيته لمفهوم الشهادة في الإسلام يمثل ركنا مهماً حري بنا أن نلقي عليه الضوء ونحن نحاول مع غيرنا وضع الأمور في نصابها وإجلاء الحقيقة التائهة بين فوضى الاختلاف والغلو والتطرف، وخطورة ذلك على المتلقي.
ثمة تساؤلات عن مفهوم الشهادة حملناها لمحمد الدريني وهي دعوة للتلاقي ونبذ الشتات فأكد أنه لا يمكن الفصل بين مناقشة قضية الشهادة في الإسلام ومقتل الامام الحسين بن علي عليه السلام والتي تعتبر أول قضية حقوقية في التاريخ الإسلامي، وقال إن تضحيته تثمين لقيمة الشهادة موضحا أنها محصلة لأمر جهادي ولم يرد بها أمر صريح، وعن الشهادة عبر التاريخ قال الدريني: «إن المفاهيم توسعت ولم تعد قاصرة على الدفاع عن الإسلام وفسره العلماء على أنه الموت الطوعي أيا كان الهدف الذي يناضل من أجله».
وشدد الدريني على أن ردود الأفعال الفطرية هي التي باتت تحكم الاستشهاديين الذين يقدمون على الموت بكامل إرادتهم لافتا إلى حال العرب الجالسين على مقاعد الشتات وأوضح الدريني في حواره مع «النهار» الآثار السلبية لكثرة الطروحات وتباينها وفقهاء الفضائيات والجدل الذي يتركونه لأن بعضهم يسعى للبروز الإعلامي فاختلطت المفاهيم وزادت من غطرسة العدو الاسرائيلي فهم يحاربون الشهادة بأطروحات لا علاقة لها بالدين، مشيراً إلى أن الدول العظمى ما كان لها أن توحد نفسها إلا عبر البارود وتساءل الدريني: «هل سيكون لهم غفور رحيم ولنا شديد العقاب».
وشن الدريني هجوماً لاذعاً على الأنظمة العربية التي وصفها بالمستبدة الفاسدة وحملها مسؤولية نظرة الآخر للعرب والمسلمين الدونية متهما المتطاولين على الإسلام باستقاء هجومهم من منابع فكريه معينة وألقى باللائحة على فشل إقناع العالم بمفهوم الشهادة في الإسلام إلى غياب جبهة تجمع السنة مع الشيعة تدافع عن الإسلام داعيا إياهم للتعلم من القساوسة والرهبان في تمسكهم عندما يجابهون خطراً ما، كما استشهد بعدد من أدباء الغرب والعرب في التدليل على مكانة الامام الحسين عليه السلام رمز الشهادة الخالد على مر العصور.
ودعا الدريني إلى ضرورة إقامة تجمع شيعي سني في الفترة المقبلة من تاريخ نضال الأمة العربية بعيدا عن الأنظمة للتصدي للمسيئين للإسلام والأديان، معتبرا أن السنة والشيعة مجرد مسميات مفتعلة.... وفي ما يلي نص الحوار:
الاستشهاد عبر التاريخ هل هو محصلة لأمر صريح، وكيف تطور مع الزمن؟
الاستشهاد تاريخيا هو صورة من صور العطاء الإنساني الذي يقف في مجابهة الظلم والطغيان على مر العصور كما قدمها لنا التاريخ كصورة نبيلة مشرفة تمثل أسمى أنواع العطاء من أجل الانتصار لحزمة حقوق، ولا يمكن الفصل بين هذه الحالة، ومقتل الإمام الحسين عليه السلام والتي تعتبر أول قضية حقوقية، في التاريخ الإسلامي في سياق المخطط الإلهي قد ضحى بنفسه وتعتبر تضحيته تثمين لقيمة الشهادة والمكانة العظيمة، ولذا كان ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنوانا لهذه المظلمة التي مازالت قائمة حتى اليوم وتلهم مشاعر وعواطف وملكات الكثير من المستثمرين على النحو الذي تناولوه.
الشهادة في الإسلام هي محصلة لأمر جهادي ولكن لم يرد أمر صريح بها، لكنها وردت في آيات قرآنية بمعنى أن نشهد لله، وفسر البعض عبر التاريخ من الفقهاء، هذا الأمر على أنهم سمعوا شهداء لأنهم سيكونون شهداء في الجنة أمام الله على المظالم التي واجهوها ولقوا حتفهم راضين مرضيين مضحين عن البشرية والوطن والأمة والعشيرة كل ذلك في تقديرنا وفي فكر آل البيت عليهم السلام، ووفق ما افهمه أنا اعتبره شهادة.
هناك توسيع لمفاهيم الشهادة عبر التاريخ أيضاً بحيث أنها لم تعد قاصرة عن ذاك الذي يدافع عن الإسلام ويثبت راياته، بل تجاوزت إلى من يقتل دون حقه وماله وعرضه وألحق بها الغرقى ومن هدمت ديارهم ومن قتلوا ظلماً وعدواناً ومن حرق وكل صور الموت ذلك أن رحمة الله واسعة وأن مفاهيم هذه الشهادة على النحو الذي فسره علماء النفس وعرفوا جانبا منه على أنه ذلك الموت الإداري الطوعي والذي يحتل مساحة كبيرة في فكر الإنسان الذي يقدم على هذا العمل وفق قناعة معينة أياً كانت ثقافته ودرجتها وأياً كان الهدف الذي يناضل من أجله.
الفطـــــرة
كيف وقد اختلط مفهوم الشهادة على الجميع ووسط هذه الفوضى والعبثية في القتل تحت اسم الإسلام احيانا، كيف ترى الصورة عن قرب؟
هناك من يستبيح الإنسانية باسم الإسلام وهناك من يستبيحها باسم الحقوق والديموقراطية وبقي على المتلقي في عالمنا العربي سواء كنا نتعاطى قدراً من الدين يسمح لنا بفهم ماهية الشهادة إلا أننا دوماً نجد أنفسنا في ساعات معينة جميعنا على أهبة الاستعداد للشهادة رغم أننا لم نتلق فتوى بذلك ولم تصدر لنا تعليمات بالقتال غير الفطرة السليمة للإنسان السوي التي تدفع دوماً للدفاع عن إنسانية الإنسان، من هنا أرى أن مفهوم الشهادة في أبسط صوره عندما اقترب من فكر آل البيت والصحابة الأجلاء وأذكر على سبيل المثال أبو ذر الغفاري الذي قال «عجبت على رجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه» أن ندعوه للقتال لمجرد أنه جاع فما بالنا إذا اغتصب حقه.. أراد أن يقول إن الجوع نوع من الكفر وبالتالي عليه أن يدافع عن الإسلام لا عن بطنه، لأن الإسلام كفل لكل إنسان ألا ينام وهو جائع، ولا تهدر كرامته، في منظومة رافقت بعث الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم حين قال «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وظلت تجد من يدافع عنها عبر التاريخ فرادى وجماعات ضد كل ألوان وأشكال الظلم.
حق الدفــــاع
باعتبار الاستشهاد أداة ضمن منظومة أدوات مقاومة الاحتلال، هل ترى من يفجرون أنفسهم في أماكن يوجد بها جنود الاحتلال ويسقط معهم أبرياء من المدنيين هم شهداء؟ وكيف تقرأ معنى الشهادة في القوانين الوضعية؟
حسب ما أفهم وما يفهم المواطن البسيط الذي ترصدين رد فعله المباشر حال ما تلتقطه الفضائيات من صور المذابح والقتلى والدمار ونهاية الوجود الإنساني أعتقد دون أن يرجع لأحد يكون رد فعله الفطري الذي أملاه عليه ضميره ورسوله الخاص به وهو العقل الذي ألهمه هذه الفتوى لنفسه يتمنى أن يقدم عوناً طوعاً على الموت أبدأ به وأقول إن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنذ إعلان دولة إسرائيل وحتى اليوم هو نوع من الشهادة التي يرضى عنها الله ونبيه وآله والمؤمنون، ولطالما ذِكْر الشهادة هنا فأذكر بما قاله قادة إسرائيل وهم مذعورون من أولئك الاستشهاديين الذين يقدمون على الموت بكل شجاعة فيقول إننا نخيف هؤلاء فهل نحبسهم أو أن نأسرهم ونعدمهم، إنهم يحملون أكفانهم ويأتون إلى الموت فماذا نفعل بهم؟ إنها قمة الحرب النفسية. إن الشهادة عندما نقرأ في مسوغات ومشروعات القوانين الوضعية وغيرها نجد أن لها معنى آخر فيما يخص الدفاع عن النفس، والدفاع الجماعي على مستوى القوانين المحلية، وحق الدفاع عن سيادة الدولة لكننا وإزاء ما نشهده من تشرذم الحالة العربية وكثرة الطروحات الإسلامية المتباينة وظهور فقهاء الفضائيات، وفقهاء المولوتوف، أولئك الذين تعاملوا بنظرية لنا غفور رحيم ولكم شديد العقاب!! فكان الجهاد والاستشهاد درب من دروب الجنة بينما كان للآخرين درب من دروب النار.. والعكس.
الانقسام الذي تشهده الأنظمة العربية اليوم حول مفهوم الشهادة كيف تفسره؟
هذه الحرب واختلاط المفاهيم بلا شك لن تؤثر على الرأي العام العربي والإسلامي الإنساني بشكل عام لم تفلح إلا في المتعاقدين على تسويق هذه المواد التي تحط من شأن الإنسان وتعطي المزيد من القوة للمتغطرس القاتل الذي لم نتعود منه إلا القتل والتدمير ونهاية الأشياء الجميلة في صور مرعبة مخيفة مترسخة في الأذهان ويكمِّل هذه الصور فقهاء ورؤساء ومستبدون يحرصون على استمرار هذا الوضع ويحاربون الشهادة بأطروحات دينية، أعتقد لا علاقة لها بالدين، ويبقى ذلك الشعور الجماعي الذي ينفجر في لحظة من اللحظات.
فشــــــــلنا!
إذن لماذا لم نفلح إسلامياً بإقناع العالم بمسألة الشهادة في سبيل الله؟ نحن نعلم أن التوراة حملت مفاهيم للشهادة؟
في تقديري أنه تندر الينابيع الفكرية الصحيحة لبعض الدعاة الذين يتولون القيام بهذه المهام أو أجهزة الدبلوماسية العربية التي تعمل في هذه المجالات وكما تقولين فإن التوراة حملت مفاهيم للشهادة وأزيد على ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال أو أي من الدول العظمى التي أصبحت منفردة برسم الإستراتيجية الكونية ما كان لها أن تحصل على استقلالها وأن توّحد نفسها إلا عبر البارود ارتضوه لأنفسهم من أجل الدفاع عن الولايات المتحدة أياً كان معتقد هذا الشخص الذي أقبل طواعية على فرض هيبة وسيادة وتوحيد تلك البلاد، لا أعتقد أن لهم غفور رحيم ولنا شديد العقاب، حين نعلن واستناداً لأطروحات إنسانية قبل أن تكون دينية أعطت الحق للجميع الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وديمومة استمراره.
الفشل العربي في رسائل كثيرة جعلتنا في نظر الآخر أناساً يجب أن تقام عليهم الوصاية، ويجب ألا يمتلكوا أسلحة حديثة نووية وغيرها ويجب أن يكون هناك عاقل وهو إسرائيل، هؤلاء المسؤولون عن الأنظمة المستبدة الفاسدة المعنية بنفسها والمخلصة لنفسها ولكن الذين يحرصون على دينهم وعلى أخلاقياتهم وعلى عروبة بلدانهم وحضاراتهم الإنسانية عليهم أن يتواصلوا مع الإنسانية وأن يشرحوا لهم الينابيع الفكرية، ليس غريباً أن تجد الأمم المتحدة قبل خمس سنوات أن تدعو إلى الاقتداء بفكر الإمام عليّ بن ابي طالب عليه السلام كنموذج إسلامي في شتى المناحي، اليوم لا نستطيع ولا يوجد لدينا هيئة أو عالم يستطيع أن يواجه حملة تنصيرية منظمة معلنة.
لماذا؟
للأسف الشديد، الذين يتطاولون على الإسلام يتطاولون من واقع ينابيع فكرية معينة، وأصحاب هذه الينابيع لا يستطيعون الرد عليها لأنه مشكوك في أمرها بينما القادر على مجابهة هذه الأطروحات التي تريد النيل من الإسلام هو فكر غير هذا الفكر واقرأوا من تعرضوا للتنصير وأعلنوا عن أنفسهم بكل وقاحة في ساحتنا المصرية.. لهذا وغيره أرى أن سبب الفشل يعود إلى عدم وجود جبهة قوية بين السنة والشيعة تشكل من داخلها لجنة للدفاع عن الإسلام وتعد نواة للجمع، ثم نبدأ من نقاط الاتفاق.. يقيناً عندما نقف في خندق واحد ندافع عن إسلامنا، سنجد السني سوف يكون سعيداً لأنه ليس متعاقداً على ضرب الإسلام بقدر ما هو متعاقد على مذهب معين يعتقد أنه مخالف له.
في تقديري لا يوجد علماء ناضجين يتعلمون من القساوسة والرهبان والحاخامات من أبناء الأديان المختلفة الذين انشقوا على أنفسهم تاريخياً ولهم أطروحاتهم المتناقضة والمتباينة ويتراشقون فيما بينهم، ولكنهم في المحصلة النهائية تجدهم يقفون عند حائط لا يستطيع أحد منهم أن يقترب، وأتصور هذه الحقبة بالذات تتطلب من علماء المسلمين الأوفياء الأجلاء المخلصين لله ونبيه الذين يبرءوون ذمتهم من الحكام وما يفرضونه عليهم من فتاوي تتعلق بالجهاد وتكدير عباد الله وتركهم حقوقهم، سوف تكون بداية طيبة لتعريف الغرب بحضارة الإسلام العريقة التي لن تعرف الدماء إلا دفاعاً عن الحق لا غير.
شهادة الحسين
كيف يمكن تأسيس مضامين للشهادة في وجود فريقين الأول يتشدد في شروطها والثاني ما نراه من واقع، وكيف ترى مستقبل الشهادة في ظل التطورات التي يشهدها العالم اليوم؟
بداية لابد أن نضع أمامنا عدونا الصهيوني وإذا كنا بصدد تأسيس محددات للشهادة كما تفضلت بسؤالك فنحن بالفعل أمام فريقين، واحد منهم يقيد موارد الشهادة حتى أنها لا تكون محصورة في شيء قد لا يحدث بالمرة وهؤلاء تاريخياً خُدام السلاطين غير المعينين بقضايا الإنسانية، وهناك طرح آخر الذي يجسده ابن بنت رسول الله، ليس غريباً أن يكون هذا هو رمز الشهادة وسيد شباب أهل الجنة فمن منا يرى نفسه هو أحسن من الحسين؟ ومن منا يرى أن أمه أفضل من فاطمة الزهراء أو أباه أفضل من علي بن أبي طالب من منا واجه مغريات كمثل الحسين وواجه ضغوطاً مثله ولكنه في سبيل حزمة حقوق قدّم نفسه واطفاله للشهادة، هذه المدرسة بكل تأكيد شغلت بال المفكرين من غير المسلمين، ولكم يؤسف المرء أن نجد فرياستارك، وكارلكتون وجونسلمان وغيرهم من المدارس الغربية تتحدث عن شهادة الحسين، حتى أن فرياستارك تقول «إنها من القصص القليلة جداً التي لا أستطيع قراءتها دون أن ينتابني البكاء».. كيف لهذه المدرسة التي نشأت بعد مدرسة عربية مسيحية تعاطت شأن أهل البيت والشهادة فيه فكان أن كتب جورج جرداق، وبولس سلامة وغيرهم ومن قبلهم إيليا أبو ماضي ومجموعة من الأدباء العرب الذين سجلوا هذه الشهادة حتى أننا في العصر الحديث نجد غاندي وهو أحد زعماء حركة عدم الانحياز يقول «لقد تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر» أدرك السر وعرف أنه سلاح الشهادة.. كثير من الزعماء العرب ومنهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يضع شهادة الحسين نصب أعينه ودوماً كما ورد في مقالات نجله د. خالد عبد الناصر، حيث يردد «أحب الحسين لكني إمعة سيفي ضده وقلبي معه».
يظل الطرف الآخر الذي يشارك في أطروحات تتعلق بالشهادة حريص على أن تكون دوماً متوقدة يُقْبل عليها المسلم والإنسانية جمعاء ذلك أن الإسلام هو دين أممي وإلا ما كانت التقت معنا جموع العالم في قضية فلسطين. أتصور أن الفترة المقبلة من تاريخ نضال الأمة العربية الإسلامية لابد وأن يرتكز بالأساس على تجمع سني شيعي مخلص لله ونبيه والمؤمنين بعيداً عن الأنظمة حتى لا يكون نموذجاً من تلك التي تسيطر عليها أنظمة معينة وهي التي تحتل إعلاماً يتيماً بائساً لكلما أرادت هذه الدولة أو تلك أن تُفَعِّل علاقاتها بدولة أخرى فيأخذونها هذه المادة، أتصور أن كياناً شيعياً سنياً بعيداً عن هؤلاء جميعاً يضع نصب أعينه الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمة الشرسة وجوده من أساسه وتمت هذه الحركات بعد الحادي عشر من سبتمبر، هذا الكيان ضرورة للتصدي لأمثال المغرضين المسيئين للأديان أمثال بطرس زكريا وغيره.
واقع مــــرير
كثر الحديث عن خطاب ديني موّحد، وعن ضرورة تجديد الخطاب وغيره بهدف التواصل مع التطور في الحياة ومواكبة المتغيرات مع التأكيد على الثوابت لكنا نجد العكس على طول الخط، وتتعمق الفجوات واراك تكثر من الحديث عن الشيعة والسنة. ألا ترى أن الاعلام اليوم ساهم في إبراز الفتنة النائمة أو التحريض عليها؟
لك أن تعلمي أنني أذكر واقعاً معاشاً نعيشه أنا وأنت وغيرنا من عباد الله فلا أتحدث إلا وأقر حقيقة موجودة، أما أنا على المستوى الشخصي فأؤمن بأن السنة والشيعة مسميات نشأت لإضفاء شرعية معينة، وجُمّلْ مفتعلة.. هل كان نبي الله محمد بن عبد الله سنياً أم شيعياً إن كان سنياً فنحن سنة وإن كان شيعياً فنحن شيعة، وبالمناسبة نحن في المجلس الأعلى لرعاية أهل البيت هو إطار للأشراف البالغ تعدادهم في مصر ستة ملايين تقريباً.
وقفات من الحوار
قال الدريني نحن هنا في مصر لنا دعوة منذ أن تأسس المجلس وحتى اليوم هي التقريب بين المذاهب، وتحتل في فكري مساحة كبيرة جداً، ولربما تعلمون أنني كنت أحد المتهمين بعمل تحالف سني شيعي مسيحي وكان معي المتهم الثاني عبود الزمر في قضية قتل الرئيس السادات والذي يقضي عقوبة السجن منذ 27 عاماً.
بعد أن طفت كل معتقلات مصر السياسية حدث شيء غريب جداً فقد تم تفويضي من قيادات الجماعات الإسلامية، والتكفير والسلفية والقاعدة بأن أدافع عنهم وقمت بإصدار كتابي «عاصمة جهنم» الذي أحدث دوياً حينهاً وكتب عنه كبار الكتاب ورفضت الأهرام نشره وتم نشره في جريدة مستقلة وأصبح بعد نشره مادة التحقيق الرسمية في عمل خرج إبان حكم الرئيس السادات ويتضمن جميع الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، كان معي في هذا الكتاب عبود الزمر وهو يمثل التيار السني وأيمن الظواهري والشيخ مصطفى سلامة صاحب كتاب كشف الأسرار عن الشيعة.
بسبب التقارب السني الشيعي تم توجيه التهم للعديد من أعضاء الجماعات بالتشيع من بينهم القيادي أحمد صبح، وتم الدفع ببعض الرموز الذين يهاجمون عبود الزمر ويتهمونه بالتشيع، والسبب التقارب بين المذهبين بعيداً عما هو قائم في بلادنا، هذا التقارب أزعج الكثيرين الذين يغذون الفتنة ونحن في مجلس آل البيت وبفكره نجحنا في أن نتواصل مع الأخوة الأقباط حتى نسب إلينا بأنه تحالف سني شيعي مسيحي.
نحن في تقدير فكر آل البيت مثلما يرى بعض إخواننا في مصر من غير الأشراف السادة ومن غير الشيعة يرون أن الموارد الفكرية تساهم كثيراً في حل المشاكل الاجتماعية حتى في مصر ومنها على سبيل المثال قضايا الزواج والطلاق لهذا فإن فكر آل البيت هو فكر الإنسانية دون النظر إلى الدين واللون والعرق، نحن نتنفس هذا الأمر ونسأل الله أن نؤسس الكيان الذي ينتهي معه مسميات سنة وشيعة.