زوربا
01-21-2009, 06:30 AM
عبدالله زمان - الراي
يُحكى أن رجلاً كان كل همّه في الحياة الحصول على المال والجاه بطريقة أو بأخرى، وكان طوال عمره يفكر في كيفية السبيل لذلك الهدف. وفي ذات يوم تعرف هذا الرجل على شاب في مقتبل العمر، وقرر أن يحقق هدفه من خلال هذا الشاب.
أخذ يعرض عليه تزويجه من ابنة صاحب أحد أكبر الشركات العالمية، وإذا تمت الزيجة يأخذ هو نصيبه من هذه الصفقة. الشاب، ومن دون تردد، وافق على المشروع ولكن ظل يتساءل: كيف سيتحقق ذلك؟ الرجل لم يكشف له السر وقال دع الأمر لي. ذهب الرجل إلى صاحب تلك الشركة وقال له، ما رأيك أن تزوج ابنتك من نائب رئيس أكبر بنك عالمي على أن تعطيني نسبة من أول قرض تحصل عليه؟ أتاه الجواب بالقبول فوراً، لأنه بهذه الزيجة سوف يحصل على القروض التجارية من ذلك البند أي وقت يشاء.
عندها ذهب الرجل لرئيس ذلك البنك العالمي وقال له، سوف أتوسط لديكم بأن أعين زوج ابنة صاحب الشركة لديكم نائباً لك على أن تعطيني نسبة فوائد أول قرض يحصل عليه؟ فوافق رئيس البنك فوراً لأنه سوف يستقطب أموال تلك الشركة كودائع في البنك لاحقاً. الملاحظ بأن الزواج لم يتم إلى الآن، ولكن بعد هذه الحبكة الإبداعية للنصب، تمكن ذلك النصّاب من أخذ العمولات، وتم الزواج ولم يشعر أحد بهذا الترتيب.
إن قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960، وتحديداً المادة 231 من ذلك القانون يتعرض إلى أنواع النصب الذي يجرمه القانون، ابتداءً من التدليس بقصد إيقاع شخص في الخطأ أو الاحتيال بأي طريقة لإيهام الناس بوجود واقعة غير موجودة.
لا أدعي الفقه بالقانون لأنني ببساطة لست متخصصاً بالقانون، لكن أمتلك مذاقاً قانونياً يجعلني استخدم المنطق لأستنبط منه قناعاتي لما هو صحيح. ولعل خبراء القانون أكثر ما يعانون منه هو استملاك الأدلة القاطعة، خصوصاً في المثال الذي ذكرناه سابقاً، وتعارض القانون في بعض مقاصده والمصلحة العامة يجعل الأمر أكثر تعقيداً في إثبات وقوع جريمة النصب.
وبما أن المسألة ترجع إلى المنطق العقلي في استنباط القناعات، وبما أن عِدّة النصابين تزداد حرفية يوماً بعد يوم، إذاً وفرض الحال الذي يوجب بأن يتمتع المسؤول بحاذقة وكياسة تجعله يستنبط الحكم من هو النصّاب، وإن لم يلجأ إلى المحاكم. وهذه العلاقة الطردية بين عدّة النصابين وبين فطنة المسؤول يجب أن تكون دافعاً لكل من يريد قطع دابر النصابين في أي ميدان أو ساحة يوجد فيها عمل بين الناس.
وحتى نسقط هذا الطرح على ما يدور في العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية يلزم أن نشخص المستنقعات المريبة، والتي يعيش فيها هؤلاء النصابون. وبما أن التشخيص هو نصف العلاج علينا، أيضاً، أن نوضح ماهية عمليات النصب والاحتيال، والتي لا تستطيع أي محكمة في العالم أن تثبتها. والأمثلة كثيرة، سوف أسرد بعضها وبتباين حتى نترك للعصف الذهني دوره لدى القرّاء.
إن التحايل في تشكيل اللجان بقصد التكسب غير المشروع، خصوصاً مع قرب انتهاء السنة المالية وتوافر الفائض المالي، والحبك المحكم لمحاضر الاجتماعات الوهمية وأنها عقدت، وهي لم تعقد أصلاً، يعتبر من الأدوات التي يستخدمها النصابون في عملياتهم، ودقائق خمس تكفي أي عضو في مجلس الأمة لكشف ذلك بسطر أو سطرين من سؤال برلماني يطلب فيه قرار تشكيل اللجان والفرق العاملة ويراجع تاريخ قرار التشكيل. ومن المضحك المبكي تشكيل بعض اللجان بقصد الإتيان بعمل هو من صميم عمل إدارة قائمة بذاتها في تلك الجهة. ولعل من أكثر الطرق الإبداعية في عمليات النصب هذه الأيام التدليس وتقديم معلومات مغلوطة لمتخذ القرار بغية الوصول إلى هدف لا يعرفه متخذ القرار نفسه. و«يا غافلين لكم الله».
لا أريد الاستطراد كثيراً في هذا المحور، ولكن لا يختلف اثنان بأن صراع الحق مع الباطل صراع أزلي سوف يستمر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ولكن ذلك لا يمنع من أن المصلحين وأصحاب الذمم الناصعة عليهم مسؤولية كبيرة في كشف ألاعيب وتدابير هؤلاء النصابين، كل في مجال عمله، ومن لا يخشون في الله لومة لائم هم المنتصرون بتأييد منه سبحانه. وهذا مصداق لقوله تبارك وتعالى «إن تنصروا الله فلا غالب لكم».
وبدورنا نهمس بأذن كل موظف غيور على وطنه: لو اجتهد كل واحد منّا في تتبع النصابين بغية سد الطرق أمامهم وتعطيل عملياتهم المشبوهة فلسوف ننعم جميعاً ببيئة نظيفة وساحة عمل شريفة، نتنافس بشرف وإخاء، ونثابر على العطاء، لنستأصل هذا الداء، والنتيجة؟ المخلصون شرفاء والنصابون أشقياء.
عبدالله زمان
it.zaman@hotmail.com
يُحكى أن رجلاً كان كل همّه في الحياة الحصول على المال والجاه بطريقة أو بأخرى، وكان طوال عمره يفكر في كيفية السبيل لذلك الهدف. وفي ذات يوم تعرف هذا الرجل على شاب في مقتبل العمر، وقرر أن يحقق هدفه من خلال هذا الشاب.
أخذ يعرض عليه تزويجه من ابنة صاحب أحد أكبر الشركات العالمية، وإذا تمت الزيجة يأخذ هو نصيبه من هذه الصفقة. الشاب، ومن دون تردد، وافق على المشروع ولكن ظل يتساءل: كيف سيتحقق ذلك؟ الرجل لم يكشف له السر وقال دع الأمر لي. ذهب الرجل إلى صاحب تلك الشركة وقال له، ما رأيك أن تزوج ابنتك من نائب رئيس أكبر بنك عالمي على أن تعطيني نسبة من أول قرض تحصل عليه؟ أتاه الجواب بالقبول فوراً، لأنه بهذه الزيجة سوف يحصل على القروض التجارية من ذلك البند أي وقت يشاء.
عندها ذهب الرجل لرئيس ذلك البنك العالمي وقال له، سوف أتوسط لديكم بأن أعين زوج ابنة صاحب الشركة لديكم نائباً لك على أن تعطيني نسبة فوائد أول قرض يحصل عليه؟ فوافق رئيس البنك فوراً لأنه سوف يستقطب أموال تلك الشركة كودائع في البنك لاحقاً. الملاحظ بأن الزواج لم يتم إلى الآن، ولكن بعد هذه الحبكة الإبداعية للنصب، تمكن ذلك النصّاب من أخذ العمولات، وتم الزواج ولم يشعر أحد بهذا الترتيب.
إن قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960، وتحديداً المادة 231 من ذلك القانون يتعرض إلى أنواع النصب الذي يجرمه القانون، ابتداءً من التدليس بقصد إيقاع شخص في الخطأ أو الاحتيال بأي طريقة لإيهام الناس بوجود واقعة غير موجودة.
لا أدعي الفقه بالقانون لأنني ببساطة لست متخصصاً بالقانون، لكن أمتلك مذاقاً قانونياً يجعلني استخدم المنطق لأستنبط منه قناعاتي لما هو صحيح. ولعل خبراء القانون أكثر ما يعانون منه هو استملاك الأدلة القاطعة، خصوصاً في المثال الذي ذكرناه سابقاً، وتعارض القانون في بعض مقاصده والمصلحة العامة يجعل الأمر أكثر تعقيداً في إثبات وقوع جريمة النصب.
وبما أن المسألة ترجع إلى المنطق العقلي في استنباط القناعات، وبما أن عِدّة النصابين تزداد حرفية يوماً بعد يوم، إذاً وفرض الحال الذي يوجب بأن يتمتع المسؤول بحاذقة وكياسة تجعله يستنبط الحكم من هو النصّاب، وإن لم يلجأ إلى المحاكم. وهذه العلاقة الطردية بين عدّة النصابين وبين فطنة المسؤول يجب أن تكون دافعاً لكل من يريد قطع دابر النصابين في أي ميدان أو ساحة يوجد فيها عمل بين الناس.
وحتى نسقط هذا الطرح على ما يدور في العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية يلزم أن نشخص المستنقعات المريبة، والتي يعيش فيها هؤلاء النصابون. وبما أن التشخيص هو نصف العلاج علينا، أيضاً، أن نوضح ماهية عمليات النصب والاحتيال، والتي لا تستطيع أي محكمة في العالم أن تثبتها. والأمثلة كثيرة، سوف أسرد بعضها وبتباين حتى نترك للعصف الذهني دوره لدى القرّاء.
إن التحايل في تشكيل اللجان بقصد التكسب غير المشروع، خصوصاً مع قرب انتهاء السنة المالية وتوافر الفائض المالي، والحبك المحكم لمحاضر الاجتماعات الوهمية وأنها عقدت، وهي لم تعقد أصلاً، يعتبر من الأدوات التي يستخدمها النصابون في عملياتهم، ودقائق خمس تكفي أي عضو في مجلس الأمة لكشف ذلك بسطر أو سطرين من سؤال برلماني يطلب فيه قرار تشكيل اللجان والفرق العاملة ويراجع تاريخ قرار التشكيل. ومن المضحك المبكي تشكيل بعض اللجان بقصد الإتيان بعمل هو من صميم عمل إدارة قائمة بذاتها في تلك الجهة. ولعل من أكثر الطرق الإبداعية في عمليات النصب هذه الأيام التدليس وتقديم معلومات مغلوطة لمتخذ القرار بغية الوصول إلى هدف لا يعرفه متخذ القرار نفسه. و«يا غافلين لكم الله».
لا أريد الاستطراد كثيراً في هذا المحور، ولكن لا يختلف اثنان بأن صراع الحق مع الباطل صراع أزلي سوف يستمر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ولكن ذلك لا يمنع من أن المصلحين وأصحاب الذمم الناصعة عليهم مسؤولية كبيرة في كشف ألاعيب وتدابير هؤلاء النصابين، كل في مجال عمله، ومن لا يخشون في الله لومة لائم هم المنتصرون بتأييد منه سبحانه. وهذا مصداق لقوله تبارك وتعالى «إن تنصروا الله فلا غالب لكم».
وبدورنا نهمس بأذن كل موظف غيور على وطنه: لو اجتهد كل واحد منّا في تتبع النصابين بغية سد الطرق أمامهم وتعطيل عملياتهم المشبوهة فلسوف ننعم جميعاً ببيئة نظيفة وساحة عمل شريفة، نتنافس بشرف وإخاء، ونثابر على العطاء، لنستأصل هذا الداء، والنتيجة؟ المخلصون شرفاء والنصابون أشقياء.
عبدالله زمان
it.zaman@hotmail.com