المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السيستاني... حكاية المرض وأقاويل الانزواء



جمال
08-12-2004, 11:31 AM
يعد السيد علي السيستاني، احد المراجع الرئيسية للشيعة في مختلف انحاء العالم، وهو واحد من أربعة مراجع كبار في حوزة النجف، وقد عاش حياة مضطربة مع النظام العراقي السابق، حيث قضى فترات طويلة من عمره قيد الاقامة الجبرية، لكنه ظل بعيدا عن السياسة في شكل كبير.

لكن خروجه المفاجئ للعلاج في لندن، بعد فورة الاحداث الاخيرة بين التيار الصدري، والحكومة الانتقالية المدعومة من القوات متعددة الجنسية، طرح الكثير من التساؤلات, وعزت مصادر عراقية اسباب سفر المرجع الشيعي الى لندن لـ «المحافظة» على حياته كونه يسكن في الحي القديم وقام مستشار الامن الوطني موفق الربيعي باجراءات ترتيب سفره تنفيذا لنصيحة مسؤولين عراقيين».

وحسب مصادر قريبة من المرجعية الشيعية والحوزة العلمية في النجف، فإن سفر السيستاني الى لندن في هذا الوقت بالذات تم بتنسيق مسبق، بحيث ان الخارجية البريطانية عرفت بهذه الرحلة قبل اسبوعين من موعد تقديم جوازات سفر السيستاني ونجله وطبيبه الخاص للحصول على التأشيرة من السفارة البريطانية في بيروت.

وتحدثت هذه المصادر عن الكثير من اسرار هذه الرحلة وما يدور في كواليس المرجعية، واكدت ان المرجعية درست احتمال لجوء السيد مقتدى الصدر لحجز السيستاني واتخاذه كرهينة، أو أن يلجأ هو (مقتدى) بنفسه الى بيت السيستاني، لانقاذ نفسه بعدما وضع شيعة العراق في موقف حرج.

وقللت المصادر من هذه الاحتمالات ووصفتها بالتكهنات التي لا تمتلك غير وجهة نظر من يطرحها، في اشارة الى عدد غير قليل من المقالات التحليلية التي نشرت في الصحافة العربية, واضافت ان السيستاني اختار لمرافقته نجله السيد محمد رضا وطبيبه الخاص الدكتور مجيد عبدالامير، الذي كان الطبيب الخاص للسيد ابوالقاسم الخوئي، ثم التحق به من ايران صهراه مرتضى الكشميري وجواد الشهرستاني ومدير مكتبه في مشهد محمد علي الرباني ولم يكن بين مرافقيه اي خبير اعلامي او سياسي, وأكد أحد الذين استقبلوا السيستاني وزاره في لندن، ان المرجع الشيعي متعب بالفعل وانه لم يتحدث في اي موضوع سياسي بل يكتفي بالرد على تحية زائريه الذين حضروا للاطمئنان على صحته.

وتعتقد هذه المصادر ان مرض السيستاني «ليس طارئا»، فهو قارب الثمانين من العمر ومن بمثل عمره معرض للمرض، لكن اللافت ان يتزامن مرضه ومغادرته مقر الحوزة الشيعية ومرقد الامام علي، مع الوقت الذي اندلعت فيه المعارك بين «جيش المهدي» والاميركيين والشرطة العراقية، وتدحرج الاشتباكات الى المدن الشيعية كافة ككرة الثلج، ما يطرح العديد من التساؤلات.

فالسيستاني الذي دعا الى عدم حمل السلاح ضد الاميركيين حتى اليوم، استطاع ان يحيد الى حد كبير المدن الشيعية الكبرى بخاصة النجف وكربلاء والكوفة من الدخول في مواجهة مع الاحتلال، كما استطاع ان يبرم مع مقتدى عبر «البيت الشيعي» اتفاقا بتجنيب هذه المدن المعارك, الا ان القرار الذي اتخذه الصدر واتباعه بمقاطعة اعمال المؤتمر الوطني المقرر ان ينتخب برلمانا عراقيا، والدعم الذي بدأ يلقاه من بعض المعارضة السابقة من مثل زعيم المؤتمر الوطني العراقي، احمد الجلبي، جعل الصدر و«جيش المهدي» هدفا لكل من الحكومة الموقتة والاميركيين في آن واحد.

ويتبع السيستاني الخط التقليدي لحوزة النجف الذي لا يؤمن بولاية الفقيه والذي نادى به الامام الخميني - اي انه لا يؤمن بتدخل الدين في السياسة, وتعرض اسلوبه الهادئ الذي اضطر لنهجه للعيش في عراق صدام حسين للانتقاد من جانب زعماء الشيعة من جيل الشباب الاكثر راديكالية وحماسا مثل مقتدى، ابن السيد محمد صادق الصدر، الذي قتل على يد النظام المخلوع.
وبعد سقوط النظام السابق مباشرة، حاصر اتباع الصدر منزل السيستاني مطالبين بمغادرته وأن يعترف بالصدر مرجعا دينيا, لكن السيستاني لم يواجههم واعتكف عن الانظار, ورغم ذلك اتخذ الصراع على زعامة الطائفة الشيعية منحى دمويا، فبعد ايام من عودته من منفاه في لندن طعن الزعيم الشيعي السيد عبدالمجيد الخوئي، ابن المرجع ابوالقاسم الخوئي، حتى الموت في النجف الاشرف.

في الاشهر القليلة بعد الحرب، ظهر السيستاني متبنيا الاسلوب المعتدل نفسه الذي نهجه من قبل, وكرر مسؤولو قوات التحالف، الذين يعون سلطاته وتأثيره، ثناءهم على آرائه المعتدلة, وبالكاد يكون السيستاني، الذي يؤمن بفصل الدين عن الدولة، ألقى بيانات سياسية، ومضى مرارا أتباعه ومقلدوه على عدم حمل السلاح ضد قوات التحالف، لكن في خريف عام 2003 اصبح السيستاني اكثر انتقادا للخطط السياسية الاميركية في العراق, ورفض خطة اميركية تم الاتفاق عليها مع مجلس الحكم، تسمح بنقل السلطة لحكومة موقتة في يونيو عام 2004. وكان من المفترض ان تصيغ الحكومة دستورا موقتا.

وتقول الخطة ان الحكومة لن تنتخب من قبل العراقيين كلية، لكنها ستختار من قبل مجلس موقت ينتخب هو نفسه من قبل اعضاء مجلس معين من قبل اميركا واعضاء من الحكومة المحلية في مختلف انحاء البلاد, وانتقد السيستاني هذه الخطة على اعتبار انها لا تعطي ما يكفي في صياغة العملية السياسية,
وقال ايضا انها تفتقر الى المحافظة على الهوية الاسلامية للبلاد, وقال «نريد انتخابات حرة وليس تعيينات».

وفي يناير خرج آلاف من مؤيديه الى الشوارع تأييدا لدعوته الى اجراء انتخابات مباشرة عام 2004، غير انه انتقد في شدة الدستور الموقت الذي اعلن عنه مجلس الحكم في مارس.
وفي بيان نشر على موقعه على الانترنت، قال السيستاني ان القانون الجديد وضع «عراقيل في طريق التوصل الى دستور دائم»، وحجبت المصادمات الكبيرة بين «جيش المهدي» والقوات الاميركية في ابريل الماضي الضوء عن انتقادات السيستاني لعملية تسليم السلطة.

واثارت المصادمات حفيظة الشيعة في مختلف انحاء العالم، خشية تعرض النجف وكربلاء للانتهاكات, ودعا السيستاني جميع الجماعات المسلحة الى الانسحاب من المدينتين, وستساعد اراء المرجع معظم العراقيين في أخذ قرار في شأن ما اذا كانوا سيقبلون او يرفضون الحكومة الموقتة الجديدة التي حلفت اليمين الدستورية في الاول من يونيو الماضي, وطبقا لما ذكره مبعوث الامم المتحدة للعراق، الاخضر الابراهيمي، فإن السيستاني لم يلعب دورا مباشرا في اختيار الوزراء، لكنه ظل على اتصال بالتقدم الذي يتم احرازه في المفاوضات في شأن تشكيل الحكومة الموقتة.