فاطمي
01-16-2009, 11:36 AM
سابرينا تافرنيز الحياة - 14/01/09//
أمضى رجال أعمال أتراك متدينون أعواماً طويلة في إنشاء إمبراطوريات تجارية كبيرة تبيع الستائر والسكاكر وقطع الأثاث. ولكن نخبة المجتمع التركي، وتركيا هي أكثر الدول مغالاة في العلمانية، نبذت هؤلاء، ولم ترض انضمامهم الى صفوفها.
واليوم، لم يعد رجال الأعمال هؤلاء في حاجة الى الانضمام الى النخبة القديمة، فهم نخبة جديدة منفصلة عن القديمة وموازية لها. فالمجتمع التركي قبل الالتزام الديني المعلن، وبلغ حزب سياسي إسلامي سدة السلطة. وأسهمت سياسات هذا الحزب في تحويل تركيا سابع أكبر اقتصاد بأوروبا. ويتجاذب الثراء نخبة التجار الجدد. فـ «الثراء يمتحننا، اليوم، بعد أن امتحن الفقر صبرنا في الماضي»، على ما تقول سحمينور عايدن، سيدة أعمال ووريثة إمبراطورية تجارية كبيرة. ويرى بعض المراقبين ان الاتراك المتدينين يخفقون في هذا الامتحان، وأن الأزمة الاقتصادية هي جزاء مبالغتهم في التبذير والاستهلاك. فثمة مهندس ديكور بنى حوض استحمام مرصعاً بحجارة بلورية تشيخية الصنع وباهظة الثمن، وحوض سباحة في غرفة النوم.
والحق ان طبقة الأثرياء الأتراك المتدينين بسطت نفوذها بتركيا، على رغم الأزمة الاقتصادية الأخيرة. وهذا النفوذ يسهم في تغيير وجه المجتمع التركي، وفي امتحان صورة هؤلاء عن أنفسهم. والثروات هي نواة تغيير تركيا المعاصرة. ففي الخمسينات، غلبت الزراعة على الاقتصاد التركي وعلى الحياة الاجتماعية معاً، وسكن 80 في المئة من الاتراك الأرياف. وكان الاقتصاد التركي موجهاً، ومنقطعاً من السوق الدولية. وتبادل العملات الأجنبية محظوراً. ولكن رئيس الوزراء، تورغوت أوزال، رفع القيود عن الاقتصاد التركي. وتصدر، اليوم، تركيا سلعاً قيمتها بلايين الدولارات الى أوروبا، و70 في المئة من سكانها يقيمون في المدن.
وأسهم رجال الأعمال الأثرياء وغير العلمانيين في تربع «حزب العدالة والتنمية» في سدة السلطة، على رغم استبعاد النخب العلمانية التقليدية لهم. ويقول شفق ساك، مهندس ديكور: «طوال عقود، نظرنا الى رجال الأعمال الجدد على أنهم زنوج أو أتراك من درجة ثانية. وقد تكون عنصريتنا تجاههم وراء اندفاعهم وسعيهم المحموم الى إثبات الذات».
وانقسام تركيا طبقي بارز للعيان. وطوال عقود، سيطرت طبقة من الاتراك المعروفين بـ «الاتراك البيض» على مقاليد السياسة والاقتصاد. ورأى هؤلاء انهم ورثة مبادئ مصطفى كمال أتاتورك، والساهرون على صونها، وأن بروز طبقة تجار ريفية ومتدينة تتهدد نفوذهم. ومن رموز هذه الطبقة السياسية رجب طيب اردوغان نفسه، رئيس الوزراء التركي.
ولم تكن الطبقة القديمة مستعدة لتقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي مع الطبقة الوافدة، على ما ينبه رئيس مركز الدراسات التركية الاجتماعية والاقتصادية، سان باكر. وشأن أقرانهم من طبقة الاتراك البيض، يقود الوافدون الجدد سيارات «مرسيدس» الألمانية الفاخرة، ويقطنون منازل فخمة، ويقصدون الجامعات الخاصة. ولكن نسوة الطبقة الجديدة يلتزمن حجاب الشعر. ويذهب باقر الى أن لسان حال الاتراك البيض هو: «ماذا يفعل هؤلاء الفلاحون بيننا»؟ وتقول عايدن: «حين أقود سيارة فخمة، ينظرون إلي ويشيرون بأصابعهم... وأرغب أحياناً في أن أقول لهم إنني تخرجت مثلهم من جامعة فرنسية. ولكنني لا أفعل. فأنا غير مضطرة الى إثبات ذاتي أمامهم». ويملك والد عايدن أكبر شركة أثاث منزلي بأوروبا. وهي تقيم في منزل عصري في منطقة فخمة، ويرتاد ابنها مدرسة خاصة ذائعة الصيت. وتدير عايدن مستشفى خاصاً أسسه والدها.
ويرى عدد كبير من رجال الأعمال الاتراك الملتزمين أنهم «مسلمون، وأن أخلاق عملهم بروتستانتية». ويقول سعيد عثمان قادي أوغلون: «لا نستطيع أن نسترسل في الكسل، أو أن نعتمد على النفط، على ما تفعل دول عربية». وبحسب رجب سانتورك، دارس اجتماع في مركز الدراسات الإسلامية بإسطنبول، يتنازع أثرياء المجتمع التركي الجدد أسئلة من نوع «نملك المال، ولكن هل نشتري كل ما نرغب فيه، أم نقتصد، ونعيش حياة متواضعة». فالإسلام ينهي عن الإسراف في الإنفاق على الكماليات. ويتساءل هؤلاء الأثرياء إن كان شراء سيارة فخمة أمراً محرماً، وإذا كان تسديد مبالغ كبيرة على سبيل الزكاة كفارة عن الإسراف في الاستهلاك.
وتضاعف التبرعات الى جمعية «دنيز فينيري» الخيرية التركية نحو مئة مرة بين 2000 و2006. وشطر كبير من هذه التبرعات سدد بواسطة بطاقات التسليف على شبكة الانترنت. وعلى سبيل المثال، تقدم عايدن معونات مالية الى 25 عائلة. وخصصت شركة هندسة كبيرة مبنى ضخماً لطهو وجبات طعام توزع على أهالي منطقة عمرانيي.
عن «انترناشنل هيرالد تريبيون» الدولية، 26/12/2008
أمضى رجال أعمال أتراك متدينون أعواماً طويلة في إنشاء إمبراطوريات تجارية كبيرة تبيع الستائر والسكاكر وقطع الأثاث. ولكن نخبة المجتمع التركي، وتركيا هي أكثر الدول مغالاة في العلمانية، نبذت هؤلاء، ولم ترض انضمامهم الى صفوفها.
واليوم، لم يعد رجال الأعمال هؤلاء في حاجة الى الانضمام الى النخبة القديمة، فهم نخبة جديدة منفصلة عن القديمة وموازية لها. فالمجتمع التركي قبل الالتزام الديني المعلن، وبلغ حزب سياسي إسلامي سدة السلطة. وأسهمت سياسات هذا الحزب في تحويل تركيا سابع أكبر اقتصاد بأوروبا. ويتجاذب الثراء نخبة التجار الجدد. فـ «الثراء يمتحننا، اليوم، بعد أن امتحن الفقر صبرنا في الماضي»، على ما تقول سحمينور عايدن، سيدة أعمال ووريثة إمبراطورية تجارية كبيرة. ويرى بعض المراقبين ان الاتراك المتدينين يخفقون في هذا الامتحان، وأن الأزمة الاقتصادية هي جزاء مبالغتهم في التبذير والاستهلاك. فثمة مهندس ديكور بنى حوض استحمام مرصعاً بحجارة بلورية تشيخية الصنع وباهظة الثمن، وحوض سباحة في غرفة النوم.
والحق ان طبقة الأثرياء الأتراك المتدينين بسطت نفوذها بتركيا، على رغم الأزمة الاقتصادية الأخيرة. وهذا النفوذ يسهم في تغيير وجه المجتمع التركي، وفي امتحان صورة هؤلاء عن أنفسهم. والثروات هي نواة تغيير تركيا المعاصرة. ففي الخمسينات، غلبت الزراعة على الاقتصاد التركي وعلى الحياة الاجتماعية معاً، وسكن 80 في المئة من الاتراك الأرياف. وكان الاقتصاد التركي موجهاً، ومنقطعاً من السوق الدولية. وتبادل العملات الأجنبية محظوراً. ولكن رئيس الوزراء، تورغوت أوزال، رفع القيود عن الاقتصاد التركي. وتصدر، اليوم، تركيا سلعاً قيمتها بلايين الدولارات الى أوروبا، و70 في المئة من سكانها يقيمون في المدن.
وأسهم رجال الأعمال الأثرياء وغير العلمانيين في تربع «حزب العدالة والتنمية» في سدة السلطة، على رغم استبعاد النخب العلمانية التقليدية لهم. ويقول شفق ساك، مهندس ديكور: «طوال عقود، نظرنا الى رجال الأعمال الجدد على أنهم زنوج أو أتراك من درجة ثانية. وقد تكون عنصريتنا تجاههم وراء اندفاعهم وسعيهم المحموم الى إثبات الذات».
وانقسام تركيا طبقي بارز للعيان. وطوال عقود، سيطرت طبقة من الاتراك المعروفين بـ «الاتراك البيض» على مقاليد السياسة والاقتصاد. ورأى هؤلاء انهم ورثة مبادئ مصطفى كمال أتاتورك، والساهرون على صونها، وأن بروز طبقة تجار ريفية ومتدينة تتهدد نفوذهم. ومن رموز هذه الطبقة السياسية رجب طيب اردوغان نفسه، رئيس الوزراء التركي.
ولم تكن الطبقة القديمة مستعدة لتقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي مع الطبقة الوافدة، على ما ينبه رئيس مركز الدراسات التركية الاجتماعية والاقتصادية، سان باكر. وشأن أقرانهم من طبقة الاتراك البيض، يقود الوافدون الجدد سيارات «مرسيدس» الألمانية الفاخرة، ويقطنون منازل فخمة، ويقصدون الجامعات الخاصة. ولكن نسوة الطبقة الجديدة يلتزمن حجاب الشعر. ويذهب باقر الى أن لسان حال الاتراك البيض هو: «ماذا يفعل هؤلاء الفلاحون بيننا»؟ وتقول عايدن: «حين أقود سيارة فخمة، ينظرون إلي ويشيرون بأصابعهم... وأرغب أحياناً في أن أقول لهم إنني تخرجت مثلهم من جامعة فرنسية. ولكنني لا أفعل. فأنا غير مضطرة الى إثبات ذاتي أمامهم». ويملك والد عايدن أكبر شركة أثاث منزلي بأوروبا. وهي تقيم في منزل عصري في منطقة فخمة، ويرتاد ابنها مدرسة خاصة ذائعة الصيت. وتدير عايدن مستشفى خاصاً أسسه والدها.
ويرى عدد كبير من رجال الأعمال الاتراك الملتزمين أنهم «مسلمون، وأن أخلاق عملهم بروتستانتية». ويقول سعيد عثمان قادي أوغلون: «لا نستطيع أن نسترسل في الكسل، أو أن نعتمد على النفط، على ما تفعل دول عربية». وبحسب رجب سانتورك، دارس اجتماع في مركز الدراسات الإسلامية بإسطنبول، يتنازع أثرياء المجتمع التركي الجدد أسئلة من نوع «نملك المال، ولكن هل نشتري كل ما نرغب فيه، أم نقتصد، ونعيش حياة متواضعة». فالإسلام ينهي عن الإسراف في الإنفاق على الكماليات. ويتساءل هؤلاء الأثرياء إن كان شراء سيارة فخمة أمراً محرماً، وإذا كان تسديد مبالغ كبيرة على سبيل الزكاة كفارة عن الإسراف في الاستهلاك.
وتضاعف التبرعات الى جمعية «دنيز فينيري» الخيرية التركية نحو مئة مرة بين 2000 و2006. وشطر كبير من هذه التبرعات سدد بواسطة بطاقات التسليف على شبكة الانترنت. وعلى سبيل المثال، تقدم عايدن معونات مالية الى 25 عائلة. وخصصت شركة هندسة كبيرة مبنى ضخماً لطهو وجبات طعام توزع على أهالي منطقة عمرانيي.
عن «انترناشنل هيرالد تريبيون» الدولية، 26/12/2008