2005ليلى
01-15-2009, 07:33 AM
حوار شامل مع د. نصر حامد أبو زيد:
** المحصلة أن هذا الشباب الذي تقتله بشكل يومي ومنظم أين سيجد ملاذه؟ في الجماعات المتطرفة!!
** أنت مجتمع "عمولي" يعتمد علي العمولات، أنت لا تؤسس بنية إنتاجية، وإنتاج الفكر لا يتم منفصلا عن الإنتاج في مجالات أخرى
** ماذا يعني أن يوضع ملف المسيحيين أو المسيحية في يد الشرطة؟! ما معنى أن تسلم المواطن للكنيسة أو تسلمه للجامع، المواطن ينتسب لوطن؟!
** الصراع الذي يرسم في العالم العربي بين الشيعة والسنة ليس صراعا فكريا وإنما احتقان اجتماعي
** لدينا دعاة تنوير وليس صناع تنوير، وهناك فرق بين أن تدعو للتنوير وتهلل للتنوير وتقول يحيي التنوير وبين أن تصنعه
** أحد أساتذة الفلسفة سألني: كيف نطبق علي القرآن وهو كلام الله مناهج البشر؟ فرددت بتلقائية شديدة: هل تفترض أنني لابد أن أصبح إلها لكي أفهم كلام الله؟
محمد الحمامصي من الاسكندرية: ايلاف
المرة الأولي التي حاورت فيه المفكر الإسلامي د.نصر حامد أبو زيد كانت عام 1993 بمكتبه بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكان يومئذ يتمتع بحضور قوي من خلال رؤاه وكتاباته المثيرة للجدل والنقاش سواء داخل أروقة الجامعة أو بين أوساط المثقفين والكتاب، ولم يكن قد دخل بعد معركته الشهيرة التي تحولت إلي معارك بين أكثر من تيار في المجتمع المصري، للأسف انتصر فيها التيار السلفي، لينتهي الأمر بخروجه من مصر ورفع كتبه من المكتبات العامة وحتى مكتبة الجامعة، لكنه بدءا من عام 2003 وبعد ثماني سنوات يبدأ في زيارة مصر مرة لزيارة أهله ومرة بدعوة من الجامعة الأمريكية، وها هي مكتبة الاسكندرية ممثلة في مركز المخطوطات برئاسة د.يوسف زيدان تستضيفه باحثا مقيما علي مدار خمسة عشر يوما، ألقي خلالها خمس محاضرات تناولت العديد من القضايا القرآنية والفلسفية الإسلامية الإشكالية منها القرآن في تأويله اللاهوتي: المعتزلة وحل إشكالية العقل والنقل، و القرآن في التأويل الصوفي، انفتاح المعنى من خلال التجربة.
ود.نصر حامد أبو زيد له ما يزيد عن عشرين كتابا جلها يناقش قضايا إشكالية مهمة، من هذه الكتب: الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة ـ فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي ـ أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة؛ مدخل إلى السميوطيقا ـ مفهوم النص؛ دراسة في علوم القرآن ـ إشكاليات القراءة وآليات التأويل ـ الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية ـ نقد الخطاب الديني ـ المرأة في خطاب الأزمة ـ التفكير في زمن التكفيرـ الخلافة وسلطة الأمة ـ النص، السلطة، الحقيقة ـ دوائر الخوف: دراسة في خطاب المرأة ـ الخطاب والتأويل ـ هكذا تكلم ابن عربي ـ اليسار الإسلامي: إطلالة عامة، وغيرها، فضلا عن المقالات باللغتين العربية والإنجليزية والمراجعات والترجمات.
** بعد ما يقرب من 14 سنة مما حدث لك في مصر سواء في الجامعة أو دعوى التفريق بينك وبين زوجتك أو والارتداد ومعارك فكرية تشابكت فيه الآراء والأفكار.. كيف تنظر إلي تلك الفترة وما عانيت خلالها؟ وبماذا تفسر هذا الذي حدث؟
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2009/1/thumbnails/T_71e52686-ebb8-4985-bea2-2172436fcac7.jpg
** المجتمع المصري كان في حالة احتقان وفي حالة غليان ومنقسم إلي معسكرات، وكان بحاجة إلي معركة، في هذا الوقت كان الإرهاب أو ما يسمي بالإرهاب تخطى حدود الصعيد التي لم تهتم بها الحكومة كثيرا ووصل إلي العاصمة، وتمثل ذلك في اغتيال رئيس مجلس الشعب وقتئذ في عز النهار أمام فندق، ثم اغتيال فرج فودة، ثم الاعتداء علي نجيب محفوظ، كل ذلك كان ممتدا إلي الجامعة، فالمجتمع وقتئذ كان يريد دخول معركة، معركة بين تيارين في المجتمع، وقد جاءت مساءلة الترقية إلي أستاذ في هذا السياق، وكانت كما يبدو الفرصة التي أراد المجتمع كله تصفية حساباته فيها، وتصادف أن الترقية كانت خاصة بشخص هو نصر حامد أبو زيد، وهو شخص لم يكن مشغولا أن يصبح بطلا، ولا أن يستفز أحدا، ولا عنده أوهام أنه المجدد والمستنير، كان راضيا بمساءلة كونه باحثا ومعلما، ومازلت حريصا علي هذه الصفة، صفة الباحث والمعلم، كان جزءا من المعركة حقيقيا، وهذا هو الجانب الذي كنت أخوضه، معركة ضد مصادرة الحريات في الجامعة، هذا أمر كان بالنسبة لي الأمر الكثير، يعني كنت مستعدا من أجله أن أخوض معركة واثنتين وثلاثة وعشرة مع داخل الجامعة، ومستعد الآن لخوض هذه المعركة لعشرين مرة، لأن الجامعة بالنسبة لي ليست مجرد اختيار الأسرة، لا، كان دخولها حلمي، تخرجت كما تعلم بدبلوم صنايع نتيجة ظروف عائلية، حلمي كان أن ألتحق بالجامعة، كان حلما مبكرا، كنت أريد دخول الجامعة و لم أكن أعرف الفرق بين محمد عبده وطه حسين، أبي رحمه الله أدخلني الكتاب لحفظ القرآن لكي أكون مثل محمد عبده، حفظت القرآن، وأدرك أبي أنه علي وشك الموت وأن "سكة" الأزهر طويلة قياسا للتعليم العام، فكان أن قرر تحويلني من التعليم الديني إلي التعليم المدني، وأذكر الحوار الذي دار بين والدي وأصدقائه:" يا شيخ حامد التعليم الديني سكته طويلة، علي ما يتخرج ويبقي شيخ، ثلاثين سنة "، في هذا الوقت كانوا يتخرجون متزوجين، التعليم المدني كانت سكته قصيرة، حولت للتعليم المدني والتحقت بمدرسة خاصة، لأن سني كان أكبر من أن تقبلني المدرسة الحكومية، وقبيل حصلي علي الإعدادية كانت المرض اشتد علي أبي، فقرر أن يلحقني بالثانوية الصناعية لأسباب عملية، لكن الحلم الطفولي بالالتحاق بالجامعة لم يغادرني، فبعد حصولي علي دبلوم الصنايع ثم عملي، ذاكرت وحصلت علي الثانوية العامة ودخلت الجامعة التي طالما حلمت بها، ومن ثم لن أسمح لأحد علي وجه الأرض أن يأخذ منى حلم جامعة حرة، أنا رجل ضعيف لا أملك غير كلمتى، وإذا تتبعت كتابتي سوف تجد ذلك، لكن المجتمع المصري كله كان يريد معركة والمجتمع كله دخل المعركة، أنا دخلت المعركة من أجل الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي في الجامعة، لكن المعركة خرجت عن حدود الجامعة، وهذا أمر لا أدينه، لأن الجامعة في النهاية جزء من المجتمع، الجامعة ليست أسوارا مغلقة يجب أن يتم فيها كل شيء بعيدا عن المجتمع، الجامعة عقل المجتمع، وإذا أصيب عقل المجتمع بالخراب فحدث ولا حرج، وهذا ما هو حادث الآن، ما يحدث الآن أن الجامعة حلم المجتمع المصري انطفأ، المجتمع المصري الناهض أنشأ الجامعة، محمد عبده وقاسم أمين أنشأوا الجامعة الأهلية، الآن الحلم انطفأ، لكني جزء من هذا الحلم الذي لا أريده أن ينطفئ.
المصادفة التاريخية أنني عانيت، من أجل ذلك عندما أنظر لهذه الأيام أتألم، لا أستطيع إنكار أنني تألمت في تلك الفترة، وهذا الألم منعني من أن أزور مصر لمدة ثماني سنوات، ألم وزعل وغضب، استغرق منى ثماني سنوات، خرجت عام 1995 وأول زيارة لي كانت عام 2003، أول زيارة كانت بداية أن أقول إن الألم والزعل لا ينبغي أن يكون من الوطن، وإلا فأنت توحد الوطن بالذين تسببوا في الألم والزعل، لذا قدمت أول زيارة لأهلي، ذهبت إلي الجامعة من باب أنني كنت قد بلغت الستين وبنصيحة د.حسن حنفي ينبغي أن أذهب لتسوية معاشي رسميا حتى يمكنني أن أعين أستاذا متفرغا، قال حنفي"لأنه لو سويت معاشك وأنت خارج البلاد ستفقد هذا الحق "، ومنذ هذه الزيارة عام 2003 وحتى الآن حصلت مصالحة من جانبي.
** خلال الثماني سنوات التي لم تزر فيها مصر وحتى أول زيارة، حتما كنت تراقب ما يحدث في مصر وتتابع، كيف ترى المشهد الآن وأنت في مصر وبعد عدة زيارات قصيرة لكنها زيارات مكنتك من رؤية ما يحدث؟
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2009/1/thumbnails/T_1c0fea50-c690-45f9-8904-3d8f63060753.jpg
** في هذا العصر الحادي والعشرين ليس هناك أحد بعيد، فكرة المكان اختفت، أنت كل يوم تفتح الإنترنت وتقرأ كل الجرائد المصرية والعربية، وتتحاور عبر الإيميل والتليفون أيضا، والكثيرون يزورون أوروبا فتلتقي بهم، فلست بعيدا عما يحدث في مصر، ما يحدث في مصر يحدث في العالم العربي بشكل عام فيما يرتبط بقضية الدين والمعنى الديني، هناك فساد، والفساد يطال كل جوانب المجتمع، لم تعد المشكلة تتفق مع من وتختلف مع من؟ أصبحت المشكلة من الفاسد ومن غير الفاسد؟ أصبحت المسألة أن تقف ضد الفساد مع كل من يقف ضده، وأصبح تقييمي للأشخاص ليس تقييما بما يكتبون، أصبح تقييمي بسلوكهم، أنت جزء من نظام الفساد أم تقف ضده؟ يمكن أن تكون جزءا من نظام الفساد ولا تعي ذلك؟ يعني عندما يطرد أستاذ طالبا من مكتبه، لأن هذا الطالب لا يقدم له فروض الولاء والطاعة، هذا الأستاذ مع الفساد، حتى وإن كان هو نفسه أخلاقيا غير فاسد، وقصص كثيرة، عندما آتي ألتقي بالشباب داخل الجامعة وخارجها، عرفت ما الخراب الذي أصاب الجامعة وأصاب المجتمع، آخر ندوة حضرتها في الجمعية الفلسفية داخل جامعة القاهرة لم أقل بحثا ولكن قلت صرخة ضد الفساد والاستبداد، صرخة لإنقاذ المجتمع، لا تستطيع إنقاذ الجامعة والمجتمع غارق في الفساد، أنا يؤلمنى أشياء كثيرة جدا، ربما لأنك تعيش داخل المجتمع لا تراها، ولأنني لا أعيش فيه أراها، من يعيش في المجتمع يري للفساد الذي ينشر عنه في الصحف، غرق العبارة والدم الفاسد والقطارات التي تحترق، والمسرح ,غيرها، لكن إلي جانب هذا الفساد الذي يؤذيني، يؤذيني أكثر أن البرلمان المصري ينشغل لشهريين بقضية الحجاب، كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في المجتمع المصري، برلمان وطن كامل مشغول عنها بعبارة قالها وزير عن حق أو عن باطل، وتصبح قضية مجلس الشعب والنظام السياسي أن يتوب الوزير، أنا طبعا من بعيد أكاد أصاب بالجنون، معرفتك بمشاكل مصر ومشاكل المواطن والقتل اليومي، القتل القتل بالمعنى المادي، كم من الشباب والشابات في المجتمع المصري يحرمون من فرصهم وكفاءتهم لأسباب: أنه من يعين معيدا لابد أن يكون ابن أستاذا، ومن يعين كذا ابن طبيب، فساد الواسطة، أن البنت لا تعين في وظائف معينة لأنها محجبة، بينما خطابك السياسي يقول إن الحجاب فريضة، هذا يصيبني بالجنون أن أري هذا القتل اليومي " بيتم يوميا ـ اللي عايش هنا ما يخدش لباله منه ـ يتم بشكل يومي" ويكاد يكون قتلا منظما.
** المحصلة أن هذا الشباب الذي تقتله بشكل يومي ومنظم أين سيجد ملاذه؟ في الجماعات المتطرفة!!
** أنت مجتمع "عمولي" يعتمد علي العمولات، أنت لا تؤسس بنية إنتاجية، وإنتاج الفكر لا يتم منفصلا عن الإنتاج في مجالات أخرى
** ماذا يعني أن يوضع ملف المسيحيين أو المسيحية في يد الشرطة؟! ما معنى أن تسلم المواطن للكنيسة أو تسلمه للجامع، المواطن ينتسب لوطن؟!
** الصراع الذي يرسم في العالم العربي بين الشيعة والسنة ليس صراعا فكريا وإنما احتقان اجتماعي
** لدينا دعاة تنوير وليس صناع تنوير، وهناك فرق بين أن تدعو للتنوير وتهلل للتنوير وتقول يحيي التنوير وبين أن تصنعه
** أحد أساتذة الفلسفة سألني: كيف نطبق علي القرآن وهو كلام الله مناهج البشر؟ فرددت بتلقائية شديدة: هل تفترض أنني لابد أن أصبح إلها لكي أفهم كلام الله؟
محمد الحمامصي من الاسكندرية: ايلاف
المرة الأولي التي حاورت فيه المفكر الإسلامي د.نصر حامد أبو زيد كانت عام 1993 بمكتبه بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكان يومئذ يتمتع بحضور قوي من خلال رؤاه وكتاباته المثيرة للجدل والنقاش سواء داخل أروقة الجامعة أو بين أوساط المثقفين والكتاب، ولم يكن قد دخل بعد معركته الشهيرة التي تحولت إلي معارك بين أكثر من تيار في المجتمع المصري، للأسف انتصر فيها التيار السلفي، لينتهي الأمر بخروجه من مصر ورفع كتبه من المكتبات العامة وحتى مكتبة الجامعة، لكنه بدءا من عام 2003 وبعد ثماني سنوات يبدأ في زيارة مصر مرة لزيارة أهله ومرة بدعوة من الجامعة الأمريكية، وها هي مكتبة الاسكندرية ممثلة في مركز المخطوطات برئاسة د.يوسف زيدان تستضيفه باحثا مقيما علي مدار خمسة عشر يوما، ألقي خلالها خمس محاضرات تناولت العديد من القضايا القرآنية والفلسفية الإسلامية الإشكالية منها القرآن في تأويله اللاهوتي: المعتزلة وحل إشكالية العقل والنقل، و القرآن في التأويل الصوفي، انفتاح المعنى من خلال التجربة.
ود.نصر حامد أبو زيد له ما يزيد عن عشرين كتابا جلها يناقش قضايا إشكالية مهمة، من هذه الكتب: الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة ـ فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي ـ أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة؛ مدخل إلى السميوطيقا ـ مفهوم النص؛ دراسة في علوم القرآن ـ إشكاليات القراءة وآليات التأويل ـ الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية ـ نقد الخطاب الديني ـ المرأة في خطاب الأزمة ـ التفكير في زمن التكفيرـ الخلافة وسلطة الأمة ـ النص، السلطة، الحقيقة ـ دوائر الخوف: دراسة في خطاب المرأة ـ الخطاب والتأويل ـ هكذا تكلم ابن عربي ـ اليسار الإسلامي: إطلالة عامة، وغيرها، فضلا عن المقالات باللغتين العربية والإنجليزية والمراجعات والترجمات.
** بعد ما يقرب من 14 سنة مما حدث لك في مصر سواء في الجامعة أو دعوى التفريق بينك وبين زوجتك أو والارتداد ومعارك فكرية تشابكت فيه الآراء والأفكار.. كيف تنظر إلي تلك الفترة وما عانيت خلالها؟ وبماذا تفسر هذا الذي حدث؟
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2009/1/thumbnails/T_71e52686-ebb8-4985-bea2-2172436fcac7.jpg
** المجتمع المصري كان في حالة احتقان وفي حالة غليان ومنقسم إلي معسكرات، وكان بحاجة إلي معركة، في هذا الوقت كان الإرهاب أو ما يسمي بالإرهاب تخطى حدود الصعيد التي لم تهتم بها الحكومة كثيرا ووصل إلي العاصمة، وتمثل ذلك في اغتيال رئيس مجلس الشعب وقتئذ في عز النهار أمام فندق، ثم اغتيال فرج فودة، ثم الاعتداء علي نجيب محفوظ، كل ذلك كان ممتدا إلي الجامعة، فالمجتمع وقتئذ كان يريد دخول معركة، معركة بين تيارين في المجتمع، وقد جاءت مساءلة الترقية إلي أستاذ في هذا السياق، وكانت كما يبدو الفرصة التي أراد المجتمع كله تصفية حساباته فيها، وتصادف أن الترقية كانت خاصة بشخص هو نصر حامد أبو زيد، وهو شخص لم يكن مشغولا أن يصبح بطلا، ولا أن يستفز أحدا، ولا عنده أوهام أنه المجدد والمستنير، كان راضيا بمساءلة كونه باحثا ومعلما، ومازلت حريصا علي هذه الصفة، صفة الباحث والمعلم، كان جزءا من المعركة حقيقيا، وهذا هو الجانب الذي كنت أخوضه، معركة ضد مصادرة الحريات في الجامعة، هذا أمر كان بالنسبة لي الأمر الكثير، يعني كنت مستعدا من أجله أن أخوض معركة واثنتين وثلاثة وعشرة مع داخل الجامعة، ومستعد الآن لخوض هذه المعركة لعشرين مرة، لأن الجامعة بالنسبة لي ليست مجرد اختيار الأسرة، لا، كان دخولها حلمي، تخرجت كما تعلم بدبلوم صنايع نتيجة ظروف عائلية، حلمي كان أن ألتحق بالجامعة، كان حلما مبكرا، كنت أريد دخول الجامعة و لم أكن أعرف الفرق بين محمد عبده وطه حسين، أبي رحمه الله أدخلني الكتاب لحفظ القرآن لكي أكون مثل محمد عبده، حفظت القرآن، وأدرك أبي أنه علي وشك الموت وأن "سكة" الأزهر طويلة قياسا للتعليم العام، فكان أن قرر تحويلني من التعليم الديني إلي التعليم المدني، وأذكر الحوار الذي دار بين والدي وأصدقائه:" يا شيخ حامد التعليم الديني سكته طويلة، علي ما يتخرج ويبقي شيخ، ثلاثين سنة "، في هذا الوقت كانوا يتخرجون متزوجين، التعليم المدني كانت سكته قصيرة، حولت للتعليم المدني والتحقت بمدرسة خاصة، لأن سني كان أكبر من أن تقبلني المدرسة الحكومية، وقبيل حصلي علي الإعدادية كانت المرض اشتد علي أبي، فقرر أن يلحقني بالثانوية الصناعية لأسباب عملية، لكن الحلم الطفولي بالالتحاق بالجامعة لم يغادرني، فبعد حصولي علي دبلوم الصنايع ثم عملي، ذاكرت وحصلت علي الثانوية العامة ودخلت الجامعة التي طالما حلمت بها، ومن ثم لن أسمح لأحد علي وجه الأرض أن يأخذ منى حلم جامعة حرة، أنا رجل ضعيف لا أملك غير كلمتى، وإذا تتبعت كتابتي سوف تجد ذلك، لكن المجتمع المصري كله كان يريد معركة والمجتمع كله دخل المعركة، أنا دخلت المعركة من أجل الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي في الجامعة، لكن المعركة خرجت عن حدود الجامعة، وهذا أمر لا أدينه، لأن الجامعة في النهاية جزء من المجتمع، الجامعة ليست أسوارا مغلقة يجب أن يتم فيها كل شيء بعيدا عن المجتمع، الجامعة عقل المجتمع، وإذا أصيب عقل المجتمع بالخراب فحدث ولا حرج، وهذا ما هو حادث الآن، ما يحدث الآن أن الجامعة حلم المجتمع المصري انطفأ، المجتمع المصري الناهض أنشأ الجامعة، محمد عبده وقاسم أمين أنشأوا الجامعة الأهلية، الآن الحلم انطفأ، لكني جزء من هذا الحلم الذي لا أريده أن ينطفئ.
المصادفة التاريخية أنني عانيت، من أجل ذلك عندما أنظر لهذه الأيام أتألم، لا أستطيع إنكار أنني تألمت في تلك الفترة، وهذا الألم منعني من أن أزور مصر لمدة ثماني سنوات، ألم وزعل وغضب، استغرق منى ثماني سنوات، خرجت عام 1995 وأول زيارة لي كانت عام 2003، أول زيارة كانت بداية أن أقول إن الألم والزعل لا ينبغي أن يكون من الوطن، وإلا فأنت توحد الوطن بالذين تسببوا في الألم والزعل، لذا قدمت أول زيارة لأهلي، ذهبت إلي الجامعة من باب أنني كنت قد بلغت الستين وبنصيحة د.حسن حنفي ينبغي أن أذهب لتسوية معاشي رسميا حتى يمكنني أن أعين أستاذا متفرغا، قال حنفي"لأنه لو سويت معاشك وأنت خارج البلاد ستفقد هذا الحق "، ومنذ هذه الزيارة عام 2003 وحتى الآن حصلت مصالحة من جانبي.
** خلال الثماني سنوات التي لم تزر فيها مصر وحتى أول زيارة، حتما كنت تراقب ما يحدث في مصر وتتابع، كيف ترى المشهد الآن وأنت في مصر وبعد عدة زيارات قصيرة لكنها زيارات مكنتك من رؤية ما يحدث؟
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2009/1/thumbnails/T_1c0fea50-c690-45f9-8904-3d8f63060753.jpg
** في هذا العصر الحادي والعشرين ليس هناك أحد بعيد، فكرة المكان اختفت، أنت كل يوم تفتح الإنترنت وتقرأ كل الجرائد المصرية والعربية، وتتحاور عبر الإيميل والتليفون أيضا، والكثيرون يزورون أوروبا فتلتقي بهم، فلست بعيدا عما يحدث في مصر، ما يحدث في مصر يحدث في العالم العربي بشكل عام فيما يرتبط بقضية الدين والمعنى الديني، هناك فساد، والفساد يطال كل جوانب المجتمع، لم تعد المشكلة تتفق مع من وتختلف مع من؟ أصبحت المشكلة من الفاسد ومن غير الفاسد؟ أصبحت المسألة أن تقف ضد الفساد مع كل من يقف ضده، وأصبح تقييمي للأشخاص ليس تقييما بما يكتبون، أصبح تقييمي بسلوكهم، أنت جزء من نظام الفساد أم تقف ضده؟ يمكن أن تكون جزءا من نظام الفساد ولا تعي ذلك؟ يعني عندما يطرد أستاذ طالبا من مكتبه، لأن هذا الطالب لا يقدم له فروض الولاء والطاعة، هذا الأستاذ مع الفساد، حتى وإن كان هو نفسه أخلاقيا غير فاسد، وقصص كثيرة، عندما آتي ألتقي بالشباب داخل الجامعة وخارجها، عرفت ما الخراب الذي أصاب الجامعة وأصاب المجتمع، آخر ندوة حضرتها في الجمعية الفلسفية داخل جامعة القاهرة لم أقل بحثا ولكن قلت صرخة ضد الفساد والاستبداد، صرخة لإنقاذ المجتمع، لا تستطيع إنقاذ الجامعة والمجتمع غارق في الفساد، أنا يؤلمنى أشياء كثيرة جدا، ربما لأنك تعيش داخل المجتمع لا تراها، ولأنني لا أعيش فيه أراها، من يعيش في المجتمع يري للفساد الذي ينشر عنه في الصحف، غرق العبارة والدم الفاسد والقطارات التي تحترق، والمسرح ,غيرها، لكن إلي جانب هذا الفساد الذي يؤذيني، يؤذيني أكثر أن البرلمان المصري ينشغل لشهريين بقضية الحجاب، كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في المجتمع المصري، برلمان وطن كامل مشغول عنها بعبارة قالها وزير عن حق أو عن باطل، وتصبح قضية مجلس الشعب والنظام السياسي أن يتوب الوزير، أنا طبعا من بعيد أكاد أصاب بالجنون، معرفتك بمشاكل مصر ومشاكل المواطن والقتل اليومي، القتل القتل بالمعنى المادي، كم من الشباب والشابات في المجتمع المصري يحرمون من فرصهم وكفاءتهم لأسباب: أنه من يعين معيدا لابد أن يكون ابن أستاذا، ومن يعين كذا ابن طبيب، فساد الواسطة، أن البنت لا تعين في وظائف معينة لأنها محجبة، بينما خطابك السياسي يقول إن الحجاب فريضة، هذا يصيبني بالجنون أن أري هذا القتل اليومي " بيتم يوميا ـ اللي عايش هنا ما يخدش لباله منه ـ يتم بشكل يومي" ويكاد يكون قتلا منظما.