المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفلوجة··· مدينة تنبعث من الأنقاض



yasmeen
01-01-2009, 09:27 AM
الاتحاد الاماراتية

سكانها بانتظار مغادرة المارينز بفارغ الصبر

الفلوجة طوت صفحة الماضي وتستعد للإعمار

تيموثي ويليامز - نيويورك تايمز

في الفلوجة التي تنتصب وسط صحراء مترامية الأطراف، والواقعة على بعد 90 كلم غرب بغداد، لا توجد بناية واحدة لا تظهر عليها علامات القصف وتعلوها ثقوب طلقات الرصاص، كما نشاهد مساجد كثيرة بدون مآذن وبنايات بدون جدران، نتيجة قذائف المدفعية وشراسة القتال. فمن بين جميع الأماكن التي اندلعت فيها المعارك الضارية عقب الغزو الأميركي قبل ست سنوات تقريباً، بقيت الفلوجة التي شهدت معركتين كبيرتين عقب مقتل متعاقدين أميركيين فيها مُثل بجثثهم، من أكثر الأماكن استعصاءً وأشدها تصميماً.

لكن بحلول شهر ديسمبر المنصرم وفيما تستعد قوات المارينز الأميركية لمغادرة معسكر الفلوجة، وهو القاعدة الممتدة على مدى أميال خارج المدينة، تحولت الفلوجة إلى مكان مختلف تماماً وغير متوقع لتمثل الأمل في أن تتحول مدينة عراقية كانت في قلب حركة التمرد إلى نموذج للأمن والسلام دونما حاجة إلى الجيش الأميركي. وكجزء من خطة تقليص عديد القوات الأميركية في العراق، شرع المسؤولون في سحـــب أفراد المارينز المنتشــرة داخل المدينة ذات الأغلبيـــة السنيـــة وفي محيطها القريب، وهو دليل آخــر على أن الحضور الأميركي الذي كان ملموســـاً من قبل في طريقــه إلى التقلص والزوال.

ومع أنه إلى حدود السنة الماضية تعالت العديد من الأصوات محذرة من انسحاب القوات الأميركية من الفلوجة، حيث بدا الهدوء الذي عم المدينة مؤقتاً وهشاً ما أثار مخاوف المسؤولين العراقيين والأميركيين من المخاطر المحتملة لمغادرة قوات المارينز، إلا أن سكان المدينة اليوم ينتظرون مغاردة الجيش الأميركي بفارغ الصبر. وعن هذا الانسحاب يقول العقيد ''داوود محمد سليمان''، قائد قوات الشرطة العراقية في الفلوجة، إنه''سيسهل عملنا لأن الوجود الأميركي هو الذريعة التي يتحجج بها المتمردون لتنفيذ هجماتهم، فهم يعتبروننا عملاء للأميركيين''.

ولا يعني ذلك أن خطر العنف قد زال تماماً، لكن الشرطة لم تتردد في الإفصاح عن شعورها بالفخر والتباهي بأن المدينة التي كانت تعاني قبل سنوات قليلة من هجوم كبير أسبوعياً، لم تشهد خلال الستة أشهر الأخيرة سوى هجومين. هذا القول بأن المدينة قادرة على الاعتناء بنفسها دون وجود الأميركيين، يشاطره معظم سكان المدينة حتى في الحي الذي هزه التفجير الأخير والذي يعتقد بأنه مرتبط بتنظيم ''القاعدة''مطلع شهر ديسمبر عندما فجر انتحاري نفسه وأسفر عن مقتل 19 شخصاً، حيث قال خليل إبراهيم، أحد سكان الحي، ''سيتولى أبناؤنا مسألة الأمن، بل يستطيعون القيام بعمل أفضل''.

وسيتم تسليم معسكر الفلوجة إلى الجيش العراقي بعد نقل أغلب قوات المارينز المتمركزة فيه إلى قاعدة ''الأسد'' الجوية التي تبعد بحوالي 90 كلم إلى الغرب من الفلوجة، فيما سيبقى فوج صغير في معسكر ''البحرية'' القريب، وتؤشر هذه الخطوة على مدى الثقة الأميركية في عدم تجدد العنف في الفلوجة ودخولها مرحلة مستمرة من الهدوء والأمن. ويوضح ذلك العقيد ''جورج بريستول'' أحد قادة المارينز في المدينة قائلا: ''لن يعود العنف مجدداً إلى الفلوجة لأن العراقيين لا يريدون ذلك، لقد طوينا صفحة الماضي، ويمكننا اليوم تسليم مقاليد الأمور إلى العراقيين الذين قاتلــــوا جنبـــاً إلى جنب معنا بعدما هدأت المدينة ودبت فيها الحياة''.

فالمدينة التي أفرغت من جميع سكانها تقريباً قبل معركتها الثانية عام ،2004 تضج اليوم بالحياة بعدما امتلأت الشوارع بالناس والسيارات التي تخترق طريقها باتجاه الجسر الرابــط بين ضفتـــي نهـــر الفرات، والذي كان قد عُلقت بجواره جثث المتعاقدين مـــع شركـــة ''بلاك واتر''، حيث نرى بالقرب منه اليوم مبنى جديداً أطلق عليه اسم ''مكتب تلقي شكايات المواطنين''.

وفي المدرسة الابتدائية التي أطلق منها المارينز في عام 2003 النار على المتظاهرين وقتلوا 17 شخصاً، تضج ساحتها اليوم بالفتيات الصغيرات وهن يلعبن خلال فترة الاستراحة، كما علقت لوحة أمام المدرسة تشير إلى إقامة مكتب للتصويت في الانتخابات المحلية المقبلة.

وأكثر من ذلك، تشهد المدينة حركة بناء واسعة، وعملية تنظيف الشوارع من أنقاض المباني المدمرة التي تراكمت في المدينة، وفيما كان منظر المسلحين مألوفاً في شوارع الفلوجة وهم يحملون القذائف باتت المكنسة اليوم رمزاً جديداً تباع في كل مكان ويطوف بها العمال في جميع الشوارع كنساً لرمال الصحراء التي تزحف على المدينة. وفي معسكر الفلوجة يشرف الرائد ''جيمس جلادين'' على عملية تفكيك القاعدة العسكرية التي كانت تضم أكثر من 14 ألفا من أفراد المارينز، حيث يمتد على مساحة شاسعة ويضم وحدة للإطفاء، ومركزاً لمعالجة المياه ومكتباً للاقتراع، ومصنعاً صغيراً لإنتاج المبردات، فضلا عن مقاهى للإنترنت ومحطة لإنتاج الكهرباء وكنيسة تستوعـــب أكثر من 800 جندي، لكن من بين كل ذلك العـــدد لم تبقَ اليوم في المعسكر سوى 200 عنصر من المارينز .

وقبل إخلاء المعسكر وتولي الشرطة العراقية مهامها الأمنية يحرص الجيش الأميركي على عدم ترك ورائه ما يمكن أن يستخدمه المتمردون لاحقاً لاستهداف القوات الأميركية، مثل بقايا الآليات المتقادمة وقطع الحديد والأسلاك التي يتم التخلص منها بقطعها إلى أجزاء صغيرة، ثم رميها.