المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا هو صانع انتصار أوباما



jameela
12-26-2008, 12:20 AM
http://www.asharqalawsat.com/2008/11/07/images/hassad1.493834.jpg

ديفيد بلوف الذي عمل خلف الواجهة في تنفيذ واحدة من أنجح استراتيجيات الحملات الانتخابية في أميركا .. قليل الكلام كتوم ولا يتحدث عن التفاصيل



واشنطن: طلحة جبريل

اعتمد رجل كتوم، قليل الحديث استراتيجية كاسحة خلال الانتخابات الرئاسية الاميركية، بناءً على مقولة بسيطة اطلقها الرئيس الاميركي جون كنيدي، الرئيس الذي كان أكثر بريقاً في التاريخ الحديث، تقول المقولة «السياسي لا يتفاوض مع اصدقائه بل مع اعدائه». هذه الاستراتيجية هي التي اعتمدها ديفيد بلوف، مدير حملة الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما، والتي اعتبرت واحدة من أنجح الحملات الانتخابية في التاريخ الاميركي.

قامت استراتيجية الحملة على أنه: ليست هناك ولايات جمهورية حمراء لن تصوت للديمقراطيين ابدا، وخططت الحملة اهدافها بناء على ذلك وتوجهت بقوة الى الناخبين في المعسكر الآخر، وتخلصت من المشاكل واحدة تلو الآخر في حالة دفاع لا تستمر الا فترة قصيرة ثم ما تلبث ان تنتقل الى الهجوم. خلال الانتخابات التمهيدية اعتمد بلوف استراتيجية السيطرة على ولاية تلو الاخرى لصالح اوباما في مواجهة المتنافسين الآخرين خاصة هيلاري كلينتون، بيد انه وضع تغييرات جذرية عندما دخلت الحملة الانتخابية مرحلة السباق نحو الرئاسة ضد الجمهوري جون ماكين. كان من رأي بلوف، وهو الرأي الذي عمل به اوباما ونجح في تطبيقه، ان يتم التركيز على اربع ولايات؛ اثنتان منها ظلتا دائماً مع الجمهوريين وهما فرجينيا وفلوريدا، والأخريان متأرجحتان؛

واحدة تميل للجمهوريين وأخرى تميل للديمقراطيين؛ وهما بنسلفانيا وأوهايو. ويبلغ مجموع عدد «الناخبين الكبار» في الاربع ولايات 81 مندوباً، وهو عدد كان كافياً لترجيح كفة اوباما على ماكين وبكيفية مريحة اذا اضيفت اليه «الولايات الزرقاء» وهي الولايات المضمون تصويتها لصالح الديمقراطيين، خاصة ولايات الغرب الاميركية. قال بلوف أكثر من مرة «ليست لدينا ولاية واحدة يوم الاقتراع»، ولم يتم فهم هذه الرؤية الا بعد ان اعلنت النتائج النهائية، وهي عبارة لخص بها بلوف الخطة الذكية التي نفذها بحرفية عالية، لذلك حين أعلن عن فوز اوباما في ولاية بنسلفانيا في ليلة اعلان النتائج، الثلاثاء الماضي، ترددت صيحات الناس وابتهاجهم في جميع أرجاء واشنطن، حيث سرت موجة فرح بعد أن تأكد ان اوباما لا محال فائز، بعد ان ظل ينافس بشراسة في فلوريدا وفرجينيا.

وكانت خطة بلوف إغراق الولايات الاربع بكل ما يبقي صورة اوباما حاضرة ومشعة وجذابة، سواء كان بجولات اوباما الانتخابية المتكررة وترأسه عدة تجمعات حاشدة، أو عبر الاعلانات التلفزيونية والاذاعية والملصقات، وملايين الرسائل الالكترونية، او تجنيد المتطوعين للعمل مع الحملة من باب الى باب حيث يتجول المتطوعون على الناخبين وحثهم ومناقشتهم للتصويت لصالح اوباما. وكان اوباما يركز في خطاباته في هذه الولايات على قضايا الاقتصاد والضرائب والرعاية الاجتماعية والتأمين الصحي والتعليم. ووعد أوباما بالاستثمار في مجال تعليم الأطفال وبإصلاحات في نظام التأمين الصحي بحيث يتم منع الشركات من رفض تقديم التغطية التأمينية للعائلات، وهو أمر دفع كثيراً من المترددين لحسم امرهم. وواصل أوباما نهج الهجوم على الخطط الاقتصادية التي يقترحها منافسه ماكين، محاولا التأكيد أنها ستكون استمرارا لسياسات الرئيس الحالي جورج بوش. كما دأب على توجيه النداء تلو النداء لأنصاره في الولايات الاربع للإقبال على التصويت وعدم الارتكان إلى ما تشير إليه نتائج استطلاعات الرأي التي كانت تضع اوباما في المقدمة وبفارق لافت.

ثم قرر بلوف زيادة عدد مكاتب الحملة بهذه الولايات. وفي فرجينيا وحدها، فتحت حملة أوباما نحو 49 مكتباً بأنحاء الولاية لحشد لناخبين من أجل التصويت لصالحه. وساعد بلوف صغر سنه (41 سنة) وكذلك عمله منذ بداية حياته المهنية في مجال الحملات الانتخابية، ثم قدراته الواضحة على إدارة فريق ضخم من العاملين مع الحملة موزع على جميع الولايات. وكان هذا الفريق يرسل يوميا حوالي 70 مليون رسالة الكترونية، ويستقبل ما بين17 الى 25 مليون مكالمة هاتفية من أنصار ومتبرعين وخصوم، وفي بعض الاحيان من مجرد فضوليين، لكن من هو بلوف الذي كتب اسمه مضيئاً في سجل الحملات الانتخابية. ولد ديفيد بلوف عام 1967 في مدينة وليامنغتون في ولاية ديلوار من اسرة تعود أصولها الى ايرلندا، ودرس المرحلة الثانوية في مدرسة «سانت مارك» ثم جامعة ديلوار حيث تابع دراسة العلوم السياسية، وأظهر ميلاً مبكراً للسياسة. وفي عام 1990 شارك في حملة السيناتور توم هاركيز لاعادة انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ. ثم عمل مديراً ميدانياً لحملة هاكيز للترشح للرئاسة عام 1982، وكان يتقاضى مبلغاً كبيرا حيث وصل راتبه الى 30 الف دولار في الشهر.

وفي السنة نفسها، أشرف على حملة فاشلة لعضو الكونغرس جون اوليفر غرب مساشوسيتس، وعمل مع حملة اخرى فاشلة خاضها تشارلس اوبرلي ضد السيناتور وليام روث. وبعد هذه التجارب الفاشلة عمل في لجنة الحزب الديمقراطي للحملة الوطنية لعضوية الكونغرس. وفي عام 1996 خاض بلوف اول حملة ناجحة عندما عمل مع بوب تورسلي الذي خاض انتخابات لعضوية الكونغرس بولاية نيوجرسي، وتقاضى تعويضاً بلغ 200 الف دولار. وما بين عامي1997 الى عام 1998 عمل رئيساً لموظفي القيادي في الحزب الديمقراطي ريتشارد جيفارد. وفي خريف عام 2000 انضم بلوف الى مؤسسة اعلامية، لكنه سرعان ما عاد الى المهنة التي عشقها، حيث ادار حملة انتخابية فاشلة لجيفارد للترشح للرئاسة.

وكان اول لقاء له مع اوباما في مجال إدارة الحملات الانتخابية بداية عام 2003 حيث أدار بنجاح حملته لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية الينوي، حيث فاز فعلاً اوباما بالمقعد ليصبح السيناتور الاسود الوحيد في مجلس الشيوخ. ومنذ أن اعلن اوباما عزمه الترشح للسباق الرئاسي في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي عين بلوف مديراً لحملته. وكان أول انجاز حققه بلوف مع اوباما هو فوزه بولاية ايوا في الانتخابات التمهيدية، ثم راح يزيد عدد المندوبين من ولاية الى اخرى اضافة الى حرصه على ان يحصل اوباما على أعلى نسبة من اصوات الناخبين في الانتخابات التمهيدية. وقالت «شيكاغو تريبيون» إن بلوف هو الذي كان وراء فوز اوباما في الانتخابات التمهيدية يوم «الثلاثاء الكبير» اثناء الانتخابات التمهيدية حيث جرت في الوقت نفسه الانتخابات بعدة ولايات.

وقالت الصحيفة «قام بلوف بعمل رائع في إدارة الحملات الانتخابية، والقيام بشيء مثل هذا يعتبر امراً لافتاً». طوال فترة قيادته الحملة الانتخابية من مركزه في مدينة شيكاغو من طابق كامل مفتوح يعمل مثل خلية نحل، ظل بلوف يرتدي سروال جينز وأقمصة داكنة بدون ربطة عنق، جسمه نحيل، خفيف الحركة يتنقل من طاولة الى اخرى، وجباته كانت عبارة عن شرائح بيتزا وكثير من القهوة، وعمل أحياناً اكثر من 12 ساعة في اليوم. ويبدو بلوف اصغرَ كثيراً من عمره. وكثيراً ما اعتقد المنظمون في التجمعات الانتخابية التي حضرها انه أحد المتطوعين. يفضل بلوف العمل من الصفوف الخلفية وليس في الواجهة، وعادة ما يستعمل كلمة «اعتقد» عندما يتحدث، لكنه نادراً ما يتحدث عن التفاصيل. هو مستمع جيداً وعادة ما يحرك رأسه الى أعلى وأسفل عندما يتحدث الآخرون، ولا تعرف هل هو يوافقك الرأي أم انه يستمع فقط. وجه بارد بعينين تشعان، يحركهما باستمرار يساراً ويميناً. لا يهتم كثيراً بتصفيف شعر رأسه القليل.

تبرز عيناه عندما يسمع فكرة جديدة. يقول الذين يعملون معه إنه رصين وحازم ودقيق. يتواصل في معظم الاحيان عبر رسائل البريد الالكتروني. ينتظر الفرصة ليوظف الوقت لتقوية الاوراق الرابحة، وهذا ما فعله عندما اشتد التنافس في الانتخابات التمهيدية بين اوباما وهيلاري. اما عندما جاء موعد السباق الرئاسي بعد ترشيح اوباما في مؤتمر الحزب الديمقراطي في دنفر بولاية كولورادو أواخر اغسطس (آب) الماضي، دعا بلوف في حوار كانت اجرته معه شبكة «إن بي سي» الى التركيز على «مشاكل الطبقة الوسطى والصحة والتعليم» والى اعتبار لفظة «التغيير» هي اللفظة السحرية التي يمكن ان تفتح الابواب. وإذا كان اوباما لخص شعاره في «التغيير والأمل»، فقد اضطر منافسه المنهزم ماكين أن يستعمل شعاراً مشابها عندما رفع شعار «تغيير الاتجاه» في واشنطن.

كان اوباما اول مَنْ أدرك ان السباق الى البيت الابيض يتعلق بـ«التغيير لا بالخبرة»، والتقط بلوف الفكرة وصاغ منها استراتيجية كاملة. واعتمد في الاعلانات التلفزيونية على هذه الرؤية، وهو صاحب فكرة شراء نصف ساعة في اهم الشبكات التلفزيونية تبث في وقت واحد. وفي الحوار نفسه، قال بلوف إن الأفضل الاعتماد على تراكم أخطاء الخصوم، وليس الرد على كل ما يقولون. وبلوف تكتيكي منظم واستراتيجي ملهم. عندما يلتقط فكرة يبادر الى وضع التفاصيل.

وعندما واجهته مرة صحيفة «نيويورك تايمز» بمقولة انه يرغب دائماً ان يتحدث عنه الصحافيون على الرغم من انه لا يتحدث معهم إلا قليلاً. أجاب «الذي يُفترض ان يتحدث هو اوباما وليس أنا». تحدث اوباما مرتين عن بلوف؛ الاولى عندما شكره على نجاح أحد التجمعات الحاشدة في بنسلفانيا. وفي المرة الثانية، عندما ترددت على نطاق واسع التكهنات حول تعيين رام ايمانويل رئيساً لموظفي البيت الابيض. وقال اوباما يومها إن «ديفيد يقوم بعمله بشكل جيد في الوقت الحاضر».

وظن كثيرون ان تلك إشارة الى ان بلوف سيتولى مركزاً مرموقاً في البيت الابيض. وعندما حاصر المراسلون ديفيد بالسؤال حول ما إذا كان مرشحا للمنصب، قال «أنا مدير الحملة الانتخابية». وفي احدى المرات النادرة عقد بلوف مؤتمراً صحافياً، وكان هو اللقاء الصحافي الوحيد، وحدد في ذلك المؤتمر الذي عقد في يونيو (حزيران) الماضي الخطوط العريضة للاستراتيجية التي أدت الى ان يصنع اوباما تاريخاً جديداً بأميركا. قال بلوف يومها «يعتزم أوباما خوض السباق الرئاسي في كل ارجاء البلاد، وألا يكتفي بان تقتصر حملته على الولايات التي يعتمد عليها الحزب الديمقراطي تقليدياً».

وأوضح بلوف أنه على عكس الاستراتيجيات السابقة الرامية للفوز باصوات 270 مندوباً المطلوبة لكي يفوز اي مرشح بالسباق نحو البيت الابيض، فإن الهدف من خوض السباق في جميع الولايات هو ارغام المرشح الجمهوري ماكين لمزيد من الإنفاق والدفاع عن تقدمه حتى في معاقل الجمهوريين. وقال بلوف في ذلك المؤتمر الصحافي الذي عقده بواشنطن «لدينا الكثير من الحلول المتنوعة للوصول الى رقم 270.. لن نستيقظ يوم الانتخابات في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) قلقين بسبب ولاية»، في إشارة الى خسارة المرشحين الديمقراطيين السابقين آل غور وجون كيري في مواجهة الرئيس الحالي جورج بوش خلال عامي 2000 و2004، إذ في المرة الاولى كان لا بد من الانتظار اكثر من شهر لإعلان نتائج فلوريدا من اجل ان تتأكد هزيمة آل غور.

وفي 2004 شهدت اوهايو أشرس اقتراع انتهى بهزيمة كيري، وهي الولاية التي ارتبطت هذه المرة بأشهر قصة من قصص الانتخابات الاميركية، وهي قصة «جو السباك» الذي تجادل مع اوباما في اوهايو حول خطته لفرض ضرائب جديدة على أصحاب المداخيل المرتفعة. ثم تحول جو الى نجم، بل شارك في تجمعات كل من ماكين وسارة بالين.

وهو يعكف حالياً بمساعدة احد الصحافيين في كتابة كتاب حول قصته خلال هذه الانتخابات. وفي ذلك المؤتمر الصحافي قال بلوف ايضاً ان «الهدف الاستراتيجي الاول لأوباما سيكون المحافظة على الولايات التي فاز بها كيري الديمقراطي، ولذلك لا بد من صد هجمات ماكين في ميشيغان (فاز بها اوباما) وفي بنسلفانيا (فاز بها ايضاً اوباما)»، وهما الولايتان اللتان يشكل فيهما اصحاب الياقات الزرقاء اي الطبقة العمالية من البيض ثقلا كبيرا وكذلك في نيوهامشير الولاية الصغيرة في الشمال الشرقي التي وضعت ماكين على سكة الحصول على الترشيح الجمهوري لخوض السباق الرئاسي، وفاز بها ايضاً اوباما. واشار بلوف وقتها الى ضرورة العمل للفوز بولاية تلو الاخرى كما حصل في الانتخابات التمهيدية التي فاز بها في مواجهة منافسته هيلاري فيما كان يرجح فوزها على المستوى الوطني.

ويتردد على نطاق واسع أنه صاحب فكرة الخروج المشرف للسيناتورة هيلاري، وهو الذي اقترح ان تسدد حملة اوباما جزءاً من الديون التي تراكمت عليها بعد الحملة الانتخابية. ونأى بلوف بنفسه عن ترشيح اي شخص للعمل مع اوباما وترك الفرصة لرئيسه ليختار من يشاء دون ان يتدخل على الاطلاق في هذه الاختيارات.

واعلن بلوف وقتها ان اوباما الذي يستمد حماسه من حماس الشباب حيث نجح في تعبئة وحشد شبان من مختلف الاعراق، سيعتمد على «جيش من المتطوعين يملك قدرة الإقناع من الناشطين المستعدين لدق ابواب البيوت والتحدث بكلام مقنع ومهذب لدى اقربائهم». وقال بلوف انه في مجال التبرعات سيتم الاعتماد على التبرعات الصغيرة، لذلك كان بلوف يرسل رسالة تلو اخرى يحث فيها الناخبين التبرع بمبلغ خمسة دولارت فقط.

واستطاع عبر هذا الاسلوب ان يجمع أكبر قدر من الاموال في تاريخ الانتخابات الاميركية. الآن وبعد ان قادت استراتيجية بلوف الى فوز كاسح لأوباما، أصبح الطريق ممهداً لهذا الشاب النحيل ان ينتقل الى موقع آخر ضمن إدارة اوباما في البيت الابيض. وعندما سئل بلوف ماذا سيعمل بعد ان حقق نجاحاً مدوياً، قال في حوار مع شبكة «ايه بي سي»، هناك الكثير الذي سأعمله.

والمؤكد ان بلوف ربما يعود بعد الفترة الاولى لأوباما في البيت الابيض، اي بعد اربع سنوات مقبلة بعد 20 يناير (كانون الثاني) المقبل الى قميصه الاسود وسروال الجينز ليقود حملة التجديد لابن المهاجر الكيني الذي أثار انتخابه حماساً لم يشهدها العالم منذ نحو 5 عقود عندما تم انتخاب كنيدي.. إنه حسين اوباما. أما بلوف فقصته قصة نجاح حقيقية على أرض الميدان.