المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إيران ولبنان.. من القبادياني إلى عون مروراً بالإمام الصدر



فيثاغورس
12-22-2008, 04:13 PM
نظرة عابرة على العلاقات بين البلدين



لندن ـ علي نوري زاده

كان من بين التحف التى اشتراها الشاعر والمفكر الإيرانى ناصر خسرو القبادياني، الذى اعتنق المذهب الإسماعيلى وتشرف بلقاء الخليفة الفاطمي بالقاهرة، من بعلبك لأسرته بمدينة قباديان، من توابع خراسان الكُبرى قبل حوالى ألف عام، كانت هناك كأس من الزجاج الأزرق حولها الشاعر إلى مشربه (لشرب الماء) عقب توبته وتخليه عن زيارة حانة ميكائيل اليهودي.

أمّا الشاعر الكبير الشيخ مصلح الدين سعدي شيرازي الذى زار بعلبك بعد نحو ثلاثة قرون من زيارة ناصر خسرو لها، فاشترى هو أيضاً كأسا وصفت في قصائد كبار شعراء إيران.


وفيما كانت كؤوس النبيذ أهم صادرات شرق لبنان إلى إيران لعدة قرون، غيّر علماء جبل عامل بزيارتهم لمدينة أصفهان، التى وصفها السائح الفرنسي شاردن بنصف العالم، بدعوة الشاه عباس الصفوي، صورة لبنان لدى الإيرانيين الذين كانوا ينظرون إلى أهل لبنان باعتبارهم شعبا مُحبّا للحياة والنبيذ والزخرف، بحيث استعان الملك الشيعي بمشايخ جبل عامل لتثقيف الإيرانيين ممّن اعتنقوا المذهب الشيعي بقوة سيف اسماعيل الصفوي جدّ الشاه عباس و مؤسس السلالة الصفوية، بثقافة عاشوراء والتراث الحسيني.

لقد لعب علماء جبل عامل ومنهم جد الإمام موسى الصدر وبني أعمامه فى العراق (من محمد الصدر الذى كان من كبار رجال الدولة فى عهد المملكة الهاشمية العراقية إلى محمد باقر و محمد صادق المقتولان بأمر صدام حسين، وحسين الصدر ومقتدى المقيم حالياً فى قم تحت حضانة الولي الفقيه)، دوراً هاماً فى حياة إيران بحيث ظلت مؤسسة المرجعية لأكثر من 3 قرون تحت قبضة أبناء هؤلاء العلماء (الصدر، القمي، خاتمي، الخمينى) ممّن توسّع نفوذهم؛ إما عبر مصاهرتهم للأسر الأرستقراطية أو العلماء الكبار، أو انخراطهم فى سلك رجال الدولة، بحيث كان 5 من الصدور (الصدرالأعظم) أو رئيس الوزراء كما يقال اليوم، فى عهد القاجار، واثنان فى عهد البهلوي من أحفاد علماء جبل عامل، و كما فى العراق فإن العشرات من الوزراء والنواب الإيرانيين فى القرن العشرين كانوا من أحفاد هؤلاء العلماء.


توجه أبناء الأرستقراطيين نحو لبنان

إنّ الثورة الدستورية فى إيران بمستهل القرن العشرين، وفرّت مناخاً مناسباً لظهور طبقة جديدة من المتعلمين الذين لم تكن تعابير مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والصحافة الحرة بعيدة عن أذهانهم، ولهذا فإنّ الأسر الارستقراطية الحاكمة فى إيران قررّت ايفاد أبنائها إلى حيث لا تختلف البيئة الاجتماعية والثقافية عن إيران، وفي نفس الوقت تتوفر إمكانية تَعُلّم اولادهم العلوم الحديثة والسياسة والاقتصاد.

هكذا تحولت بيروت إلى "إرم ذات العماد" بالنسبة للمئات من أبناء الطبقة الارستقراطية الإيرانية ممنّ التحقوا بمدارس ومعاهد وجامعات بيروت والمدن المحيطة بها مثل كسروان وجونيه وغيرها...

ثم تعرضت المنطقة لانعكاسات الحرب العالمية الأولى التي زادت من أهمية بيروت ولبنان بالنسبة للطبقة الحاكمة في إيران، بحيث جرى استدعاء المئات من الطلبة الإيرانيين الدارسين في المعاهد والجامعات الأوربية وإرسالهم إلى لبنان. وهكذا كانت ساحة السياسة والاقتصاد والقضاء والثقافة في إيران خلال الأربعينيات والخمسينات من القرن العشرين، خاضعة بالكامل لهيمنة خريجي الجامعتين الأمريكية واليسوعية، ومعاهد وجامعات أخرى معظمها ذات طابع مسيحي، لكون الجامعات العربية، لاسيما بعد ظهور عبدالناصر، كانت ساحة لتنامى القومية العربية المناهضة لإيران الشاهنشاهية.


تقي الدين الصلح و تلميذاه

وتاكيداً لأهمية خريجي لبنان فى ميدان السياسة بإيران، ينبغى ذكر ماحدث خلال إحدى زيارات رئيس الوزراء اللبناني الراحل تقى الدين الصلح إلى إيران أواخر الستينيات من القرن الماضي بدعوة أمير عباس هوفيدا تلميذه السابق و نظيره و قتذاك. فحينما قابل الصلح هوفيدا سأله عن زميله الدارسي فى مدرسته ببيروت شابور بختيار أحد زعماء الجبهة الوطنية.

ولما علم تقى الدين الصلح انّ بختيار فى السجن بسبب أنشطته السياسية المناهضة للحكم، توسط له عند زيارته للشاه الذى قبل التماس معلم رئيس الوزراء، وأمر بالافراج عن بختيار.

والمثير فى الأمر انّ الشاه في آخر ايامه عيّن شابور بختيار رئيساً للوزراء، علماً ان بختيار أغتيل فيما بعد بباريس حيث كان يقود المعارضة الوطنية ضد النظام الإسلامي بايران، فى العام 1991 على أيدي عملاء الاستخبارات الإيرانية.


الشاه و لبنان

إنّ علاقة الشاه بلبنان كانت علاقة متميزة بحيث خطف قلبه جمال لبنان ورجالاته وثقافة أهله، فعند زيارته الأولى لبيروت وليا للعهد في طريقه إلى القاهرة لحضور حفلة خطوبته مع الأميرة فوزية شقيقة العاهل المصرى الراحل الملك فاروق في فبراير/شباط العام 1939، وعقب وصوله إلى بيروت، أقام السفير الإيرانى حفلة كبيرة على شرف ولي عهد إيران الامير محمد رضا بهلوى حضرتها النخب السياسية والفكرية والثقافية والدينية بلبنان مما جعل ولي عهد إيران (الشاه في ما بعد) يتفاجأ بمدى ثقافتهم وسعة أفقهم الفكري. وقد أشار الشاه فيما بعد في إحدى مقابلاته إلى زيارته الأولى لبيروت و تعرفه على رجال كبار مثل رياض الصلح، بشارة الخورى، كميل شمعون، عبدالحميد كرامي، والعلامة شرف الدين وغيرهم...

وظلت علاقة الشاه بأقطاب وزعماء الطوائف اللبنانية قوية و متينة، غير انّ انتشار المد الناصري بين سنة لبنان، تسبب فى انحصار ارتباط زعماء السنة بإيران، في أسرة أو اسرتين، بينما كانت الطائفة المسيحية تحظى بدعم إيران الواسع، وحضور الرئيس الراحل كميل شمعون إلى جانب الشاه فى رحلات الصيد إلى شمال إيران و معهما العاهل الاردني الراحل الملك حسين، لم يكن إلا دليلا على توثق تلك الصلات. كما ان الشاه باعتباره الملك الشيعي الوحيد كان كريماً فى دعم شيعة لبنان و مساندة قياداتهم السياسية والدينية معنوياً، و علاقات إيران مع أسر شيعية مثل الخليل والأسعد و الكاظم و الحمادة و مروة (لاسيما كامل مروة مدير و مؤسس جريدة الحياة) ظلت وثيقة جداً بحيث بات مألوفاً أن يتولى سفارة لبنان فى طهران أحد أبناء هذا الأسر.


زواج وليد جنبلاط

لقد كان الزعيم الدرزى اللبناني كمال جنبلاط قومياً و اشتراكياً فى آن معاً و محظوظاً بدعم و اعجاب الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر، ورغم ذلك فان علاقاته مع إيران لم تتأثر بمواقفه المناهضة لبعض توجهات الشاه و سياساته، بحيث احتفظ بصلاته مع البلد الذى كان ينظر اليه باعجاب بالغ، لدرجة انّه يذكره فى مذكراته التى تم نشرها بعد اغتياله تحت عنوان "وصيتي".

لقد كان كمال جنبلاط معجباً بالأدب الإيراني والفلسفة الزرادشتية، كما تعلّم اللغة الفارسية للغوص فى اوقيانوس الشعر الفارسي لاسيما اشعار حافظ الشيرازي ومولانا جلال الدين المولوى (الرّومى) كما أبدى مراراً إعجابه بشيخ الحشاشين "حسن صباح" وقلعته المعروفة "ألَمُوت".

وشاء القدر أن يستلم زعيم الجبل رسالة من بنت عم كان قد مضى على فراق أهلها أسرة جنبلاط أكثر من قرن. وكان ذلك بعد حرب الايّام الستة ونزول الإحباط واليأس على المحيط العربي من المحيط إلى الخليج. وكاتبة الرسالة كانت ممثلة إيرانية مثقفة أجادت خمس لغات اسمها "مارينا متر" او كاترين دونيف إيران. امّا علاقتها بأسرة جنبلاط كما روته في مقابلة مع مجلة "فردوسي" فتعود إلي القرن التاسع عشر حينما هاجر جده الأعظم الأمير تيمور جنبلاط إلى روسيا برفقة أسرته هروباً من مواجهات جرت فى جبل لبنان، و قد استقر الأمير الدرزي فى أوكرانيا حيث تغير اسمه مع مرور الزمن وبسبب صعوبة ترديد اسمه العربي باللغة الروسية إلي "جان بولاد".

وبعد الحرب العالمية الثانية هاجر نيكلا والد مارينا حفيد الأمير الدرزي إلى إيران مع زوجته الشابة التى انجبت مارينا فى بداية الخمسينيات... ولما تلقى كمال جنبلاط الرسالة سرعان ما أوفد نجله الشاب وليد بك إلى طهران بحثاً عن الأواصر المفقودة. وصل وليد بك إلى طهران حيث قابل أسرة جان بولاد و تعرف على مارينا، ولم يمض على اللقاء اكثرمن بضعة أسابيع حتى علم أصدقاء مارينا بخطوبتها من نجل أمير الجبال وليد بك جنبلاط.


لبنان وحفيد صدر الدين العاملي

كان ذهاب السيد موسى صدر الدين الصدر العاملي إلى لبنان، أواخر الخمسينيات بناء على طلب العلامة شرف الدين من المرجع الأعلى آية ‌الله السيد حسين العلوي البروجردي، منعطفاً فى علاقات إيران بلبنان. و رغم انّ الجذور العائلية كانت تربط موسى بجبل عامل، غير انّه قد عثر على "طور"ه فى إيران حيث كانت أسرته من أعرق الأسر الدينية والأرستقراطية، وقد تولى أبناؤها على طول ثلاثة قرون مسؤوليات قيادية و زعامات دينية فى بلاد الفرس، ولهذا فانّ وجود رجل دين شيعى وسيم طويل القامة يجيد اللغة العربية بلكنة فارسية فى قلب لبنان، أحدث زلزالاً فى الوسط الديني والسياسي، لاسيما بين الشيعة حيث رفضت الأسر الشيعية البارزة فى البداية نقل الزعامة الدينية لطائفتهم من المشايخ اللبنانيين إلى أيدى موفد من المرجعية العليا بقم، غير انّ السيد بابتسامته وسعة صدره، وبثقافته و منهجه وطبعاً بوسامته ونفوذ كلامه وشخصيته، سرعان ما أرغم ألد أعدائه و معارضيه على الاعتراف به زعيماً بلا منازع للشيعة.

وما من شك في انّ موقع الإمام الصدر ومكانه ليس فى لبنان فحسب بل في العالم العربي، كان من العوامل التي دفعت الحكومة الايرانية إلى رفع مكانة لبنان فى قائمة اولوياتها وتشكيل مكتب خاص بوزارة الخارجية لشؤون لبنان. وخلال زياراته لإيران كان الامام الصدر يُستقبل استقبال الزعماء والقيادات العالمية. وإلى جانب لقاءاته مع أنصاره و أحبائه و أسرته الممتدة من بيت المرجع الراحل السيد حسن الطباطبائى القمى (خاله) إلى بيت آية الله روح الله خاتمي (الذي تزوج ابنه محمد رئيس جمهورية إيران فيما بعد من ابنة شقيقته) وبيت الخمينى حيث كانت زوجة نجل آية الله الخمينى السيدة فاطمة صادقي ابنة شقيقته الثانية) إلى غير ذلك. وكان وزير البلاط وصديقه الحميم أسد الله علم ورئيس الوزراء خريج جامعة بيروت اليسوعية أمير عباس هوفيدا و اخيراً الامبراطور محمدرضا بهلوي يلتقون به ويكرمونه.

لكن ما تسبّب فى بروز سوءتفاهم فى علاقات الشاه مع الامام موسى الصدر قبل بضع سنوات من قيام الثورة (بحيث يتحدث زعيم شيعة لبنان فى رسالته الخاصة إلى صديقه وزيرالبلاط اسد الله علم عقب زيارته لمصر واجتماعه مع الرئيس الراحل انور السادات فى العام 1977 أى قبل عامين من سقوط الشاه يعبر عن حزنه و أسفه لما آلت إليه الأمور بينه و بين جلالة الملك قائلا: "وقد أسعدنى كثيراً كلام الرئيس السادات عن جلالته والذى تضمن المديح والثناء والتقدير لدور جلالته التاريخي..." كان تقريراً أرسله سفير إيران فى بيروت الجنرال منصور قدر المحسوب على جهاز الأمن "السافاك" يدعى فيه أن نصف زعماء لبنان وساسييه فى جيبه بحيث يراجعونه كل شهر لاستلام منحات الشاه. وقد حاول قدر فى اوّل لقاءه مع الامام موسى الصدر معاملته ليس كزعيم شيعي لبناني، بل كشخص بلاقيمة من رعايا جلالة الملك، والامام لم يتحمل سلوك الرجل فحسب، بل ذكره بانّ إيران يجب أن تعتز بموسى الصدر الذي يحاوره ويستشيره الملوك والروساء.

ثم حصل خلاف فى قضية بناء مستشفى صور الذى كان الشاه قد تعهد بتمويل بنائه، غير انّ السفير منصور قدر اشترط لتحويل المساعدات الواصلة إلى هيئة شكّلها الامام الصدر للاشراف على بناء المستشفى أن يحمل اسمه "مستشفى جلالة الملك محمدرضا بهلوى"، علماً بانّ الامام الصدر سبق أن نال موافقة وزير بلاط الشاه على اسم المستشفى "مستشفى الرضا" تيمناً باسم ثامن ائمة الشيعة الامام الرضا، إلا انّ قدر رفض تحويل المساعدات التى خسر جزءاً منها فى كازينو لبنان على طاولة الـ "روليت". وقد اعترف بدوره فى تخريب العلاقات بين إيران والامام الصدر فى مقال كتبه قبل وفاته فى المنفى قبل عشر سنوات. و رغم انّ تقارير السفير قدر ضد الامام الصدر وعلاقاته المزعومة مع العقيد القذافي، اساءت إلى علاقات الصدر مع الشاه، غير انّ زعيم شيعة لبنان قد حاول بشتى الطرق والوسائل، إبقاء الأبواب مفتوحة بينه وبين الشاه و رجاله.

وقبل بضعة أسابيع من سفره إلى ليبيا فى سبتمبر/أيلول 1978 بعث الامام الصدر برسالة سرية إلى الشاه نقلها السكريتر الثاني للسفارة و مسؤول الاستخبارات هوشنغ معين ‌زاده إلى طهران، حيث سلّمها إلى رئيس السافاك آنذاك الفريق مقدم كي يسلّمها إلى الشاه، غير انّ الشاه لم ير الرسالة قط بحيث تلقى نسخة منها أحد مساعدي الامام الخميني الذى كان فى طريقه إلى باريس من النجف.

وكشف معين ‌زاده في ما بعد انّ رسالة الامام الصدر تضمنت مقترحات لحل الأزمة القائمة في إيران من ضمنها تشكيل حكومة وحدة و طنية برئاسة مهدي بازرجان (اوّل رئيس للوزراء بعد الثورة) وعدم خروج الشاه من البلاد....

وباختفاء الامام الصدر الذى أوفد الشاه مبعوثاً خاصاً إلى دمشق للقيام بتحرك فوري لإنقاذه من قبضة القذافي، نال آية ‌الله الخمينى لقب الامام وعاد إلى إيران بعد أربعة أشهر ليعلن قيام جمهوريته الاسلامية التى لم يكن قائدها يعترف بحدود الدول الاسلامية، بل انّه اعتبر انّ الاسلام الثوري الخالص وحده يحدّد حدود الدولة الاسلامية الكبرى.

بعدها أوفد أحد تلامذته، فخر روحاني، إلى لبنان ليقود الثورة الاسلامية على غرار ما جرى فى إيران، غير انّ السفير كشف عن مهمته مبكراً، وذلك بشنه هجوماً قاسياً على حركة أمل و زعيمها نبيه بري كما صدرت عنه عبارات غير لائقة عن الامام موسى الصدر، ما تسبب فى اعتباره شخصا غير مرغوب فيه. وعقب الاجتياح الاسرائيلى للبنان و صدور فرمان الامام الخمينى بارسال وحدات الحرس الثوري إلى لبنان، انتهى فصل آخر فى كتاب علاقات إيران مع لبنان بحيث أسند الامام الخمينى إلى تلميذه المحبوب علي أكبر محتشمي بور سفير إيران فى دمشق مسؤولية إدارة شؤون لبنان.

وحينما شعر محتشمي ‌بور بانّ أتباع الامام موسى الصدر و حركة أمل ليسوا مستعدين للتخلى عن لُبنانيتهم قرّر إخراج حزب ‌الله من رحم حركة أمل بطريقة الولادة القيصرية. وبعد فشل أمل الاسلامية و أفواج المقاومة المؤمنة في كسب الشارع الشيعي، احتفل محتشمي بور بولادة حزب‌الله ووضع تاج قيادة الحزب فوق عمامة صبحي الطفيلي. وبعد فترة تم طبع طوابع بريدية فى طهران لجمهورية لبنان الاسلامية عليها صورة للامام الخمينى وخريطة لبنان. غير انّ لبنان بتركيبته البشرية ومكانته الاقليمة والدولية، تصدى بطوائفة كافة لاسيما الشيعة المؤمنين لمنهج الامام الصدر وتوجهاته لمشروع أسلمة لبنان وتحويله إلى فرع لجمهورية إيران الإسلامية.

وحتى مؤتمر الطائف كانت إيران تتحكم بحرسها الثوري ورجالاته المنتشرين جنوب لبنان وشرقه في شؤون 90% من الشيعة، غير انّ الوضع تغيّر بعد الطائف وانسحاب معظم رجال الحرس والاستخبارات الايرانية من الأرضى اللبنانية.

وما من شك في أنّ وجود شخصية بوزن و نفوذ رفيق‌ الحريرى على رأس حكومة لبنان، كان من أهم عوامل اعتراف إيران بالنظام الرسمي فى لبنان، علماً بأنّ إيران رغم علاقاتها المباشرة مع حزب ‌الله، كانت مضطرة إلى التعامل مع ‌الدولة اللبنانية عبر بوابة دمشق، ومحاولات النظام الايرانى المتواصلة لإقامة علاقات مباشرة بدون حضور سوري، مع القوى اللبنانية لم تتكلل بالنجاح، ما سبب اعتماد النظام أكثر فأكثر على حزب ‌الله الذى لم يكن مضطراً لاستئذان دمشق كلما أراد محادثة طهران.


حرب تموز و تغيير التحالفات

إنّ حرب تموز وخروج حزب ‌الله منها منتصراً (وفقاً للتعريف الإيرانى للحرب) وتدمير ثلث لبنان وبنيته التحتية، عقب اغتيال رفيق الحريرى الذى أحدث شرخاً كبيراً بين الأطراف المرتبطة بالنظام السوري والقوى المجتمعة فيما بعد تحت خيمة 14 آذار، قد دفعت السياسة الإيرانية نحو لبنان إلى الموقع الذى أوقعت إيران نفسها فيه عقب الاجتياح الإسرائيلى للبنان، بحيث أنهت إيران كافة أشكال ارتباطها مع ‌الأطراف اللبنانية المتعددة الاتجاه والعرق والمذهب، مكتفية بدعم حزب‌ الله دعماً مادياً وعسكرياً ومعنوياً بلا تحفظ. و بنظرة إلى مساعدات إيران للأحزاب والشخصيات اللبنانية فى العام 2004 أى قبل مقتل رفيق ‌الحريرى، ظهر أنّ مبالغ تجاوزت ثلاثين مليون دولار، كانت مخصصة لمساعدة بعض الأحزاب والشخصيات، فيما تلقى حزب‌الله أكثر من مائتي مليون دولار.

وبعد الحرب بلغ حجم "المال الحلال" الذى قدمته إيران لحزب‌ الله أكثر من 800 مليون دولار فى العالم 2007 فيما لم تتجاوز مخصصات الأحزاب والشخصيات الأخرى 8 ملايين دولار.

ومنذ بداية العام الجاري بدأت الجمهورية الإسلامية بإعادة النظر فى سياساتها حيال لبنان نتيجة لتوصيات ومقترحات جاءتها من قيادة حزب‌الله.

واستناداً إلى دبلوماسي إيرانى مرتبط بملف لبنان، فإنّ زيارات سليمان فرنجيه و طلال أرسلان، ومن ثم عمر كرامي و أخيراً العماد ميشال عون لطهران، بحد ذاتها تعكس تحولاً مهماً فى سياسة إيران نحو لبنان وتعاطيها مع الأطراف اللبنانية بحيث تشمل اليوم الرؤية الإيرانية للبنان المسيحيين قبل الشيعة الذين يبدو ارتباطهم ابدياً والدروز قبل السنة.

وفى الماضي كانت الدعاية الإيرانية تعتبر الزعماء المسيحيين في لبنان جميعاً من الأعداء، وميشال عون نال ألقاباً أقلّها "عميل إسرائيل الصغير"، الاّ انّ الجنرال خلال زيارته الأخيرة لإيران استقبل استقبال الأبطال حيثما ذهب، سواء في القصر الرئاسي، أو في مكتب وزير الخارجية أو في كنيسة النصارى ومعالم أصفهان الأثرية، ومن بينها الجسر الذى بناه أحد أبناء الشيخ بهاء الدين العاملي على نهر "زاينده ‌رود" أواخر عهد الصفويين.

وهكذا كرمت الجمهورية الإسلامية الرجل الذي يمثل جزءاً من نصارى لبنان، غير أنّه بايع السيد حسن نصر الله الذي مهد له الطريق كي يقوم بزيارة لمملكة الولي الفقيه حيث تشيّع أهله قبل 350 عاماً على أيدى أجداد الإمام موسى الصدر وربما أجداد السيد حسن نصرالله.


http://www.alarabiya.net/articles/2008/12/22/62520.html