دفاعاً عن بيان المثقفين الشيعة الناقدين للسلفية الشيعية ورداً على أصوات المعترضين

[المهدى]

دفاعاً عن بيان المثقفين الشيعة الناقدين للسلفية الشيعية ورداً على أصوات المعترضين (1- 2)


طالب المولي (الكويتي الموقع على البيان الشيعي)
عقيل عيدان - محمد الشيخ
عبدالله اليوسفي - د. حسين الداوود



تباينت ردود الأفعال، من معارض إلى موافق، على البيان الذي أصدرته مجموعة من المثقفين الشيعة الشهر الماضي بغية إصلاح مسار الطائفة الشيعية، فبعد أن كان موضوع إصلاح الشأن الديني في الطائفة موضع ترحيب لدى البعض، بات غلق بات التجديد بل غلق باب الاجتهاد ديدن البعض الآخر، حتى أراد هذا البعض لرداء السلفية الماضوية أن يلبس الشأن الديني الشيعي، لكي يصار إلى استمرار هيمنة النهج التاريخي ومواجهة مساعي التغيير ورفض أي حوار يهدف إلى الإصلاح، ونعت كل من يضع قدمه داخل هذا المربع بنعوت لا تمت بصلة إلى الأخلاق الرصينة التي حثت عليها الأديان والمذاهب، بما فيها المذهب الشيعي.

ويبدو أن ثقافة الإلغاء/الإقصاء، إلغاء الحوار والنقاش والبحث والكلام، هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيع أن يتشبث بها المنتمون إلى إيديولوجيا دينية لا ترى الحق إلا فيها وعندها، والآخر، الديني وغير الديني، مجرد ضلال لابد من «التقية» معه أو إلغائه.

والأخ المحترم الأستاذ عبدالحسين السلطان، المسؤول في صحيفة «الدار» المحترمة وكاتب المقالات فيها، كتب مقالا بتاريخ 29 نوفمبر الماضي ينتقد فيه «بيان المثقفين الشيعة»، وفي الحقيقة لم يكن المقال سوى صورة من صور السلفية الشيعية الجديدة المنتشرة في أصقاع عالمنا العربي والمسلم. فالكاتب المحترم صب جام غضبه وحقده وكراهيته غير المبررة على شخوص الموقعين بعد أن صنّفهم في إطار التصنيفات السلفية المتداولة والمعتادة، حيث حكم عليهم بالزندقة والتجديف والتكفير، وتجاهل، سواء عن عمد أو من دون قدرة على المواجهة والرد، الموضوع الرئيسي للبيان وهو «تصحيح الوضع الشيعي».

فالذين وقعوا البيان حملوا على عاتقهم إصلاح مجتمعاتهم وانتزاع السلفيات الدينية الاستبدادية وغير المتسامحة منها، وهدفوا إلى نشر رؤى تدعو إلى التخلص من الأغلال التي كبّلت إرادة الإنسان الشيعي باسم الدين، وسعوا إلى نشر مطالب تحث المواطن الشيعي على التحرر من أسْر الثقافة الدينية التاريخية التي سعى رجال دينها وفقهاؤها، غصبا وجورا، إلى اعتبارها صالحة لكل زمان ومكان، وكأنها هي القرآن الكريم نفسه، وليس تفسيرا بشريا للنص الديني.

فالموقعون على البيان لم يطالبوا بالتخلص من الدين، كما يوهم الكاتب المحترم، بل حثوا الشيعة على معالجة الموروث الديني السلبي، فهل من يدعو إلى تلك المطالب يُتهم بالزندقة والتجديف والتكفير؟ وهل يعقل أن يُطالب الكافر أو الزنديق بالإصلاح الديني؟ فالموقعون اجتمعوا على هدف واحد هو الإصلاح والتغيير والتنوير، لكن كاتب المقال أبى إلا أن يهاجمهم ويتجاهل الموضوع الرئيسي للبيان، لأنه، حسب معرفتنا بالكاتب، أحد أبرز مناصري الشأن الديني التقليدي التاريخي رغم إشارته وإشادته في مقاله إلى مصلح بارز، هو المفكر الإيراني الدكتور عبدالكريم سروش، بوصفه يقود عملية إصلاح ديني من داخل التيار الديني، في حين يعلم المراقب للشأن الديني أن التيار الشيعي التقليدي حارب/يحارب الدكتور سروش بكل ما أوتي من قوة وعنف، حتى أن بعض رجال الدين رموه بالارتداد والتجديف، كما حُرم من التدريس في الجامعات الإيرانية بسبب آرائه الإصلاحية التنويرية وانتقاداته الموجهة ضد التفسير الإسلامي التقليدي والإسلام السياسي، وهما إسلاميان، حسب معلوماتنا، ينتمي إليهما الأخ المحترم عبدالحسين السلطان ويدافع عنهما بقوة.

يقول الأخ المحترم في مقاله إن موقعي البيان الشيعي ليسوا سوى ليبراليين وعلمانيين، وبأنهم من خارج المؤسسة الدينية العتيدة، وكأنه يريد أن يقول إن من له الصلاحية للحديث عن الإصلاح الديني الشيعي لابد أن يكون من أبناء المؤسسة الدينية الشيعية فقط. إن الكويتي الوحيد الذي وقع على البيان وآخرين معه ممن ورد اسمهم أسفل هذا المقال كانوا في يوم من الأيام ضمن التيار الديني الشيعي، لكن ضاقت على الأخ عبدالحسين وعلى غيره ممن ينتمون إلى هذا التيار التقليدي محاولات إصلاح المؤسسة الدينية الشيعية، لأنه، حسب زعمه وغيره، يجب أن تكون المؤسسة هي المبادرة في هذا المجال، وأنها صاحبة الحق الأول والأخير في أي دعوة للتغيير والتجديد، لكن الأخ عبدالحسين يتجاهل، أو يتعمد التجاهل، بأن الأغلبية العظمى من المبادرات الدينية الشيعية الإصلاحية، كان ضحيتها أصحابها، حيث مورس العنف والإلغاء بحقهم دون أي مواربة أو خجل.

وينسى الأخ عبدالحسين أن الموقعين على البيان الشيعي هم من أبناء المؤسسة الدينية، أو بالأحرى هم ضحايا تلك المؤسسة وفكرها المتزمت القائم على التقليد الأعمى الذي يلغي العقل ويحث على التلقين ويطالب بالاعتقاد المطلق بالأفكار الصنمية الملتصقة زورا بالدين، الأفكار التي لا تقبل السؤال فما بالك بالتجديد والتغيير.

وعندما يحاول الموقعون على البيان إعمال العقل وغربلة الفكر وحماية الدين من الموروث التاريخي الماضوي ومن الاستبداد ويبحثون عن إجابات لأسئلة يعتبرها رجال الدين التقليديون محظورة، تتم مواجهتهم بتهم الخروج عن الدين «والاستهزاء بنبي الإسلام»! فالمثقفون الذين وقعوا البيان الشيعي لم يجدوا بدّا إلا اختراق المنطقة الدينية التقليدية المحظورة، وتوجيه النقد لثقافتها البعيدة عن الواقع الحياتي المعاش، والبحث في فصل العقل الحديث عن النقل القديم. وللأسف فإن مواقع الفكر الديني المحظورة كثيرة بحيث لا تحصى لشدة تعارضها مع العقل.