سلسبيل
12-04-2008, 08:32 AM
عبده وازن الحياة - 04/12/08//
غابت ليلى كرم منتصف ليل أول من أمس وحيدة في أحد مستشفيات بيروت وأُعلن الخبر فجراً. ليلى كرم الممثلة اللبنانية القديرة عاشت أعوامها الأخيرة في الظل بعدما أصابها مرض الكلى وحال دون مواصلتها «العمل»، وكانت تعاني فقراً مدقعاً حتى أنها لم تكن تملك في أحيان كثيرة أجرة التاكسي لتعود الى منزلها الصغير بعد انتهاء التصوير في الاستوديو. هذه الممثلة التي ملأت ليالي مواطنيها مرحاً وحبوراً من خلال الشخصيات «البلدية» التي أدّتها رفعت صوت استغاثة مرة تلو أخرى، لكنّ ما من أحد رمى اليها خشبة إنقاذ، ما عدا مبادرات قليلة جداً كان يقوم بها زملاء لها وأصدقاء ليسوا في حال أفضل من حالها.
كان مقدّراً لهذه الممثلة أن تكون في الصف الأول هي التي بدأت مهنة التمثيل باكراً في الإذاعة اللبنانية أيام كان أداء المسرحيات يتم مباشرة على الهواء. لكن حظها تعثر ولا أحد يدري لماذا، فأصبحت ممثلة في الصف الثاني على رغم قدرتها الهائلة في أداء الشخصيات النسائية المختلفة والمتناقضة. ربما هو عدم تخرّجها الأكاديمي هي الممثلة العصامية التي صنعت نفسها بنفسها في إدارة مخرجين عملت معهم طوال مسيرتها الطويلة. وكانت تتنقل من الإذاعة الى الخشبة الشاشة الصغيرة أيام كانت بالأسود والأبيض، بلا مشقة ولا كلل... وكان لها أن تحل محل «أم ملحم» في البرنامج الدرامي الشهير «يسعد مساكم» الذي كان يعده ويقدمه «أبو ملحم» (أديب حداد)، فهي سبقت زوجة «أبو ملحم» وأدت قبلها هذه الشخصية التي ظلّت تدعى «أم ملحم». والبرنامج هذا كان من أوائل البرامج «الدرامية» والاجتماعية في تلفزيون لبنان، وقد شغل مخيلة جمهور كبير كان يتابعه أسبوعياً في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم.
لكن ليلى كرم سرعان ما برزت كممثلة تملك الكثير من القدرة الفطرية والعفوية والذكاء، وراحت تطل في عروض مسرحية مهمة تتراوح بين المسرح الطليعي الذي كان يشهد ولادته الأولى والمسرح الغنائي والشعبي. صحيح أنها لم تؤدِّ الأدوار الأولى لكنها كانت تملك دوماً حضورها الخاص. مَن ينسى عمة «نعمان» في مسرحية «ميس الريم» للأخوين الرحباني، بصوتها الجهوري وقفشاتها الطريفة؟ بل مَن ينسى إطلالاتها الفريدة في مسرحيتي «الرفيق سجعان» و «قبضاي» لجلال خوري أو في مسرحية «أبو علي الأسمراني» عندما حلّت محل نضال الأشقر الى جانب أنطوان كرباج؟ أما في التلفزيون فاللبنانيون يذكرونها جيداً في برنامج «الدنيا هيك» تمثل دور «وردة»، المرأة القوية التي تخيف الرجال ولكن برقة ومهارة. كانت ليلى كرم في هذا البرنامج كأنها في أسرتها: محمد شامل والياس رزق وماجد أفيوني وفريال كريم... وكان هؤلاء جميعاً يمثلون نموذجاً عن العائلة والحيّ و «الجيرة» في لبنان الذاكرة، لا الواقع.
أطلت ليلى كرم في برامج تلفزيونية كثيرة، درامية وكوميدية ومنها «المشوار الطويل» مع الممثل الكبير شوشو (حسن علاء الدين)، وكان هذا المسلسل حدثاً تلفزيونياً في السبعينات وقد اقتبسه فارس يواكيم عن ثلاثية مارسيل بانيول الروائية الشهيرة. وأطلت ليلى كرم أيضاً الى جانب الممثلة القديرة الراحلة هند أبي اللمع في أعمال عدة مثل «السراب» ثم في «المعلمة والأستاذ» مع إبراهيم مرعشلي الممثل والكاتب الذي استنجد بها في معظم أعماله الأخيرة.
عندما بلغنا خبر رحيل ليلى كرم سألنا عن سيرة لها وعن تاريخ مولدها، لكن نقابة الممثلين أبلغتنا أنها لا تملك لها سيرة ولا قائمة بالأعمال التي شاركت فيها كممثلة. لكن الذاكرة لا تخون مهما مرّ بها من أعوام، لا سيما أن ليلى كرم كانت من الوجوه التي يصعب عليها أن تسقط من الذاكرة. آخر إطلالة لها كانت في برنامج دون مستواها وهو «مرتي وأنا» وهي لم تكمله أصلاً وانسحبت منه باكراً. وكان هذا المسلسل من أسوأ الأعمال التي شاركت فيها في أعوامها الأخيرة. وما لا يُنسى أيضاً إطلالتها في فيلم فريد الأطرش «نغم في حياتي» وفي فيلم «وست بيروت» الذي نقل مشاهد من الأزقة اللبنانية غداة الحروب الأهلية المتعاقبة.
ماتت ليلى كرم فقيرة جداً مثل الكثير من أهل مهنتها الذين ما زالوا محرومين من أي ضمان في شيخوختهم. ماتت وحيدة ومقهورة هي التي كانت بسمة الشاشة الصغيرة قبل أن تصبح هذه الشاشة فضائية. ليلى كرم التي سبقها الكثير من رفاق جيلها الى الرحيل سيطويها النسيان إن لم تعمد نقابة الممثلين الى إحياء ذكراها ووضع سيرة لها.
غابت ليلى كرم منتصف ليل أول من أمس وحيدة في أحد مستشفيات بيروت وأُعلن الخبر فجراً. ليلى كرم الممثلة اللبنانية القديرة عاشت أعوامها الأخيرة في الظل بعدما أصابها مرض الكلى وحال دون مواصلتها «العمل»، وكانت تعاني فقراً مدقعاً حتى أنها لم تكن تملك في أحيان كثيرة أجرة التاكسي لتعود الى منزلها الصغير بعد انتهاء التصوير في الاستوديو. هذه الممثلة التي ملأت ليالي مواطنيها مرحاً وحبوراً من خلال الشخصيات «البلدية» التي أدّتها رفعت صوت استغاثة مرة تلو أخرى، لكنّ ما من أحد رمى اليها خشبة إنقاذ، ما عدا مبادرات قليلة جداً كان يقوم بها زملاء لها وأصدقاء ليسوا في حال أفضل من حالها.
كان مقدّراً لهذه الممثلة أن تكون في الصف الأول هي التي بدأت مهنة التمثيل باكراً في الإذاعة اللبنانية أيام كان أداء المسرحيات يتم مباشرة على الهواء. لكن حظها تعثر ولا أحد يدري لماذا، فأصبحت ممثلة في الصف الثاني على رغم قدرتها الهائلة في أداء الشخصيات النسائية المختلفة والمتناقضة. ربما هو عدم تخرّجها الأكاديمي هي الممثلة العصامية التي صنعت نفسها بنفسها في إدارة مخرجين عملت معهم طوال مسيرتها الطويلة. وكانت تتنقل من الإذاعة الى الخشبة الشاشة الصغيرة أيام كانت بالأسود والأبيض، بلا مشقة ولا كلل... وكان لها أن تحل محل «أم ملحم» في البرنامج الدرامي الشهير «يسعد مساكم» الذي كان يعده ويقدمه «أبو ملحم» (أديب حداد)، فهي سبقت زوجة «أبو ملحم» وأدت قبلها هذه الشخصية التي ظلّت تدعى «أم ملحم». والبرنامج هذا كان من أوائل البرامج «الدرامية» والاجتماعية في تلفزيون لبنان، وقد شغل مخيلة جمهور كبير كان يتابعه أسبوعياً في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم.
لكن ليلى كرم سرعان ما برزت كممثلة تملك الكثير من القدرة الفطرية والعفوية والذكاء، وراحت تطل في عروض مسرحية مهمة تتراوح بين المسرح الطليعي الذي كان يشهد ولادته الأولى والمسرح الغنائي والشعبي. صحيح أنها لم تؤدِّ الأدوار الأولى لكنها كانت تملك دوماً حضورها الخاص. مَن ينسى عمة «نعمان» في مسرحية «ميس الريم» للأخوين الرحباني، بصوتها الجهوري وقفشاتها الطريفة؟ بل مَن ينسى إطلالاتها الفريدة في مسرحيتي «الرفيق سجعان» و «قبضاي» لجلال خوري أو في مسرحية «أبو علي الأسمراني» عندما حلّت محل نضال الأشقر الى جانب أنطوان كرباج؟ أما في التلفزيون فاللبنانيون يذكرونها جيداً في برنامج «الدنيا هيك» تمثل دور «وردة»، المرأة القوية التي تخيف الرجال ولكن برقة ومهارة. كانت ليلى كرم في هذا البرنامج كأنها في أسرتها: محمد شامل والياس رزق وماجد أفيوني وفريال كريم... وكان هؤلاء جميعاً يمثلون نموذجاً عن العائلة والحيّ و «الجيرة» في لبنان الذاكرة، لا الواقع.
أطلت ليلى كرم في برامج تلفزيونية كثيرة، درامية وكوميدية ومنها «المشوار الطويل» مع الممثل الكبير شوشو (حسن علاء الدين)، وكان هذا المسلسل حدثاً تلفزيونياً في السبعينات وقد اقتبسه فارس يواكيم عن ثلاثية مارسيل بانيول الروائية الشهيرة. وأطلت ليلى كرم أيضاً الى جانب الممثلة القديرة الراحلة هند أبي اللمع في أعمال عدة مثل «السراب» ثم في «المعلمة والأستاذ» مع إبراهيم مرعشلي الممثل والكاتب الذي استنجد بها في معظم أعماله الأخيرة.
عندما بلغنا خبر رحيل ليلى كرم سألنا عن سيرة لها وعن تاريخ مولدها، لكن نقابة الممثلين أبلغتنا أنها لا تملك لها سيرة ولا قائمة بالأعمال التي شاركت فيها كممثلة. لكن الذاكرة لا تخون مهما مرّ بها من أعوام، لا سيما أن ليلى كرم كانت من الوجوه التي يصعب عليها أن تسقط من الذاكرة. آخر إطلالة لها كانت في برنامج دون مستواها وهو «مرتي وأنا» وهي لم تكمله أصلاً وانسحبت منه باكراً. وكان هذا المسلسل من أسوأ الأعمال التي شاركت فيها في أعوامها الأخيرة. وما لا يُنسى أيضاً إطلالتها في فيلم فريد الأطرش «نغم في حياتي» وفي فيلم «وست بيروت» الذي نقل مشاهد من الأزقة اللبنانية غداة الحروب الأهلية المتعاقبة.
ماتت ليلى كرم فقيرة جداً مثل الكثير من أهل مهنتها الذين ما زالوا محرومين من أي ضمان في شيخوختهم. ماتت وحيدة ومقهورة هي التي كانت بسمة الشاشة الصغيرة قبل أن تصبح هذه الشاشة فضائية. ليلى كرم التي سبقها الكثير من رفاق جيلها الى الرحيل سيطويها النسيان إن لم تعمد نقابة الممثلين الى إحياء ذكراها ووضع سيرة لها.