2005ليلى
11-30-2008, 11:22 PM
حرب الكترونية تشتعل بين أفراد «السلفية الجهادية» ... الأردن: المقدسي ينتصر في «الجولة» الأولى على إرث الزرقاوي
عمان - محمد أبو رمان الحياة - 30/11/08//
بعد سنوات قضاها في السجون (بعد خروج أبي مصعب الزرقاوي من الأردن)، عاد شيخ السلفية الجهادية في الأردن، أبو محمد المقدسي، أخيراً إلى الساحة، وسبقته «أزمة واضحة» مع شريحة واسعة من أفراد التيار الذين انحازت غالبيتهم الى الزرقاوي، بينما وشت مراجعات المقدسي المتعددة والمتقطعة بخلافه العميق مع تجربة الزرقاوي.
وإذا كانت رسالة «الزرقاوي: مناصرة ومناصحة» الشهيرة حظيت بالاهتمام الإعلامي والسياسي الأكبر، فإنّ هناك أدبيات وأوراقاً أخرى للمقدسي لا تقلّ أهمية عن رسالة المناصرة. ولعلّ أبرز تلك الأوراق هي «وقفات مع ثمرات الجهاد» التي تقدم نقداً مفصّلاً وموسّعاً ومبطّناً لرؤية الزرقاوي في العراق وللتوجه العام الذي قاد إليه الزرقاوي تيار «السلفية الجهادية» الأردنية.
بل سبق ذلك كتاب ألّفة المقدسي مبكّراً وكاد أن يرى النور قبل أعوام، وفور خروجه الأول من السجن بعد عام 1999، وهو «الرسالة الثلاثينية في التحذير من الغلو في الكفر»، وفيه رصد لأخطاء يقع فيها أتباعه تتمثل في التشدد بصورة أكبر مما يريده أو يحتمله منهج المقدسي في التغيير.
نحن، إذاً، أمام مشروع كامل لتصحيح المسار، إن جاز التعبير، يضمره المقدسي ويحمل في ثناياه توسّلاً لاستعادة زمام القيادة الفكرية، وربما الحركية، وإعادة توجيه السلفية الجهادية (في الأردن) ضمن الرؤية التي انطلق منها المقدسي، لكنه يشعر أنّ الزرقاوي اختطفها باتجاهات أخرى مختلفة.
لم يكن المقدسي يتوقع أن تكون مهمته سهلة، بخاصة مع صعود حدة الخلاف مع الزرقاوي في فترته الأخيرة، ومع نجاح الزرقاوي في الاستيلاء على إعجاب أبناء التيار وانجذابهم إليه. لكن ما يمكن أن يخدم المقدسي ويقلل من حجم التحدي ووعورته متغيرات كثيرة أبرزها تراجع القاعدة بصورة سافرة في العراق، خلال الشهور الأخيرة، ما يقلل من اندفاع أبناء التيار نحو متابعة الزرقاوي.
يضاف إلى ذلك بروز تشققات وتصدعات كبيرة على السطح بين أتباع السلفية الجهادية وأنصارها في العالم، مع إعلان الدكتور فضل، سيد إمام شريف، عن مراجعاته بل وتراجعه عن الكثير من أفكاره التي تربى عليها أفراد هذا التيار في كثير من بقاع المعمورة، بخاصة كتابه «العمدة في إعداد العدة».
في المقابل، فإنّ المقدسي عانى منذ خروجه من التضييق الأمني، إذ إنّ شرط الإفراج عنه كان ابتعاده من الإعلام، وعدم ممارسة النشاط الحركي. هذا فضلاً عن «دقة» رسم مسار مراجعاته الخاصة وصعوبته، فهو لا يصل في رؤيته إلى ما وصلت إليه الجماعة الإسلامية في مصر، التي تخلت عن كثير من منطلقات السلفية الجهادية الفكرية، ولا كذلك ما وصل إليه د. فضل، إذ بقي المقدسي محافظاً على أصول رؤيته القائمة على مفاصلة النظم السياسية وتكفيرها والتبرؤ منها، مع الالتزام بخطوط اتصال فكرية وحركية مع دوائر السلفية الجهادية العالمية التي تنتمي إليها «القاعدة»، وهو ما لا ترضى عنه الحكومة الأردنية، التي تريده أن يصل إلى التخلي عن تلك المقولات الأيديولوجية.
على الطرف الآخر، يحاول المقدسي الحد من نزعة التكفير المبالغ بها والتشدد الصارخ الذي وصل إليه أفراد التيار، مع منهج الزرقاوي، والذي يقع في سماته الفكرية في أقصى يمين السلفية الجهادية العالمية.
بصورة أكثر تحديداً، يريد المقدسي أن يعود درجات قليلة إلى الوراء، نحو مشروعه الذي ابتدأه في أوائل التسعينات من القرن الماضي بالالتزام برؤية جديدة في فلك «العمل الإسلامي» عندما أراد أن يؤسس لتيار يحمل راية «التوحيد» (يطلق على نفسه تسمية «الموحدون») مختلف عما هو موجود، ويصر على نزع الشرعية الدينية عن النظم العربية الحاكمة، لكنه يتخذ مسار «العمل السلمي» (على الأقل في المدى المنظور) في ساحة العمل في الأردن، ويركز على تغيير المفاهيم والأفكار ويدشّن توجّهاً عاماً يخاطب الرأي العام والمجتمع بهذا الخطاب، وفي الوقت نفسه يحاول نقل هذه التجربة إلى الساحة الفلسطينية.
في حدود هذه الزوايا يمكن النظر إلى عودة المقدسي الجديدة إلى «ساحة العمل» في الأردن. وهي عودة محفوفة بأخطار مواجهة داخلية مع من لا يزالون يؤمنون برؤية الزرقاوي وتجربته.
فلم تمض إلاّ شهور قليلة على خروج المقدسي حتى تفجّر الصراع الداخلي فعلاً، وبرز داخل هذا التيار اتجاهان، الأول يقوده المقدسي والآخر تقوده مجموعة من الأفراد الذين يتخذون موقفاً حادّاً ومشككاً مراجعات الرجل وأفكاره الجديدة ويلمّحون الى وجود «أيدٍ أمنية» وراء «الحركة التصحيحية الجديدة».
سرعان ما خرج الصراع إلى العلن، وانتقل إلى «المنتديات الجهادية»، وبدأت «حرب الكترونية» بين التيارين على استقطاب أفراد التيار، واكتساب المشروعية من أنصار التيار في الخارج.
الاتجاه الرافض للمقدسي تقوده مجموعة غير معروفة إعلامياً وتستخدم أسماءً حركية للتمويه. ونجد على
هذا الصعيد بعض الأوراق والأسماء، أبرزها الكتيب الذي ألّفه المدعو أبو اليمان عبدالكريم بن عيسى المدني بعنوان «الاجتهاد في حكم الفرار من ساحات الجهاد»، وهنالك مقال لـ «أبو القاسم المهاجر» بعنوان «المقدسي يتقدم إلى الوراء»، وآخر بعنوان «نعم خرجنا» لـ «أبو القعقاع الشامي»، وآخر باسم «أسد بن الفرات»، وكذلك باسم «قاهر الطواغيت» وغيرها.
حجج هذا التوجه وأفكاره تستند إلى التشكيك بخلفية مراجعات المقدسي وأبعادها، بل وتطرح تساؤلات عمن حوله، بخاصة شخص اسمه نور الدين بيرم، من مدينة الزرقاء، الذي قدّم له المقدسي كتاباً جديداً «فصل المقال في هجر أهل البدع والضلال» يهاجم «الغلو» (التشدد المبالغ فيه).
وتدور رحى بعض المعارك حول قضية الموقف من «أئمة المساجد» التابعة لوزارة الأوقاف، الذين يكفرهم أفراد هذا التوجه، ولا يصلّون وراءهم، بينما يرفض المقدسي ذلك، ويرفض تكفيرهم بصورة كاملة.
ومن المعارك المثارة الموقف من حركة «حماس»، إذ لا يكتفي أفراد هذا التوجه بالاختلاف مع الحركة (كما هي حال المقدسي) بل يصرون على تكفيرها.
اللافت أنّ أفراد هذا التوجه يتوسلون بالتشكيك بالمقدسي وجماعته موقف الزرقاوي منه، بعد اشتعال الخلاف بين الاثنين، ويستعين هذا التوجه بمقولات الى الزرقاوي ضد المقدسي، يوظفها لنزع الشرعية عن الأخير، فينسب للزرقاوي قوله في المقدسي (بعد إعلان الأخير رسالة المناصرة): «واعلم يا شيخنا أنّ هذا الأمر لا يضرني (يقصد الزرقاوي انتقادات المقدسي لأعمال جماعة الزرقاوي في العراق)؛ بقدر ما يضر هذا الجهاد، فإنما أنا رجل من رجالات المسلمين، يوشك أن ينادى عليّ فألبي (يقصد أن يقتل)، لكن الحزن كل الحزن على جهاد قائم؛ بادية بركاته لكل ذي عينين، يراد له أن يقوّض بنيانه؛ فإن تمّ لهم ما أرادوا - عياذاً بالله- كان لك نصيب الأسد من ذلك».
على الجهة المقابلة، فإنّ جماعة المقدسي أصدروا بياناً حادّاً ضد هذا التوجه ونشروه في الكثير من المواقع والمنتديات الجهادية على شبكة الانترنت، يصف التوجه الأول بأنه من «الخوارج» (فرقة إسلامية قديمة مغالية في معتقداتها الدينية خارجة من أهل السنّة والجماعة التي يعلن تيار السلفية الجهادية في العالم انتماءه إليها).
بيان «الدفاع عن المقدسي» أشار إلى أنّ ذلك التوجّه محدود، وتحديداً في مدينة الزرقاء، وأنه يقترب من «تكفير» فئات واسعة من المجتمع، بل يشكك في «إسلام» المجتمع بأسره، وفي ذلك إشارة إلى أنّ هذه المجموعة تقترب من جماعة «التكفير والهجرة» المعروفة في مصر، ودول عربية وإسلامية أخرى.
اللافت في بيان الدفاع أنه طالب أفراد التيار بعزل ذلك التوجه بصورة كاملة، بل ووصل إلى تحذير ضمني مبطّن الى من يقف معهم ويوافقهم باتخاذ «ما يناسبه» من الإجراء، وهي عبارة أقرب لتكون «نداءً حركياً» مشفّراً.
ما هو أهم من هذا وذاك أنّ البيان حمل توقيع 26 شخصية، أغلبها معروف، من مفاتيح السلفية الجهادية في مناطق وجود هذا التيار وانتشاره (بخاصة في الزرقاء وإربد والسلط ومعان وعمان والكرك)، ومن أبرزهم: جراح الرحاحلة، أبو محمد المقدسي، أبو محمد الطحاوي، أبو عبدالله ريالات، أبو قتيبة المجالي، صخر المعاني، نور بيرم، أبو محمد العابد، عمر مهدي زيدان وجواد الفقيه.
البيان حظي بانتشار واسع في مواقع المنتديات الجهادية، واكتسب المشروعية، مقابل سحب بيانات المجموعة الأخرى وأوراقها من تلك المواقع، وهو ما أعاد الى المقدسي اعتباره لدى أنصار السلفية الجهادية داخل الأردن وخارجه.
لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد أرسل أنصار المقدسي رسالة إلى الأصولي المصري المعروف في لندن، هاني السباعي، صاحب مركز المقريزي للدراسات، وأحد المصادر المعروفة المقرّبة من «القاعدة»، تستفتيه بموقع المقدسي داخل السلفية الجهادية، ردّاً على المشككين به، فما كان من السباعي إلاّ أن منح المقدسي مشروعية مطلقة معتبراً أنه رمز من رموز هذا التيار المعروفين، قائلاً: «الشيخ أبو محمد المقدسي ثبت ثقة متقن، مأمون، سليم العقيدة، شوكة في حلوق الطواغيت وأنصارهم، علم من أعلام أهل السنّة، كتبه وآراؤه شاهدة على تبحره وسعة إطلاعه، لا يزال يتعرض لمحنة السجن بغية أن يسير في ركب المتراجعين عن الحق! لكن الله ثبّته ولا يزال مستعصماً بحبل الله المتين».
هذه المعطيات والشــهادات تــدلّ بــصورة واضحة الى أنّ المقدسي كسب الجولة الأولى من المعركة في مشروعه الجديد، وتمكّن من استعادة قاعدته داخل السلفية الجهادية في الأردن، وردّ جزءاً كبيراً من اعتباره لدى أنصار التيار في الخارج، وهي نقاط تسجّل لمصلحته على الأقل في المرحلة الحالية، لكنّ التحدي الأهم والأكــبر في مــدى تماســك مجموعته وقدرته على السير بها في الطريق التي يريدها.
فمعطيات الواقع الأردني تدفع أفراد التيار إلى القبول بـ «الحد الأدنى» الذي يقدمه مرحلياً المقدسي، بالدعوة والتبليغ والتربية والابتعاد ما أمكن من المواجهة الأمنية غير المتكافئة، ولو بصورة عامة وليست جزئية. فما يطرحه المقدسي من أجندة أكثر واقعية وإمكانية من مطالبات الجماعة الأخرى السير على خطى الزرقاوي، على الأقل في الساحة الأردنية.
عمان - محمد أبو رمان الحياة - 30/11/08//
بعد سنوات قضاها في السجون (بعد خروج أبي مصعب الزرقاوي من الأردن)، عاد شيخ السلفية الجهادية في الأردن، أبو محمد المقدسي، أخيراً إلى الساحة، وسبقته «أزمة واضحة» مع شريحة واسعة من أفراد التيار الذين انحازت غالبيتهم الى الزرقاوي، بينما وشت مراجعات المقدسي المتعددة والمتقطعة بخلافه العميق مع تجربة الزرقاوي.
وإذا كانت رسالة «الزرقاوي: مناصرة ومناصحة» الشهيرة حظيت بالاهتمام الإعلامي والسياسي الأكبر، فإنّ هناك أدبيات وأوراقاً أخرى للمقدسي لا تقلّ أهمية عن رسالة المناصرة. ولعلّ أبرز تلك الأوراق هي «وقفات مع ثمرات الجهاد» التي تقدم نقداً مفصّلاً وموسّعاً ومبطّناً لرؤية الزرقاوي في العراق وللتوجه العام الذي قاد إليه الزرقاوي تيار «السلفية الجهادية» الأردنية.
بل سبق ذلك كتاب ألّفة المقدسي مبكّراً وكاد أن يرى النور قبل أعوام، وفور خروجه الأول من السجن بعد عام 1999، وهو «الرسالة الثلاثينية في التحذير من الغلو في الكفر»، وفيه رصد لأخطاء يقع فيها أتباعه تتمثل في التشدد بصورة أكبر مما يريده أو يحتمله منهج المقدسي في التغيير.
نحن، إذاً، أمام مشروع كامل لتصحيح المسار، إن جاز التعبير، يضمره المقدسي ويحمل في ثناياه توسّلاً لاستعادة زمام القيادة الفكرية، وربما الحركية، وإعادة توجيه السلفية الجهادية (في الأردن) ضمن الرؤية التي انطلق منها المقدسي، لكنه يشعر أنّ الزرقاوي اختطفها باتجاهات أخرى مختلفة.
لم يكن المقدسي يتوقع أن تكون مهمته سهلة، بخاصة مع صعود حدة الخلاف مع الزرقاوي في فترته الأخيرة، ومع نجاح الزرقاوي في الاستيلاء على إعجاب أبناء التيار وانجذابهم إليه. لكن ما يمكن أن يخدم المقدسي ويقلل من حجم التحدي ووعورته متغيرات كثيرة أبرزها تراجع القاعدة بصورة سافرة في العراق، خلال الشهور الأخيرة، ما يقلل من اندفاع أبناء التيار نحو متابعة الزرقاوي.
يضاف إلى ذلك بروز تشققات وتصدعات كبيرة على السطح بين أتباع السلفية الجهادية وأنصارها في العالم، مع إعلان الدكتور فضل، سيد إمام شريف، عن مراجعاته بل وتراجعه عن الكثير من أفكاره التي تربى عليها أفراد هذا التيار في كثير من بقاع المعمورة، بخاصة كتابه «العمدة في إعداد العدة».
في المقابل، فإنّ المقدسي عانى منذ خروجه من التضييق الأمني، إذ إنّ شرط الإفراج عنه كان ابتعاده من الإعلام، وعدم ممارسة النشاط الحركي. هذا فضلاً عن «دقة» رسم مسار مراجعاته الخاصة وصعوبته، فهو لا يصل في رؤيته إلى ما وصلت إليه الجماعة الإسلامية في مصر، التي تخلت عن كثير من منطلقات السلفية الجهادية الفكرية، ولا كذلك ما وصل إليه د. فضل، إذ بقي المقدسي محافظاً على أصول رؤيته القائمة على مفاصلة النظم السياسية وتكفيرها والتبرؤ منها، مع الالتزام بخطوط اتصال فكرية وحركية مع دوائر السلفية الجهادية العالمية التي تنتمي إليها «القاعدة»، وهو ما لا ترضى عنه الحكومة الأردنية، التي تريده أن يصل إلى التخلي عن تلك المقولات الأيديولوجية.
على الطرف الآخر، يحاول المقدسي الحد من نزعة التكفير المبالغ بها والتشدد الصارخ الذي وصل إليه أفراد التيار، مع منهج الزرقاوي، والذي يقع في سماته الفكرية في أقصى يمين السلفية الجهادية العالمية.
بصورة أكثر تحديداً، يريد المقدسي أن يعود درجات قليلة إلى الوراء، نحو مشروعه الذي ابتدأه في أوائل التسعينات من القرن الماضي بالالتزام برؤية جديدة في فلك «العمل الإسلامي» عندما أراد أن يؤسس لتيار يحمل راية «التوحيد» (يطلق على نفسه تسمية «الموحدون») مختلف عما هو موجود، ويصر على نزع الشرعية الدينية عن النظم العربية الحاكمة، لكنه يتخذ مسار «العمل السلمي» (على الأقل في المدى المنظور) في ساحة العمل في الأردن، ويركز على تغيير المفاهيم والأفكار ويدشّن توجّهاً عاماً يخاطب الرأي العام والمجتمع بهذا الخطاب، وفي الوقت نفسه يحاول نقل هذه التجربة إلى الساحة الفلسطينية.
في حدود هذه الزوايا يمكن النظر إلى عودة المقدسي الجديدة إلى «ساحة العمل» في الأردن. وهي عودة محفوفة بأخطار مواجهة داخلية مع من لا يزالون يؤمنون برؤية الزرقاوي وتجربته.
فلم تمض إلاّ شهور قليلة على خروج المقدسي حتى تفجّر الصراع الداخلي فعلاً، وبرز داخل هذا التيار اتجاهان، الأول يقوده المقدسي والآخر تقوده مجموعة من الأفراد الذين يتخذون موقفاً حادّاً ومشككاً مراجعات الرجل وأفكاره الجديدة ويلمّحون الى وجود «أيدٍ أمنية» وراء «الحركة التصحيحية الجديدة».
سرعان ما خرج الصراع إلى العلن، وانتقل إلى «المنتديات الجهادية»، وبدأت «حرب الكترونية» بين التيارين على استقطاب أفراد التيار، واكتساب المشروعية من أنصار التيار في الخارج.
الاتجاه الرافض للمقدسي تقوده مجموعة غير معروفة إعلامياً وتستخدم أسماءً حركية للتمويه. ونجد على
هذا الصعيد بعض الأوراق والأسماء، أبرزها الكتيب الذي ألّفه المدعو أبو اليمان عبدالكريم بن عيسى المدني بعنوان «الاجتهاد في حكم الفرار من ساحات الجهاد»، وهنالك مقال لـ «أبو القاسم المهاجر» بعنوان «المقدسي يتقدم إلى الوراء»، وآخر بعنوان «نعم خرجنا» لـ «أبو القعقاع الشامي»، وآخر باسم «أسد بن الفرات»، وكذلك باسم «قاهر الطواغيت» وغيرها.
حجج هذا التوجه وأفكاره تستند إلى التشكيك بخلفية مراجعات المقدسي وأبعادها، بل وتطرح تساؤلات عمن حوله، بخاصة شخص اسمه نور الدين بيرم، من مدينة الزرقاء، الذي قدّم له المقدسي كتاباً جديداً «فصل المقال في هجر أهل البدع والضلال» يهاجم «الغلو» (التشدد المبالغ فيه).
وتدور رحى بعض المعارك حول قضية الموقف من «أئمة المساجد» التابعة لوزارة الأوقاف، الذين يكفرهم أفراد هذا التوجه، ولا يصلّون وراءهم، بينما يرفض المقدسي ذلك، ويرفض تكفيرهم بصورة كاملة.
ومن المعارك المثارة الموقف من حركة «حماس»، إذ لا يكتفي أفراد هذا التوجه بالاختلاف مع الحركة (كما هي حال المقدسي) بل يصرون على تكفيرها.
اللافت أنّ أفراد هذا التوجه يتوسلون بالتشكيك بالمقدسي وجماعته موقف الزرقاوي منه، بعد اشتعال الخلاف بين الاثنين، ويستعين هذا التوجه بمقولات الى الزرقاوي ضد المقدسي، يوظفها لنزع الشرعية عن الأخير، فينسب للزرقاوي قوله في المقدسي (بعد إعلان الأخير رسالة المناصرة): «واعلم يا شيخنا أنّ هذا الأمر لا يضرني (يقصد الزرقاوي انتقادات المقدسي لأعمال جماعة الزرقاوي في العراق)؛ بقدر ما يضر هذا الجهاد، فإنما أنا رجل من رجالات المسلمين، يوشك أن ينادى عليّ فألبي (يقصد أن يقتل)، لكن الحزن كل الحزن على جهاد قائم؛ بادية بركاته لكل ذي عينين، يراد له أن يقوّض بنيانه؛ فإن تمّ لهم ما أرادوا - عياذاً بالله- كان لك نصيب الأسد من ذلك».
على الجهة المقابلة، فإنّ جماعة المقدسي أصدروا بياناً حادّاً ضد هذا التوجه ونشروه في الكثير من المواقع والمنتديات الجهادية على شبكة الانترنت، يصف التوجه الأول بأنه من «الخوارج» (فرقة إسلامية قديمة مغالية في معتقداتها الدينية خارجة من أهل السنّة والجماعة التي يعلن تيار السلفية الجهادية في العالم انتماءه إليها).
بيان «الدفاع عن المقدسي» أشار إلى أنّ ذلك التوجّه محدود، وتحديداً في مدينة الزرقاء، وأنه يقترب من «تكفير» فئات واسعة من المجتمع، بل يشكك في «إسلام» المجتمع بأسره، وفي ذلك إشارة إلى أنّ هذه المجموعة تقترب من جماعة «التكفير والهجرة» المعروفة في مصر، ودول عربية وإسلامية أخرى.
اللافت في بيان الدفاع أنه طالب أفراد التيار بعزل ذلك التوجه بصورة كاملة، بل ووصل إلى تحذير ضمني مبطّن الى من يقف معهم ويوافقهم باتخاذ «ما يناسبه» من الإجراء، وهي عبارة أقرب لتكون «نداءً حركياً» مشفّراً.
ما هو أهم من هذا وذاك أنّ البيان حمل توقيع 26 شخصية، أغلبها معروف، من مفاتيح السلفية الجهادية في مناطق وجود هذا التيار وانتشاره (بخاصة في الزرقاء وإربد والسلط ومعان وعمان والكرك)، ومن أبرزهم: جراح الرحاحلة، أبو محمد المقدسي، أبو محمد الطحاوي، أبو عبدالله ريالات، أبو قتيبة المجالي، صخر المعاني، نور بيرم، أبو محمد العابد، عمر مهدي زيدان وجواد الفقيه.
البيان حظي بانتشار واسع في مواقع المنتديات الجهادية، واكتسب المشروعية، مقابل سحب بيانات المجموعة الأخرى وأوراقها من تلك المواقع، وهو ما أعاد الى المقدسي اعتباره لدى أنصار السلفية الجهادية داخل الأردن وخارجه.
لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد أرسل أنصار المقدسي رسالة إلى الأصولي المصري المعروف في لندن، هاني السباعي، صاحب مركز المقريزي للدراسات، وأحد المصادر المعروفة المقرّبة من «القاعدة»، تستفتيه بموقع المقدسي داخل السلفية الجهادية، ردّاً على المشككين به، فما كان من السباعي إلاّ أن منح المقدسي مشروعية مطلقة معتبراً أنه رمز من رموز هذا التيار المعروفين، قائلاً: «الشيخ أبو محمد المقدسي ثبت ثقة متقن، مأمون، سليم العقيدة، شوكة في حلوق الطواغيت وأنصارهم، علم من أعلام أهل السنّة، كتبه وآراؤه شاهدة على تبحره وسعة إطلاعه، لا يزال يتعرض لمحنة السجن بغية أن يسير في ركب المتراجعين عن الحق! لكن الله ثبّته ولا يزال مستعصماً بحبل الله المتين».
هذه المعطيات والشــهادات تــدلّ بــصورة واضحة الى أنّ المقدسي كسب الجولة الأولى من المعركة في مشروعه الجديد، وتمكّن من استعادة قاعدته داخل السلفية الجهادية في الأردن، وردّ جزءاً كبيراً من اعتباره لدى أنصار التيار في الخارج، وهي نقاط تسجّل لمصلحته على الأقل في المرحلة الحالية، لكنّ التحدي الأهم والأكــبر في مــدى تماســك مجموعته وقدرته على السير بها في الطريق التي يريدها.
فمعطيات الواقع الأردني تدفع أفراد التيار إلى القبول بـ «الحد الأدنى» الذي يقدمه مرحلياً المقدسي، بالدعوة والتبليغ والتربية والابتعاد ما أمكن من المواجهة الأمنية غير المتكافئة، ولو بصورة عامة وليست جزئية. فما يطرحه المقدسي من أجندة أكثر واقعية وإمكانية من مطالبات الجماعة الأخرى السير على خطى الزرقاوي، على الأقل في الساحة الأردنية.