2005ليلى
11-30-2008, 11:12 PM
من أرشيف الاستخبارات اليوغوسلافية ... مصير الضباط الألبان والبشناق الذين جاؤوا الى لبنان وسورية عشية حرب 1948 ليقاتلوا الى جانب العرب
بريشتينا - محمد م. الأرناؤوط الحياة - 30/11/08//
خلال الحرب العالمية الثانية تغيرت خريطة البلقان مع انهيار يوغوسلافيا الملكية في عام 1941 وبروز ثلاثة كيانات جديدة: كراوتيا الكبرى (التي ضمت البوسنة) وألبانيا الكبرى (التي ضمت كوسوفو) وبلغاريا الكبرى (التي ضمت مقدونيا). وخلال السنوات اللاحقة 1941-1945 جرت هنا «حرب التحرير» التي كانت أيضاً نوعاً من الحرب الأهلية بين اليمين واليسار، بين القوميين واليساريين، وبين الملكيين والجمهوريين. وقد انتهت هذه الحرب المزدوجة في 1945 بانتصار الحزب الشيوعي في يوغوسلافيا وألبانيا، المدعوم من الاتحاد السوفياتي وبريطانيا، مما أدى الى لجوء عدد كبير من المعسكر القومي/ الملكي المنهزم الى الدول المجاورة (النمسا وإيطاليا واليونان)، حيث بقوا هناك يحلمون بالعودة مع المناخ الجديد للحرب الباردة.
وكان بين هؤلاء عدد كبير من الضباط الألبان والبشناق الذين كانت لهم خبرتهم النظرية والميدانية التي اكتسبوها في دراساتهم ومشاركتهم في الحرب الدائرة 1941-1945. ونظراً لأن الدول التي كانوا فيها (كراوتيا الكبرى وألبانيا الكبرى) كانت على علاقة وثيقة بألمانيا النازية وحلفائها في الشرق الأوسط (الحاج محمد أمين الحسيني الخ) فقد تجددت الاتصالات بهم في المعسكرات التي أقيمت لأجلهم في إيطاليا، حيث كانوا يعيشون في ظروف صعبة خلال عامي 1946-1947. ومع هذه الاتصالات من طرف بعض القيادات العربية استجاب قسم منهم للذهاب الى الشرق الأوسط للخدمة هناك سواء في جيش الإنقاذ أو في جيوش الدول العربية التي استقلت حديثاً (سورية ولبنان).
وعلى رغم أهمية مشاركة هؤلاء الضباط الألبان والبشانقة في حرب 1948 الى جانب العرب إلا أننا لا نجد سوى نتفٍ صغيرة عن هؤلاء، ومنها ما ورد في كتاب هاني الهندي «جيش الإنقاذ» ومذكرات محمد معروف «أيام عشتها» الخ. ففي مذكراته يذكر العقيد في الجيش السوري آنذاك محمد معروف «اليوغوسلاف المسلمين الذين تركوا بلادهم بعد أن سيطر تيتو والحزب الشيوعي على الحكم هناك، وكان هؤلاء قد شاركوا في حرب فلسطين وأبلوا بلاء حسناً». ومن المثير هنا أن العقيد معروف يكشف ان حسني الزعيم كان قرر قبل عدة أيام من الانقلاب عليه أن يغير حرسه الخاص من الشركس (الذي ثبت لاحقاً ان الانقلابيين قد اخترقوه) بـ «اليوغوسلاف المسلمين»، ولكن ضباط الجيش السوري (ومنهم محمد معروف) سبقوه بالانقلاب عليه وقتله في صباح 14/8/1948.
وقد صدر هنا عن هؤلاء حديثاً في بريشتينا كتاب مهم يكشف فصولاً جديدة عن هذه القضية. وفي الواقع ان هؤلاء الضباط وغيرهم من المسؤولين الحكوميين والسياسيين كانوا قد دخلوا آنذاك ضمن اهتمامات أجهزة المخابرات الجديدة يوغوسلافيا الاشتراكية (الاودبا)، باعتبارهم من المعارضة الموجودة في الخارج، ولذلك فقد كلفت هذه الأجهزة فريق عمل لوضع تقرير شامل عن هؤلاء اللاجئين السياسيين من عسكريين ومدنيين، الذين كانوا يشكلون هاجساً أمنياً للدولة اليوغوسلافية الجديدة. وقد وضع هذا التقرير الشامل في عام 1952 وشمل مختلف القارات حيثما يتواجد هؤلاء اللاجئون، ومن ذلك لدينا فصل خاص عن سورية ولبنان حتى 1953. وقد نسخ هذا التقرير السري للغاية في مئة نسخة مرقمة وزعت على الأجهزة المعنية، وبقي «سرياً للغاية» حتى 2004 حينما تقدم واحد ممن كانوا يعرفونه ويملكون نسخة منه الى دار النشر الكوسوفية «كوها» التي قامت بنشر هذا التقرير كاملاً على شكل كتاب من الحجم الكبير يتضمن 687 صفحة (بريشتينا 2004).
وبحسب ما يرد في الكتاب فإن أولى الاتصالات مع هؤلاء الضباط أجرتها السفارة السورية في روما في منتصف عام 1947، وعرضت على هؤلاء الذهاب الى سورية والعمل هناك من دون أن تذكر لهم صراحة مشاركتهم في الحرب ضد القوات اليهودية. وبالاستناد الى ذلك فقد انطلقت أول مجموعة من هؤلاء في 23 أيلول 1947 وضمت: شوفي مفتيتش وحسن غوستوفيتش وعلي سولو وحسن سولا وشريف حرم باشيتش وأسعد زومتشيتش. وما أن وصل هؤلاء الى سورية حتى أخذ الضابطان مفتيش وحرم باشيتش على عاتقهما أن يجلبا المزيد من زملائهما. ومع حاجة سورية الماسة الى هؤلاء العسكريين إلا ان الحكومة السورية لم تكن تملك الموازنة الكافية لتغطية نفقات سفر هؤلاء من روما. وقد حاولت الحكومة السورية أولاً طلب المساعدة من الحكومة المصرية بأن تخصص لهم سفينة واحدة لنقلهم دفعة واحدة، ثم خيّرت هؤلاء العسكريين بين ان يأتوا على نفقتهم أو على نفقة «منظمة الهجرة العالمية» iro. وقد استجابت «منظمة الهجرة العالمية» وحولت سفرهم الى سورية ولبنان. وهكذا فقد انطلقت المجموعة الثانية والثالثة خلال كانون الثاني (يناير) 1948 الى بيروت، ثم انطلقت حالات فردية بعد ذلك حتى وصل عدد الواصلين الى سورية الى 350 شخصاً من العسكريين والمسؤولين السياسيين السابقين في دولتي كراوتيا وألبانيا.
وبحسب تقرير المخابرات اليوغوسلافية فإن المجموعة الأولى التي وصلت في ايلول 1947 أنزلت في التكية السليمانية في دمشق (المتحف الحربي الآن) ثم نقلت الى ثكنات الجيش السوري في قطنا حيث وزعت على عدة كتائب. أما أفراد المجموعة الثانية والثالثة فقد أرسلوا مباشرة من بيروت الى قطنا حيث انضموا الى الجيش السوري. وبحسب التقرير فإن هؤلاء لم يكونوا يعرفون بأنهم سيلحقون فوراً بالجيش السوري ولكن وجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع. وهكذا باستثناء كبار السن فقد قبل الجميع بوضعهم الجديد.
ولكن هؤلاء كانوا غير مرتاحين لسبب آخر كما يقول التقرير، إذ أنهم لم يعطوا الرواتب التي كانت لهم في الجيش الكرواتي أو الألباني. فالمشكلة كانت أن هؤلاء غادروا بلادهم في حالة حرب ولم يحملوا معهم ما يثبت خدمتهم السابقة ورتبهم، ولذلك حاولوا ان يقدموا أي شيء يفيد بما في ذلك شهادة بعضهم عن بعضهم الآخر. ونظراً لأنهم لم يكونوا يعرفون اللغة العربية فقد الحقوا بدورات سريعة قبل أن يرسلوا الى جبهات القتال.
ولا يتعرض تقرير المخابرات اليوغوسلافية الى دورهم في حرب 1948، وهو ما تركز عليه الكتابات العربية القليلة، ولكنه يتابع مصيرهم بعد الحرب. وهكذا فهو يذكر انه باستثناء عدد قليل منهم فقد سرحت غالبيتهم من الجيش. وقد بقي من هؤلاء من أخذ الجنسية اللبنانية أو الجنسية السورية ومن كانت له رتب قيادية. وبقي في الجيش اللبناني العقيد شوقي مفتيتش والنقيب حقي خليل والنقيب عبدالله هاكوزوفيتش والملازم أول الياس دوريشفيتش والملازم أول شوقي زيتشو. أما في الجيش السوري فقد بقي من هؤلاء الضباط (من دون ذكر رتبهم) مول بايراكتاري وجمال لاتشي ونشأت كولونيا الذي وصل الى رتبة مقدم في وقت كتابة التقرير (1953).
وفي ما عدا ذلك يركز التقرير على مصير الآخرين الذين تحولوا الى الحياة المدنية، حيث يوضح صعوبة الأوضاع المعيــشية ما دفعهم الى طلب المساعدة من «منظمة الهجرة الدولية» سواء للحصول على منحة شهرية أو تأشيرات دخول الى الدول الواعدة مثل الولايات المتحدة وكندا وأســتراليا. ويركز الــتقرير في شكل خاص على موقف هؤلاء من يوغوسلــافيا الاشــتراكية، التي كانت قد دخلت آنذاك في عداء شامل مع الاتحاد الســوفياتي والدول التابعة له كألبانيا وغيرها. فقد تشكلت في يوغوسلافيا آنذاك «لجنة اللاجئين الألبان» التي حاولت ان تمد يدها الى اللاجئين الألبان في دمشق، وذلك لتوطيد المعارضة ضد نظام أنور خوجا المعادي ليوغوسلافيا. ويبــدو أن أجــهزة الاستخبارات اليوغوســلافية كان لــها عملاؤها بين هؤلاء لأن التقرير يحفل بتــواريخ الاجــتماعات التي كــانت تــعقد فــي التكية السليمانية (التي كانت آنذاك مقراً للاجــئين) وما يدور فيها وأســماء المــشاركين فــيها ومــواقفهم من يوغوســلافيا وألــبانيا.
ومع أن التقرير يتوقف عند 1953 إلا أن ما ذكره انتهى بالفعل الى هجرة كل هؤلاء اللاجئين الــسياسيين الى كندا والولايات المتحدة وأوستراليا باستثناء الضباط المذكورين آنفاً. ومن هؤلاء فقد هاجر أيضاً نشأت كولونيا بعد تقاعده من الجيش في 1956 الى الولايات المتحدة، وبقي من الضباط في الجيش اللبناني العقيد شوقي مفتيتش الذي توفي في سبعينات القرن الماضي وشيع في جنازة مهيبة شارك فيها ياسر عرفات تقديراً لدوره في حرب 1948، وذلك بحسب ما ورد في كتاب مصطفى اماموفيتش «البشانقة في المهجر» (سراييفو 1990).
بريشتينا - محمد م. الأرناؤوط الحياة - 30/11/08//
خلال الحرب العالمية الثانية تغيرت خريطة البلقان مع انهيار يوغوسلافيا الملكية في عام 1941 وبروز ثلاثة كيانات جديدة: كراوتيا الكبرى (التي ضمت البوسنة) وألبانيا الكبرى (التي ضمت كوسوفو) وبلغاريا الكبرى (التي ضمت مقدونيا). وخلال السنوات اللاحقة 1941-1945 جرت هنا «حرب التحرير» التي كانت أيضاً نوعاً من الحرب الأهلية بين اليمين واليسار، بين القوميين واليساريين، وبين الملكيين والجمهوريين. وقد انتهت هذه الحرب المزدوجة في 1945 بانتصار الحزب الشيوعي في يوغوسلافيا وألبانيا، المدعوم من الاتحاد السوفياتي وبريطانيا، مما أدى الى لجوء عدد كبير من المعسكر القومي/ الملكي المنهزم الى الدول المجاورة (النمسا وإيطاليا واليونان)، حيث بقوا هناك يحلمون بالعودة مع المناخ الجديد للحرب الباردة.
وكان بين هؤلاء عدد كبير من الضباط الألبان والبشناق الذين كانت لهم خبرتهم النظرية والميدانية التي اكتسبوها في دراساتهم ومشاركتهم في الحرب الدائرة 1941-1945. ونظراً لأن الدول التي كانوا فيها (كراوتيا الكبرى وألبانيا الكبرى) كانت على علاقة وثيقة بألمانيا النازية وحلفائها في الشرق الأوسط (الحاج محمد أمين الحسيني الخ) فقد تجددت الاتصالات بهم في المعسكرات التي أقيمت لأجلهم في إيطاليا، حيث كانوا يعيشون في ظروف صعبة خلال عامي 1946-1947. ومع هذه الاتصالات من طرف بعض القيادات العربية استجاب قسم منهم للذهاب الى الشرق الأوسط للخدمة هناك سواء في جيش الإنقاذ أو في جيوش الدول العربية التي استقلت حديثاً (سورية ولبنان).
وعلى رغم أهمية مشاركة هؤلاء الضباط الألبان والبشانقة في حرب 1948 الى جانب العرب إلا أننا لا نجد سوى نتفٍ صغيرة عن هؤلاء، ومنها ما ورد في كتاب هاني الهندي «جيش الإنقاذ» ومذكرات محمد معروف «أيام عشتها» الخ. ففي مذكراته يذكر العقيد في الجيش السوري آنذاك محمد معروف «اليوغوسلاف المسلمين الذين تركوا بلادهم بعد أن سيطر تيتو والحزب الشيوعي على الحكم هناك، وكان هؤلاء قد شاركوا في حرب فلسطين وأبلوا بلاء حسناً». ومن المثير هنا أن العقيد معروف يكشف ان حسني الزعيم كان قرر قبل عدة أيام من الانقلاب عليه أن يغير حرسه الخاص من الشركس (الذي ثبت لاحقاً ان الانقلابيين قد اخترقوه) بـ «اليوغوسلاف المسلمين»، ولكن ضباط الجيش السوري (ومنهم محمد معروف) سبقوه بالانقلاب عليه وقتله في صباح 14/8/1948.
وقد صدر هنا عن هؤلاء حديثاً في بريشتينا كتاب مهم يكشف فصولاً جديدة عن هذه القضية. وفي الواقع ان هؤلاء الضباط وغيرهم من المسؤولين الحكوميين والسياسيين كانوا قد دخلوا آنذاك ضمن اهتمامات أجهزة المخابرات الجديدة يوغوسلافيا الاشتراكية (الاودبا)، باعتبارهم من المعارضة الموجودة في الخارج، ولذلك فقد كلفت هذه الأجهزة فريق عمل لوضع تقرير شامل عن هؤلاء اللاجئين السياسيين من عسكريين ومدنيين، الذين كانوا يشكلون هاجساً أمنياً للدولة اليوغوسلافية الجديدة. وقد وضع هذا التقرير الشامل في عام 1952 وشمل مختلف القارات حيثما يتواجد هؤلاء اللاجئون، ومن ذلك لدينا فصل خاص عن سورية ولبنان حتى 1953. وقد نسخ هذا التقرير السري للغاية في مئة نسخة مرقمة وزعت على الأجهزة المعنية، وبقي «سرياً للغاية» حتى 2004 حينما تقدم واحد ممن كانوا يعرفونه ويملكون نسخة منه الى دار النشر الكوسوفية «كوها» التي قامت بنشر هذا التقرير كاملاً على شكل كتاب من الحجم الكبير يتضمن 687 صفحة (بريشتينا 2004).
وبحسب ما يرد في الكتاب فإن أولى الاتصالات مع هؤلاء الضباط أجرتها السفارة السورية في روما في منتصف عام 1947، وعرضت على هؤلاء الذهاب الى سورية والعمل هناك من دون أن تذكر لهم صراحة مشاركتهم في الحرب ضد القوات اليهودية. وبالاستناد الى ذلك فقد انطلقت أول مجموعة من هؤلاء في 23 أيلول 1947 وضمت: شوفي مفتيتش وحسن غوستوفيتش وعلي سولو وحسن سولا وشريف حرم باشيتش وأسعد زومتشيتش. وما أن وصل هؤلاء الى سورية حتى أخذ الضابطان مفتيش وحرم باشيتش على عاتقهما أن يجلبا المزيد من زملائهما. ومع حاجة سورية الماسة الى هؤلاء العسكريين إلا ان الحكومة السورية لم تكن تملك الموازنة الكافية لتغطية نفقات سفر هؤلاء من روما. وقد حاولت الحكومة السورية أولاً طلب المساعدة من الحكومة المصرية بأن تخصص لهم سفينة واحدة لنقلهم دفعة واحدة، ثم خيّرت هؤلاء العسكريين بين ان يأتوا على نفقتهم أو على نفقة «منظمة الهجرة العالمية» iro. وقد استجابت «منظمة الهجرة العالمية» وحولت سفرهم الى سورية ولبنان. وهكذا فقد انطلقت المجموعة الثانية والثالثة خلال كانون الثاني (يناير) 1948 الى بيروت، ثم انطلقت حالات فردية بعد ذلك حتى وصل عدد الواصلين الى سورية الى 350 شخصاً من العسكريين والمسؤولين السياسيين السابقين في دولتي كراوتيا وألبانيا.
وبحسب تقرير المخابرات اليوغوسلافية فإن المجموعة الأولى التي وصلت في ايلول 1947 أنزلت في التكية السليمانية في دمشق (المتحف الحربي الآن) ثم نقلت الى ثكنات الجيش السوري في قطنا حيث وزعت على عدة كتائب. أما أفراد المجموعة الثانية والثالثة فقد أرسلوا مباشرة من بيروت الى قطنا حيث انضموا الى الجيش السوري. وبحسب التقرير فإن هؤلاء لم يكونوا يعرفون بأنهم سيلحقون فوراً بالجيش السوري ولكن وجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع. وهكذا باستثناء كبار السن فقد قبل الجميع بوضعهم الجديد.
ولكن هؤلاء كانوا غير مرتاحين لسبب آخر كما يقول التقرير، إذ أنهم لم يعطوا الرواتب التي كانت لهم في الجيش الكرواتي أو الألباني. فالمشكلة كانت أن هؤلاء غادروا بلادهم في حالة حرب ولم يحملوا معهم ما يثبت خدمتهم السابقة ورتبهم، ولذلك حاولوا ان يقدموا أي شيء يفيد بما في ذلك شهادة بعضهم عن بعضهم الآخر. ونظراً لأنهم لم يكونوا يعرفون اللغة العربية فقد الحقوا بدورات سريعة قبل أن يرسلوا الى جبهات القتال.
ولا يتعرض تقرير المخابرات اليوغوسلافية الى دورهم في حرب 1948، وهو ما تركز عليه الكتابات العربية القليلة، ولكنه يتابع مصيرهم بعد الحرب. وهكذا فهو يذكر انه باستثناء عدد قليل منهم فقد سرحت غالبيتهم من الجيش. وقد بقي من هؤلاء من أخذ الجنسية اللبنانية أو الجنسية السورية ومن كانت له رتب قيادية. وبقي في الجيش اللبناني العقيد شوقي مفتيتش والنقيب حقي خليل والنقيب عبدالله هاكوزوفيتش والملازم أول الياس دوريشفيتش والملازم أول شوقي زيتشو. أما في الجيش السوري فقد بقي من هؤلاء الضباط (من دون ذكر رتبهم) مول بايراكتاري وجمال لاتشي ونشأت كولونيا الذي وصل الى رتبة مقدم في وقت كتابة التقرير (1953).
وفي ما عدا ذلك يركز التقرير على مصير الآخرين الذين تحولوا الى الحياة المدنية، حيث يوضح صعوبة الأوضاع المعيــشية ما دفعهم الى طلب المساعدة من «منظمة الهجرة الدولية» سواء للحصول على منحة شهرية أو تأشيرات دخول الى الدول الواعدة مثل الولايات المتحدة وكندا وأســتراليا. ويركز الــتقرير في شكل خاص على موقف هؤلاء من يوغوسلــافيا الاشــتراكية، التي كانت قد دخلت آنذاك في عداء شامل مع الاتحاد الســوفياتي والدول التابعة له كألبانيا وغيرها. فقد تشكلت في يوغوسلافيا آنذاك «لجنة اللاجئين الألبان» التي حاولت ان تمد يدها الى اللاجئين الألبان في دمشق، وذلك لتوطيد المعارضة ضد نظام أنور خوجا المعادي ليوغوسلافيا. ويبــدو أن أجــهزة الاستخبارات اليوغوســلافية كان لــها عملاؤها بين هؤلاء لأن التقرير يحفل بتــواريخ الاجــتماعات التي كــانت تــعقد فــي التكية السليمانية (التي كانت آنذاك مقراً للاجــئين) وما يدور فيها وأســماء المــشاركين فــيها ومــواقفهم من يوغوســلافيا وألــبانيا.
ومع أن التقرير يتوقف عند 1953 إلا أن ما ذكره انتهى بالفعل الى هجرة كل هؤلاء اللاجئين الــسياسيين الى كندا والولايات المتحدة وأوستراليا باستثناء الضباط المذكورين آنفاً. ومن هؤلاء فقد هاجر أيضاً نشأت كولونيا بعد تقاعده من الجيش في 1956 الى الولايات المتحدة، وبقي من الضباط في الجيش اللبناني العقيد شوقي مفتيتش الذي توفي في سبعينات القرن الماضي وشيع في جنازة مهيبة شارك فيها ياسر عرفات تقديراً لدوره في حرب 1948، وذلك بحسب ما ورد في كتاب مصطفى اماموفيتش «البشانقة في المهجر» (سراييفو 1990).