المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتّش عن أمراضك في أسلوب حياتك



فاتن
11-27-2008, 11:00 AM
اعداد الدكتور أنور نعمة - الحياة

27/11/08//

عندما يقع أحدنا في مطب صحي يطلب منه الطبيب تغيير نمط حياته لوضع حد للعوامل التي ساهمت في تسهيل وقوع المطب. ومن أجل الوقاية من بعض الأمراض يطلب الطبيب أيضاً من مريضه إحداث بعض التغيرات في نمط الحياة. ولا يغيب عن البال ان نمط الحياة يمكن أن يؤثر سلباً في الصحة فيجعل صاحبها عرضة لأمراض مزمنة تكون مصدراً لمعاناة مستمرة، له وللمحيطين به، أو أنه قد يؤثر إيجاباً على الصحة. ويعتقد الخبراء المعنيون بأمور الصحة والتغذية أن الكثير من الأمراض والمتاعب الصحية التي نعاني منها هي نتاج أسلوب الحياة الذي نعيشه. وفي السطور الآتية نسوق عدداً من الوقائع حول علاقة نمط الحياة بالصحة:

> في دراسة حول الإصابة بالسرطان بين أشخاص غير غربيين، كشفت مجموعة من العلماء اليابانيين في الدورية الأميركية لعلم الأوبئة، ان الأشخاص الذين يعيشون حياة نشطة بدنياً هم أقل تعرضاً للإصابة بالسرطان من الأشخاص الذين يمضون حياة أقل حركة، وتشير نتائج الدراسة التي طاولت 80 ألفاً من الرجال والنساء تراوحت أعمارهم بين 45 و 75 سنة، ان خطر التعرض للسرطان تراجع بنسبة 13 في المئة لدى الرجال الأكثر نشاطاً و16 في المئة لدى النساء الأكثر نشاطاً، مقارنة مع أقرانهم من الرجال والنساء الأقل نشاطاً.

وفي السياق نفسه سبق لباحثين من الصندوق الدولي لأبحاث السرطان ان لفتوا الى امكانية تجنب ثلث الإصابات بالسرطان في حال إجراء تعديلات طفيفة على نظام التغذية وأسلوب الحياة. وأشار الباحثون الى أن الكرش الكبير وفرط شرب الكحول وقلة النشاط والتغذية السيئة غير المتوازنة، كلها عوامل تزيد خطر التعرض للأورام الخبيثة.

> ان تطبيق نمط حياة صحي ينفع في إطالة العمر، بحسب دراسة أنجزها باحثون بريطانيون، وبحسب محصلة الدراسة التي شملت 20 ألف مشارك على مدى عقد من الزمن فان ممارسة الرياضة، وشرب عصير العنب الأحمر، وتناول كميات كافية من الخضر والفواكه، وعدم التدخين، يمكن ان تضيف 14 سنة الى عمر الإنسان، في المقابل فان أولئك الذين لم يتقيدوا بالمعايير الأربعة المذكورة كانو أكثر عرضة لخطر الموت بأربع مرات.

> ان تغيير نمط الحياة يعتبر البند الأساسي في محاربة السمنة في عصر ازداد فيه الخمول، فالبدانة لا تنال من الشكل الخارجي للشخص وحسب بل تنال من صميم الصحة، إذ تولّد جملة من الاختلاطات القاتلة مثل الداء الســـكري والأمراض القلبية الوعائية. ان تبديل نمط الحياة يهدف الى معالجة أسباب السمنة وليس عوارضها.

> ان الوقاية من الداء السكري النوع الثاني الذي يضرب البالغين تمر عبر بوابة تغيير نمط الحياة، ففي دراسة حديثة تناولت هذا الموضوع قارن البحاثة بين مجموعتين من الأشخاص المعرضين لخطر زيارة المرض فوجدوا ان الذين يتناولون وجبات صحية قليلة السعرات الحرارية والغنية بالألياف ويمارسون الرياضة المستمرة ويخفضون من أوزانهم، سجلوا تراجعاً في خطر الإصابة بالداء السكري بنسبة 58 في المئة مقارنة بالذين لم يغيروا شيئاً في نمط عيشهم. على المصاب بالداء السكري ان يتبع السلوك الصحي المناسب لمنع تطور المرض والحد من مضاعفاته الكثيرة.

> ان تغيير نمط الحياة بتناول وجبات غذائية أفضل وبممارسة المزيد من التمارين البدنية لا يفيد فقط في تعزيز دعائم الصحة، بل يقود أيضاً الى إحداث تبدلات إيجابية على صعيد الوحدات الوراثية المعروفة بالجينات (المورثات). ففي دراسة أميركية مقتضبة نشرت فصولها في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم وتمت على 30 شخصاً يملكون خطراً طفيفاً للإصابة بسرطان البروستاتة، وأشرف عليها الدكتور دين أورنيش أحد أهم المدافعين عن ضرورة تغيير نمط الحياة من أجل صحة أفضل، اتضح ان الأشخاص الذين قرروا العزوف عن العلاج التقليدي (الجراحة والأشعة والعلاج الهرموني) والذين أحدثوا تغييرات جذرية في نمط حياتهم شملت تناول وجبات غنية بالخضروات والفواكه والبقوليات والحبوب والصويا، الى جانب ممارسة الرياضة واتباع أسلوب للتحكم في التوترات العصبية، حصلوا على نتيجة غير متوقعة، فبعد فحص الأطباء لعينات من أنسجة المرضى بالبروستاتة، قبل تغيير نمط الحياة بثلاثة أشهر وبعده، سجلوا تبدلات إيجابية طاولت أكثر من 500 جينة (مورثة)، إذ زاد نشاط الجينات المقاومة للإمراض بينما تراجع عدد الجينات المحرضة عليها، كما أنه لدى فحص دم هؤلاء ظهر لديهم ارتفاع في «انزيم تيلوميراز» بنسبة تقارب 30 في المئة في نهاية التجربة عما كان عليه قبل البدء بها، ويقوم الأنزيم المذكور بتثبيت وتمديد أجزاء من الكروموزومات تعرف باسم تيلوميرز التي تسهم في الحفاظ على الخلايا المناعية.

> ان تعديل نمط الحياة له تأثيره في منع حدوث ارتفاع ضغط الدم أو على الأقل المساعدة على ضبط أرقامه للحيلولة دون حصول الاختلاطات القلبية الوعائية التي قد تنجم عنه. أيضاً قد يفسح تبديل نمط الحياة في التقليل من عدد العقاقير المطلوبة لعلاج ارتفاع الضغط. وغني عن التعريف ان تغيير نمط الحياة لمرضى ارتفاع الضغط يشمل عدداً من النصائح المهمة من أهمها:

- إنقاص الوزن في حال البدانة من أجل الحصول على وزن مثالي أو على الأقل الاقتراب قدر الإمكان منه.

- ممارسة الرياضة في معظم أيام الأسبوع، خصوصاً رياضة المشي السريع التي يكون لها وقع حسن على الشرايين.

- التقنين في استهلاك الملح لأنه يحبس السوائل في الجسم ويرفع الضغط.

- الإكثار من تناول الخضار والفواكه.

- التقنين في تناول الوجبات الغنية بالكوليستيرول والأحماض الدهنية المشبعة.

- التوقف عن التدخين.

> حمل المرأة يتأثر بنمط الحياة، وفي هذا الإطار سبق لدراسة نشرت في مجلة أمراض النساء والتوليد أجراها باحثون من كلية هارفارد للصحة العامة، أن أماطت اللثام عن أن غالبية حالات العقم الناتجة من اضطرابات في الإباضة أو خروج البويضة من المبيض، في الإمكان التغلب عليها بتبديل مكونات الوجبات الغذائية وبممارسة سلوكيات صحية في الحياة اليومية إذ أن لهذه تأثيرات عميقة على مجرى الخصوبة.

> أسلوب الحياة الصحي ينعكس إيجاباً على البشرة التي تبقى في حال صحية جيدة ما يعطي الجلد مظهراً جميلاً يخلف شعوراً بالراحة والسرور خصوصاً لدى النساء. ان نمط الحياة الجيد يؤمن الترطيب الصحيح للجلد، وهذا بحد ذاته يقلل من تداعيات الشيخوخة عليه وما أكثرها في عصرنا هذا الذي بات التلوث من سماته.

في المختصر، ان الصحة لا تقدر بثمن، وكي ننعم ونستمتع بها قد يتطلب الأمر إحداث تبديلات بسيطة في نمط الحياة أو على العكس إحداث تغيرات جذرية، ومما لا شك فيه ان التغيرات البسيطة القريبة من الواقع هي الأفضل لأن التغيرات الجذرية غالباً ما يصعب الالتزام بها لفترة طويلة. ويجب ألا ننسى ان الخيارات الصحية السليمة هي تلك التي يلتزم بها صاحبها طوال عمره. كثيرون قد يرفضون تغيير نمط الحياة ظناً منهم ان الأوان قد فات لتحقيق النتائج المرجوة منه، غير ان التحريات على صعيد الواقع تدل على ان تغيير نمط الحياة مفيد في أي وقت وفي أي عمر. وحبذا لو تم تعليم الأطفال نمط الحياة الصحي منذ الصغر خصوصاً لأولئك الذين تتوافر لديهم عوامل خطورة تمهد لإصابتهم ببعض الأمراض مثل السمنة والداء السكري.