المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الملل نزعة سوداوية.. نصارعه أم نصالحه؟



أمير الدهاء
11-21-2008, 10:17 AM
ضغوط الواقع المادي تجعلنا أسرى للملل


الجمعة, 21 نوفمبر 2008

بيروت - منى سكرية

تتفاوت تعبيرات الفرد في وصف الحالة التي يكونها، أو في الإحساس الذي ينتابه، إلا في حالات الشعور بالملل... هذا الشعور الذي لطالما يحل من دون استئذان، أو إنذار مسبق.. فحتى في حالات الفرح الذي يلفنا

في عمل حصلنا عليه بشق النفس، ونجاح حققناه في الشهادة الدراسية، أو غرام وقعنا في براثنه، فإن نوعا من الإحساس قد يدخل خلسة بين ثنايا المشاعر التي أشرنا إليها فيفسد للهدوء الداخلي فينا الود والطمأنينة.

وتتفاوت تعبيرات مكافحة الملل من فرد لآخر، وفقا لقناعة الفرد الفكرية والتربوية والثقافية والدينية.. إلخ. إذ يلجأ البعض إلى طقوس شتى من الممارسات كالإدمان على المخدرات مثلا..

ولأن ضغوط الواقع المادي الذي نعيش، والواقع السريع لهذه الضغوط على نفوسنا وأرواحنا، فإنها تجعلنا أسرى هذا الشعور بالملل أو السأم، أو الضجر، أو الشعور بالضيق.. يجعلنا نهرب باتجاه حلول نعتقدها صارمة، لا تلبث أن تتبدد مع اجتياح جديد لهذا الشعور بالملل.. نذهب الى سماع الموسيقى ربما، أو شراء الحاجيات وآخر صيحات الموضة،، إلى التدخين وبشراهة، الجلوس أمام التلفزيون ولساعات، نعزف عن القراءة، ونميل الى الثرثرة بالهاتف.. إلخ.

أسباب كثيرة للشعور بالملل الذي بات يصنف كواحدة من أكثر المشكلات النفسية والإجتماعية السائدة في عصر التقدم التقني والرفاهية المتطلبة للاستهلاك، ومن أبرز هذه الأسباب عدم وضوح الهدف في الحياة، والعيش في الفراغ.. لكنه حسب الدكتورة رجاء مكي (معالجة نفسية وأستاذة في الجامعة اللبنانية ولها مؤلفات ودراسات وأبحاث في مجال اختصاصها في مادة علم النفس) فهو في التفتيش عن تاريخ الفرد الأسري، وكيفية تكون ميوله واتجاهاته.

وترى مكي أن وراء كل ملل تفتيش عن شيء ما ربما يكون نوعا من الهروب من صراع ما، من عدم إشباع لما قمنا به. في الظاهر هناك ملل ولكن في حقيقة دواخلنا هناك هروب من أمر ما أي «ما في قناعة».

الملل وفقا لتعريف الدكتورة مكي «هو ميل فيه نزعة سوداوية، يجعل الإنسان في ميل دائم نحو عدم الإشباع». لذلك فهي ترى أيضا أنه يجب ألا نلقي سبب الملل على الجانب النفسي والإجتماعي، بل يجب أن نغوص في الجزئيات سواء بمستوى الشخص أو تكوينه البنيوي. فالإنسان يشعر بالملل في أي موقع كان أو منصب أو واقع مادي تمتع به» فأنواع الملل ومنها الروتين تصيب كل الفئات العمرية من الطفل الذي يكسر ألعابه لحاجته إلى تغيير أسلوب ما يقوم به، فحواسه واهتماماته استنفدت هذا الاكتشاف، وهو بحاجة الى شيء جديد، وهكذا دواليك.. لكن اللجوء الى الملل بسرعة والحاجة الى التغيير غير المبرر فإنه حالة مرضية تحتاج الى علاج»، تقول مكي، وتضيف أن هذه الحالة إنما هي قلق، والقلق يخفي صراعا، وهذا دليل مستمر عن رغبة خفية تحركه، وهي تحتاج الى مصارحة حقيقية مع الذات لمعرفة هذه الخفايا لمعالجتها.

وعن كيفية مكافحة الملل تقول مكي إن اللعب في الطفولة يعمل على تنفيس الشحنات والطاقات الموجودة فينا، وأن ننمي شعور الثقة بالنفس، أما الملل المستمر فيؤدي الى كآبة، والكآبة حالة مرضية تؤدي الى عدم الاستقرار مما يستدعي العلاج في العيادة المتخصصة.. ويبقى أن أهم شيء هو أن يفتش الإنسان على ذاته وفيها ويكتشف نقاط ضعفه وتلك الكامنة في تغيير السلوك.

ماذا عن رأي من سألناهم عن تعريفهم لشعور الملل وكيفية مكافحته وكانت الإجابات على النحو التالي:

- هند عطوي ( ناشطة في مجال حقوق المرأة ومقدمة برنامج عن قضايا المرأة في الإذاعة اللبنانية) قالت: الملل الذي نعيش من الوضع الحالي بسبب الروتين وغياب الإبداع والنشاط. ما يبعث الملل عندي هو الروتين. لا أتحمله وأسعى للقيام بأي عمل آخر. فالعمل والنشاط هو الأساس في إبعاد الملل، لذلك لا أشعر بالملل لأن نشاطي الإاجتماعي يصب في دائرة أوسع من الاهتمامات.

- وليد عدرة ( موثّق متقاعد) قال: أقاوم الملل بالقراءة أو باستعادة ذكريات قديمة أو مراجعة ألبوم صور لأحباء. أهرب من الملل الى ممارسة الرسم أيضا.

- فريد متى (صاحب معهد بيروت للفنون الجميلة والديكور ونقيب مصممي الديكور) قال: أشعر بالملل من الجيوب الفارغة.. وأقاوم الملل بالعمل وتشغيل فكري، وتعبئة الفراغ، والذي يثق بنفسه لا يشعر بالملل، أنا أعمل وأطبخ وأنظف البيت وأرسم وأصمم الديكور. لا وقت لدي للملل.

- هلا داغر ( صحافية) قالت: الملل من حالة اللاعمل واللاتفكير، والإنسان بطبعه يسعى جاهدا لعدم الوقوع في الملل منعا لسيطرة انعدام الثقة بالنفس.. بسبب عملي في مهنة البحث عن المتاعب فلا أجد وقتا للملل إلا أنني حين أقع فيه أعمل جاهدة لتجاوزه الى عمل آخر ، أي لقتله. أخرج من المنزل، ألتقي الأصدقاء، أذهب الى السينما.. ولكن كل ذلك يكون حلولا مؤقتة، ويبقى الأنجع بينها العمل لقتل الفراغ.

- علية عباس ( أستاذة تعليم لمادة اللغة العربية لصفوف المرحلة الثانوية) قالت: أقاوم الملل بالقراءة لأنها تنقلني الى عوالم مختلفة ومتنوعة غير المحيطة بنا، كما تعطيني قيما باتت مفتقدة في البيئة التي نعيش فيها. القراءة حياة أخرى، هي الأوكسيجين الذي أستنشقه والقراءة هي التي صنعتني لذلك أحاول معالجة ضعف ضيق الأفق عند بعض تلامذتي بنصحهم باللجوء الى القراءة.

- زينة الرز (إعلامية) قالت: شعور الملل مشكلة كبيرة. بلا ملل لا يمكن أن نعيش. أشعر بالملل عندما أنتهي من قراءة كتاب، أو من تدخين سيكارة، هو عندي حالة مستعصية. أشعر به قبل السفر وبعده، بانتظار وصول ولدي من المدرسة.. أنا لا أقاوم الملل، بل أمشي معه، وإذا قاومته أتعب، هو شعور طبيعي. أنتظر العمل وأشعر بالملل عندما أنتهي منه. بكل الأحوال يحصل كل ذلك من ضمن العمل على تأديب النفس.

ولو سألنا رجل دين لقال إن مكافحة الملل تكون بالدين والصلاة الروحية «لأن الملل يوجب المعاصي والذنوب»، في حين ينصح كثر بالعمل التطوعي لخدمة أهداف إنسانية.. فإشغال النفس ينسي الملل والضجر، ويعمل على طمأنينة الروح بما يبعد السأم، ولكن أحيانا نقع في الملل من كثرة العمل.. أما لو سألنا مواطنا لبنانيا لماذا مللت برامج الحوارات السياسية وفقا لما قاله الرئيس فؤاد السنيورة لـ«أوان» فلا بد أنه سيقول إنه بسبب هدوء هذه البرامج هذه الأيام وليس العكس، إذ إنها باتت تفتقد حرارة الضجيج والشتائم.. والزمن زمن مصالحات وجلسات حوار.. واللبناني الذي يمل برامج السياسة لا يمل سياسييه لأنهم يملأون فراغ وقته بالتعبئة الطائفية، خاصة أننا على أبواب انتخابات نيابية في الربيع المقبل. فلا حاجة لأي استطلاع رأي في لبنان، في بلد التناقضات في «المع» و«الضد» في فترة قبل وبعد الظهر وبالسرعة عينها.. فأين الملل.

ملاحظة: أود أن أبدي رأيي. فمذ بدأت بكتابة هذا التحقيق وأنا أشعر بالملل، وأتمنى على قارئه ألا يتذكر ملله، وألا يطول انتظار نشر التحقيق عن الملل منعا لسيطرة الملل.. والإحباط.