المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسى (ع) وطلب الرؤية في تفسير آية "قال رب ارني انظر اليك"ورأي المرجع فضل الله



سيد مرحوم
08-07-2004, 09:15 PM
نص الدراسة المختصرة الخاصة حول الاحتمالات التفسيرية
المتعلقة بنبي الله موسى (ع) وطلب الرؤية
وفق اراء المفسرين من المدرسة الامامية
"من كتاب طروحات قرآنية للسيد محمد الحسني".




النبي موسى (ع) وطلب الرؤية في تفسير قوله تعالى "قال رب ارني انظر اليك"



الجزء الاول000

ثمة جدل بين المفسيرين في تفسير قوله تعالى على لسان النبي موسى (ع) "قال رب ارني انظر اليك" ويمكن تلخيص الاحتمالات المتصورة والاتجهات الرئيسية في هذه المسالة بالتالي :

الاحتمال الاول :


ان يكون قول النبي موسى (ع) : في مقام طلب الرؤية لقومه ،اللذين علقوا ايمانهم به وبرسالته على رؤية الله تعالى وقد قص علينا القران الكريم ذلك كما في قوله تعالى :

" يسالك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سالوا اكبر من ذلك فقالوا ارنا الله جهرة فاخذتهم الصاعقة بظلمهم "

وقوله تعالى :

"وا ذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون "

وقوله تعالى :

"فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي ، اتهلكنا بمافعل السفهاء منا "

ورجحه امثال00

الشريف المرتضى (تنزيه الانبياء 75و 18)

الشيخ الطوسي (التبيان ج4 533)

الشيخ الطبرسي (مجمع البيان ج2 /474)

بل ربما يكون مختار الاكثر0

الاحتمال الثاني :


ان يكون قول النبي موسى (ع) : قوله حقيقة -كما هو الظاهر- ولكنه لايريد النظر الحسي البصري ، بل يطلب الرؤية بمعنى العلم الضروري الذي يحصل في الاخرة ولايكون في الدنيا ليزول عنه الخواطر والشبهات ، ولهم -الانبياء- ان يسالوا مايزول عنهم من الوساوس والخواطر كما سالهم ابراهيم (ع) ربه في الوقوف على علمية الاحياء 0

ورجحه امثال00

السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره الميزان (ج8/238 ومابعد)

الاحتمال الثالث :


ان يكون قول النبي موسى (ع) : قوله حقيقة وانه طلب الرؤية الحسية ، اما لانه لم يلتفت الى هذه التفاصيل او لانه يريد الوقوف على حقيقة طلبه ليقطع الشك او غير ذلك كما سياتي بيانه0


ورجحه امثال00

الشيخ محمد جواد مغنية (تفسير الكاشف ج3/391)

الشيخ محمد السبزواري النجفي (تفسير الجديد ج3 / 208)

السيد محمد حسين فضل الله (تفسير من وحي القران ج10/166)0




--------------------
انتهى الجزء الاول

سيد مرحوم
08-07-2004, 09:20 PM
الجزء الثاني : مناقشة الاحتمالات00


الاحتمال الاول :


ان يكون قول النبي موسى (ع) : في مقام طلب الرؤية لقومه ،اللذين علقوا ايمانهم به وبرسالته على رؤية الله ورجحه امثال00الشريف المرتضى (تنزيه الانبياء 75و 18) 000والشيخ الطوسي (التبيان ج4 533)000والشيخ الطبرسي (مجمع البيان ج2 /474)000بل ربما يكون مختار الاكثر0

المناقشة :

وهذا الاحتمال يقويه فضلا عن الروايات الدالة على انه (ع) طلب الرؤية لقومه ، ان في القران مايمكن ان يكون دليلا عليه كما في قوله تعالى :

"وا ذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون "

وقوله تعالى :

"فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي ، اتهلكنا بمافعل السفهاء منا "

" يسالك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سالوا اكبر من ذلك فقالوا ارنا الله جهرة فاخذتهم الصاعقة بظلمهم "

وهذه الايات دالة على ان ماوقع كان بسببهم -اي قوم موسى- من حيث سالوا مالايجوز عليه تعالى.

ويمكن ان يناقش في هذا الاحتمال بالتالي :

(1) يمكن المناقشة في ماروي عن الامام الرضا (ع) تايدا لهذا الاحتمال بماناقش به السيد الطباطبائي في تفسيره "الميزان" قال : " وقد روي الصدوق في العيون فيما ساله المامون عن الرضا (ع) انه اجاب عن سؤال الرؤية في الاية ، ان موسى انما سال ذلك عن لسان قومه لا لنفسه فانهم لما قالوا ارنا الله جهرة فاختهم الصاعقة ثم احياهم الله سالوا موسى ان يساله لنفسه فرد عليهم بالاستحالة فاصروا عليه فقال : " رب ارني" اي على مايقترحه علي قومي . والرؤية كما اشرنا اليه في اخبار أئمة اهل البيت عليهم السلام فان احبارهم وخاصة خطب علي والرضا عليهما السلام مملؤة من حديث التجلي والرؤية القلبية له عليه السلام ان يلتزم كون الرؤية المذكورة في الاية سؤالا وجوابا هي الرؤية البصرية ، ثم الجواب بطريق جدلي لاينطبق كثير الانطباق على الاية لكونه خلاف ظاهرها البتة ، وخلاف ظاهر حال موسى فانهم لو اقترحوا عليه ذلك لرد عليهم بقوله : " انكم قوم تجهلون" حين قالوا : ياموسى " اجعل لنا الها كما لهم الهة" الميزان ج8 /752-852


(2) كذلك الاستدلال بقوله تعالى على لسان موسى (ع) : " قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي اتهلكنا بمافعل السفهاء منا00" بناء على كونها قرينة على تفسير الاية موضوع البحث ، من حيث انها تشير الى طلبهم رؤية الله تعالى اذ يمكن المناقشة في دلالة هذه الاية وصلاحيتها للقرينية ، اذ انها انما تصلح للقرينية في حالة ما اذا كان الميقات الذي اختار موسى له السبعين من قومه هو الميقات نفسه الذي طلب فيه الرؤية إن على لسان قومه او بلسانه حقيقة ، لكن هذا التفسير محل جدل وبحث لان ظاهر الاية الكريمة انها تشير الى ميقات آخر ، وانه حصل بعد الميقات الاول بدليل الاشارة الى عبادة العجل كما هو ظاهر قوله تعالى : " اتهلكنا بمافعل السفهاء منا" وليس فيه اشارة الى قولهم وطلبهم الرؤية بل الى فعلهم . بل اكثر من ذلك فان في الميقات الاول اشارة واضحة الى ماوقع لموسى (ع) من الغشية او الموت على اختلاف التفاسير ، فيما لانجد شيئا ملموسا من هذا في الميقات الثاني بل الاية الكريمة " لو شئت اهلكتهم من قبل واياي" لاتخلو من دلالة على انه لم يصبه ما اصابهم تفسير مقتنيات الدرر ج5/27 -السيد حسين الموسوي اللاريجاني الحائري0

كما ان في بعض الروايات مايدل على ان الميقات الذي اختار له موسى (ع) السبعين قومه هو ميقات آخر بدلالة ماورد من اشارة الى ان الرجفة التي اختهم كانت بسبب دعواهم على موسى (ع) انه قتل هارون وليس بسبب طلبهم الرؤية.




-----------------------
انتهى الجزء الثاني

سيد مرحوم
08-07-2004, 09:27 PM
متابعة الدراسة المختصرة الخاصة حول الاحتمالات التفسيرية المتعلقة بنبي الله موسى (ع) وطلب الرؤية وفق اراء المفسرين من المدرسة الامامية.



الجزء الثالث : مناقشة الاحتمالات00



مناقشة الاحتمال الثالث :


ان يكون قول النبي موسى (ع) : قوله حقيقة وانه طلب الرؤية الحسية ، اما لانه لم يلتفت الى هذه التفاصيل او لانه يريد الوقوف على حقيقة طلبه ليقطع الشك او غير ذلك كما سياتي بيانه0ورجحه امثال00الشيخ محمد جواد مغنية (تفسير الكاشف ج3/391)000الشيخ محمد السبزواري النجفي (تفسير الجديد ج3 / 208)00السيد محمد حسين فضل الله (تفسير من وحي القران ج10/166)

وهو ان يكون ظاهر الايات ان الرؤية موضوع الطلب هي الرؤية البصرية وانها طلب موسى (ع) نعم يمكن ان يناقش فيه لجهة ان النبي موسى (ع) من اولي العزم فكيف يجوز ان يكون جاهلا باستحالة مثل هذا الطلب0

لكن يناقش فيه بان العدول من ظاهر القران انما يجوز في حالة قيام القرينة الصارفة ،وليس ثمة قرينة صارفة ، ويمكن ان يكون موسى (ع) غير ملتفت الى مثل هذه التفاصيل العقيدية ،خاصة وانه لم يتلق بعد التوراة ويمكن ان تكون مثل هذه التفاصيل بعد لم تطرح بشكل قاطع على بساط البحث ليكون ملتفتا اليها بشكل كامل فاراد ان يقطع الشك باليقين0

ومثل هذا الاحتمال لايزيد على الاحتمال الثاني وهو طلب الرؤية بمعنى العلم الحضوري فانه ان جاز جاز وذلك لانهما يشتركان في افتراض كون النبي شاكا في وقوع الرؤية سواء كانت الرؤية البصرية او الرؤية القلبية0

وقد طرح ذلك السيد فضل الله كاحتمال دون ان يجزم به ذلك بناء على عدم صلاحية التفسيرات الاخرى وعدم قيام القرينة الصارفة خاصة وان التفسير لابد ان ينطلق من القران الكريم نفسه لا ان يكون موضوعا للافكار والرؤى القبلية والمسبقة0

وقد رجح هذا الاحتمال الشيخ محمد جواد مغنية اذ كتب في تفسير الاية موضوع البحث :

" ومهما يكن فان موسى قد طلب الرؤية سواء أكان من اجله ام من اجلهم ونحن لانرى اي باس في هذا الطلب فان نفس الانسان تتشوق الى مايكون والى مالايكون بخاصة الى الرؤية التي تزيد النفس اطمئنانا وتاكيدا ، وقد طلب ابراهيم (ع) مايشبه ذلك "

ويظهر ذلك من الشيخ السبزواري في تفسيره الجديد اذ ذكر في الرؤية ثلاثة احتمالات ان تكون لقومه او الرؤية القلبية التي تفيد العلم واليقين او الرؤية البصرية لعظمته سبحانه على غير وجه التشبيه ثم قال : وكل هذه الاقوال تعليلات لظاهر طلبه (ع) فقد طلب ابراهيم (ع) مايرسخ العقيدة ويعمق الايمان مع جلالة رتب الانبياء .(الجديد ج3/208)

على ان بعض الروايات ظاهر في نفي الاحتمال الثاني كما في المروي عن الصادق (ع) : " ويلهم الم يسمعوا لقول الله تعالى : " لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير" وقوله لموسى : "لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلماتجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا " وانما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الارض وصعقت الجبال وخر موسى صعقا اي ميتا "فلما افاق" ورد عليه روحه " قال سبحانك تبت اليك " من قول من زعم انك ترى ورجعت الى معرفتي بك : ان الابصار لاتدركك " وانا اول المؤمنين "بانك ترى ولاترى وانت بالمنظر الاعلى " (عن معاني الاخبار راجع الميزان ج8 /255)

فان الرواية في مقام نفي الرؤية البصرية فيكون قوله "لن تراني" نفيا لها لانفيا للرؤية القلبية ، خاصة وانها وردت في سياق الاستشهاد بقوله تعالى : " لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار " ولذلك لايبقى من الاحتمالات مايمكن ان يرجح الا الاحتمال الاول وفيه مافيه من الاعتراضات كما تقدم ، والاحتمال الثالث الذي ربما تدل الرواية السابقة على ان موسى (ع) طلب الرواية لنفسه مع تامل في وجه هذه الدلالة0

ومماتقدم يظهر التبسيط الذي يظهرفي كلمات البعض 000 اذ ان احتمال شك النبي في امكانية الرؤية من غير تشبيه لايمنع من ان يعرف الله تعالى بصفاته كما عن الشريف المرتضى في تعليقه على الاحتمال الثالث (تنزيه الانبياء 78 ،79) وعندئذ لايقال انه كيف يسوغ ان يكون نبيا ولا يعرف الله تعالى وصفاته00نعم يمكن ان يرد عليه ما اورده الشريف المرتضى من انه ربما يكون في المبعوثين من يعلم ذلك ولايكون النبي عارفا به فيوجب التنفسير وهو منفي0

وفي هذا الصدد نشير الى التفاوت بين ماورد في كلمات السيد فضل الله كماهي في هذه المسالة في تفسيره "من وحي القران" قوله "ونحن نعرف تماما معنى التكامل التدريجي للتصور الايماني في شخصية الرسول الفكرية " (وبين ما اورده البعض احتجاجا) " ان الله كان يعرف انبياء اصول العقيدة وصفاته بالتدريج"

وقد ناقش السيد فضل الله نظرية السيد الطباطبائي فيما زاد على تفسيره (من وحي القران) في طبعته الجديدة - مانصه : :

وقد استدل البعض على ذلك بقوله تعالى " يسالك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سالوا موسى اكبر من ذلك جهرة فاخذتهم الصاعقة بظلمهم "(4/153) وقوله فقالوا ارنا الله تعالى : في حديث موسى - بعد ان اخذت قومه الرجفة " قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي اتهلكنا بمافعل السفهاء منا " (7/155)0

- ولنا ملاحظة على ذلك ، اما الاية الاولى فانها تدل على انهم طلبوا ذلك من موسى ولم يرد في الاية ان موسى استجاب لطلبهم وكلم ربه في ذلك باعتبار انهم يريدون ذلك لتكون القضية ان يرهم الله نفسه ، فان هذا هو المناسب للطلب اذا كان موسى يرفض ذلك من ناحية ذاتية ، لانه يعرف ان المطلوب مستحيل ممايفرض عليه ان يقول لهم : ان ذلك غير ممكن .

- ونلاحظ في هذه الاية هو الذي طلب ذلك من ربه بعد ان كلمه الله بعد اندماجه بالجو الروحي المحيط به واستغراقه في امته وهو الذي عاش التجربة الصعبة عند تجلي الله للجبل وهو الذي خر صعقا وتاب الى الله من ذلك .

- كما ان الاية تتحدث عن اخذ الصاعقة لهم بظلمهم ممايوحي بان هناك حالة من الجحود والنكران كانت تحكم مواقف هؤلاء0

- واما الاية الثانية فانها توحي بان هناك رجفة اصابت القوم ، وكان موسى معهم ولادليل على انها كانت ناشئة من تجلي الله للجبل ، بل ان السياق يدل على ان الرجفة لم تسقطهم ولم تهلكهم في هذا الموقع لان ذلك سوف يؤدي الى نتائج سلبية لدى قومه الاخرين من خلال امكان اتهامه بانه هو الذي اهلكهم . اما قوله " اتهلكنا بمافعل السفهاء الاخرين من قومه هم الذين يستحقون ذلك . وعلى كل حال فلادليل فيها على ان التجربة كانت تجربة الرؤية التي هي تجربة موسى في هذا الموقف -دون قومه والله العالم0

- اما رواية الصدوق في عيون اخبار الرضا عن علي بن محمد بن الجهم فهي رواية ضعيفة السند ولاتتناسب مع طبيعة الاية والله العالم0

وقد جاء في تفسير الميزان ان " الرواية ضعيفة السند على انها لاتوافق الاصول المسلمة في اخبار أئمة اهل البيت عليهم السلام فان اخبارهم وخاصة خطب علي والرضا عليهما السلام مملؤوة من حديث التجلي والرؤية القلبية فلا موجب له ان يلتزم كون الرؤية سؤالا وجوابا عن الرؤية البصرية ثم الجواب بطريق جدلي لاينطبق كثير الانطباق على الاية لكونه خلاف ظاهرها وخلاف ظاهر حال موسى فانهم لو اقترحوا عليه ذلك لرد عليهم كما رد عليهم بقوله : " انكم قوم تجهلون" حين قالوا ياموسى اجعل لنا الها كما لهم الهة" (الميزان في تفسير القران ج 8 ص 258)

وقال صاحب الميزان -بعد بحث طويل- فبهذه الوجوه يظهر انه تعالى يثبت في كلامه قسما من الرؤية والمشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسية وهي شعور في الانسان يشعر بالشيء بنفسه من غير استعمال آلة حسية او فكرية ، وان للانسان شعورا بربه غير مايعتقد بوجوده عن طريق الفكر واستخدام الدليل بل يجده وجدانا من غير ان يحجبه عنه حاجب ولايجره الى الغقلة عنه الا الاشتغال بنفسه ومعاصيه التي اكتسبها وهي مع ذلك غفلة عن امر موجود مشهود لازوال علم بالكلية ومن اصله، فليس في كلامه تعالى مايشعر بذلك البتة ، بل عبر عن هذا الجهل بالغفلة وهي زوال العلم بالعلم لازوال اصل العلم ، فهذا مايبينه كلامه سبحانه ويؤيده العقل بساطع براهينه ، كذا ماورد في الاخبار عن أئمة اهل البيت عليهم السلام . والذي ينجلي من كلامه تعالى ان هذا العلم المسمى بالرؤية واللقاء يتم للصالحين من عباد الله يوم القيامة كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى : " وجوه يومئذ ناضرة الى ربها تاظرة" (القيامة :33)فهناك موطن للتشرف بهذا الشرف ، واما في هذه الدنيا والانسان منشغل ببدنه ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية ، وهو سالك لطريق اللقاء والعلم الضروري بايات ربه كادح الى ربه كدحا ليلاقيه فهو بعد في طريق هذا العلم لن يتم حتى يلاقي وجه ربه قال تعالى : " يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه" (الانشقاق : 6)

- ونلاحظ على ذلك : ان الظاهر من كلامه ان المراد بالرؤية الاحساس والشعور الداخلي الذي يمثل حضور الشيء في الوجدان الداخلي بعيدا عن الادوات الحسية والفكرية كاحساس الانسان بذاته في رؤيته لها0

ولكن مثل هذه الرؤية القلبية الشعورية تصطدم بالحالة الجسدية التي تشغل الانسان بنفسه وبمعاصيه التي اكتسبها وتؤدي به الى الغفلة عن عمق الاحساس الباطني في امر مشهود وهذا هو الذي يمنع هذه الرؤية في الدنيا دون الاخرة التي يتحرر فيها الانسان من الاستغراق في جسده واكتساب المعاصي0

- ويرد على هذا المعنى : اذا كان واردا في تجربة الناس العاديين من عباد الله الصالحين فانه ليس واردا في انبياء اولي العزم -ومنهم موسى (ع) الذين استغلوا في افاق المعرفة بالله عن انفسهم وعن الاستغراق الشعوري في نزوات اجسادهم وعاشوا العصمة في اقوالهم وافعالهم واوضاعهم فهم في حياض المحبة يسبحون وفي افاق المعرفة يحلقون مما يجعل الحجب بعيدة عن مناطق الاحساس والشعور بالله عندهم في الدنيا والاخرة معهم0

- اما الاستشهاد بالاية الكريمة "الى ربها ناظرة " فلابد من حملها على المعنى الكنائي في النظر الى اسرار العظمة الالهية في يوم القيامة بحيث يتجلى الله للخلق هناك في وحدانيته كما لم يتجل في موقع اخر ممايجعل الناس في حالة توجه شبه مباشر الى الله كما لو كانوا يرونه عيانا والله العالم0

وقد ذكر صاحب الميزان في توجيه انسجام فقرة التجلي مع رايه بان المراد من الرؤية القلبية الشعورية فقال ان فيه تنظير اراءة نفسه لموسى عليه السلام بتجليه للجبل ، ان ظهوري وتجليي للجبل مثل ظهوري لك فان استقر الجبل مكانه اي بقي على ماهو عليه وهو جبل عظيم في الخلقة قوي في الطاقة فانك ايضا يرجى ان تطيق تجلي ربك وظهوره0 فقوله " ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني" ليس باستدلال على استحالة التجلي كيف وقد تجلى له ؟ بل اشهاد وتعريف لعدم استطاعته واطاقته التجلي وعدم استقراره مكانه اي بطلان وجوده لو وقع التجلي كما بطل الجبل (الميزان في تفسير القران ج 8 ص 242)

- اما تعليقنا على ذلك : فان الظاهر هو التناسب بين المسالتين في الجانب الحسي للمسالة ، بالتاكيد على ان ماطلبه موسى وهو رؤية الله الحسية هو امر مستحيل ، لان الله ليس من شانه ان يرى ولكن يمكن لموسى ان يواجه التجربة الاقل خطورة مما طلبه بحيث تمنحه في دلالاتها استحالة ذلك لان الجبل الضخم في تكوينه اذا كان لايتحمل البقاء امام تجلي الله له بنوره او بما يقرب من ذلك في معنى التجلي في الجانب الحسي فكيف يمكن ان ان يتحمل موسى رؤية الله ، او يتحمل الوجود كله في موجوداته ذلك والله العالم0




انتهت الدراسة المقارنة حول هذه الاية الكريمة باحتمالاتها التفسيرية المتعددة وفق المدرسة التفسيرية الامامية 0