المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرتضى مطهري التقسيمات والطبقات الإجتماعية



الدكتور عادل رضا
11-10-2008, 11:58 PM
المجتمع مع انه يتمتع بنوع من الوحدة ينقسم في نفسه _على وجه العموم أو في بعض الموارد على الأقل _ الى طوائف وطبقات واصناف مختلفة وقد تكون متضادة. اذن فالمجتمع له وحدة في عين الكثرة، وكثرة في عين الوحدة _حسب اصطلاح فلاسفة الإسلام _.
نوعية الكثرة في المجتمع: هناك نظريتان هما:
الاولى: النظرية المبتنية على المادية التاريخية والتناقض الديالكتيكي. وهذه النظرية تقول: ان الكثرة في المجتمع تتبع الملكية الفردية، فالمجتمعات الفاقدة للملكية الفردية كالمجتمع الإشتراكي البدائي، والمجتمع الإشتراكي الموعود مجتمعات لا طبقية. واما المجتمعات التي تتحكم فيها الملكية الفردية فتنقسم الى طبقتين بالضرورة. اذن فالمجتمع اما ان يكون ذا طبقة واحدة او ذا طبقتين، وليس هناك قسم ثالث. والأفراد ينقسمون في المجتمع ذي طبقتين الى افراد مستثمرين وأفراد تحت الإستثمار، ولا يوجد سوى معسكرين: المعسكر الحاكم، والمعسكر المحكوم. وتنقسم سائر الشؤون الإجتماعية بنفس التقسيم، كالفلسفة والأخلاق والدين والفن. فيكون في المجتمع نوعان من كل منها، يطابق كل منهما التفكير الخاص لاحدى الطبقتين الإقتصاديتين. ولو كان هناك نوع واحد من الفلسفة او الأخلاق أو الدين فهو يأخذ ايضا صبغة التفكير الخاص للطبقة الحاكمة التي استطاعت فرض آرائها وافكارها على الطبقة الاخرى. ولا يمكن وجود فلسفة أو فن أو دين أو اخلاق خارج عن نطاق التفكير لطبقة اقتصادية.
الثانية: النظرية القائلة بأن وحدة الطبقة في المجتمع وتكثّرها لا يتبع اصل الملكية الفردية فحسب، بل هناك عدة عوامل يمكن ان تؤثر في ذلك، كالعامل الثقافي أو الإجتماعي أو العنصري أو العقائدي، وخصوصاً العوامل الثقافية والعقائدية، فان لها تأثيراً كبيراً في تقسيم المجتمع لا الى طبقتين فحسب، بل الى طبقات متضادة، كما ان لها إمكانية التأثير في توحيد طبقات المجتمع من دون ان تستلزم الغاء الملكية الفردية.
وهنا لابد من مراجعة القرآن لنرى موقفه تجاه التكثّر في المجتمع، وانه على افتراض قبوله للتكثر والإختلاف فهل هو منحصر في الطبقتين على اساس الملكية والإستثمار ام لا؟ الظاهر ان من المستحسن في استنباط النظرية القرآنية هو استخراج المفردات الإجتماعية الواردة في القرآن، وتشخيص وجهة نظره في تفسيرها وتحديد مفاهيمها.
واللغات الإجتماعية في القرآن على قسمين:
1_ ما يرتبط بظاهرة اجتماعية خاصة كالملة والشريعة والشرعة والمنهاج والسنة ونظائرها. وهذا القسم خارج عن محل البحث.
2_ ما يحكى عن عنوان اجتماعي ينطبق على جميع افراد البشر، او طوائف منه. وهذه المفردات هي التي يمكن ان تعين وجهة النظر القرآنية فيما نحن بصدده، نحو قوم، امة، ناس، شعوب، قبائل، رسول، نبي، امام، ولي، مؤمن، كافر، منافق، مشرك، مذبذب، مهاجر، مجاهد، صديق، شهيد، متقي، صالح، مصلح، مفسد، الآمر بالمعروف، الناهي عن المنكر، عالم، ناصح، ظالم، خليفة، رباني، ربّيّ، كاهن، رهبان، احبار، جبار، عالي، مستعلي، مستكبر، مستضعف، مسرف، مترف، طاغوت، ملأ، ملوك، غني، فقير، مملوك، مالك، حر، عبد، رب وغيرها.
وهناك بعض المفردات الشبيهة بهذا القسم من قبيل مصلي، مخلص، صادق، منفق، مستغفر، تائب، عابد، حامد ونظائرها، ولكنها تحكي عن افعال الإنسان لا عن طوائف منه. ومن هنا لا يحتمل فيها ان تكون حاكية عن التقسيمات الإجتماعية.
ولابد من ملاحظة الآيات التي ورد فيها القسم الثاني من المفردات السابقة، خصوصاً ما كانت مرتبطة باتخاذ الموقف الخاص تجاه المسائل الإجتماعية، ولابد من التعمق فيها ليتضح انها هل توافق على تقسيم المجتمعات الى طائفتين ام الى طوائف؟ ولو فرضنا تقسيم المجتمعات الى طائفتين فما هي الخصيصة الأصلية لهما؟ فمثلا هل يمكن درجهما في طائفتي المؤمن والكافر ليكون اساس التقسيم هو الفارق الإعتقادي، او درجهما في طائفتي الغنى والفقر على اساس الفارق الإقتصادي؟.
وبعبارة اخرى لابد من ملاحظة هذه التقسيمات لنرى انها هل ترجع الى تقسيم أساس تتفرع منه سائر التقسيمات أم لا؟
ولو كان كذلك فما هو ذلك التقسيم الأساس؟
هناك من يدعي ان موقف القرآن من المجتمع يبتني على اساس انقسامه الى طبقتين، وأن المجتمع حسب النظرة القرآنية ينقسم في المرتبة الاولى الى طبقة حاكمة مسيطرة مستثمرة، وطبقة محكومة تحت السلطة والإستثمار، وأن القرآن يعبر عن الطبقة الحاكمة بالمستكبرين، وعن الطبقة المحكومة بالمستضعفين، وأن سائر الإنقسامات كالإنقسام الى المؤمن والكافر، والى الموحد والمشرك، والى الصالح والفاسد انقسامات فرعية. فالإستكبار والإستثمار ينتهيان الى الكفر والشرك والنفاق ونظائرها، والإستضعاف ينتهي الى الإيمان والهجرة والجهاد والصلاح والإصلاح ونظائرها.
وبعبارة اخرى: انّ منشأ ما يعده القرآن انحرافاً عقائدياً أو خلقياً أو عملياً هو الوضع الخاص الإقتصادي أي الإستثمار، ومنشأ ما يؤيده القرآن من عقيدة او خلق او عمل هو الكون تحت الإستثمار والظلم. والوجدان البشري يتبع بالطبع والضرورة حياته المادية الإقتصادية، ولا يمكن تغيير الوضع الروحي والنفسي والخلقي من دون تغيير في الحياة المادية. ومن هنا يعد القرآن النضال الإجتماعي في صورة الصراع الطبقي صحيحاً واساسياً. والقرآن يرى ان الكفار والمنافقين والمشركين والفاسدين والفاسقين والظالمين يبعثون من بين الطوائف التي يعبر عنها القرآن بالمترفين والمسرفين والملأ والملوك والمستكبرين ونظائرهم، ولا يمكن ان ينبعثوا من الطبقة المقابلة. كما أن الأنبياء والرسل والأئمة والصديقين والشهداء والمجاهدين والمهاجرين والمؤمنين يبعثون من بين الطبقة المستضعفة، ولا يمكن أن ينبعثوا من الطبقة المقابلة. فالإستكبار والإستضعاف هما يصنعان الوجدان الإجتماعي، ويبعثان على الإتجاهات المختلفة. وكل الشؤون الاخرى مظاهر وتجليات إستضعاف الاخرين، أو الوقوع تحت استضعاف الاخرين.
والقرآن لم يكتف بعدّ الطوائف المذكورة من مظاهر الطبقة الأصلية (الإستكبار والإستضعاف)، بل اشار الى عدة من الصفات والملكات الحسنة من قبيل الصدق والعفاف والإخلاص والعبادة والبصيرة والرأفة والرحمة والفتوّة والخشوع والإنفاق والإيثار والخشية والتواضع، واعتبرها جميعاً خصال المستضعفين. واشار الى عدة من الصفات والملكات السيئة من قبيل الكذب والخيانة والفجور والرياء واتباع الهوى وعمى القلب والقساوة والبخل والتكبر ونحوها، واعتبرها جميعاً من خصال المستكبرين.
فالإستكبار والإستضعاف ليسا اساس الإنقسام الى الطوائف المختلفة والمتناقضة فحسب، بل هما ايضاً اساس الصفات والملكات الخلقية المتضادة. وهما الأساس في جميع الإتجاهات والعقائد والمسالك، بل جميع الآثار الثقافية والحضارية. فكل من الاخلاق والفلسفة والفن والأدب والدين إذا كان ناشئاً من الطبقة المستكبرة كان حاكياً عن اتجاهها الإجتماعي وممثلاً له، ولذلك نراها كلها بصدد توجيه الوضع الموجود وعاملاً للتوقف والركود والجمود، خلافاً للأخلاق أو الفلسفة أو الآداب أو الفن أو الدين المنبعث من الطبقة المستضعفة حيث يكون موجّهاً ومبعثاً للحركة والثورة. فالطبقة المستكبرة حيث انها تستضعف الآخرين، وتستولي على حقوقهم الإجتماعية، تكون بالطبع متأخرة الفكر رجعية طالبةً للعافية والسلم، خلافاً للطبقة المستضعفة حيث تكون بصيرةً مطّلعةً مخالفة للتقاليد ثوريةً تقدميةً متحركةً.
والخلاصة ان اصحاب هذه الدعوى يعتقدون ان القرآن يؤيد النظرية القائلة، بأن كل ما يصنع شخصية الإنسان، ويشخص الطائفة التي تنتمي اليها، والجهة التي يسير نحوها، ويعين قاعدته الفكرية والخلقية والدينية والعقائدية هو وضعه الإقتصادي. وعلى هذا الأساس بنى القرآن تعاليمه القيمة حسبما يستفاد من مجموع الآيات.
ومن هنا فان المقياس لمعرفة صدق الدعاوى وكذبها من قبيل دعوى الإيمان والإصلاح والقيادة، وحتى النبوة والإمامة هو الإنتماء الى الطبقة الخاصة، فهو ملاك كل شيء.
هذه النظرية _في الواقع _ تبتني على التفسير المادي المحض للإنسان والمجتمع. ومما لا شك فيه ان القرآن يهتم كثيراً بالقاعدة الإجتماعية للإنسان، الا ان هذا لا يعني انه يجعل ذلك مقياساً لجميع التقسيمات الطبقية. ونحن نعتقد ان هذا النوع من التفسير الإجتماعي لا ينطبق مع وجهة النظر الإسلامية حول الإنسان والعالم والمجتمع، وأن منشأ ذلك هو النظرة السطحية للمباحث القرآنية.
----------------------------
المصدر: المجتمع والتاريخ