المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق على محك الإتفاقية الأمنية



ياآل احمد
11-09-2008, 10:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


العراق على محك الإتفاقية الأمنية


لغط كثير يدور حول الإتفاقية الأمنية داخل الأوساط السياسية والقوى ذات التأثير الظاهري في الوضع العراقي كالمرجعيات الدينية ، يلاحظ عليه الغموض والتوجس ومحاولة التملص من تبعات أمر يتوقع الجميع حدوثه على الرغم من إرادتهم .

ولعل بالإمكان اختصار المشكلة التي ولدت هذا اللغط بمقولة إن العراقيين يريدون التوقيع على الإتفاقية على طريقة سرقة الليل المستورة ، بينما يريدها الأمريكان سرقة تجري في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد ، وهذا ما يستطيع التوثق منه من يراقب نغمة العجز والتسويف التي تهيمن على تصريحات القوى العراقية المختلفة مقارنة بالنغمة التسلطية التي تميز التصريحات الأمريكية .

فالأمريكان ليس فقط لا يخفون رغبتهم بنمط من الإتفاق يحقق لهم كل مرادهم ، ويجعل منهم السيد الوحيد في العراق ، بل يذهبون الى أكثر من ذلك حين يلوحون بين الفينة والأخرى الى استعدادهم لتغيير النظام الحاكم في العراق في حال وجدوا تعنتاً وممانعة في قبول إملاءاتهم وشروطهم المجحفة تماماً بالسيادة العراقية ، في المقابل تبدو مواقف القوى العراقية مثيرة للشفقة الى أبعد الحدود ، فالموقف الذي يتبناه حزب الفضيلة التابع لليعقوبي يتعكز على فكرة "إن الاتفاقية الأمنية التي تعتزم الحكومة توقيعها مع الجانب الأمريكي يجب إن تحظى بقبول شعبي ووطني لأنها من الأمور المهمة والإستراتيجية في تاريخ العراق " .

هذا الموقف في الحقيقة يمثل موقفاً أنموذجياً تتبناه جميع القوى السياسية والدينية العراقية ، وقد صرح به غير ممثل اليعقوبي ممثلو القوى الدينية من خلال خطب الجمعة والتصريحات التي تفوهوا بها ومثلهم ممثلو الأحزاب العراقية ، وقد يبدو عليه أنه موقف يتحرى المبادئ الدستورية ، ولكن هذا الإلتقاء بالدستور ليس في الحقيقة سوى المسرب الذي وجدته القوى العراقية لتهريب عجزها والذريعة التي خبأت ورائها عورتها من الإنكشاف الفاضح أمام الجماهير .

فلو استنطقنا المخبوء الذي تحاول ستره لوجدنا أنفسنا وجهاً لوجه بإزاء العجز وقلة الحيلة ، فالسياسيون و القادة الدينيون العراقيون يقول من خلال مثل هذه التصريحات إنهم لا يملكون موقفاً محدداً من الإتفاقية ، وينتظرون من الجماهير التي يفترض أنهم هم قادتها أن تقود خطاهم وتوجههم الى السبيل الصحيح ، ومن جهة أخرى يمكننا بكثير من النظر الإيجابي لموقفهم أن نرى في تصريحاتهم رفضاً خجولاً للإتفاقية وجباناً في الوقت نفسه على اعتبار أنهم قد ثقفوا الجماهير على رفض الإتفاقية ، ولكننا في الحقيقة لا نملك من المسوغات الواقعية ما يمنحنا قدرة على التمسك بهكذا افتراض ،
إذ لا شئ يشي بأن ثمة تثقيف بالإتجاه المشار إليه ، بل يمكن أن نرى النقيض تماماً ، فالجمهور العراقي وقع ضحية لتناقض كبير في التصريحات من جهة ، والى رأي يكاد يكون متواتراً في جميع التصريحات المتناقضة ، وإن ورد في أحيان كثيرة بصورة تلويح أو إيحاء ، رأي مفاده القبول بالإتفاقية في حال تمت الإشارة من طرف المرجعيات الدينية الى مقبولية الإتفاقية .

وبكلمة أخرى يمكننا القول إن لعبة استخفافية كبيرة مارستها القوى العراقية المختلفة الهدف منها تشويش وعي الجماهير لحقيقة الإتفاقية ، والإيحاء لهم بأن ثمة رفض وعناد تقابل به الشروط الأمريكية يصبان بالنتيجة في دائرة المصلحة العراقية ، ليصار بالنتيجة الى إيهامهم بأن النتيجة المحتومة التي ستفضي لها المفاوضات تمثل نصراً وإنجازاً للعراق وسيادته !

والواقع إن فكرة المؤامرة من القوة بحيث لا يستطيع المحلل أن يغض عنها النظر بدعوى نمطيتها ، أو بزعم أن التركيبة النفسية العراقية تتوجه لها بصورة آلية ، فهل بمقدور أحد أن يقطع بأن كثرة التصريحات وتناقضها وهي تصريحات يفترض أنها تصدر عن جهة واحدة وتعبر عن موقف واحد ، هل بمقدوره القطع بأنها لا تمثل لعبة توزيع أدوار مقصودة للتعمية على الجمهور ؟ وهل من الممكن لأحد أن يصدق إن بعض المتنفذين على المستوى الحكومي لا يعلم بمضامين ما يجري التوافق عليه بين الحكومة والأمريكان ؟ وهل يصدق عاقل أن وزير خارجية يتحدث عن واقع ومضمون لا يكاد يلتقي بشئ مع الواقع والمضمون الذي يتحدث عنه رئيس الوزراء ؟

قد يقترح أحد حلاً لكل هذه الفوضى بالقول إن مثل هذا التضارب في الحديث وارد جداً في حكومة هي في الحقيقة خان جغان أكثر منها حكومة محترمة ، وهذا رأي قوي على الأرجح ، فيما لو أتفقنا على أن الحكومة هذه هي من تحرك نفسها وبإرادتها ، ولكنه يفقد الكثير من قوته ، بل قد يبدو هزيلاً للغاية فيما لو عدنا الى القاعدة الذهبية التي تحكم الأنظمة في البلدان المحتلة المستباحة السيادة ، فالقاعدة الذهبية في مثل هكذا أنظمة تقول إن السيد المتحكم الذي تلتقي عند إرادته كل الإرادات هو القوة المحتلة حتماً ، فهل عجز الأمريكان حقاً عن وضع حد لكل هذه الفوضى العارمة أم إن وراء الأكمة ما وراءها ؟

الحق إني لا أجد في نفسي ميلاً بأي درجة الى الإعتقاد بأن المالكي وحكومته يمارسان لعبة ضغوط أو مناورة بإزاء الموقف الأمريكي ، ولعل بإمكان من يلتقي معي عند هذا الهاجس أن يجد في الكثير من أخبار اللقاءات التلفزيونية المغلقة بين المالكي وبوش ما يعزز لديه هذه القناعة . فإذا كان المالكي في بعض تصريحاته يذكرنا بعنترة بن شداد وبطولاته ، فإن ما يصرح به بوش أو الناطقين بإسم الحكومة الأمريكية عن نفس هذه اللقاءات يُظَهّر ( من التظهير ) لنا عنترة المالكي بصورة دون كيشوت تافه !

من هنا في الحقيقة أميل كثيراً الى أن حصافة الرأي تقتضي الإبتعاد بالوعي عن منطقة تأثير التصريحات المخادعة والإحتفاظ بالإنطباع الأول الذي يعرفه كل إنسان بفطرته وهو الإنطباع الذي يصنف كل تفاوض بين دولة الإحتلال وبين الدولة المحتلة من قبلها في خانة التفاوض بين القوي المتسلط والضعيف الذليل ، وهو تفاوض محسوم النتيجة حتى قبل أن يبدأ .

بقلم
احد انصار الامام المهدي(ع)