نورس ناصر الحسن
08-14-2008, 01:15 PM
المقال العشرون: رواية من ظهري تكذب دعوى اليماني المزعوم
وردت هذه الرواية في مصادر عديدة منها الكافي وكمال الدين والغيبتين والارشاد والاختصاص ودلائل الامامة والهداية الكبرى وغيرها.
يستدل بهذه الرواية جماعة المدعو احمد الحسن على أنه ابن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مستندين إلى هذا المقطع (ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي) والرواية التي يستدلون بها تروى بطريقين وبثلاثة متون، أما من جهة الطريقين فينتهي كل منهما إلى ثعلبة بن ميمون عن مالك الجهني عن الحارث بن المغيرة النصري عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين.
اولاً:- المتن الاول وروي بلفظ (ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) روى هذا المتن كل من:
1 _ ابن بابويه القمي، في الامامة والتبصرة في باب الغيبة ص120.
2 _ الشيخ الكليني، في الكافي في الجزء الاول في باب الغيبة ص238.
3 _ الشيخ الصدوق، في كتاب كمال الدين في ص289 باب ما اخبر به امير المؤمنين عليه السلام من وقوع الغيبة، الحديث الاول.
4 _ الشيخ محمد بن ابراهيم النعماني، في كتاب الغيبة، الباب الرابع، الحديث الرابع، باب ما روي في أن الائمة اثنا عشر إماماً.
ثانياً: المتن الثاني وروى الحديث بمتن (ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) كل من:
1 _ الشيخ المفيد، في الاختصاص ص209 باب اثبات امامة الاثني عشر.
2 _ الشيخ الطوسي، في ص65 تحت الرقم 127 وفي ص336 تحت الرقم 282، وكذلك في الهداية الكبرى.
ثالثاً: المتن الثالث وروى بلفظ (فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي بها آخرون)
محمد بن جرير الطبري في دلائل الامامة ص530 الحديث 504/108 باب معرفة ما ورد من الاخبار في وجوب الغيبة.
الابحاث حول هذا الحديث:
البحث الاول: السندي.
البحث الثاني: الزيادة والنقصان عند اختلاف النسخ وما هو الاصل المعتمد في هذه المسألة.
البحث الثالث: البحث الدلالي.
البحث الاول: السندي.
حيث أن المراد اثباته من خلال هذا الحديث حسب ما يدعي هؤلاء هو انتساب احمد الحسن إلى الإمام المهدي مباشرةً أي انه من صلبه فلابد ان تكون الادلة التي يعتمدها هؤلاء ادلة من سنخ ما يعتمد في اصول الدين (لانهم يقولون ان هذه المفردة من اصول الدين)(1) بمعنى ان تكون الادلة قطعية لا ظنية لان (الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)(2)
وهذا الحديث فضلاً عن انه ليس متواتراً أي ليس قطعي الصدور فهو ضعيف سنداً إذ ان في طريقه مالك الجهني ولم تثبت وثاقته.
البحث الثاني: الزيادة والنقصان عند اختلاف النسخ وما هو الاصل المعتمد؟
الاصل في الكلام الواصل الينا ان من كتبه ودونه ملتفت إلى ما يكتب ويدون وانه لا يسهو ولا يغفل ولا ينسى بناءاً على اصالة العقلاء القاضية بان الاصل عدم الغفلة والخطأ والنسيان, فجريان العقلاء على الاخذ بما ينقل اليهم مبتنين فيه على ان الناقل عندما ينقل أو يكتب ما نقل اليه يكتب ذلك وينقله لا عن غفلة ولا عن خطأ ولا عن نسيان، لذلك يقول العلماء في مقام التعارض بين الزيادة والنقيصة كان بناء اهل الحديث والدراية على تقديم (اصالة عدم الزيادة) على (اصالة عدم النقيصة) والحكم بأن الكلام الزائد هو من اصل الرواية وليس زيادة من الراوي لانه بعيد غاية البعد ان يزيد الراوي من عند نفسه على ما سمعه من المعصوم، وهذا بخلاف سقوط الحرف أو الكلمة فانه ليس بتلك المثابة من البعد.
ولمزيد من البيان والتفصيل يراجع تقريرات بحث النائيني للخونساري ج3 ص363 وغيرها من الابحاث الاصولية والقواعد الفقهية والرجالية الاخرى.
وفي كلامنا فان الاصل يكون هو رواية (من ظهري) حيث انه من البعيد ان تكون الياء قد جيء بها زائدة من قبل النساخ، لان هذا نادر الوقوع جداً بخلاف ما لو سقطت الياء من بعض النساخ فانه في مقام التعارض بين الاخذ برواية (من ظهري) أو برواية (من ظهر) علينا ان نأخذ بما اشتمل على الزيادة دون النقيصة وهذا ما جرت عليه سيرة العقلاء.
البحث الثالث: البحث الدلالي.
يقع الكلام فيه حول هذه الرواية ضمن محاور:
المحور الاول: والحديث فيه مبني على اعتمادنا لرواية (من ظهري) فبناءً على هذه الرواية يكون المعنى هكذا فكّرت (أي امير المؤمنين عليه السلام) في مولود يكون من ظهري وهو الحادي عشر من ولدي وهو الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وحيث ان اولاد امير المؤمنين من المعصومين (عليهم السلام) هم احد عشر فيكون المقصود بالحديث مباشرة هو الامام المهدي، والقرينة الخاصة المتصلة على ذلك من نفس الحديث قوله (عليه السلام) هو المهدي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فهذه القرينة المتصلة تبين ما هو المراد من هذا المولود الذي فكر فيه امير المؤمنين، وهي تدل بصراحة على ان فكر امير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المولود وهو المهدي الذي يتحقق على يده الوعد الالهي.
وعلى هذا الوجه لا نحتاج الى كثير مؤونة في بيان ان الذي فكر فيه امير المؤمنين والذي يكون من ظهره هو الامام المهدي خاصةً لا غير.
المحور الثاني: والحديث فيه مبنيٌ على ما اذا اعتمدنا رواية (من ظهر) وبناءً على هذا الوجه نرى ان الحديث لا يُقصد به الا الامام المهدي (عجل الله فرجه) لوجوه عديدة منها:
1- ان الحديث صريح في ان امير المؤمنين (عليه السلام) يتحدث عن غيبة الامام المهدي (عجل الله فرج) اذ يقول امير المؤمنين (عليه السلام) (ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة تضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) فأمير المؤمنين (عليه السلام) لا يتحدث في هذا المقطع عن ولد يكون للامام المهدي (عجل الله فرجه) تكون لهذا الولد حيرة وغيبة وانه يملأ الارض عدلاً وقسطاً اذ ان ما لا ريب فيه ان من يملأ الارض عدلاً وقسطاً وان الذي له غيبة هو خصوص المهدي فقط.
2- ان قوله (عليه السلام) (من ولدي) تكون صفةً لـ(مولود) لا انه متعلق بالحادي عشر، بمعنى مولود من ولدي من ظهر الحادي عشر من الائمة (عليهم السلام) أي من ظهر الامام الحسن العسكري الذي هو حادي عشر ائمة اهل البيت (عليهم السلام).
3- ان مرجع كلمة (الحادي عشر) في الحديث هو الامام الحسن العسكري اذ ان روايات الاثني عشر ومن الفريقين منصرفة الى خصوص الائمة الاثني عشر.
المحور الثالث: الكلام المتقدم كله مبتنٍ على ما اذا اعتمدنا واحداً من المتنين الاوليين اما اذا اعتمدنا المتن الثالث المروي عن دلائل الامامة بلفظ (فكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر هو المهدي) فان دلالة النص في هذا الخبر على ان المراد من الحادي عشر هو الامام الحسن العسكري وان المولود الذي يكون من ظهره هو المهدي لا يختلجها ريب ولا شك ولا يحتاج معها الى زيادة بيان.
ان مما ينبغي ان يلتفت اليه ان هؤلاء يدعون عصمة احمد السلمي ويعتقدون ان الابحاث التي ترتبط حول ما يدعي لا بد ان تثبت من سنخ ما تثبت به مسائل اصول الدين، وبدورنا نسأل منهم ما هو الموجب لترككم العشرات من الروايات التي تحصر الائمة بالاثني عشر وان الحادي عشر منهم هو الامام العسكري عليه السلام والثاني عشر هو الامام المهدي الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وتمسككم برواية واحدة وان سلّمنا صحة سندها فهي تدل على ان هذا المولود هو المهدي والقرينة عليه متصلة وهي (هو المهدي) الا ان ما تقدم من بحث يثبت اجمالها من حيث تعدد متونها واجمال مداليل الفاظها كما سيتضح ذلك اكثر في التتميم.
فعليه على اقل تقدير تكون هذه الرواية من المتشابهات التي لا بد فيها من الرجوع الى محكمات الاحاديث والروايات والتي تنص على ان من يملأ الارض قسطاً وعدلاً هو الامام المهدي لا غير، ومعه لا نرى موجباً للتمسّك بالاستدلال بهذه الرواية على ما يدّعي هؤلاء الا اتباع الهوى والانجرار خلف ارادة الاستكبار الشيطاني في محاولة تشويه صورة مذهب اهل البيت عليهم السلام من خلال العقيدة المهدوية بحيويتها وجاذبيتها.
بقي شيٌ في غاية الاهمية لا بد لنا من الالتفات اليه في كل دعوى سواء كان مدّعيها صادقاً او كاذباً وهو ان يقدّم دليلاً قطعياً يثبت به ان الاوصاف المحكية في الرواية تنطبق عليه خارجاً وتنحصر به، وحيث ان هذا غير متحقق في احمد الحسن حتى على نحو الاحتمال فيثبت بطلان ما يذهب اليه من انه المقصود بهذه الرواية.
بقي لتتميم البحث امور:
الامر الاول: في علاج ما يظهر من وجود تنافٍ بين غيبة الإمام وبين ما ورد في رواية الاصبغ مما هذا لفظه (يا مولاي فكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال عليه السلام: ستة ايام او ستة اشهر أو ستة سنين) فإن هذا يتنافى مع غيبة الإمام التي حصلت على نحوين صغرى ودامت قرابة سبعين سنة وكبرى ولا زلنا نعيش ايامها, هذا بناءاً على الروايات التي ذكرت هذا القول أي (ستة أيام أو ستة اشهر أو ستة سنين) اما بناءاً على المصادر الاخرى التي ذكرت الرواية ولم تذكر هذا المقطع وهي الاختصاص للمفيد والغيبة للطوسي في احدى الروايتين والامامة والتبصرة وكمال الدين والغيبة للنعماني ودلائل الامامة فإنه لا يتأتى القول بوجود تنافٍ.
وفي مقام الجواب عن هذا التنافي توجد عدة وجوه يرفع بها التنافي المتوهم:
الوجه الاول: بعد وضوح أن المراد به من الولد هو الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بقرينة تصريح الإمام امير المؤمنين عليه السلام بذلك فإنه يحتمل أن يكون عليه السلام قد اشار من خلال المقطع الذي ذكر فيه مدة الغيبة مردداً، اشار الى قانون البداء وخضوع كل ما عدى نفس ظهور الامام المهدي عليه السلام لهذا القانون والقرينة المنفصلة هي الرواية التي ذكرت البداء حتى في العلامات الحتمية واستثنت نفس الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف, ففي كتاب الغيبة للنعماني في الباب18 الرواية تحت الرقم 10 عند داوود بن القاسم الجعفري قال: كنا عند ابي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من ان امره من المحتوم فقلت لابي جعفر: (هل يبدو لله في المحتوم؟.
قال: نعم.
قلنا له: فنخاف ان يبدو لله في القائم.
فقال عليه السلام: ان القائم من الميعاد, والله لا يخلف الميعاد).
الوجه الثاني: يحتمل أن يكون الترديد في الرواية من جهة الايام إشارة إلى خروج فعلي للامام إذا تحققت شرائط ذلك كما حصل مع الامام الصادق عليه السلام إذ قال: (كان هذا الامر فيَّ فأخره الله ويفعل بعد في ذريتي ما يشاء) بحار الانوار ج52 ص106 رواية رقم 12, وفي رواية اخرى قال ابو جعفر (يا ثابت ان الله تعالى كان وقت هذا الامر في السبعين فلما قتل الحسين اشتد غضب الله على اهل الارض فأخره الى اربعين ومائةً فحدثناكم فاذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا ويمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) بحار الانوار ج52 ص105, فمجرد ذكر الايام مرددة على لسان امير المؤمنين لا يعني حتمية ذلك كما لا يخفى.
الوجه الثالث: يحتمل أن يكون الترديد في هذا الحديث مراداً به خصوص الغيبة الصغرى فقط لذلك قال عليه السلام له غيبة أي أن الإمام علياً عليه السلام يتحدث عن أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف سوف يغيب بعد موت أبيه هذه الفترة فإذا توفرت له شروط الخروج خرج وإلا استمرت الغيبة إلى أمدها المحدد عند الله سبحانه وتعالى.
الوجه الرابع: إن الإمام علياً عليه السلام يتحدث في هذا المقطع حول غيبة ليست هي بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عندنا لان الغيبة حسب المشهور وقعت بعد شهادة الإمام العسكري عليه السلام وحسب هذا الوجه فإنه عليه السلام يريد أن يتحدث عن فترة ما قبل وقوع الغيبة (الصغرى والكبرى)، بعبارة يريد عليه السلام أن يحدثنا عليه السلام عن غيبةٍ ستحصل للامام المهدي بعد ولادته مباشرةً، وتستمر هذه الغيبة إلى استشهاد أبيه عليه السلام، واستمرارية هذه الغيبة مردد بين الستة أيام أو الستة اشهر أو الست سنين، ثم بعد انتهاء هذه الفترة يتسلم الإمام مهام إمامته ويغيب غيبته الاصطلاحية والمتعارفة عندنا، بعبارة اخرى ان الامام يتحدث عن حصول غيبة له قبل تسلمه مهام إمامته، وملخص ما نريد أن نقوله في هذا الوجه ان حديث امير المؤمنين عليه السلام عن الترديد الحاصل يقع في زمن ما بين ولادته عليه السلام وبين تسلمه لمهام إمامته عليه السلام.
الوجه الخامس: من المحتمل أن يكون الترديد إشارة إلى الغيبة الصغرى اذا لاحظنا هذه الرواية المروية عن الإمام السجاد عليه السلام، والتي يرويها كمال الدين في الباب الحادي والثلاثين ص323 ((وان للقائم منا غيبتين احداهما اطول من الاخرى, أما الاولى فستة ايام أو ستة اشهر أو ست سنين، اما الاخرى فيطول أمدها...)).
الوجه السادس: انه بناءً على رواية النعماني في الباب الرابع تحت الحديث 4ص69 التي تقول: ((فقلت يا أمير المؤمنين فكم تكون تلك الحيرة والغيبة؟.
فقال: سبت من الدهر)).
أي مدة من الدهر لم يبينها أو يحددها أمير المؤمنين عليه السلام.
فإن قيل هذا ينسجم مع غيبة واحدة لا غيبتين؟.
قلنا: حديث اهل البيت عن الغيبة تارة يكون بنحو بيان الغيبة مع خصوصية معيّنة وتارة يكون بمعزلٍ عن ذكر أي خصوصية تتبيّن بها نحو الغيبة فاذا كان الحديث منهم عليهم السلام عن الغيبة وبما يرتبط بأحوال السفراء واحداث اوائل الغيبة كان الحديث عن خصوص الغيبة الصغرى، واذا كان الحديث عن احوال ما بعد هذه الغيبة الى زمن الظهور فهو حديثٌ عن الغيبة الكبرى وتارة يكون الحديث عن الغيبة بما هي غيبة دون بيان أي خصوصية او تفصيل سواء كان للغيبتين معاً او لغيبة معينة، واحاديث اهل البيت عليهم السلام التي تحدثوا فيها عن الغيبة مطلقاً كثيرة ولا يلزم منها ان للامام المهدي عليه السلام غيبةً واحدةً فقط ومن هذه الاحاديث هذه الرواية التي رواها الشيخ الصدوق في كمال الدين ص139 ((...وانه المهدي الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً, وانه تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي آخرون)).
الامر الثاني: ان قيل ان كلمة (من ولدي) الواردة في الرواية يختل بها معنى الحديث إن عددنا الحادي عشر هو الامام العسكري عليه السلام، بعبارة اخرى ان تفسير الحديث بعدم ارادة الامام المهدي من الحادي عشر يلزم منه اختلال التركيب؟
قلنا لا يختل المعنى في حديث الاصبغ وذلك لعدة وجوه:
الوجه الاول: ان كلمة الاثني عشر منصرفة عند الفريقين الى خصوص الائمة الاثني عشر من اهل البيت الذين اولهم علي وآخرهم المهدي عليهم السلام جميعاً دون أن يكون أدنى شك في إرادة غيرهم.
الوجه الثاني: إن هذا الامر متداول ومعروف وهو من باب التغليب فان اطلاق الاثني عشر على الائمة بلفظ من ولد امير المؤمنين او من ولد الزهراء او من ولد الرسول الاكرم عليهم السلام جميعاً متداول ومألوف في الروايات، ففي حديث اللوح روى الكافي في ج1 ص532 ((عن جابر بن عبد الله الانصاري قال دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه اسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم عليه السلام...)).
وفي الكافي ج1 ص533 باب ما جاء في الاثني عشر ((سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول الاثنا عشر الامام من آل محمد عليه السلام كلهم محدث من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد علي بن ابي طالب عليه السلام فرسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام هما الوالدان)).
وفي البحار ج27 الباب التاسع الحديث 19 عن الحسن بن علي صلوات الله عليهما (والله لقد عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وآله ان هذا الامر يملكه اثنا عشر اماماً من ولد علي وفاطمة)
فإننا نفهم من خلال هذه الجملة من الاحاديث وغيرهما أن الائمة يطلقون الاثني عشر حتى وان صرحوا بانهم من ولد أمير المؤمنين عليه السلام.
وختاماً نريد من اتباع هذا الضال المنمس أن يأتينا برواية واحدة تذكر ان ابن الإمام المهدي هو الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً كما يدعون.
الهوامش:
________________________________________
(1) - يقول ناظم العقيلي في الرد القاصم ص51 (قضية الإمامة والنيابة من العقائد والعقائد لا يجوز فيها التقليد باجماع الشيعة) ويقول في ص43 كما قلت ان هذا الخبر آحاد (ظني الصدور) لا يصلح للاستدلال العقائدي, ويقول في ص27 وخبر الآحاد اذا كان صحيح السند وليس مسنداً عند الاصوليين لا يفيد علما ولا عملاً ولا يستدل به في العقائد, ويقول في ص28 (لا يجوز العمل بالرواية إلا اذا كانت قطعية الدلالة أي ان لها وجه واحد ولا تحتمل غيره), هذه الاقوال وغيرها تؤكد على ان هؤلاء يعتقدون ان قضية النيابة والسفارة من اصول الدين.
(2) - سورة يونس: آية 36.
وردت هذه الرواية في مصادر عديدة منها الكافي وكمال الدين والغيبتين والارشاد والاختصاص ودلائل الامامة والهداية الكبرى وغيرها.
يستدل بهذه الرواية جماعة المدعو احمد الحسن على أنه ابن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مستندين إلى هذا المقطع (ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي) والرواية التي يستدلون بها تروى بطريقين وبثلاثة متون، أما من جهة الطريقين فينتهي كل منهما إلى ثعلبة بن ميمون عن مالك الجهني عن الحارث بن المغيرة النصري عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين.
اولاً:- المتن الاول وروي بلفظ (ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) روى هذا المتن كل من:
1 _ ابن بابويه القمي، في الامامة والتبصرة في باب الغيبة ص120.
2 _ الشيخ الكليني، في الكافي في الجزء الاول في باب الغيبة ص238.
3 _ الشيخ الصدوق، في كتاب كمال الدين في ص289 باب ما اخبر به امير المؤمنين عليه السلام من وقوع الغيبة، الحديث الاول.
4 _ الشيخ محمد بن ابراهيم النعماني، في كتاب الغيبة، الباب الرابع، الحديث الرابع، باب ما روي في أن الائمة اثنا عشر إماماً.
ثانياً: المتن الثاني وروى الحديث بمتن (ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) كل من:
1 _ الشيخ المفيد، في الاختصاص ص209 باب اثبات امامة الاثني عشر.
2 _ الشيخ الطوسي، في ص65 تحت الرقم 127 وفي ص336 تحت الرقم 282، وكذلك في الهداية الكبرى.
ثالثاً: المتن الثالث وروى بلفظ (فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي بها آخرون)
محمد بن جرير الطبري في دلائل الامامة ص530 الحديث 504/108 باب معرفة ما ورد من الاخبار في وجوب الغيبة.
الابحاث حول هذا الحديث:
البحث الاول: السندي.
البحث الثاني: الزيادة والنقصان عند اختلاف النسخ وما هو الاصل المعتمد في هذه المسألة.
البحث الثالث: البحث الدلالي.
البحث الاول: السندي.
حيث أن المراد اثباته من خلال هذا الحديث حسب ما يدعي هؤلاء هو انتساب احمد الحسن إلى الإمام المهدي مباشرةً أي انه من صلبه فلابد ان تكون الادلة التي يعتمدها هؤلاء ادلة من سنخ ما يعتمد في اصول الدين (لانهم يقولون ان هذه المفردة من اصول الدين)(1) بمعنى ان تكون الادلة قطعية لا ظنية لان (الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)(2)
وهذا الحديث فضلاً عن انه ليس متواتراً أي ليس قطعي الصدور فهو ضعيف سنداً إذ ان في طريقه مالك الجهني ولم تثبت وثاقته.
البحث الثاني: الزيادة والنقصان عند اختلاف النسخ وما هو الاصل المعتمد؟
الاصل في الكلام الواصل الينا ان من كتبه ودونه ملتفت إلى ما يكتب ويدون وانه لا يسهو ولا يغفل ولا ينسى بناءاً على اصالة العقلاء القاضية بان الاصل عدم الغفلة والخطأ والنسيان, فجريان العقلاء على الاخذ بما ينقل اليهم مبتنين فيه على ان الناقل عندما ينقل أو يكتب ما نقل اليه يكتب ذلك وينقله لا عن غفلة ولا عن خطأ ولا عن نسيان، لذلك يقول العلماء في مقام التعارض بين الزيادة والنقيصة كان بناء اهل الحديث والدراية على تقديم (اصالة عدم الزيادة) على (اصالة عدم النقيصة) والحكم بأن الكلام الزائد هو من اصل الرواية وليس زيادة من الراوي لانه بعيد غاية البعد ان يزيد الراوي من عند نفسه على ما سمعه من المعصوم، وهذا بخلاف سقوط الحرف أو الكلمة فانه ليس بتلك المثابة من البعد.
ولمزيد من البيان والتفصيل يراجع تقريرات بحث النائيني للخونساري ج3 ص363 وغيرها من الابحاث الاصولية والقواعد الفقهية والرجالية الاخرى.
وفي كلامنا فان الاصل يكون هو رواية (من ظهري) حيث انه من البعيد ان تكون الياء قد جيء بها زائدة من قبل النساخ، لان هذا نادر الوقوع جداً بخلاف ما لو سقطت الياء من بعض النساخ فانه في مقام التعارض بين الاخذ برواية (من ظهري) أو برواية (من ظهر) علينا ان نأخذ بما اشتمل على الزيادة دون النقيصة وهذا ما جرت عليه سيرة العقلاء.
البحث الثالث: البحث الدلالي.
يقع الكلام فيه حول هذه الرواية ضمن محاور:
المحور الاول: والحديث فيه مبني على اعتمادنا لرواية (من ظهري) فبناءً على هذه الرواية يكون المعنى هكذا فكّرت (أي امير المؤمنين عليه السلام) في مولود يكون من ظهري وهو الحادي عشر من ولدي وهو الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وحيث ان اولاد امير المؤمنين من المعصومين (عليهم السلام) هم احد عشر فيكون المقصود بالحديث مباشرة هو الامام المهدي، والقرينة الخاصة المتصلة على ذلك من نفس الحديث قوله (عليه السلام) هو المهدي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فهذه القرينة المتصلة تبين ما هو المراد من هذا المولود الذي فكر فيه امير المؤمنين، وهي تدل بصراحة على ان فكر امير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المولود وهو المهدي الذي يتحقق على يده الوعد الالهي.
وعلى هذا الوجه لا نحتاج الى كثير مؤونة في بيان ان الذي فكر فيه امير المؤمنين والذي يكون من ظهره هو الامام المهدي خاصةً لا غير.
المحور الثاني: والحديث فيه مبنيٌ على ما اذا اعتمدنا رواية (من ظهر) وبناءً على هذا الوجه نرى ان الحديث لا يُقصد به الا الامام المهدي (عجل الله فرجه) لوجوه عديدة منها:
1- ان الحديث صريح في ان امير المؤمنين (عليه السلام) يتحدث عن غيبة الامام المهدي (عجل الله فرج) اذ يقول امير المؤمنين (عليه السلام) (ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة تضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) فأمير المؤمنين (عليه السلام) لا يتحدث في هذا المقطع عن ولد يكون للامام المهدي (عجل الله فرجه) تكون لهذا الولد حيرة وغيبة وانه يملأ الارض عدلاً وقسطاً اذ ان ما لا ريب فيه ان من يملأ الارض عدلاً وقسطاً وان الذي له غيبة هو خصوص المهدي فقط.
2- ان قوله (عليه السلام) (من ولدي) تكون صفةً لـ(مولود) لا انه متعلق بالحادي عشر، بمعنى مولود من ولدي من ظهر الحادي عشر من الائمة (عليهم السلام) أي من ظهر الامام الحسن العسكري الذي هو حادي عشر ائمة اهل البيت (عليهم السلام).
3- ان مرجع كلمة (الحادي عشر) في الحديث هو الامام الحسن العسكري اذ ان روايات الاثني عشر ومن الفريقين منصرفة الى خصوص الائمة الاثني عشر.
المحور الثالث: الكلام المتقدم كله مبتنٍ على ما اذا اعتمدنا واحداً من المتنين الاوليين اما اذا اعتمدنا المتن الثالث المروي عن دلائل الامامة بلفظ (فكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر هو المهدي) فان دلالة النص في هذا الخبر على ان المراد من الحادي عشر هو الامام الحسن العسكري وان المولود الذي يكون من ظهره هو المهدي لا يختلجها ريب ولا شك ولا يحتاج معها الى زيادة بيان.
ان مما ينبغي ان يلتفت اليه ان هؤلاء يدعون عصمة احمد السلمي ويعتقدون ان الابحاث التي ترتبط حول ما يدعي لا بد ان تثبت من سنخ ما تثبت به مسائل اصول الدين، وبدورنا نسأل منهم ما هو الموجب لترككم العشرات من الروايات التي تحصر الائمة بالاثني عشر وان الحادي عشر منهم هو الامام العسكري عليه السلام والثاني عشر هو الامام المهدي الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وتمسككم برواية واحدة وان سلّمنا صحة سندها فهي تدل على ان هذا المولود هو المهدي والقرينة عليه متصلة وهي (هو المهدي) الا ان ما تقدم من بحث يثبت اجمالها من حيث تعدد متونها واجمال مداليل الفاظها كما سيتضح ذلك اكثر في التتميم.
فعليه على اقل تقدير تكون هذه الرواية من المتشابهات التي لا بد فيها من الرجوع الى محكمات الاحاديث والروايات والتي تنص على ان من يملأ الارض قسطاً وعدلاً هو الامام المهدي لا غير، ومعه لا نرى موجباً للتمسّك بالاستدلال بهذه الرواية على ما يدّعي هؤلاء الا اتباع الهوى والانجرار خلف ارادة الاستكبار الشيطاني في محاولة تشويه صورة مذهب اهل البيت عليهم السلام من خلال العقيدة المهدوية بحيويتها وجاذبيتها.
بقي شيٌ في غاية الاهمية لا بد لنا من الالتفات اليه في كل دعوى سواء كان مدّعيها صادقاً او كاذباً وهو ان يقدّم دليلاً قطعياً يثبت به ان الاوصاف المحكية في الرواية تنطبق عليه خارجاً وتنحصر به، وحيث ان هذا غير متحقق في احمد الحسن حتى على نحو الاحتمال فيثبت بطلان ما يذهب اليه من انه المقصود بهذه الرواية.
بقي لتتميم البحث امور:
الامر الاول: في علاج ما يظهر من وجود تنافٍ بين غيبة الإمام وبين ما ورد في رواية الاصبغ مما هذا لفظه (يا مولاي فكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال عليه السلام: ستة ايام او ستة اشهر أو ستة سنين) فإن هذا يتنافى مع غيبة الإمام التي حصلت على نحوين صغرى ودامت قرابة سبعين سنة وكبرى ولا زلنا نعيش ايامها, هذا بناءاً على الروايات التي ذكرت هذا القول أي (ستة أيام أو ستة اشهر أو ستة سنين) اما بناءاً على المصادر الاخرى التي ذكرت الرواية ولم تذكر هذا المقطع وهي الاختصاص للمفيد والغيبة للطوسي في احدى الروايتين والامامة والتبصرة وكمال الدين والغيبة للنعماني ودلائل الامامة فإنه لا يتأتى القول بوجود تنافٍ.
وفي مقام الجواب عن هذا التنافي توجد عدة وجوه يرفع بها التنافي المتوهم:
الوجه الاول: بعد وضوح أن المراد به من الولد هو الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بقرينة تصريح الإمام امير المؤمنين عليه السلام بذلك فإنه يحتمل أن يكون عليه السلام قد اشار من خلال المقطع الذي ذكر فيه مدة الغيبة مردداً، اشار الى قانون البداء وخضوع كل ما عدى نفس ظهور الامام المهدي عليه السلام لهذا القانون والقرينة المنفصلة هي الرواية التي ذكرت البداء حتى في العلامات الحتمية واستثنت نفس الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف, ففي كتاب الغيبة للنعماني في الباب18 الرواية تحت الرقم 10 عند داوود بن القاسم الجعفري قال: كنا عند ابي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من ان امره من المحتوم فقلت لابي جعفر: (هل يبدو لله في المحتوم؟.
قال: نعم.
قلنا له: فنخاف ان يبدو لله في القائم.
فقال عليه السلام: ان القائم من الميعاد, والله لا يخلف الميعاد).
الوجه الثاني: يحتمل أن يكون الترديد في الرواية من جهة الايام إشارة إلى خروج فعلي للامام إذا تحققت شرائط ذلك كما حصل مع الامام الصادق عليه السلام إذ قال: (كان هذا الامر فيَّ فأخره الله ويفعل بعد في ذريتي ما يشاء) بحار الانوار ج52 ص106 رواية رقم 12, وفي رواية اخرى قال ابو جعفر (يا ثابت ان الله تعالى كان وقت هذا الامر في السبعين فلما قتل الحسين اشتد غضب الله على اهل الارض فأخره الى اربعين ومائةً فحدثناكم فاذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا ويمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) بحار الانوار ج52 ص105, فمجرد ذكر الايام مرددة على لسان امير المؤمنين لا يعني حتمية ذلك كما لا يخفى.
الوجه الثالث: يحتمل أن يكون الترديد في هذا الحديث مراداً به خصوص الغيبة الصغرى فقط لذلك قال عليه السلام له غيبة أي أن الإمام علياً عليه السلام يتحدث عن أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف سوف يغيب بعد موت أبيه هذه الفترة فإذا توفرت له شروط الخروج خرج وإلا استمرت الغيبة إلى أمدها المحدد عند الله سبحانه وتعالى.
الوجه الرابع: إن الإمام علياً عليه السلام يتحدث في هذا المقطع حول غيبة ليست هي بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عندنا لان الغيبة حسب المشهور وقعت بعد شهادة الإمام العسكري عليه السلام وحسب هذا الوجه فإنه عليه السلام يريد أن يتحدث عن فترة ما قبل وقوع الغيبة (الصغرى والكبرى)، بعبارة يريد عليه السلام أن يحدثنا عليه السلام عن غيبةٍ ستحصل للامام المهدي بعد ولادته مباشرةً، وتستمر هذه الغيبة إلى استشهاد أبيه عليه السلام، واستمرارية هذه الغيبة مردد بين الستة أيام أو الستة اشهر أو الست سنين، ثم بعد انتهاء هذه الفترة يتسلم الإمام مهام إمامته ويغيب غيبته الاصطلاحية والمتعارفة عندنا، بعبارة اخرى ان الامام يتحدث عن حصول غيبة له قبل تسلمه مهام إمامته، وملخص ما نريد أن نقوله في هذا الوجه ان حديث امير المؤمنين عليه السلام عن الترديد الحاصل يقع في زمن ما بين ولادته عليه السلام وبين تسلمه لمهام إمامته عليه السلام.
الوجه الخامس: من المحتمل أن يكون الترديد إشارة إلى الغيبة الصغرى اذا لاحظنا هذه الرواية المروية عن الإمام السجاد عليه السلام، والتي يرويها كمال الدين في الباب الحادي والثلاثين ص323 ((وان للقائم منا غيبتين احداهما اطول من الاخرى, أما الاولى فستة ايام أو ستة اشهر أو ست سنين، اما الاخرى فيطول أمدها...)).
الوجه السادس: انه بناءً على رواية النعماني في الباب الرابع تحت الحديث 4ص69 التي تقول: ((فقلت يا أمير المؤمنين فكم تكون تلك الحيرة والغيبة؟.
فقال: سبت من الدهر)).
أي مدة من الدهر لم يبينها أو يحددها أمير المؤمنين عليه السلام.
فإن قيل هذا ينسجم مع غيبة واحدة لا غيبتين؟.
قلنا: حديث اهل البيت عن الغيبة تارة يكون بنحو بيان الغيبة مع خصوصية معيّنة وتارة يكون بمعزلٍ عن ذكر أي خصوصية تتبيّن بها نحو الغيبة فاذا كان الحديث منهم عليهم السلام عن الغيبة وبما يرتبط بأحوال السفراء واحداث اوائل الغيبة كان الحديث عن خصوص الغيبة الصغرى، واذا كان الحديث عن احوال ما بعد هذه الغيبة الى زمن الظهور فهو حديثٌ عن الغيبة الكبرى وتارة يكون الحديث عن الغيبة بما هي غيبة دون بيان أي خصوصية او تفصيل سواء كان للغيبتين معاً او لغيبة معينة، واحاديث اهل البيت عليهم السلام التي تحدثوا فيها عن الغيبة مطلقاً كثيرة ولا يلزم منها ان للامام المهدي عليه السلام غيبةً واحدةً فقط ومن هذه الاحاديث هذه الرواية التي رواها الشيخ الصدوق في كمال الدين ص139 ((...وانه المهدي الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً, وانه تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي آخرون)).
الامر الثاني: ان قيل ان كلمة (من ولدي) الواردة في الرواية يختل بها معنى الحديث إن عددنا الحادي عشر هو الامام العسكري عليه السلام، بعبارة اخرى ان تفسير الحديث بعدم ارادة الامام المهدي من الحادي عشر يلزم منه اختلال التركيب؟
قلنا لا يختل المعنى في حديث الاصبغ وذلك لعدة وجوه:
الوجه الاول: ان كلمة الاثني عشر منصرفة عند الفريقين الى خصوص الائمة الاثني عشر من اهل البيت الذين اولهم علي وآخرهم المهدي عليهم السلام جميعاً دون أن يكون أدنى شك في إرادة غيرهم.
الوجه الثاني: إن هذا الامر متداول ومعروف وهو من باب التغليب فان اطلاق الاثني عشر على الائمة بلفظ من ولد امير المؤمنين او من ولد الزهراء او من ولد الرسول الاكرم عليهم السلام جميعاً متداول ومألوف في الروايات، ففي حديث اللوح روى الكافي في ج1 ص532 ((عن جابر بن عبد الله الانصاري قال دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه اسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم عليه السلام...)).
وفي الكافي ج1 ص533 باب ما جاء في الاثني عشر ((سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول الاثنا عشر الامام من آل محمد عليه السلام كلهم محدث من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد علي بن ابي طالب عليه السلام فرسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام هما الوالدان)).
وفي البحار ج27 الباب التاسع الحديث 19 عن الحسن بن علي صلوات الله عليهما (والله لقد عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وآله ان هذا الامر يملكه اثنا عشر اماماً من ولد علي وفاطمة)
فإننا نفهم من خلال هذه الجملة من الاحاديث وغيرهما أن الائمة يطلقون الاثني عشر حتى وان صرحوا بانهم من ولد أمير المؤمنين عليه السلام.
وختاماً نريد من اتباع هذا الضال المنمس أن يأتينا برواية واحدة تذكر ان ابن الإمام المهدي هو الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً كما يدعون.
الهوامش:
________________________________________
(1) - يقول ناظم العقيلي في الرد القاصم ص51 (قضية الإمامة والنيابة من العقائد والعقائد لا يجوز فيها التقليد باجماع الشيعة) ويقول في ص43 كما قلت ان هذا الخبر آحاد (ظني الصدور) لا يصلح للاستدلال العقائدي, ويقول في ص27 وخبر الآحاد اذا كان صحيح السند وليس مسنداً عند الاصوليين لا يفيد علما ولا عملاً ولا يستدل به في العقائد, ويقول في ص28 (لا يجوز العمل بالرواية إلا اذا كانت قطعية الدلالة أي ان لها وجه واحد ولا تحتمل غيره), هذه الاقوال وغيرها تؤكد على ان هؤلاء يعتقدون ان قضية النيابة والسفارة من اصول الدين.
(2) - سورة يونس: آية 36.