سمير
08-11-2008, 11:14 AM
ياسين الحساوي - النهار
annahar@annharkw.com
فاجأتني وبلا مقدمات أو حتى معرفة بسؤال فضولي: هل أنت كويتي؟ وعندما أومأت لها برأسي بالإيجاب قالت وأنفاسها تتسارع: إنني مغادرة بلدك إلى الأبد ولن أعود إليها مهما دعت الحال.. أنا أكره الكويت كرهاً شديداً.. سألتها باستغراب وكنا في صالة انتظار الركاب في مطار الكويت، ولكن من أنت؟ أجابت: أنا كنت أعمل مدرسة للغة الإنكليزية في إحدى المدارس الأجنبية الخاصة.. حسنا أخبريني الآن بحكايتك ولكن بهدوء.. ولكنها قالت وهي مازالت ثائرة: عملت مدرسة معهم لمدة عشر سنوات.. وأخيرا فصلوني رغم اجتهادي الحسن وأنهوا خدماتي بسبب أن إحدى المدرسات تكرهني، فدسّت إلى الإدارة أخباراً ملفقة عني حتى تتمكن من الاستيلاء على مركزي وها هي قد نجحت بنت الـ.. لقد أوجزت قصتها بلهجة شامية تنطقها بطريقة أهل الغرب وتحشر بجملها أحيانا مفردات انكليزية.. فسألتها ما جنسيتك؟ فقالت: أنا أسترالية ولدت هناك ولكنني من أصل لبناني وسأعود لاستراليا اليوم وأنا حاملة كل هذا الكره للكويت.. سكت عنها ولم أعتب هذه المرة ولكن ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي على الرغم مني.. فبادرتني بالسؤال عن سبب هذه الابتسامة وبإصرار ملح.. وكأنها كانت تتوقع مني أن تثور أعصابي حتى ترتاح أعصابها.. فقلت لها بهدوء: الواضح عندي أن في طباعك نوعا من العدوانية.. فما حصل لك هو بسبب الغيرة بين زملاء العمل وهذا يحدث في كل مجتمعات العالم.. وقد تكوني أخطأت لعدم الصمود أمام هذه المؤامرات التي حاكتها لك زميلاتك في العمل.. وتفرغت فقط لكراهية الجميع بمن فيهم أنا.. وأنتِ لم تعرفيني سوى دقائق.. فهل يعقل أن تكرهي بلدا أمضيت به عشر سنوات من عمرك؟ ألم تمر عليك خلالها أوقات جميلة مع أصدقاء طيبين؟ ألم تتهادى إلى ذهنك ذكرياتك السعيدة هذه قبل أن تفكري بإعلان كراهيتك للجميع؟.. إن ابتسامتي يا سيدتي لا إرادية.. فقد ظهرت بعد أن علمت أنك استرالية من أصل عربي.. حيث فهمت سبب مشاعرك.. فنحن العرب كما هو معروف عنا إما نحب أو نكره.. إن أحببنا عميت قلوبنا عن كل ما هو قبيح أو سيئ.. وإن كرهنا ينسينا الكره كل صفات وطباع الحسن والجمال في المكروه.. مشاعرنا يا سيدتي متطرفة وغير عقلانية وهي أحد أسباب وضعنا المتخلف بين الأمم.. وقد ثبت لي الآن أننا لن نتقدم بسبب هذه العواطف غير المنطقية حتى لو ولدنا وتربينا في استراليا أو السويد.. لأول مرة ابتسمت المرأة.. فتنهدت وقالت بهدوء: نعم معك حق.. وأنا سعيدة بهذا الحديث الذي أعاد لي توازني الفكري وابتسامتي.. إن لي طبعاً ذكريات جميلة في الكويت لن أنساها أو أنسى أصدقائي الطيبين الذين تعرفت عليهم بها.. ما تعرضت له قد يحدث لي في بلدي.. وتأكد إن سنحت لي الفرصة سأحضر لزيارة أصدقائي فاعذرني أولاً لحدة طباعي فقد كنت متهورة.. ثم وقفت بعد أن حملت حقيبتها وقالت: واعذرني الآن فقد أذاعوا النداء الأخير لإقلاع طائرتي.. «مع السلامة» قالتها بلهجة أهل الغرب ورحلت.
annahar@annharkw.com
فاجأتني وبلا مقدمات أو حتى معرفة بسؤال فضولي: هل أنت كويتي؟ وعندما أومأت لها برأسي بالإيجاب قالت وأنفاسها تتسارع: إنني مغادرة بلدك إلى الأبد ولن أعود إليها مهما دعت الحال.. أنا أكره الكويت كرهاً شديداً.. سألتها باستغراب وكنا في صالة انتظار الركاب في مطار الكويت، ولكن من أنت؟ أجابت: أنا كنت أعمل مدرسة للغة الإنكليزية في إحدى المدارس الأجنبية الخاصة.. حسنا أخبريني الآن بحكايتك ولكن بهدوء.. ولكنها قالت وهي مازالت ثائرة: عملت مدرسة معهم لمدة عشر سنوات.. وأخيرا فصلوني رغم اجتهادي الحسن وأنهوا خدماتي بسبب أن إحدى المدرسات تكرهني، فدسّت إلى الإدارة أخباراً ملفقة عني حتى تتمكن من الاستيلاء على مركزي وها هي قد نجحت بنت الـ.. لقد أوجزت قصتها بلهجة شامية تنطقها بطريقة أهل الغرب وتحشر بجملها أحيانا مفردات انكليزية.. فسألتها ما جنسيتك؟ فقالت: أنا أسترالية ولدت هناك ولكنني من أصل لبناني وسأعود لاستراليا اليوم وأنا حاملة كل هذا الكره للكويت.. سكت عنها ولم أعتب هذه المرة ولكن ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي على الرغم مني.. فبادرتني بالسؤال عن سبب هذه الابتسامة وبإصرار ملح.. وكأنها كانت تتوقع مني أن تثور أعصابي حتى ترتاح أعصابها.. فقلت لها بهدوء: الواضح عندي أن في طباعك نوعا من العدوانية.. فما حصل لك هو بسبب الغيرة بين زملاء العمل وهذا يحدث في كل مجتمعات العالم.. وقد تكوني أخطأت لعدم الصمود أمام هذه المؤامرات التي حاكتها لك زميلاتك في العمل.. وتفرغت فقط لكراهية الجميع بمن فيهم أنا.. وأنتِ لم تعرفيني سوى دقائق.. فهل يعقل أن تكرهي بلدا أمضيت به عشر سنوات من عمرك؟ ألم تمر عليك خلالها أوقات جميلة مع أصدقاء طيبين؟ ألم تتهادى إلى ذهنك ذكرياتك السعيدة هذه قبل أن تفكري بإعلان كراهيتك للجميع؟.. إن ابتسامتي يا سيدتي لا إرادية.. فقد ظهرت بعد أن علمت أنك استرالية من أصل عربي.. حيث فهمت سبب مشاعرك.. فنحن العرب كما هو معروف عنا إما نحب أو نكره.. إن أحببنا عميت قلوبنا عن كل ما هو قبيح أو سيئ.. وإن كرهنا ينسينا الكره كل صفات وطباع الحسن والجمال في المكروه.. مشاعرنا يا سيدتي متطرفة وغير عقلانية وهي أحد أسباب وضعنا المتخلف بين الأمم.. وقد ثبت لي الآن أننا لن نتقدم بسبب هذه العواطف غير المنطقية حتى لو ولدنا وتربينا في استراليا أو السويد.. لأول مرة ابتسمت المرأة.. فتنهدت وقالت بهدوء: نعم معك حق.. وأنا سعيدة بهذا الحديث الذي أعاد لي توازني الفكري وابتسامتي.. إن لي طبعاً ذكريات جميلة في الكويت لن أنساها أو أنسى أصدقائي الطيبين الذين تعرفت عليهم بها.. ما تعرضت له قد يحدث لي في بلدي.. وتأكد إن سنحت لي الفرصة سأحضر لزيارة أصدقائي فاعذرني أولاً لحدة طباعي فقد كنت متهورة.. ثم وقفت بعد أن حملت حقيبتها وقالت: واعذرني الآن فقد أذاعوا النداء الأخير لإقلاع طائرتي.. «مع السلامة» قالتها بلهجة أهل الغرب ورحلت.