فاطمي
07-28-2008, 06:47 AM
ياسين الحساوي
annahar@annharkw.com
جريدة النهار
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/AuthorsPictures/ياسين%20الحساوي_thumb.JPG
الفقير إلى الله محدثكم بعد تخرجه في جامعة عين شمس المصرية عام 1970، عمل في أحد البنوك الكويتية لمدة سنتين، ثم أربع سنوات في الديوان الأميري مع حاكم الكويت آنذاك المغفور له الشيخ صباح السالم، ثم التحق بالشركة التي يعمل بها حتى الآن، لم يخطر بباله أن يعمل خارج الكويت.. ولكن الشركة اختارته مديراً عاماً لأعمالها في منطقة الخليج إضافة لعمله في الكويت.. وكان هذا المنصب يتطلب كثرة السفر والترحال.. صحيح أن في السفر سبع فوائد، ولكن عندما تخطط له باختيارك وراحتك فقط وليس بالإجبار نتيجة ضغوط العمل ومتطلباته.. هنا يكون السفر ذا سبع مضار، أهمها كثرة فراق العائلة ناهيك عن تأخير الرحلات أو الغائها وقد لا تجد مكاناً على الطائرة فتترجى زيداً وعبيداً لخدمتك.. وأنا أكره الواسطة والتذلل للآخرين، بل إنني أحاربها حتى إن كان لي فيها مصلحة.. ونتيجة لهذه الصعوبات ولكثرة أعمال الشركة التي لا تستدعي التأخير فاجأني أصحابها بوضع طائرة نفاثة مع طاقمها في خدمتي.. وقالوا بالحرف: هذه طائرتك الخاصة لك وحدك وتحت تصرفك.. سبحان الله.. الفقير إلى الله الذي لا يتعدى راتبه ذلك الوقت الـ 500 دينار أصبح مجازاً يملك طائرة خاصة!! تجربة جديدة ومثيرة.. ما المانع من خوضها..؟ وتغيرت نظرة الناس وكذلك كلامهم وتعاملهم.. أين فلان؟ سافر بطائرته الخاصة.. أو عاد من الخارج بطائرته؟.. أصبحت هناك استقبالات وتوديعات بدون داعٍ، خصوصاً من المتحذلقين وصيادي المناصب والباحثين عن الأغنياء وهناك من يسألك إن كان بالإمكان أن تعيره طائرتك لمدة يومين أو أن تقوم بتوصيله وعائلته إلى حيث يريدون وكأنها سيارة اجرة تحت الطلب.. المهم.. الحياة اختلفت.. أصبحتُ أطير وقتما أشاء.. وأسافر إلى أي مكان دون تأخير.. فلا يتعلق اجتماع نتيجة تأخر الطائرات أو عدم وجود حجوزات ولا تتأخر مصالح الشركة.. وهنا يجب أن أقول انه في بداية استعمال الطائرة الخاصة أنجزت صفقات وأعمالاً للشركة فاقت أرباحها قيمة الطائرة وطاقمها عشرات المرات، ما جعلني أؤمن بأن تملك رجال الأعمال للطائرات ليس من باب الوجاهة، ولكن ضرورة متابعة الأعمال التجارية تفرض عليهم ذلك.. ولا تهم المصاريف مادامت نتيجة سرعة انجاز أعمالهم تغطيها وزيادة.. إذ لولا وجودها لكانوا قد خسروا صفقات وعقوداً يسببها تأخير الرحلات التجارية أو إلغاؤها.. نعود للفقير إلى الله فنجد أن حياته تغيرت فهناك سيارات تنتظره تحت الطائرة لتقله إلى صالة التشريفات.. وهناك من يقوم بختم جوازه وتخليص حقائبه.. ودلة القهوة والعصير وخلافه «ويا دهينة لا تنكتين» وهم لا يعلمون أن صاحب الطائرة لا يزيد راتبه عن 500 دينار ولا يجني شيئاً آخر.. ولكنه اضطر إلى أن يساير الوضع لتحقيق رغبة الشركة التي استأمنته على أعمالها.. فصار يصرف على القائمين على خدمته في المطارات من جيبه الخاص.. إكراميات وهدايا.. إلخ «لا يخدم بخيل» حتى ساءت حالته المادية وكاد أن ينعدم.. وعندما بث همومه لرئيس الشركة وعده خيراً لكونه من أنشط المسؤولين في الشركة.. ولكنه مجرد وعد ولم يحصل منهم إلا على كلمة «أحسنت».
والناس لا تعرف بالحال.. لدرجة أن بعض رجال الأعمال الذين تعامل معهم باسم الشركة.. عرضوا عليه شراكتهم بمشروعات يتخطى رأسمالها ملايين الدنانير.. وهو لا يملك سوى راتبه.. وكان صديق له يعلم بالحال يقول: «جيد.. الصيت ولا الغنى».. بعد أربع سنوات من استعمال الفقير إلى الله لطائرته الخاصة أبدى تذمره منها ورفضه استخدامها، وتفضيله للطائرات التجارية حتى لو لم يجد مكاناً عليها.. لحفظ ماء الوجه، فتم بيع الطائرة التي شهدت أكبر فترة رواج وازدهار للشركة.
annahar@annharkw.com
جريدة النهار
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/AuthorsPictures/ياسين%20الحساوي_thumb.JPG
الفقير إلى الله محدثكم بعد تخرجه في جامعة عين شمس المصرية عام 1970، عمل في أحد البنوك الكويتية لمدة سنتين، ثم أربع سنوات في الديوان الأميري مع حاكم الكويت آنذاك المغفور له الشيخ صباح السالم، ثم التحق بالشركة التي يعمل بها حتى الآن، لم يخطر بباله أن يعمل خارج الكويت.. ولكن الشركة اختارته مديراً عاماً لأعمالها في منطقة الخليج إضافة لعمله في الكويت.. وكان هذا المنصب يتطلب كثرة السفر والترحال.. صحيح أن في السفر سبع فوائد، ولكن عندما تخطط له باختيارك وراحتك فقط وليس بالإجبار نتيجة ضغوط العمل ومتطلباته.. هنا يكون السفر ذا سبع مضار، أهمها كثرة فراق العائلة ناهيك عن تأخير الرحلات أو الغائها وقد لا تجد مكاناً على الطائرة فتترجى زيداً وعبيداً لخدمتك.. وأنا أكره الواسطة والتذلل للآخرين، بل إنني أحاربها حتى إن كان لي فيها مصلحة.. ونتيجة لهذه الصعوبات ولكثرة أعمال الشركة التي لا تستدعي التأخير فاجأني أصحابها بوضع طائرة نفاثة مع طاقمها في خدمتي.. وقالوا بالحرف: هذه طائرتك الخاصة لك وحدك وتحت تصرفك.. سبحان الله.. الفقير إلى الله الذي لا يتعدى راتبه ذلك الوقت الـ 500 دينار أصبح مجازاً يملك طائرة خاصة!! تجربة جديدة ومثيرة.. ما المانع من خوضها..؟ وتغيرت نظرة الناس وكذلك كلامهم وتعاملهم.. أين فلان؟ سافر بطائرته الخاصة.. أو عاد من الخارج بطائرته؟.. أصبحت هناك استقبالات وتوديعات بدون داعٍ، خصوصاً من المتحذلقين وصيادي المناصب والباحثين عن الأغنياء وهناك من يسألك إن كان بالإمكان أن تعيره طائرتك لمدة يومين أو أن تقوم بتوصيله وعائلته إلى حيث يريدون وكأنها سيارة اجرة تحت الطلب.. المهم.. الحياة اختلفت.. أصبحتُ أطير وقتما أشاء.. وأسافر إلى أي مكان دون تأخير.. فلا يتعلق اجتماع نتيجة تأخر الطائرات أو عدم وجود حجوزات ولا تتأخر مصالح الشركة.. وهنا يجب أن أقول انه في بداية استعمال الطائرة الخاصة أنجزت صفقات وأعمالاً للشركة فاقت أرباحها قيمة الطائرة وطاقمها عشرات المرات، ما جعلني أؤمن بأن تملك رجال الأعمال للطائرات ليس من باب الوجاهة، ولكن ضرورة متابعة الأعمال التجارية تفرض عليهم ذلك.. ولا تهم المصاريف مادامت نتيجة سرعة انجاز أعمالهم تغطيها وزيادة.. إذ لولا وجودها لكانوا قد خسروا صفقات وعقوداً يسببها تأخير الرحلات التجارية أو إلغاؤها.. نعود للفقير إلى الله فنجد أن حياته تغيرت فهناك سيارات تنتظره تحت الطائرة لتقله إلى صالة التشريفات.. وهناك من يقوم بختم جوازه وتخليص حقائبه.. ودلة القهوة والعصير وخلافه «ويا دهينة لا تنكتين» وهم لا يعلمون أن صاحب الطائرة لا يزيد راتبه عن 500 دينار ولا يجني شيئاً آخر.. ولكنه اضطر إلى أن يساير الوضع لتحقيق رغبة الشركة التي استأمنته على أعمالها.. فصار يصرف على القائمين على خدمته في المطارات من جيبه الخاص.. إكراميات وهدايا.. إلخ «لا يخدم بخيل» حتى ساءت حالته المادية وكاد أن ينعدم.. وعندما بث همومه لرئيس الشركة وعده خيراً لكونه من أنشط المسؤولين في الشركة.. ولكنه مجرد وعد ولم يحصل منهم إلا على كلمة «أحسنت».
والناس لا تعرف بالحال.. لدرجة أن بعض رجال الأعمال الذين تعامل معهم باسم الشركة.. عرضوا عليه شراكتهم بمشروعات يتخطى رأسمالها ملايين الدنانير.. وهو لا يملك سوى راتبه.. وكان صديق له يعلم بالحال يقول: «جيد.. الصيت ولا الغنى».. بعد أربع سنوات من استعمال الفقير إلى الله لطائرته الخاصة أبدى تذمره منها ورفضه استخدامها، وتفضيله للطائرات التجارية حتى لو لم يجد مكاناً عليها.. لحفظ ماء الوجه، فتم بيع الطائرة التي شهدت أكبر فترة رواج وازدهار للشركة.