لمياء
07-18-2008, 04:45 PM
الإمام علي بن أبي طالب «ع» وصراع الخلافة مع طلاب الملك (7)
علي عباس - النهار
annahar@annaharkw.com
في محاولة لاعادة قراءة أحداثه المؤسفة.. نطل معا من نافذة التاريخ. انها معادلة ثابتة على مر الزمن. أحداث الأمس تصنع اليوم، وأحداث اليوم تحدد ملامح الغد، فالحياة نهر متصل لا يتوقف عن التدفق. تتفاعل فيه رواسب الماضي مع الحاضر، فتنتج عن تفاعلها ملامح المستقبل.
كعرب.. نحن نعشق أمجاد الماضي، ونتغنى بها في كل الأحوال، لذلك فان المفارقة تظل كبيرة بين ما كنا وما أصبحنا، وعلامات التعجب تبقى قائمة بشأن هذه الأمجاد التي سجلها التاريخ، التي لم تتبق منها أي رواسب.
هل هناك خلل ما؟ هل أخطأنا في قراءة التاريخ؟ هل علينا اعادة قراءته؟ تساؤلات تتزاحم في خاطر كل من وقف ذات يوم ليطل على الدنيا من نافذة التاريخ.
تساؤلات حول حقيقة ما سجله الرواة عن هذه الفترة - فترة خير القرون - من روايات ترتبط بأحداث مؤكدة أو مختلقة، وشخصيات منها من هم سادة الدنيا وملوك الآخرة، ومنها من هم مجرد طلاب دنيا. وحتى نستطيع تفهم ما حدث من صراع طويل بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، وما واجهه رابع الخلفاء الراشدين الامام علي بن أبي طالب - على نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام - من أحداث وحروب افتعلها أصحاب شعار «قميص عثمان» كان لابد من التوقف عند الخليفة الثالث لتوضيح أن أيدي خفية بدأت في نهاية عصره اثارة فتنة حصاره وقتله حتى يخلو لها وجه الحكم لولا مبايعة أهل الحل والعقد للإمام التي سرعان ما اكتشف الكثيرون أنها تقف حائلا دونهم وما يبتغون من عرض الدنيا.
هل كان تمسك الخليفة الرابع بالخلافة عن رغبة شخصية في الأمر، أم أن مواجهته للمعسكر الآخر كان مبعثها اعادة الأمور الى نصابها حفاظاً على الاسلام والمسلمين؟
الإمام نفسه يجيب على ذلك في معرض رده على المطالبين بدم عثمان: «انها مقولة حق أريد بها باطل».
هذا الخط الفاصل الذي قسم المجتمع المسلم الى معسكرين لا تخطئهما العين لأول مرة، ازداد وضوحا بعد ذلك من خلال الملامح السلبية التي أضفاها رواة التاريخ على كل شخصية بارزة حاولت اعادة الأمور الى نصابها، والا فهل من الصحيح أن سيد شباب أهل الجنة الامام الحسن بن علي كان لا همة له في السياسة والحكم لما شغل به من كثرة الزواج والطلاق وتفضيله حياة الدعة واللين؟
وهل من الصحيح أن سيد الشهداء الامام الحسين بن علي ما خرج الا رغبة في الحكم؟ وهل صحيح أن الصوام القوام عبدالله بن الزبير الذي كبر عند مولده كل من كانوا في مدينة رسول الله من مهاجرين وأنصار كان طامعا في ملك بني أمية؟
في كل مرة وقفت فيها لأنظر من نافذة التاريخ كنت أصاب بالغثيان لما تحويه الروايات التاريخية من افتراءات لا تتناسب والملامح الشخصية المعروفة عن هذه الكواكب اللامعة في سماء البشرية، ولا تتفق وما ورد عن أصحابها من أحاديث شريفة أو روايات لا يرقى لقائليها شك.
ان استعراض ملامح الشخصية من واقع الأحاديث الشريفة والروايات الموثقة، واستقراء الأحداث بعيداً عن الميول والتوجهات بمثابة خط الأساس في تقديم قراءة ثانية لصفحات التاريخ يتم خلالها التخلص من شوائب الاجتهادات والآراء الشخصية والانتماءات السياسية التي سادت خلال القرن الأول، وما تناقله الرواة عن هذه الفترة بعد ذلك دون تمحيص، ودون تدخل من أي نوع اكتفاء بفلسفة شيخ المؤرخين محمد بن جرير الطبري أول من سجل وقائع التاريخ خلال العصر العباسي، بالاشارة الى أن الرواية منكرة أو أن الراوي مجهول أو ضعيف، موضحاً أن أمانة المؤرخ هي في حرصه على تقديم كل ما لديه من روايات وأن مسؤولية اكتشاف الحقائق ليست عمل كاتب التاريخ وانما مسؤولية الراوي وذلك بقوله: «أما ان وجدت خبراً تستشنعه فاعلم أنك لم تؤت من قبلنا، وانما قد أوتيت من قبل راوية»، وهو منطق له وجاهته وان كان لا يعفي المؤرخ تماما من مسؤوليته عن الروايات المخالفة للعقل التي لا تتفق مع طبيعة ما تتعلق به من شخصيات وأحداث خاصة في الحالات الوارد فيها أحاديث شريفة أو أقوال ثقات. وقفنا عند تعارض الروايات الواردة بشأن موقف الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري، ففي حين أسند اليه بعض الرواة استعداده للقتال إلى جانب جيش الامام اذا كانت المعركة من أجل القضاء على قتلة الخليفة الثالث رضي الله عنه، أسند اليه آخرون أنه طلب من أتباعه اعتزال الأمر وانتظار ما تنجلي عنه الفتنة، ومن غير المنطقي أن يكون له أكثر من رأي في وقت واحد.
كان أمير المؤمنين قد بعث ابن عباس والأشتر الى أبي موسى قائلا للأشتر - كما أسلفنا - «انطلق فاصلح ما أفسدت»، فلما دعا أبو موسى الى اعتزال الأمر عادا الى أمير المؤمنين فأخبراه الخبر، فأرسل الحسن عليه السلام وعمار بن ياسر قائلا لعمار: «انطلق فاصلح ما أفسدت».
ملاحظة: عبارة «انطلق فاصلح ما أفسدت» هذه تكررت مع محمد بن أبي بكر، والأشتر، وعمار بن ياسر، وايرادها يعني ضمنا أن أمير المؤمنين كان يعلم أن الثلاثة قد تورطوا في دم عثمان رضي الله عنه، وأنه رغم علمه بتورطهم كان يعتبرهم رؤوس جنده ومستشاريه، وفساد مثل هذه الرواية واضح من وجهين: الأول: محاولتها الايهام أن الثلاثة قد تورطوا فعلا في دم الخليفة القتيل، والثاني: أن أمير المؤمنين كان يعلم بهذا التورط المزعوم، ويستخدم الثلاثة رغم ذلك كرسل ومفاوضين.
والهدف الواضح من هذا الافتراء تأكيد أن جيش أمير المؤمنين كان يضم قتلة عثمان.
يؤكد ذلك ما تسترسل فيه الرواية من أن الحسن وعمار حين دخلا مسجد الكوفة كان أول من سلم عليهما مسروق بن الأجدع الذي قال لعمار: علام قتلتم عثمان؟ فقال عمار: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا (جلودنا)»، فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولو صبرتم لكان خيراً للصابرين. وهو في ذلك يتمثل بالآية الكريمة (فان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)، والمهم في ذلك هو الاعتراف الصريح المنسوب الى عمار: قتلناه على كذا.. وكذا!
تسترسل الرواية: وخرج أبو موسى فلقي الحسن بن علي فضمه اليه، وقال لعمار: يا أبا اليقظان.. أعدوت على أمير المؤمنين عثمان قتلته؟ فقال: لم أفعل.. ولم يسؤني ذلك، فقطع عليهما الحسن فقال لأبي موسى: لم تثبط الناس عنا؟ فو الله ما أردنا الا الاصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء، فقال: صدقت بأبي وأمي، ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «انها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب»، وقد جعلنا الله اخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا، فغضب عمار وسبه، وقال: يا أيها الناس انما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده: «انت فيها قاعدا خير منك قائماً»، فغضب رجل من بني تميم لأبي موسى ونال من عمار، وثار آخرون وجعل أبو موسى يكفكف الناس وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، وقال أبوموسى: أيها الناس.. أطيعوني وكونوا خير قوم من خير أمم العرب، يأوي اليهم المظلوم، ويأمن فيهم الخائف، وان الفتنة اذا أقبلت شبهت، واذا أدبرت تبينت، ثم أمر الناس بكف أيديهم ولزوم بيوتهم.
قام زيد بن صوحان فقال: أيها الناس سيروا الى أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، سيروا اليه أجمعين، فقام القعقاع بن عمرو فقال: ان الحق ما قاله الأمير، ولكن لابد للناس من أمير يردع الظالم وينصف المظلوم وينتظم به شمل الناس، وأمير المؤمنين علي «ع» ملي بما وليّ، وقد انصف بالدعاء، وانما يريد الاصلاح، فانفروا اليه.
وقام عبد خير فقال: الناس أربع فرق، علي بمن معه في ظاهر الكوفة، وطلحة والزبير في البصرة، ومعاوية في الشام، وفرقة في الحجاز لا تقاتل ولا عناء بها.
فقال أبوموسى: أولئك خير الفرق، وهذه فتنة، ثم قام عمار والحسن بن علي في الناس على المنبر يدعوان الناس الى النفير الى أمير المؤمنين، فانه انما يريد الاصلاح بين الناس.
وقام حجر بن عدي فقال: يا أيها الناس، سيروا الى أمير المؤمنين (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون) (التوبة /41).
واستجاب الناس للنفير فخرج مع الحسن تسعة آلاف في البر وفي دجلة، ويقال سار معه اثنا عشر ألف رجل، تلقاهم أمير المؤمنين في ذي قار ومعه جماعة منهم ابن عباس فرحب بهم وقال: يا أهل الكوفة.. أنتم لقيتم ملوك العجم ففضضتم جموعهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا اخواننا من أهل البصرة، فان يرجعوا فذاك الذي نريده، وان أبوا داويناهم بالرفق حتى يبدأوا بالظلم، ولم ندع أمراً فيه صلاح الا أثرناه على ما فيه الفساد ان شاء الله تعالى، فاجتمعوا عنده بذي قار وكان من المشهورين من رؤساء من انضاف الى أمير المؤمنين، القعقاع بن عمرو، وسعد بن مالك، وهند بن عمرو، والهيثم بن شهاب، وزيد بن صوحان، والأشتر، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجية، ويزيد بن قيس، وحجر بن عدي، وأمثالهم، وكانت عبدالقيس بكمالها بين أمير المؤمنين في ذي قار والبصرة وهم ألوف، فبعث القعقاع رسولا الى طلحة والزبير يدعوهما الى الألفة والجماعة، ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع الى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين، فقال: أي أماه ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الاصلاح بين الناس، فسألها أن تبعث الى طلحة والزبير ليحضرا عندها، فحضرا فقال القعقاع: اني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت: انما جئت للاصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك، قال: فأخبراني ما وجه هذا الاصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن، ولئن أنكرنه لا نصطلحن، قالا: قتلة عثمان، فان هذا ان ترك كان تركا للقرآن، فقال: قتلتما قتلته من أهل البصرة، وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم الى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمئة رجل، فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون،وان قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه - يعني أن الذي تريدونه من قتل عثمان مصلحة، ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها - وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير، لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله، فعليّ أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان، وانما أخر قتل قتلة عثمان الى أن يتمكن منهم، فان الكلمة في جميع الأمصار مختلفة، ثم أعلمهم ان خلقا من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم بسبب هذا الأمر الذي وقع فقالت له عائشة أم المؤمنين: فماذا تقول أنت؟ قال: أقول ان هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين، فاذا سكن اختلجوا فان أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة، وادراك الثأر، وان أنتم أبيتم الا مكابرة هذا الأمر وائتنافه كانت علامة شر وذهاب هذا الملك، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا، ولا تعرضونا للبلاء فتتعرضوا له،فيصرعنا الله واياكم، وايم الله اني لأقول قولي هذا وأدعوكم اليه، واني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها، ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الذي قد حدث أمر عظيم، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة القبيلة، فقالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فان قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر، قال: فرجع الى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة الى علي تعلمه أنها انما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيبا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها وذكر الاسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه «صلى الله عليه وسلم» على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الامة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي من الله بها، وأرادوا رد الاسلام والاشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ثم قال: ألا اني مرتحل غداً فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس: فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالاشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبدالله بن سبأ المعروف بابن السوداء، وسالم بن ثعلبة، وغلاب بن الهيثم، وغيرهم في الفين وخمسمئة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأي وعلي والله اعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب الى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غداً يجمع عليكم الناس، وانما يريد القوم كلهم انتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم، فقال الاشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه الى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا، فإن كان الامر هكذا الحقنا عليا بعثمان، فرضي القوم منا بالسكوت، فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت، لو قتلناه قتلنا، فإنا يا معشر قتلة عثمان في الفين وخمسمئة وطلحة والزبير واصحابهما في خمسة آلاف، لا طاقة لكم بهم، وهم انما يريدونكم، فقال غلاب بن الهيثم: دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق ببعض البلاد فنمتنع بها فقال ابن السوداء: بئس ما قلت، اذا والله كان يتخطفكم الناس ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم ان عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون فمن أنتم معه لا يجد بداً من ان يمتنع، ويشغل الله طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون، ويأتيهم ما يكرهون، فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه، وأصبح علي مرتحلاً ومر بعبد القيس فساروا مع من معه حتى نزلوا بالزاوية، وسار منها يريد البصرة، وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه، فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد، ونزل الناس كل في ناحية، وقد سبق عليّ جيشه وهم يتلاحقون به، فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم، فكان ذلك للنصف من جمادى الاخرة سنة ست وثلاثين، فأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة، من قتلة عثمان فقالا: ان عليا أشار بتسكين هذا الامر، وقد بعثنا اليه بالمصالحة على ذلك، وقام علي في الناس خطيباً، فقام اليه الاعور بن نيار المنقري، فسأله عن اقدامه على أهل البصرة، فقال: الاصلاح، واطفاء الثائرة ليجتمع الناس على الخير، ويلتئم شمل هذه الامة، قال: فإن لم يجيبونا؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال: فهل لهم في هذا الامر مثل الذي لنا، قال: نعم وقام اليه أبوسلام الدالاني فقال: هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم، ان كانوا ارادوا الله في ذلك؟ قال: نعم فهل لك من حجة في تأخيرك ذلك؟ قال: نعم قال ما حالنا وحالهم ان ابتلينا غداً؟ قال: اني لارجو الا يقتل منا ومنهم احد نقى قلبه لله الا أدخله الله الجنة، وقال في خطبته: أيها الناس أمسكوا عن هؤلاء القوم أيديكم وألسنتكم، وإياكم ان يسبقونا غداً، فإن المخصوم غداً مخصوم اليوم وجاء في غضون ذلك الاحنف بن قيس في جماعة فانضاف الى علي - وكان قد منع حرقوص بن زهير من طلحة والزبير وكان قد بايع علياً في المدينة وذلك أن قدم المدينة وعثمان محصوراً فسأل عائشة وطلحة والزبير: ان قتل عثمان من أبايع؟ فقالوا بايع عليا فلما قتل عثمان بايع عليا قال ثم رجعت الى قومي فجاءني بعد ذلك ما هو أفظع حتى قال الناس: هذه عائشة جاءت لتأخذ بدم عثمان، فحرت في أمري من أتبع، فمنعني الله بحديث سمعته من أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغه ان الفرس قد ملكوا عليهم ابنة كسرى فقال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري، والمقصود أن الاحنف لما انحاز الى عليّ ومعه ستة الاف قوس، فقال لعلي: إن شئت كففت عنك عشرة آلاف سيف، فقال: اكفف عنا عشرة الاف سيف، ثم بعث علي الى طلحة والزبير يقول: ان كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الامر، فارسلا اليه في جواب رسالته، إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فأطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين، فلما أمسوا بعث علي عبدالله بن عباس اليهم، وبعثوا اليه محمد بن طليحة السجاد وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون وأجمعوا على ان يثيروا الحرب من الغلس.
علي عباس - النهار
annahar@annaharkw.com
في محاولة لاعادة قراءة أحداثه المؤسفة.. نطل معا من نافذة التاريخ. انها معادلة ثابتة على مر الزمن. أحداث الأمس تصنع اليوم، وأحداث اليوم تحدد ملامح الغد، فالحياة نهر متصل لا يتوقف عن التدفق. تتفاعل فيه رواسب الماضي مع الحاضر، فتنتج عن تفاعلها ملامح المستقبل.
كعرب.. نحن نعشق أمجاد الماضي، ونتغنى بها في كل الأحوال، لذلك فان المفارقة تظل كبيرة بين ما كنا وما أصبحنا، وعلامات التعجب تبقى قائمة بشأن هذه الأمجاد التي سجلها التاريخ، التي لم تتبق منها أي رواسب.
هل هناك خلل ما؟ هل أخطأنا في قراءة التاريخ؟ هل علينا اعادة قراءته؟ تساؤلات تتزاحم في خاطر كل من وقف ذات يوم ليطل على الدنيا من نافذة التاريخ.
تساؤلات حول حقيقة ما سجله الرواة عن هذه الفترة - فترة خير القرون - من روايات ترتبط بأحداث مؤكدة أو مختلقة، وشخصيات منها من هم سادة الدنيا وملوك الآخرة، ومنها من هم مجرد طلاب دنيا. وحتى نستطيع تفهم ما حدث من صراع طويل بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، وما واجهه رابع الخلفاء الراشدين الامام علي بن أبي طالب - على نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام - من أحداث وحروب افتعلها أصحاب شعار «قميص عثمان» كان لابد من التوقف عند الخليفة الثالث لتوضيح أن أيدي خفية بدأت في نهاية عصره اثارة فتنة حصاره وقتله حتى يخلو لها وجه الحكم لولا مبايعة أهل الحل والعقد للإمام التي سرعان ما اكتشف الكثيرون أنها تقف حائلا دونهم وما يبتغون من عرض الدنيا.
هل كان تمسك الخليفة الرابع بالخلافة عن رغبة شخصية في الأمر، أم أن مواجهته للمعسكر الآخر كان مبعثها اعادة الأمور الى نصابها حفاظاً على الاسلام والمسلمين؟
الإمام نفسه يجيب على ذلك في معرض رده على المطالبين بدم عثمان: «انها مقولة حق أريد بها باطل».
هذا الخط الفاصل الذي قسم المجتمع المسلم الى معسكرين لا تخطئهما العين لأول مرة، ازداد وضوحا بعد ذلك من خلال الملامح السلبية التي أضفاها رواة التاريخ على كل شخصية بارزة حاولت اعادة الأمور الى نصابها، والا فهل من الصحيح أن سيد شباب أهل الجنة الامام الحسن بن علي كان لا همة له في السياسة والحكم لما شغل به من كثرة الزواج والطلاق وتفضيله حياة الدعة واللين؟
وهل من الصحيح أن سيد الشهداء الامام الحسين بن علي ما خرج الا رغبة في الحكم؟ وهل صحيح أن الصوام القوام عبدالله بن الزبير الذي كبر عند مولده كل من كانوا في مدينة رسول الله من مهاجرين وأنصار كان طامعا في ملك بني أمية؟
في كل مرة وقفت فيها لأنظر من نافذة التاريخ كنت أصاب بالغثيان لما تحويه الروايات التاريخية من افتراءات لا تتناسب والملامح الشخصية المعروفة عن هذه الكواكب اللامعة في سماء البشرية، ولا تتفق وما ورد عن أصحابها من أحاديث شريفة أو روايات لا يرقى لقائليها شك.
ان استعراض ملامح الشخصية من واقع الأحاديث الشريفة والروايات الموثقة، واستقراء الأحداث بعيداً عن الميول والتوجهات بمثابة خط الأساس في تقديم قراءة ثانية لصفحات التاريخ يتم خلالها التخلص من شوائب الاجتهادات والآراء الشخصية والانتماءات السياسية التي سادت خلال القرن الأول، وما تناقله الرواة عن هذه الفترة بعد ذلك دون تمحيص، ودون تدخل من أي نوع اكتفاء بفلسفة شيخ المؤرخين محمد بن جرير الطبري أول من سجل وقائع التاريخ خلال العصر العباسي، بالاشارة الى أن الرواية منكرة أو أن الراوي مجهول أو ضعيف، موضحاً أن أمانة المؤرخ هي في حرصه على تقديم كل ما لديه من روايات وأن مسؤولية اكتشاف الحقائق ليست عمل كاتب التاريخ وانما مسؤولية الراوي وذلك بقوله: «أما ان وجدت خبراً تستشنعه فاعلم أنك لم تؤت من قبلنا، وانما قد أوتيت من قبل راوية»، وهو منطق له وجاهته وان كان لا يعفي المؤرخ تماما من مسؤوليته عن الروايات المخالفة للعقل التي لا تتفق مع طبيعة ما تتعلق به من شخصيات وأحداث خاصة في الحالات الوارد فيها أحاديث شريفة أو أقوال ثقات. وقفنا عند تعارض الروايات الواردة بشأن موقف الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري، ففي حين أسند اليه بعض الرواة استعداده للقتال إلى جانب جيش الامام اذا كانت المعركة من أجل القضاء على قتلة الخليفة الثالث رضي الله عنه، أسند اليه آخرون أنه طلب من أتباعه اعتزال الأمر وانتظار ما تنجلي عنه الفتنة، ومن غير المنطقي أن يكون له أكثر من رأي في وقت واحد.
كان أمير المؤمنين قد بعث ابن عباس والأشتر الى أبي موسى قائلا للأشتر - كما أسلفنا - «انطلق فاصلح ما أفسدت»، فلما دعا أبو موسى الى اعتزال الأمر عادا الى أمير المؤمنين فأخبراه الخبر، فأرسل الحسن عليه السلام وعمار بن ياسر قائلا لعمار: «انطلق فاصلح ما أفسدت».
ملاحظة: عبارة «انطلق فاصلح ما أفسدت» هذه تكررت مع محمد بن أبي بكر، والأشتر، وعمار بن ياسر، وايرادها يعني ضمنا أن أمير المؤمنين كان يعلم أن الثلاثة قد تورطوا في دم عثمان رضي الله عنه، وأنه رغم علمه بتورطهم كان يعتبرهم رؤوس جنده ومستشاريه، وفساد مثل هذه الرواية واضح من وجهين: الأول: محاولتها الايهام أن الثلاثة قد تورطوا فعلا في دم الخليفة القتيل، والثاني: أن أمير المؤمنين كان يعلم بهذا التورط المزعوم، ويستخدم الثلاثة رغم ذلك كرسل ومفاوضين.
والهدف الواضح من هذا الافتراء تأكيد أن جيش أمير المؤمنين كان يضم قتلة عثمان.
يؤكد ذلك ما تسترسل فيه الرواية من أن الحسن وعمار حين دخلا مسجد الكوفة كان أول من سلم عليهما مسروق بن الأجدع الذي قال لعمار: علام قتلتم عثمان؟ فقال عمار: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا (جلودنا)»، فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولو صبرتم لكان خيراً للصابرين. وهو في ذلك يتمثل بالآية الكريمة (فان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)، والمهم في ذلك هو الاعتراف الصريح المنسوب الى عمار: قتلناه على كذا.. وكذا!
تسترسل الرواية: وخرج أبو موسى فلقي الحسن بن علي فضمه اليه، وقال لعمار: يا أبا اليقظان.. أعدوت على أمير المؤمنين عثمان قتلته؟ فقال: لم أفعل.. ولم يسؤني ذلك، فقطع عليهما الحسن فقال لأبي موسى: لم تثبط الناس عنا؟ فو الله ما أردنا الا الاصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء، فقال: صدقت بأبي وأمي، ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «انها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب»، وقد جعلنا الله اخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا، فغضب عمار وسبه، وقال: يا أيها الناس انما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده: «انت فيها قاعدا خير منك قائماً»، فغضب رجل من بني تميم لأبي موسى ونال من عمار، وثار آخرون وجعل أبو موسى يكفكف الناس وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، وقال أبوموسى: أيها الناس.. أطيعوني وكونوا خير قوم من خير أمم العرب، يأوي اليهم المظلوم، ويأمن فيهم الخائف، وان الفتنة اذا أقبلت شبهت، واذا أدبرت تبينت، ثم أمر الناس بكف أيديهم ولزوم بيوتهم.
قام زيد بن صوحان فقال: أيها الناس سيروا الى أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، سيروا اليه أجمعين، فقام القعقاع بن عمرو فقال: ان الحق ما قاله الأمير، ولكن لابد للناس من أمير يردع الظالم وينصف المظلوم وينتظم به شمل الناس، وأمير المؤمنين علي «ع» ملي بما وليّ، وقد انصف بالدعاء، وانما يريد الاصلاح، فانفروا اليه.
وقام عبد خير فقال: الناس أربع فرق، علي بمن معه في ظاهر الكوفة، وطلحة والزبير في البصرة، ومعاوية في الشام، وفرقة في الحجاز لا تقاتل ولا عناء بها.
فقال أبوموسى: أولئك خير الفرق، وهذه فتنة، ثم قام عمار والحسن بن علي في الناس على المنبر يدعوان الناس الى النفير الى أمير المؤمنين، فانه انما يريد الاصلاح بين الناس.
وقام حجر بن عدي فقال: يا أيها الناس، سيروا الى أمير المؤمنين (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون) (التوبة /41).
واستجاب الناس للنفير فخرج مع الحسن تسعة آلاف في البر وفي دجلة، ويقال سار معه اثنا عشر ألف رجل، تلقاهم أمير المؤمنين في ذي قار ومعه جماعة منهم ابن عباس فرحب بهم وقال: يا أهل الكوفة.. أنتم لقيتم ملوك العجم ففضضتم جموعهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا اخواننا من أهل البصرة، فان يرجعوا فذاك الذي نريده، وان أبوا داويناهم بالرفق حتى يبدأوا بالظلم، ولم ندع أمراً فيه صلاح الا أثرناه على ما فيه الفساد ان شاء الله تعالى، فاجتمعوا عنده بذي قار وكان من المشهورين من رؤساء من انضاف الى أمير المؤمنين، القعقاع بن عمرو، وسعد بن مالك، وهند بن عمرو، والهيثم بن شهاب، وزيد بن صوحان، والأشتر، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجية، ويزيد بن قيس، وحجر بن عدي، وأمثالهم، وكانت عبدالقيس بكمالها بين أمير المؤمنين في ذي قار والبصرة وهم ألوف، فبعث القعقاع رسولا الى طلحة والزبير يدعوهما الى الألفة والجماعة، ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع الى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين، فقال: أي أماه ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الاصلاح بين الناس، فسألها أن تبعث الى طلحة والزبير ليحضرا عندها، فحضرا فقال القعقاع: اني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت: انما جئت للاصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك، قال: فأخبراني ما وجه هذا الاصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن، ولئن أنكرنه لا نصطلحن، قالا: قتلة عثمان، فان هذا ان ترك كان تركا للقرآن، فقال: قتلتما قتلته من أهل البصرة، وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم الى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمئة رجل، فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون،وان قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه - يعني أن الذي تريدونه من قتل عثمان مصلحة، ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها - وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير، لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله، فعليّ أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان، وانما أخر قتل قتلة عثمان الى أن يتمكن منهم، فان الكلمة في جميع الأمصار مختلفة، ثم أعلمهم ان خلقا من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم بسبب هذا الأمر الذي وقع فقالت له عائشة أم المؤمنين: فماذا تقول أنت؟ قال: أقول ان هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين، فاذا سكن اختلجوا فان أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة، وادراك الثأر، وان أنتم أبيتم الا مكابرة هذا الأمر وائتنافه كانت علامة شر وذهاب هذا الملك، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا، ولا تعرضونا للبلاء فتتعرضوا له،فيصرعنا الله واياكم، وايم الله اني لأقول قولي هذا وأدعوكم اليه، واني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها، ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الذي قد حدث أمر عظيم، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة القبيلة، فقالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فان قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر، قال: فرجع الى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة الى علي تعلمه أنها انما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيبا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها وذكر الاسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه «صلى الله عليه وسلم» على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الامة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي من الله بها، وأرادوا رد الاسلام والاشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ثم قال: ألا اني مرتحل غداً فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس: فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالاشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبدالله بن سبأ المعروف بابن السوداء، وسالم بن ثعلبة، وغلاب بن الهيثم، وغيرهم في الفين وخمسمئة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأي وعلي والله اعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب الى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غداً يجمع عليكم الناس، وانما يريد القوم كلهم انتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم، فقال الاشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه الى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا، فإن كان الامر هكذا الحقنا عليا بعثمان، فرضي القوم منا بالسكوت، فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت، لو قتلناه قتلنا، فإنا يا معشر قتلة عثمان في الفين وخمسمئة وطلحة والزبير واصحابهما في خمسة آلاف، لا طاقة لكم بهم، وهم انما يريدونكم، فقال غلاب بن الهيثم: دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق ببعض البلاد فنمتنع بها فقال ابن السوداء: بئس ما قلت، اذا والله كان يتخطفكم الناس ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم ان عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون فمن أنتم معه لا يجد بداً من ان يمتنع، ويشغل الله طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون، ويأتيهم ما يكرهون، فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه، وأصبح علي مرتحلاً ومر بعبد القيس فساروا مع من معه حتى نزلوا بالزاوية، وسار منها يريد البصرة، وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه، فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد، ونزل الناس كل في ناحية، وقد سبق عليّ جيشه وهم يتلاحقون به، فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم، فكان ذلك للنصف من جمادى الاخرة سنة ست وثلاثين، فأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة، من قتلة عثمان فقالا: ان عليا أشار بتسكين هذا الامر، وقد بعثنا اليه بالمصالحة على ذلك، وقام علي في الناس خطيباً، فقام اليه الاعور بن نيار المنقري، فسأله عن اقدامه على أهل البصرة، فقال: الاصلاح، واطفاء الثائرة ليجتمع الناس على الخير، ويلتئم شمل هذه الامة، قال: فإن لم يجيبونا؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال: فهل لهم في هذا الامر مثل الذي لنا، قال: نعم وقام اليه أبوسلام الدالاني فقال: هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم، ان كانوا ارادوا الله في ذلك؟ قال: نعم فهل لك من حجة في تأخيرك ذلك؟ قال: نعم قال ما حالنا وحالهم ان ابتلينا غداً؟ قال: اني لارجو الا يقتل منا ومنهم احد نقى قلبه لله الا أدخله الله الجنة، وقال في خطبته: أيها الناس أمسكوا عن هؤلاء القوم أيديكم وألسنتكم، وإياكم ان يسبقونا غداً، فإن المخصوم غداً مخصوم اليوم وجاء في غضون ذلك الاحنف بن قيس في جماعة فانضاف الى علي - وكان قد منع حرقوص بن زهير من طلحة والزبير وكان قد بايع علياً في المدينة وذلك أن قدم المدينة وعثمان محصوراً فسأل عائشة وطلحة والزبير: ان قتل عثمان من أبايع؟ فقالوا بايع عليا فلما قتل عثمان بايع عليا قال ثم رجعت الى قومي فجاءني بعد ذلك ما هو أفظع حتى قال الناس: هذه عائشة جاءت لتأخذ بدم عثمان، فحرت في أمري من أتبع، فمنعني الله بحديث سمعته من أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغه ان الفرس قد ملكوا عليهم ابنة كسرى فقال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري، والمقصود أن الاحنف لما انحاز الى عليّ ومعه ستة الاف قوس، فقال لعلي: إن شئت كففت عنك عشرة آلاف سيف، فقال: اكفف عنا عشرة الاف سيف، ثم بعث علي الى طلحة والزبير يقول: ان كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الامر، فارسلا اليه في جواب رسالته، إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فأطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين، فلما أمسوا بعث علي عبدالله بن عباس اليهم، وبعثوا اليه محمد بن طليحة السجاد وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون وأجمعوا على ان يثيروا الحرب من الغلس.