هاشم
08-05-2004, 10:52 PM
لماذا تضعون أنفسكم محامي دفاع عن شخص حكم عليه مراجع الأمة العظام؟
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي حفظكم الله تعالى..
اسمحوا لي أن أغتنم فرصة وجودكم المباركة وأقوم بإبداء بعض الملاحظات، التي أرجو أن تتسع لصدركم الرحب إن شاء الله، حول ما ذكرتم من جواب مشاركة مني في ما ورد على هذا اللنك في جوابكم على سؤال الأخ جعفر مرتضى.. في خصوص آراء السيد فضل الله، وكتاب مراجعات في عصمة الأنبياء فإنني أود إبداء الملاحظات التالية..
أولاً: سيدنا الجليل.. عذراً.. ألا تلاحظون أن عبارة السيد فضل الله التي ترددونها دائماً حول النسبة المئوية لمستوى التزوير والتحريف والتشويه والفهم الخاطئ الذي لاقاه حديثه، ثم مقارنته مع عبارة السيد أبو مالك الموسوي في مقدمة كتابه >مراجعات في عصمة الأنبياء< في حديثه معكم لا يجد له مكاناً كما ألاحظ من المقارنة، على اعتبار أن السيد كان يوجه حديثه هذا لأغلب ما نقل حول آراءه المختلفة، وهو ما يصدق فيها على الكثير صحة التقطيع والتحريف والتشويه والنقل الخاطئ، كما لاحظنا في الكثير من الكتب التي تصدت لتضليل السيد والإشكال على آراءه.
بينما عبارة السيد أبو مالك كانت موجهة، بشكل عام، إلى الإشكالات الدائرة فقط حول المسائل التفسيرية، وهو ما تصدى بالفعل لها السيد أبو مالك من واقع خبرته فيها، واهتمامه بهذا الجانب،كما أنه لا يمنع، كما ورد في كتابه، أن يبرز بعض النقولات غير الصحيحة للسيد فضل الله، حيث أثبت عدم صحتها، وكذب ما وصل إليكم منها على نحو بعض التفاصيل، انطلاقاً من تقطيع أوصالها كما في أحد الأشرطة التي وصلتكم، واعتمدتم عليها في بعض ملاحظاتكم..
لهذا وانطلاقاً من هذه المقدمة رأى السيد أبو مالك، كما هي مراجعتنا لأغلب آراء السيد فضل الله، أنها ليست جديدة في عالم التفسير، بغض النظر عن تقييم الجانب العلمي فيها، فهذا أمر آخر، وكما وضح ذلك السيد أبو مالك ذاته في رسالته لكم.
ثانياً: سيدنا الجليل.. إنني أتصور أن منشأ الالتباس الحاصل في ملاحظات الكثيرين، ومنهم سماحتكم، على آراء السيد المختلفة، ومنها العصمة، لهو وفي الكثير منه هو الإيمان بوجهة نظر علمية محددة، ومن ثم اعتمادها كحقيقة علمية ثابتة في مناقشة الآخر..
لذلك.. وإلا.. فان مبدأ العصمة بالنسبة إلى الأنبياء والرسل والأئمة الطاهرين، لايختلف حوله أحد من علماء الامامية في صورته العامة المطلقة، ومن بينهم السيد فضل الله، فهو يرى، كما يرى غيره من العلماء، من أن حركة الأنبياء هي نور كلها، ولا يمكن أن يصدر منها أي ظلمة، لا في القول، أو الفعل، أو الإقرار، لأن الرسالة التي يضطلعون بنشرها نور كلها، وصادرة عن الله النور المطلق، ولا بد إذا ما أرادت أن تخرج بفاعليتها الإنسان من الحركة في نطاق الظلام إلى الحركة في نطاق النور أن تكون كذلك..
ولكن يبقى الاختلاف بين العلماء، ومنهم السيد فضل الله، في بعض المسائل تبعاً للاستدلال في ذلك، من حيث حجيتها كتفاصيل فرعية لا تصطدم بالأساس، والقاعدة العامة التي تؤكد على عصمتهم المطلقة..
وهذا ما نلاحظه في العديد من الاختلافات الموجودة عند العلماء الأجلاء.. فمثلاً إشكالاتكم التي تطلبون منا البحث عنها بين مفردات حديث السيد.. من قبيل >أن المعصوم: ينسى في الأمور الحياتية< لنجدها أولاً داخلة في نطاق الرأي العلمي القائل بامتناع سهو المعصوم في غير الموضوعات الخارجية، كما هو رأي السيد الخوئي أعلى الله مقامه، مثلاً في إجابته على سؤال بهذا الخصوص، في كتاب منية السائل >القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية< ولو أن السيد فضل الله يوافق مشهور العلماء الذي يشمل كل نواحي الشخصية عند النبي أو الإمام، مع عدم تخصيص ذلك في الأمور المتعلقة بتبليغ الأحكام الشرعية..
وأما عبارتكم >وأنه يمكن أن يخطئ في التبليغ..< الخطأ في التبليغ فهذا ما لا نجد له مكاناً في حديث السيد الذي ينفي ذلك في أغلب أجوبته التي بيَّن فيها، ومنها تعليقاته الكتابية على استفتاءات الشيخ التبريزي، بقوله >ضرورة العصمة في التبليغ بما دل عليه الدليل العقلي< وأما ما نسب له من غير ذلك، فقد كان فهماً خاطئاً لبعض من نقلوا عباراته في تفسير >من وحي القرآن< لآية {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} في نقاشه للعلامة الطباطبائي ـ ولكم أن تراجعوا التفسير ـ فكان تعليقه ذاك لبيان خطأ الاستدلال لديه، لا لبيان خطأ الفكرة، على اعتبار أن مناقشة الدليل على المطلب لا يدل على مناقشة الفكرة ـ بالذات ـ لإمكانية الاستدلال عليه بدليل آخر كما هو المعروف بين العلماء.
وأما باقي إشكالاتكم من قبيل >..وأن هناك أوضاعاً سلبية في التصور والممارسة لدى الأنبياء. وأنه يحتمل أن يكون موسى قد قتل نفساً بريئة، وارتكب جريمة دينية، وأنه يحتمل أن يكون إبراهيم قد عبد الكواكب والشمس والقمر، وأن يونس قد تهرب من مسؤولياته، وأن النبي نوحاً لم يكن معصوماً في تلقي الوحي.. إلى عشرات بل مئات من التعابير الصريحة أو المشيرة إلى معان لا يصح نسبتها إلى الأنبياء<.. فهو ما لا أستطيع معه التوضيح بأكثر مما راجعه السيد أبو مالك الموسوي وبين خطأ ما توصلتم له من فهم خاطئ لعبارات السيد في هذا الإتجاه..
ولم نرى منكم حوله إلى الآن ـ وكنا نود خلاف ذلك ـ أي تعليقات في هذا الجانب سوى إحالتنا إلى كتاب >الأنبياء فوق الشبهات< والذي أراه وفق قراءتي، أراد أن يؤكد، من عنوانه قبل مضمونه، أن الفهم المخالف لما هو سائد من وجهات نظر تفسيرية، بغض النظر عن علميتها وموضوعيتها، ما هو إلا فهم منحرف، وبالتالي فما يخرج عنه ما هو إلا شبهات لا بد من نفيها عن الأنبياء بأي شكل من الأشكال .. كما أنه تولى التشكيك في فهم السيد أبو مالك لبعض الآراء التفسيرية الأخرى بطريقة جدلية لا علمية كما نلاحظ.. انطلقت في مناقشة الآخر من خلال الإيمان بحقيقة ثابتة صارع في الدفاع عنها دون تعريضها لأجواء النقد واحتمالية الخطأ بغض النظر عن إيمانه المسبق بها وذلك من خلال أساليب الظنون التي تحاكم النوايا للأسف.. بخلاف الجو العلمي الموضوعي الذي يؤكد ذلك ويجعله شرطاً من شروطه..
وإن صحت بعض مؤاخذات الكاتب فهي لم تستطع التأثير على النتيجة الأساسية لبحث السيد أبو مالك من وجود آراء تفسيرية مختلفة لدى كبار علماء الطائفة وإن كان السائد في الواقع يتبنى وجهات نظر محددة وبغض النظر عن آراء من يتبنى خلافها ومناقشتها من حيث القيمة العلمية لاستدلالاتها.
وأما تعريف السيد للعصمة فأنقله لك كما هو، جواب مسهب على هذا السؤال كما هي أجوبته المختلفة لتقع بعينك على صريح رأيه في ذلك .. على هذا اللنك..
http://www.bayynat.org/www/arabic/aqaed/isma.htm
ثالثاً: سيدنا الجليل.. بالنسبة إلى كتبكم الأخيرة من >مأساة الزهراء< أو >خلفيات المأساة< فتبقى هناك الكثير من الإشكالات العلمية التي أثارتها التعليقات حولها وافتقدنا قلمكم حول ذلك في كتب أخرى أو في الطبعات المنقحة على اعتبار أنها كتب جدلية تتطلب ملاحقة التعليقات الصادرة وعدم التوقف عند سابقها تبعاً لهذا النوع من الحوار الجدلي المعروف.. لاسيما وأن الردود التي خرجت من الآخرين ليست بمستوى ذلك لا علماً كما هو سماحتكم ولا موضوعياً كما تتطلبه مثل هذه الحوارات الثنائية.
وأخيراً .. سيدنا الجليل.. أرجو أن يتسع صدركم لهذه الملاحظات وأن تكون ملاحظاتكم حول آراء السيد خارجة عن منطق تسجيل النقاط ومحاكمة النيات والخروج من دائرة البحث عن تناقضات حديث السيد من خلال ترك مقارنة الآراء الماضية بالآراء الحاضرة لتلازم صفة التغير عليها زمانياً تبعاً لتغير دليلها، والاتكاء على ما يثبته السيد ويحصره في آرائه من خلال أغلب كتبه أو أجوبته ومواقعه كشاهد يقيني على ذلك دون الرجوع إلى بعض الأحاديث المنقولة لكم والتي قد لا تسلم من التقطيع أو صرف المعاني أو حتى عدم وضوحها لعدم اقتضاء الظرف أو مناسبته.. ويا حبذا لو اتبعتم معه ذات منهجكم في إبداء العذر مع الكثير مما يرد في آراء العلماء السابقين تحقيقياً مما تجدونه غريباً بشتى الاحتمالات.
وأما الإصرار على ذلك فهو يعيدنا إلى ذات العقدة السابقة التي أرى أن توضيحات السيد وتأكيداته قد تجاوزتها عند الكثيرين ممن كانوا يعيشونها انطلاقاً من تغليب حسن الظن بآراء المؤمنين ليكون دليلاً على نياتهم دون التشديد على كلمة هنا وعبارة هناك للتأكيد على كذبهم وخداعهم والعياذ بالله فهذا وإن صدق فلا يمكن أن يصدق مهما حاول تصور ذلك في رجل مؤمن ومخلص كالسيد فضل الله دام ظله حتى لو نفينا عنه جميع الصفات العلمية.
تحياتي ودعائي لكم بالموفقة ودعواتكم سيدنا.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإنني لا أدري لماذا يضع الإنسان نفسه محامي دفاع عن شخص حكم مراجع الأمة العظام عليه بما يعرفه كل أحد، مع أن هذا الشخص بنفسه موجود، فلماذا لا يتفضل، ويقدم أدلته وبراهينه.. لو كان يملك حجة تفيد في دفع تلك الأحكام الصادرة في حقه عنه، ولا شك في أنه هو أعرف الناس بما قال، وبما كتب، وبمقاصده، من هذا وذاك.. فلماذا يتبرع الناس عنه، ويلجأون إلى التكهنات والتأويلات، غير المقبولة ولا المعقولة، وربما يأتي يوم ويقول ذلك الشخص نفسه: أنا لا أرضى بهذا الاستدلال، ولا أؤمن بذلك التأويل..
فمن أجل ذلك نقول للإخوة الأكارم: إنه إذا كان مقصودهم هو جرنا للبحث حول قضية هذا الرجل، ويبقى هو في برجه العاجي يتفرج علينا وعليهم، فهذا ما نربأ بهم وبأنفسنا عنه..
وإن كان مقصودهم مجرد الاستفسار عن بعض الأمور التي تتعلق بموقفنا منه، أو عن مقصودنا ببعض ما كتبناه فذلك هو المأمول منهم..
إننا أيها الإخوة لا نحب أن نشغل وقتنا، بما لا طائل تحته، وذلك لأن بحث هذه القضية على هذه الصورة الخطيرة جداً على إيمان الناس، وعلى عقائدهم لن يفيد في تصحيح مسار ذلك الرجل، ولن يحسم الأمور معه..
ولأجل ذلك تلاحظون: أنه قد مرت عشر سنوات على إثارة هذه القضايا، ولم يتراجع عن أي مقولة من مقولاته، بل هو لا يزال متشبثاً بها، حريصاً على التسويق لها ونشرها..
يضاف إلى ذلك: أن طرح القضايا بهذه الطريقة الانتقائية، من شأنه أن يجعل السامع والقارئ يتخيل أن لب الموضوع وجوهره يتلخص في هذه النقاط المطروحة، دون أن يدري أن الموضوع أخطر، وأكبر، وأشر، وأضر، على الدين، والعقيدة، والإيمان..
وأن مراجع الأمة وعلماءها إنما أرادوا درء تلك الأخطار، والحفاظ على تلك العقائد..
ولأجل ذلك فنحن لا نوافق على الدخول في نقاش في أمور جانبية لا يسهم النقاش فيها في هداية الناس للحق، وتعريفهم بحقيقة أقوال هذا الرجل، بل قد تكون سبباً في تضليلهم، حين تصل إليهم المعلومات الهامشية، وغير الأساسية، وحين تبحث في غير أجوائها الطبيعية، وبصورة نُتَف من هنا وهناك، ولا توضع فيها النقاط على الحروف بشكل كامل..
بل إن بحث هذه المقولات مع غير السيد محمد حسين فضل الله، ليس فقط لا يجدي في دفعه إلى تصحيح أفكاره، ولا في إعادته إلى الخط الصحيح.. وقد أثبتت عشر سنوات مضت صحة هذا القول.. بل زاده دفاع الأتباع عنه تصلباً في مواقفه، ومكَّنه من أن يتابع سياساته الرامية إلى تكريسها، وإشاعتها، وتوريثها للأجيال الآتية..
وأخشى ما نخشاه هو أن يأتي يوم فنجدهم أن فرقة من الفرق التي أخبر النبي صلى الله عليه وآله أنها تكون بعده: تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية، لتتخذ لنفسها مساراً آخر، رسمه لها هذا الرجل انطلاقاً من هذه المقولات التي أطلقها.. وليس هي هؤلاء قطعاً، والباقون في النار.. قد تكونت وانسلخت عن المسار الصحيح لتتخذ لنفسها مساراً آخر، رسمه لها هذا الرجل، انطلاقاً من هذه المقولات التي أطلقها..
ولكنني رغم ذلك، فإنني احتراماً مني لهذا السائل الكريم، أشير إلى بعض موارد الإشكال في كلامه، تاركاً سائرها إليه، لكي يراجعها بتأمل وتبصُّر، وأناة وتدبر.. فأقول:
أولاً: بالنسبة لما ذكرتموه (أولاً) يلاحظ ما يلي:
1 ـ لقد ذكر السيد محمد حسين: أن 99 / 99 بالمئة مكذوب عليه، والباقي تحريف..
ونحن نطلب من القارئ الكريم ومن كل منصف: أن يراجع ما ذكرناه في كتاب >خلفيات مأساة الزهراء< ويقارن بين المنقول فيه، وبين ما هو موجود في كتبه، وليبين لنا: كيف صار 99 /99 بالمئة مما ينشر ويقال ضده، هو كذب وافتراء، وبهتان راجع جريدة فكر وثقافة.. ورؤى وموقف عدد 2 سنة 1417 للهجرة طبعة دار الملاك..
سواء أقصد بكلامه هذا أغلب ما نقل عنه، أو خصوص ما يرتبط بتفسير الآيات..
وها أنتم قد ادعيتم الآن: أن كلامه هذا ناظر >لأغلب ما نقل حول آرائه المختلفة، وهو ما يصدق فيها على الكثير، بسبب التقطيع، والتحريف، والتشويه، والنقل الخاطئ<
ونحن نقول لكم:
إننا نطلب منكم أن تأتوا بالنصوص التي نقلناها في كتاب >خلفيات< من كتبه، وتأتوا بالصفحات من كتب السيد محمد حسين، وتعرضوها على القراء الكرام، لكي نرى أين حصل التقطيع، والتحريف، والتشويه، والنقل الخاطئ الخ..
ويمكنكم إعلان لائحة بهذه الموارد لنقوم نحن بنشر صور صفحات كتب السيد محمد حسين، وصور لصفحات كتاب >خلفيات<.. ليعرف الناس الحقيقة.. وليروا إن كانت هذه الدعوى صحيحة، ثم نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذب المفتري..
2 ـ إن عبارة أبي مالك الموسوي في المراجعات صحفة 10 من مراجعاته قد عممت الكلام لجميع ما ذكرناه في كتاب الخلفيات، ونحن نعيد نقلها للقارئ الكريم ليقرأها بنفسه مرة أخرى، فقد قال في مراجعاته ما يلي: >إنني شاهدت ظلماً وحيفاً في النقد الذي مارستموه تجاه الآخر، بأن سطرتم في >خلفيات< مئات الموارد التي اعتبرتموها من (المقولات الجريئة). والحال أن جلها ليس فيه رائحة جرأة على الإطلاق، بل يكاد يجمع عليه أعلام الطائفة منذ القرن الخامس الهجري، وحتى قرننا الحالي<
ومما يدل أيضاً على أنه يقصد جميع ما ورد في كتاب خلفيات، أنه ذكر في الهامش العبارة التي أراد بكلامه هذا الرد عليها. والهامش هو التالي:
>2 ـ تحت عنوان (قبل المقدمة) جاء في كتاب (خلفيات/الجزء الأول): >وكان خيارنا الوحيد لإنجاز التكليف الشرعي الملقى على عواتقنا تقديم نبذة يسيرة من مقولات يعرف كل عالم بصير أنها لا تنسجم مع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فكان هذا الكتاب< انتهى مراجعات في عصمة الأنبياء ص10.
فكيف تقولون إن عبارة أبي مالك موجهة بشكل عام إلى الإشكالات في الدائرة التفسيرية؟!
3 ـ أما الحديث عن خبرة أبي مالك في التفسير، فقد أظهر قيمتها ومستواها السيد محمد محمود مرتضى في كتابه: >الأنبياء فوق الشبهات<، فالرجاء أن لا تهولوا على القارئ البريء بإطلاق ألقاب وعناوين رنانة وكبيرة، مع إغفال الجانب الآخر، الذي يوضح قيمة هذه العناوين..
4 ـ بالنسبة لقولكم: إن أبا مالك أثبت عدم صحة بعض المقولات، وكِذْبَ ما وصل إلينا منها، انطلاقاً من تقطيع أوصالها.. نقول: إنكم تعلمون أننا لم نعتمد، في ما كتبناه، على الأشرطة إلا في موارد يسيرة، قد لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة، مع أن كتاب خلفيات يتضمن أكثر من ألف وثلاث مئة مقولة..
وأيضاً فإن الاتهام بالتقطيع للشريط ليس بأولى من اتهام السيد محمد حسين فضل الله وأتباعه بمحاولة دبلجة الشريط من جديد والإقحام فيه ما لم يكن منه ـ وهم أقدر على ذلك ـ بما يملكون من إمكانات، وما ظهر منهم من جرأة وإقدام، وما تعودناه منهم من انطلاقهم من مبدأ الغاية تبرر الواسطة التي تحدثنا عنها في كتاب خلفيات.. ومما يؤكد ذلك أن ما هو مذكور في كتبه أدهى وأمرّ بكثير مما هو موجود في تلك الأشرطة..
5 ـ لنفترض أن هذا المورد قد دبلجه منتقدو السيد محمد حسين، وأنه قد وصل إلينا مقطعاً محرفاً.. ولكن هذا الشريط في خصوص هذا المورد، والموردين، لا يلغي الألف وثلاث مئة من الموارد الأخرى، التي اعتمدت على كتب ومؤلفات السيد محمد حسين وأخذت منها مباشرة؟!
فلماذا يتم إلهاء الناس بادعاءات وبأمور من هذا القبيل؟!..
6 ـ وقد عدتم إلى القول كما هو عادة أتباع السيد محمد حسين فضل الله: إن آراءه ليست جديدة في عالم التفسير.
ونعود لنقول لكم:
أ ـ إن الميزان في الحق والباطل ليس هو آراء الرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال. و: أعرف الحق تعرف أهله.. والمعصومون هم فقط الذين يعرف الحق بهم..
ب ـ إن السيد محمد مرتضى قد أظهر في كتابه: >الأنبياء فوق الشبهات< أنه لا يمكن الأخذ بما جاء في كتاب مراجعات في عصمة الأنبياء، لوجود تصرف في النقل.. في الألفاظ تارة، وفي المعاني أخرى، بالإضافة إلى أسباب أخرى في كل مورد بحسبه..
ج ـ إن حجم المخالفات التي اجتمعت لدى السيد فضل الله يؤكد أنه له نهجاً يؤدي به إلى أن يكون تفسيره منسجماً مع كل هذه الشذوذات والمخالفات للدين والعقيدة، والتي قد يغفل عالم فيقع في إحداها، ويغفل آخر، فيقع في أخرى، ولكن الضابطة عندهم تحتم عليهم التراجع عن الخطأ حين يلتفتون إليه، أو يدلهم أحد عليه..
لكن السيد محمد حسين فضل الله يبقى مصراً رغم كل فتاوى المراجع على جميع ما قاله.. ولا يتراجع عن مفردة واحدة منه.. طيلة عشر سنوات من المماطلة والأخذ والرد.. مما يعني: أنه محكوم لضوابط تمنعه من التراجع.. أو من الاعتراف بالحق..
إنك تراه يوافق العلماء في أخطائهم، ويستدل بأقوالهم فيها، أما فيما أصابوا فيه وأخطأ هو فيه الصواب، فإنه لا يرضى بالاستدلال عليه بقول أحد، بل هو يؤول قول المعصوم، أو يشكك فيه إن لزم الأمر..
ثانياً: بالنسبة لما ذكرتموه ثانياً يلاحظ ما يلي:
1 ـ قد ذكرتم: أن مبدأ العصمة بالنسبة للأنبياء والرسل، والأئمة، لا يختلف حوله أحد من علماء الإمامية في صورته العامة المطلقة.. ومن بينهم السيد محمد حسين..
ونقول لكم: إنه لا يجوز لكم إيهام القارئ بواسطة الألفاظ الغامضة، والتعميمات المبهمة. فإن مبدأ العصمة عند الشيعة لا يلتقي مع مبدأ العصمة عند السيد محمد حسين فضل الله، لا من قريب ولا من بعيد..
فالسيد محمد حسين فضل الله لا يعترف بالعصمة في تلقي الوحي، كما أنه لا يعترف بعصمة الأنبياء في التبليغ، وأما العصمة عن السهو والخطأ والنسيان، فهو لا يمنع منهما في الأمور الحياتية الصغيرة، وأما العصمة عن الذنب فيرى إنها إجبارية..
نعم.. فقد ذكرتم أن صاحب كتاب: >من وحي القرآن< لم ينكر العصمة في التبليغ وإنما أنكر دليلها الذي ذكره صاحب الميزان، على اعتبار أنه دليل غير صالح، فعلينا أن نبحث عن دليل آخر..
ولأجل ذلك طرح دليلاً آخر في نهاية كلامه على العصمة في التبليغ، ظن أنه الأقوى، مما يعني: أنه قائل بالعصمة التبليغية.
وذكرتم الفقرة التي تضمنت ما ظن أنه دليلاً على العصمة التبليغية..
ونقول:
إن صاحب كتاب >من وحي القرآن< قد حاول إسقاط أدلة العصمة في التبليغ، ولكنه لم يأت بدليل آخر عوضاً عنها..
ومن الواضح: إن من يفعل ذلك لا يصح أن يقال عنه إنه قائل بالعصمة بالتبليغ، ولكنه يناقش في دليل.. فإن إسقاط الدليل مساوق لإسقاط الدعوى من أساسها..
تابع ...
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي حفظكم الله تعالى..
اسمحوا لي أن أغتنم فرصة وجودكم المباركة وأقوم بإبداء بعض الملاحظات، التي أرجو أن تتسع لصدركم الرحب إن شاء الله، حول ما ذكرتم من جواب مشاركة مني في ما ورد على هذا اللنك في جوابكم على سؤال الأخ جعفر مرتضى.. في خصوص آراء السيد فضل الله، وكتاب مراجعات في عصمة الأنبياء فإنني أود إبداء الملاحظات التالية..
أولاً: سيدنا الجليل.. عذراً.. ألا تلاحظون أن عبارة السيد فضل الله التي ترددونها دائماً حول النسبة المئوية لمستوى التزوير والتحريف والتشويه والفهم الخاطئ الذي لاقاه حديثه، ثم مقارنته مع عبارة السيد أبو مالك الموسوي في مقدمة كتابه >مراجعات في عصمة الأنبياء< في حديثه معكم لا يجد له مكاناً كما ألاحظ من المقارنة، على اعتبار أن السيد كان يوجه حديثه هذا لأغلب ما نقل حول آراءه المختلفة، وهو ما يصدق فيها على الكثير صحة التقطيع والتحريف والتشويه والنقل الخاطئ، كما لاحظنا في الكثير من الكتب التي تصدت لتضليل السيد والإشكال على آراءه.
بينما عبارة السيد أبو مالك كانت موجهة، بشكل عام، إلى الإشكالات الدائرة فقط حول المسائل التفسيرية، وهو ما تصدى بالفعل لها السيد أبو مالك من واقع خبرته فيها، واهتمامه بهذا الجانب،كما أنه لا يمنع، كما ورد في كتابه، أن يبرز بعض النقولات غير الصحيحة للسيد فضل الله، حيث أثبت عدم صحتها، وكذب ما وصل إليكم منها على نحو بعض التفاصيل، انطلاقاً من تقطيع أوصالها كما في أحد الأشرطة التي وصلتكم، واعتمدتم عليها في بعض ملاحظاتكم..
لهذا وانطلاقاً من هذه المقدمة رأى السيد أبو مالك، كما هي مراجعتنا لأغلب آراء السيد فضل الله، أنها ليست جديدة في عالم التفسير، بغض النظر عن تقييم الجانب العلمي فيها، فهذا أمر آخر، وكما وضح ذلك السيد أبو مالك ذاته في رسالته لكم.
ثانياً: سيدنا الجليل.. إنني أتصور أن منشأ الالتباس الحاصل في ملاحظات الكثيرين، ومنهم سماحتكم، على آراء السيد المختلفة، ومنها العصمة، لهو وفي الكثير منه هو الإيمان بوجهة نظر علمية محددة، ومن ثم اعتمادها كحقيقة علمية ثابتة في مناقشة الآخر..
لذلك.. وإلا.. فان مبدأ العصمة بالنسبة إلى الأنبياء والرسل والأئمة الطاهرين، لايختلف حوله أحد من علماء الامامية في صورته العامة المطلقة، ومن بينهم السيد فضل الله، فهو يرى، كما يرى غيره من العلماء، من أن حركة الأنبياء هي نور كلها، ولا يمكن أن يصدر منها أي ظلمة، لا في القول، أو الفعل، أو الإقرار، لأن الرسالة التي يضطلعون بنشرها نور كلها، وصادرة عن الله النور المطلق، ولا بد إذا ما أرادت أن تخرج بفاعليتها الإنسان من الحركة في نطاق الظلام إلى الحركة في نطاق النور أن تكون كذلك..
ولكن يبقى الاختلاف بين العلماء، ومنهم السيد فضل الله، في بعض المسائل تبعاً للاستدلال في ذلك، من حيث حجيتها كتفاصيل فرعية لا تصطدم بالأساس، والقاعدة العامة التي تؤكد على عصمتهم المطلقة..
وهذا ما نلاحظه في العديد من الاختلافات الموجودة عند العلماء الأجلاء.. فمثلاً إشكالاتكم التي تطلبون منا البحث عنها بين مفردات حديث السيد.. من قبيل >أن المعصوم: ينسى في الأمور الحياتية< لنجدها أولاً داخلة في نطاق الرأي العلمي القائل بامتناع سهو المعصوم في غير الموضوعات الخارجية، كما هو رأي السيد الخوئي أعلى الله مقامه، مثلاً في إجابته على سؤال بهذا الخصوص، في كتاب منية السائل >القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية< ولو أن السيد فضل الله يوافق مشهور العلماء الذي يشمل كل نواحي الشخصية عند النبي أو الإمام، مع عدم تخصيص ذلك في الأمور المتعلقة بتبليغ الأحكام الشرعية..
وأما عبارتكم >وأنه يمكن أن يخطئ في التبليغ..< الخطأ في التبليغ فهذا ما لا نجد له مكاناً في حديث السيد الذي ينفي ذلك في أغلب أجوبته التي بيَّن فيها، ومنها تعليقاته الكتابية على استفتاءات الشيخ التبريزي، بقوله >ضرورة العصمة في التبليغ بما دل عليه الدليل العقلي< وأما ما نسب له من غير ذلك، فقد كان فهماً خاطئاً لبعض من نقلوا عباراته في تفسير >من وحي القرآن< لآية {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} في نقاشه للعلامة الطباطبائي ـ ولكم أن تراجعوا التفسير ـ فكان تعليقه ذاك لبيان خطأ الاستدلال لديه، لا لبيان خطأ الفكرة، على اعتبار أن مناقشة الدليل على المطلب لا يدل على مناقشة الفكرة ـ بالذات ـ لإمكانية الاستدلال عليه بدليل آخر كما هو المعروف بين العلماء.
وأما باقي إشكالاتكم من قبيل >..وأن هناك أوضاعاً سلبية في التصور والممارسة لدى الأنبياء. وأنه يحتمل أن يكون موسى قد قتل نفساً بريئة، وارتكب جريمة دينية، وأنه يحتمل أن يكون إبراهيم قد عبد الكواكب والشمس والقمر، وأن يونس قد تهرب من مسؤولياته، وأن النبي نوحاً لم يكن معصوماً في تلقي الوحي.. إلى عشرات بل مئات من التعابير الصريحة أو المشيرة إلى معان لا يصح نسبتها إلى الأنبياء<.. فهو ما لا أستطيع معه التوضيح بأكثر مما راجعه السيد أبو مالك الموسوي وبين خطأ ما توصلتم له من فهم خاطئ لعبارات السيد في هذا الإتجاه..
ولم نرى منكم حوله إلى الآن ـ وكنا نود خلاف ذلك ـ أي تعليقات في هذا الجانب سوى إحالتنا إلى كتاب >الأنبياء فوق الشبهات< والذي أراه وفق قراءتي، أراد أن يؤكد، من عنوانه قبل مضمونه، أن الفهم المخالف لما هو سائد من وجهات نظر تفسيرية، بغض النظر عن علميتها وموضوعيتها، ما هو إلا فهم منحرف، وبالتالي فما يخرج عنه ما هو إلا شبهات لا بد من نفيها عن الأنبياء بأي شكل من الأشكال .. كما أنه تولى التشكيك في فهم السيد أبو مالك لبعض الآراء التفسيرية الأخرى بطريقة جدلية لا علمية كما نلاحظ.. انطلقت في مناقشة الآخر من خلال الإيمان بحقيقة ثابتة صارع في الدفاع عنها دون تعريضها لأجواء النقد واحتمالية الخطأ بغض النظر عن إيمانه المسبق بها وذلك من خلال أساليب الظنون التي تحاكم النوايا للأسف.. بخلاف الجو العلمي الموضوعي الذي يؤكد ذلك ويجعله شرطاً من شروطه..
وإن صحت بعض مؤاخذات الكاتب فهي لم تستطع التأثير على النتيجة الأساسية لبحث السيد أبو مالك من وجود آراء تفسيرية مختلفة لدى كبار علماء الطائفة وإن كان السائد في الواقع يتبنى وجهات نظر محددة وبغض النظر عن آراء من يتبنى خلافها ومناقشتها من حيث القيمة العلمية لاستدلالاتها.
وأما تعريف السيد للعصمة فأنقله لك كما هو، جواب مسهب على هذا السؤال كما هي أجوبته المختلفة لتقع بعينك على صريح رأيه في ذلك .. على هذا اللنك..
http://www.bayynat.org/www/arabic/aqaed/isma.htm
ثالثاً: سيدنا الجليل.. بالنسبة إلى كتبكم الأخيرة من >مأساة الزهراء< أو >خلفيات المأساة< فتبقى هناك الكثير من الإشكالات العلمية التي أثارتها التعليقات حولها وافتقدنا قلمكم حول ذلك في كتب أخرى أو في الطبعات المنقحة على اعتبار أنها كتب جدلية تتطلب ملاحقة التعليقات الصادرة وعدم التوقف عند سابقها تبعاً لهذا النوع من الحوار الجدلي المعروف.. لاسيما وأن الردود التي خرجت من الآخرين ليست بمستوى ذلك لا علماً كما هو سماحتكم ولا موضوعياً كما تتطلبه مثل هذه الحوارات الثنائية.
وأخيراً .. سيدنا الجليل.. أرجو أن يتسع صدركم لهذه الملاحظات وأن تكون ملاحظاتكم حول آراء السيد خارجة عن منطق تسجيل النقاط ومحاكمة النيات والخروج من دائرة البحث عن تناقضات حديث السيد من خلال ترك مقارنة الآراء الماضية بالآراء الحاضرة لتلازم صفة التغير عليها زمانياً تبعاً لتغير دليلها، والاتكاء على ما يثبته السيد ويحصره في آرائه من خلال أغلب كتبه أو أجوبته ومواقعه كشاهد يقيني على ذلك دون الرجوع إلى بعض الأحاديث المنقولة لكم والتي قد لا تسلم من التقطيع أو صرف المعاني أو حتى عدم وضوحها لعدم اقتضاء الظرف أو مناسبته.. ويا حبذا لو اتبعتم معه ذات منهجكم في إبداء العذر مع الكثير مما يرد في آراء العلماء السابقين تحقيقياً مما تجدونه غريباً بشتى الاحتمالات.
وأما الإصرار على ذلك فهو يعيدنا إلى ذات العقدة السابقة التي أرى أن توضيحات السيد وتأكيداته قد تجاوزتها عند الكثيرين ممن كانوا يعيشونها انطلاقاً من تغليب حسن الظن بآراء المؤمنين ليكون دليلاً على نياتهم دون التشديد على كلمة هنا وعبارة هناك للتأكيد على كذبهم وخداعهم والعياذ بالله فهذا وإن صدق فلا يمكن أن يصدق مهما حاول تصور ذلك في رجل مؤمن ومخلص كالسيد فضل الله دام ظله حتى لو نفينا عنه جميع الصفات العلمية.
تحياتي ودعائي لكم بالموفقة ودعواتكم سيدنا.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإنني لا أدري لماذا يضع الإنسان نفسه محامي دفاع عن شخص حكم مراجع الأمة العظام عليه بما يعرفه كل أحد، مع أن هذا الشخص بنفسه موجود، فلماذا لا يتفضل، ويقدم أدلته وبراهينه.. لو كان يملك حجة تفيد في دفع تلك الأحكام الصادرة في حقه عنه، ولا شك في أنه هو أعرف الناس بما قال، وبما كتب، وبمقاصده، من هذا وذاك.. فلماذا يتبرع الناس عنه، ويلجأون إلى التكهنات والتأويلات، غير المقبولة ولا المعقولة، وربما يأتي يوم ويقول ذلك الشخص نفسه: أنا لا أرضى بهذا الاستدلال، ولا أؤمن بذلك التأويل..
فمن أجل ذلك نقول للإخوة الأكارم: إنه إذا كان مقصودهم هو جرنا للبحث حول قضية هذا الرجل، ويبقى هو في برجه العاجي يتفرج علينا وعليهم، فهذا ما نربأ بهم وبأنفسنا عنه..
وإن كان مقصودهم مجرد الاستفسار عن بعض الأمور التي تتعلق بموقفنا منه، أو عن مقصودنا ببعض ما كتبناه فذلك هو المأمول منهم..
إننا أيها الإخوة لا نحب أن نشغل وقتنا، بما لا طائل تحته، وذلك لأن بحث هذه القضية على هذه الصورة الخطيرة جداً على إيمان الناس، وعلى عقائدهم لن يفيد في تصحيح مسار ذلك الرجل، ولن يحسم الأمور معه..
ولأجل ذلك تلاحظون: أنه قد مرت عشر سنوات على إثارة هذه القضايا، ولم يتراجع عن أي مقولة من مقولاته، بل هو لا يزال متشبثاً بها، حريصاً على التسويق لها ونشرها..
يضاف إلى ذلك: أن طرح القضايا بهذه الطريقة الانتقائية، من شأنه أن يجعل السامع والقارئ يتخيل أن لب الموضوع وجوهره يتلخص في هذه النقاط المطروحة، دون أن يدري أن الموضوع أخطر، وأكبر، وأشر، وأضر، على الدين، والعقيدة، والإيمان..
وأن مراجع الأمة وعلماءها إنما أرادوا درء تلك الأخطار، والحفاظ على تلك العقائد..
ولأجل ذلك فنحن لا نوافق على الدخول في نقاش في أمور جانبية لا يسهم النقاش فيها في هداية الناس للحق، وتعريفهم بحقيقة أقوال هذا الرجل، بل قد تكون سبباً في تضليلهم، حين تصل إليهم المعلومات الهامشية، وغير الأساسية، وحين تبحث في غير أجوائها الطبيعية، وبصورة نُتَف من هنا وهناك، ولا توضع فيها النقاط على الحروف بشكل كامل..
بل إن بحث هذه المقولات مع غير السيد محمد حسين فضل الله، ليس فقط لا يجدي في دفعه إلى تصحيح أفكاره، ولا في إعادته إلى الخط الصحيح.. وقد أثبتت عشر سنوات مضت صحة هذا القول.. بل زاده دفاع الأتباع عنه تصلباً في مواقفه، ومكَّنه من أن يتابع سياساته الرامية إلى تكريسها، وإشاعتها، وتوريثها للأجيال الآتية..
وأخشى ما نخشاه هو أن يأتي يوم فنجدهم أن فرقة من الفرق التي أخبر النبي صلى الله عليه وآله أنها تكون بعده: تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية، لتتخذ لنفسها مساراً آخر، رسمه لها هذا الرجل انطلاقاً من هذه المقولات التي أطلقها.. وليس هي هؤلاء قطعاً، والباقون في النار.. قد تكونت وانسلخت عن المسار الصحيح لتتخذ لنفسها مساراً آخر، رسمه لها هذا الرجل، انطلاقاً من هذه المقولات التي أطلقها..
ولكنني رغم ذلك، فإنني احتراماً مني لهذا السائل الكريم، أشير إلى بعض موارد الإشكال في كلامه، تاركاً سائرها إليه، لكي يراجعها بتأمل وتبصُّر، وأناة وتدبر.. فأقول:
أولاً: بالنسبة لما ذكرتموه (أولاً) يلاحظ ما يلي:
1 ـ لقد ذكر السيد محمد حسين: أن 99 / 99 بالمئة مكذوب عليه، والباقي تحريف..
ونحن نطلب من القارئ الكريم ومن كل منصف: أن يراجع ما ذكرناه في كتاب >خلفيات مأساة الزهراء< ويقارن بين المنقول فيه، وبين ما هو موجود في كتبه، وليبين لنا: كيف صار 99 /99 بالمئة مما ينشر ويقال ضده، هو كذب وافتراء، وبهتان راجع جريدة فكر وثقافة.. ورؤى وموقف عدد 2 سنة 1417 للهجرة طبعة دار الملاك..
سواء أقصد بكلامه هذا أغلب ما نقل عنه، أو خصوص ما يرتبط بتفسير الآيات..
وها أنتم قد ادعيتم الآن: أن كلامه هذا ناظر >لأغلب ما نقل حول آرائه المختلفة، وهو ما يصدق فيها على الكثير، بسبب التقطيع، والتحريف، والتشويه، والنقل الخاطئ<
ونحن نقول لكم:
إننا نطلب منكم أن تأتوا بالنصوص التي نقلناها في كتاب >خلفيات< من كتبه، وتأتوا بالصفحات من كتب السيد محمد حسين، وتعرضوها على القراء الكرام، لكي نرى أين حصل التقطيع، والتحريف، والتشويه، والنقل الخاطئ الخ..
ويمكنكم إعلان لائحة بهذه الموارد لنقوم نحن بنشر صور صفحات كتب السيد محمد حسين، وصور لصفحات كتاب >خلفيات<.. ليعرف الناس الحقيقة.. وليروا إن كانت هذه الدعوى صحيحة، ثم نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذب المفتري..
2 ـ إن عبارة أبي مالك الموسوي في المراجعات صحفة 10 من مراجعاته قد عممت الكلام لجميع ما ذكرناه في كتاب الخلفيات، ونحن نعيد نقلها للقارئ الكريم ليقرأها بنفسه مرة أخرى، فقد قال في مراجعاته ما يلي: >إنني شاهدت ظلماً وحيفاً في النقد الذي مارستموه تجاه الآخر، بأن سطرتم في >خلفيات< مئات الموارد التي اعتبرتموها من (المقولات الجريئة). والحال أن جلها ليس فيه رائحة جرأة على الإطلاق، بل يكاد يجمع عليه أعلام الطائفة منذ القرن الخامس الهجري، وحتى قرننا الحالي<
ومما يدل أيضاً على أنه يقصد جميع ما ورد في كتاب خلفيات، أنه ذكر في الهامش العبارة التي أراد بكلامه هذا الرد عليها. والهامش هو التالي:
>2 ـ تحت عنوان (قبل المقدمة) جاء في كتاب (خلفيات/الجزء الأول): >وكان خيارنا الوحيد لإنجاز التكليف الشرعي الملقى على عواتقنا تقديم نبذة يسيرة من مقولات يعرف كل عالم بصير أنها لا تنسجم مع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فكان هذا الكتاب< انتهى مراجعات في عصمة الأنبياء ص10.
فكيف تقولون إن عبارة أبي مالك موجهة بشكل عام إلى الإشكالات في الدائرة التفسيرية؟!
3 ـ أما الحديث عن خبرة أبي مالك في التفسير، فقد أظهر قيمتها ومستواها السيد محمد محمود مرتضى في كتابه: >الأنبياء فوق الشبهات<، فالرجاء أن لا تهولوا على القارئ البريء بإطلاق ألقاب وعناوين رنانة وكبيرة، مع إغفال الجانب الآخر، الذي يوضح قيمة هذه العناوين..
4 ـ بالنسبة لقولكم: إن أبا مالك أثبت عدم صحة بعض المقولات، وكِذْبَ ما وصل إلينا منها، انطلاقاً من تقطيع أوصالها.. نقول: إنكم تعلمون أننا لم نعتمد، في ما كتبناه، على الأشرطة إلا في موارد يسيرة، قد لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة، مع أن كتاب خلفيات يتضمن أكثر من ألف وثلاث مئة مقولة..
وأيضاً فإن الاتهام بالتقطيع للشريط ليس بأولى من اتهام السيد محمد حسين فضل الله وأتباعه بمحاولة دبلجة الشريط من جديد والإقحام فيه ما لم يكن منه ـ وهم أقدر على ذلك ـ بما يملكون من إمكانات، وما ظهر منهم من جرأة وإقدام، وما تعودناه منهم من انطلاقهم من مبدأ الغاية تبرر الواسطة التي تحدثنا عنها في كتاب خلفيات.. ومما يؤكد ذلك أن ما هو مذكور في كتبه أدهى وأمرّ بكثير مما هو موجود في تلك الأشرطة..
5 ـ لنفترض أن هذا المورد قد دبلجه منتقدو السيد محمد حسين، وأنه قد وصل إلينا مقطعاً محرفاً.. ولكن هذا الشريط في خصوص هذا المورد، والموردين، لا يلغي الألف وثلاث مئة من الموارد الأخرى، التي اعتمدت على كتب ومؤلفات السيد محمد حسين وأخذت منها مباشرة؟!
فلماذا يتم إلهاء الناس بادعاءات وبأمور من هذا القبيل؟!..
6 ـ وقد عدتم إلى القول كما هو عادة أتباع السيد محمد حسين فضل الله: إن آراءه ليست جديدة في عالم التفسير.
ونعود لنقول لكم:
أ ـ إن الميزان في الحق والباطل ليس هو آراء الرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال. و: أعرف الحق تعرف أهله.. والمعصومون هم فقط الذين يعرف الحق بهم..
ب ـ إن السيد محمد مرتضى قد أظهر في كتابه: >الأنبياء فوق الشبهات< أنه لا يمكن الأخذ بما جاء في كتاب مراجعات في عصمة الأنبياء، لوجود تصرف في النقل.. في الألفاظ تارة، وفي المعاني أخرى، بالإضافة إلى أسباب أخرى في كل مورد بحسبه..
ج ـ إن حجم المخالفات التي اجتمعت لدى السيد فضل الله يؤكد أنه له نهجاً يؤدي به إلى أن يكون تفسيره منسجماً مع كل هذه الشذوذات والمخالفات للدين والعقيدة، والتي قد يغفل عالم فيقع في إحداها، ويغفل آخر، فيقع في أخرى، ولكن الضابطة عندهم تحتم عليهم التراجع عن الخطأ حين يلتفتون إليه، أو يدلهم أحد عليه..
لكن السيد محمد حسين فضل الله يبقى مصراً رغم كل فتاوى المراجع على جميع ما قاله.. ولا يتراجع عن مفردة واحدة منه.. طيلة عشر سنوات من المماطلة والأخذ والرد.. مما يعني: أنه محكوم لضوابط تمنعه من التراجع.. أو من الاعتراف بالحق..
إنك تراه يوافق العلماء في أخطائهم، ويستدل بأقوالهم فيها، أما فيما أصابوا فيه وأخطأ هو فيه الصواب، فإنه لا يرضى بالاستدلال عليه بقول أحد، بل هو يؤول قول المعصوم، أو يشكك فيه إن لزم الأمر..
ثانياً: بالنسبة لما ذكرتموه ثانياً يلاحظ ما يلي:
1 ـ قد ذكرتم: أن مبدأ العصمة بالنسبة للأنبياء والرسل، والأئمة، لا يختلف حوله أحد من علماء الإمامية في صورته العامة المطلقة.. ومن بينهم السيد محمد حسين..
ونقول لكم: إنه لا يجوز لكم إيهام القارئ بواسطة الألفاظ الغامضة، والتعميمات المبهمة. فإن مبدأ العصمة عند الشيعة لا يلتقي مع مبدأ العصمة عند السيد محمد حسين فضل الله، لا من قريب ولا من بعيد..
فالسيد محمد حسين فضل الله لا يعترف بالعصمة في تلقي الوحي، كما أنه لا يعترف بعصمة الأنبياء في التبليغ، وأما العصمة عن السهو والخطأ والنسيان، فهو لا يمنع منهما في الأمور الحياتية الصغيرة، وأما العصمة عن الذنب فيرى إنها إجبارية..
نعم.. فقد ذكرتم أن صاحب كتاب: >من وحي القرآن< لم ينكر العصمة في التبليغ وإنما أنكر دليلها الذي ذكره صاحب الميزان، على اعتبار أنه دليل غير صالح، فعلينا أن نبحث عن دليل آخر..
ولأجل ذلك طرح دليلاً آخر في نهاية كلامه على العصمة في التبليغ، ظن أنه الأقوى، مما يعني: أنه قائل بالعصمة التبليغية.
وذكرتم الفقرة التي تضمنت ما ظن أنه دليلاً على العصمة التبليغية..
ونقول:
إن صاحب كتاب >من وحي القرآن< قد حاول إسقاط أدلة العصمة في التبليغ، ولكنه لم يأت بدليل آخر عوضاً عنها..
ومن الواضح: إن من يفعل ذلك لا يصح أن يقال عنه إنه قائل بالعصمة بالتبليغ، ولكنه يناقش في دليل.. فإن إسقاط الدليل مساوق لإسقاط الدعوى من أساسها..
تابع ...