المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكريات الحرب في مقبرة بهشت زهراء بطهران



yasmeen
07-01-2008, 11:32 PM
نيوزماتيك

صمت القبور يختزل قصة الحرب العراقية الإيرانية في مقبرة "بهشت زهراء" بطهران

عبد العظيم بدران من طهران: يختزل مشهد مقبرة "بهشت زهراء" في العاصمة الإيرانية طهران عمر الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات. فعلى مسافة 15 كم جنوب طهران تقع "بهشت زهراء" وتعني بالعربية "جنة الزهراء".

هنا قبور حقيقية وأخرى رمزية، شواهد ونصب وعلامات على ان الموت حصد آلاف الأرواح من الطرفين العراقي والإيراني. تتوزع القبور في نسق منظم لا يخفي المداليل السياسية وراء الغاية من إبراز بعض المعالم والتركيز عليها. قبور تنهض بين الزهو حيث اللافتات المنقوشة على المرمر تعرف بأصحابها "قضوا في المواجهات على الجبهة مع الجانب العراقي". ذاكرة حية تعززها آلات حربية قديمة عراقية وإيرانية وضعت كي يشاهدها الزوار، وهي تثير مشاعر ومواقف مختلفة لديهم.

يقول رضا جمشيدي، 12 سنة، إنه يستمتع بالمكان كما هو، ولا يبحث عن الحرب التي يرى أنها حاضرة في كل تلك القبور. ويضيف في حديثه لـ"نيوزماتيك" "المقبرة اليوم حديقة كبيرة يمكنني أن أرى فيها تاريخاً طويلاً لكني لا أتوقف عنده، أعتقد أن الحرب أصبحت مجرد ذكريات".

ويواصل جمشيدي حديثه وهو يرتقي دبابة قديمة وضعت في إحدى زوايا المقبرة "ربما اختلف عن كثيرين تولد فيهم رؤية قبور الشهداء هنا عودة للحرب، وشعوراً بالكراهية للآخرين، لكني أعتقد أن الحرب صارت ذكريات، نرى آثارها وشواهدها ولا نعيشها".

في أكثر من مكان وضعت لافتات كتبت عليها عبارات تحمل روح الحماسة والتذكير بالحرب، إضافة إلى نصب وجداريات كبيرة لآلات حربية وأساطيل إيرانية بارتفاعات ضخمة، وبعض الآلات الحربية العراقية المهشمة والمدمرة التي تتقدم بوابة المتحف الحربي الموجود ضمن المقبرة. ولعله أسلوب سياحي لاستقطاب أكبر عدد من الزوار، كما ترى الطالبة في المرحلة الإعدادية معصومة رضائي، 17 سنة، في حديثها لـ"نيوزماتيك" ان "وضع الآلات الحربية يهدف الى جذب الزوار فقط وتشجعيهم على السير بين قبور الموتى، ومطالعة ما فيها من مراث، والعودة بهم إلى إنجازات الثورة، بالحفاظ على أرواح الشهداء".

وترى رضائي أن "لا نتذكر الحرب، بل ينبغي ان نعيش حياتنا اليوم، وإن كانت هناك جمالية للأشياء فهي في كونها تعود الى عهد قديم، نمرح ونلهو عندها ولا حاجة لنا بما يقوله الآخرون، لسنا مجبرين على أن نتذكر معهم الحرب".



ورد وفوانيس

تصطف القبور في "بهشت زهراء" بنسق موحد، وعلاماتها الدالة تبدو واحدة في كل قطعة من حيث الشكل وإن اختلفت تفاصيلها. بعض تلك القبور وضعت على مقدمتها صور لأصحابها نقشت على زجاج شفاف، وأخرى حملت فوانيس حمرا، بعد أن كتب عليها كلمة "كمنام"، وتعني بالعربية "مجهول الاسم".

يقول العامل في المقبرة، أحمد سميعي، 57 سنة، لـ"نيوزماتيك" إن "بعض تلك القبور تضم رفات جيء بها من الأماكن الحدودية بين العراق وإيران، وهي لا تحمل أسماء أصحابها فكتب عليها عبارة مجهول الاسم"، مبيناً "نحن نضع الفوانيس على تلك القبور، أو نضع عليها وردة حمراء، وهي دلالات على عدم معرفتنا باسم صاحب القبر".

ويضيف سميعي ان "الناس هنا يواصلون زياراتهم لتلك القبور، وهم لا يفرقون بين قبر معروف الاسم وقبر مجهول الاسم. كثيرون يأتون يوم الخميس لزيارة قبور مجهولة الاسم".

ويستذكر سميعي "في أيام الحرب كنا نعتمد على القرص الذي يحمله المقاتل في رقبته، ويسمى، قرص بلاك، ويعني قرص العنوان، وحين تعود لنا جثث القتلى مفحمة أو مقطعة أو أشلاء نميزها عن طريق القرص، أما الجثث التي لا تحمل قرصاً فيصار إلى دفنها، ويكتب عليها مجهولة الاسم".



قبور عراقية

ويرى سميعي ان "القبور لا تعرف جنسيات أصحابها، هنا الكثير من جنسيات مختلفة، يرقدون، جنباً إلى جنب، ربما توحدوا في الهدف، وربما اختلفوا، لكن مصيرهم أصبح واحدا".

قد تعثر بين تلك القبور المتناثرة على بعض القبور التي تعود لعراقيين اشتركوا في الحرب الى جانب إيران مثل قبر جمال صديق، 23 سنة، أو محمد علي حسيني، وهو اسم مستعار على ما يبدو، وقد كُتب على قبره الذي علته صورة له تجمعه مع إيرانيين التقطت في الجبهة "المقاتل الشهيد المجاهد العراقي"، وذيلت الكتابة بعهود بالتضحية قطعها الراحل على نفسه.

يقول مهدي نوري، 53 سنة، لـ"نيوزماتيك" "جمال صديق هو ابن خالتي، قتل بعد إصابته عام 1982. كان حريصاً على أن يكون في طليعة الإيرانيين المقاتلين ضد الجانب العراقي، يومها لم يكن هناك فارق بين عراقي وإيراني، كان الجميع منهمكين في هم واحد يدعى الحرب".

ويؤكد نوري، الذي هجّر مع أسرته عام 1980 من العراق إلى إيران، "نحن نزور قبر صديق باستمرار، ولا نستشعر فرقاً بينه وبين الآخرين في هذه المقبرة".

لكن أحمد الصفار، الذي يسكن في منطقة دولت آباد من العاصمة طهران، لا يرى ضرورة للافتخار بالعراقيين الذين خاضوا الحرب الى جانب إيران. ويوضح "من غير الصحيح أن يتفاخر بعض العراقيين بخوضهم الحرب الى جانب إيران، لأننا نعلم ان الإيرانيين لن يقيموا لنا احتراماً على خوضنا الحرب ضد بلدنا".

ويستدرك الصفار "صحيح ان خوض الحرب شأنٌ شخصي وعقائدي، لكن الاشتراك في حرب ضد بلدنا الأم مشكلة كبيرة"، مبيناً "بالرغم من إننا نسكن في إيران، ولا نتعرض لأي ضغوط لكني لا أرى ضرورة أن أخوض حرباً ضد العراق، ولو اقتضى الأمر فالسكوت أولى بنا كعراقيين. لا نستطيع أن ننكر جذورنا وإخواننا هناك، ولن نتنكر لإيران في استضافتنا على أرضها".



نصب تذكارية

ما يلفت الزائرين في مقبرة "بهشت زهراء" احتضانها لقبور رمزية ونصب تذكارية وجداريات لأشخاص أثاروا خلافا في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية. فعلى شارع المقبرة الرئيسي تبرز لوحة للمصري خالد الإسلامبولي الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات، وقد ذيلت بعبارات حملت توقيعه مؤداها "ان الحاكم طغى وتكبر ولا خلاص للأمة إلا بقتله.. خالد بن أحمد شوقي الإسلامبولي". إلى جانب اللوحة قبران رمزيان الأول للبنانيين اللذين فجرا نفسيهما عام 1983عند موقعين للجنود الأمريكيين والفرنسيين في جنوب وغرب العاصمة اللبنانية بيروت، والثاني للقيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في شباط من العام الماضي، وقد كتب عليه "التلميذ الصادق للإمام الخميني".

ولا تثير تلك القبور الرمزية فضول الإيرانيين لكن بعضهم يطالب "باحتضان الحركات الثورية والمناضلين في سبيل استقلال شعوبهم"، مثل مصطفى نمكي، 54 سنة، إذ يقول لـ"نيوزماتيك" "لكل الشعوب الحق في النضال من جل حقوقها، ويجب مساعدة تلك الشعوب وتهيئة الأرضية المناسبة لنيل استقلالها".

ويضيف نمكي ان "وضع نصب لأولئك الثوار شيء قليل، بل يجب أن نسير على ما ساروا عليه ونواصل طريقهم". لكن محمد أردبيلي، 49 سنة، وهو مدير شركة للتكييف يقول "إعلان الشعوب أنها حركات مناضلة ليس مسوغا كافيا لدعمها، قد تكون هناك أهداف شخصية لبعض القادة تدفع بمئات الناس الى الحرب والجحيم وقد يكون الأمر نضالاً حقيقيا".

ويشدد اردبيلي على أن "دعم تلك الحركات يعطي للآخرين مبرراً أن يدعموا جميع الحركات المناهضة لنا ويسلب منا حجة الاعتراض"، معبراً عن تحفظه على وجود "النصب والتماثيل واللوحات التي تشكل موقفاً سياسياً ضد بعض البلدان" على حد تعبيره.

يذكر ان الحرب العراقية الإيرانية اندلعت في أيلول 1980 واستمرت لغاية آب 1980. واعتبرت تلك الحرب من أطول الحروب التقليدية في القرن العشرين، وراح ضحيتها قرابة المليون شخص من الجانبين، فيما قدرت خسائرها الاقتصادية بأكثر من تريليون دولار أميركي.

وكالة نيوزماتيك