MOTRQB_D313
07-01-2008, 04:11 PM
أفكار في سلاح الإمام المهدي عليه السلام عند الظهور(1)
الأستاذ: حسن عبد الأمير الظالمي
محرر في مجلة الإنتظار
تؤكد الآيات الكريمة أن الله عز وجل سيظهر دينه على الأديان كافة ولو كره المشركون، ولما كان الدين الإسلامي لم يسع المعمورة كلها فلا بد من ظهور المنقذ الذي يحقق هذا الوعد قال تعالى: ((هوَ الذي أرسلَ رسولـَه بالهـُدى ودين ِ الحقِ ِ ليظهرَهُ على الدين ِ كله ِ ولو كرهَ المشركون))(2)، ثم الوعد الإلهي الذي قطعه الله على نفسه بإنه سيورث الأرض عباده الصالحين، قال تعالى: ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون))(3) ولا شك أن الأرض منذ أن سـُكنت كان عبادُ الله فيها هم المستضعفون والمطاردون.
ففي الخطاب القرآني دلالات كافية وتأكيد إلهي ووعد صادق من الله تعالى بإقامة دولة إلهية عالمية تسود المعمورة يحكم بها المؤمنون الأرض وفق شريعة السماء لتكون نموذجاً لتطبيق الإرادة الإلهية، ومن أصدقُ من الله في تنفيذ وعده؟
الفصل الأول: حالات إنتصار الإمام عليه السلام
أما كيف يتحقق هذا الوعد الإلهي بنصرة الإمام المهدي عليه السلام وتنفيذ مشروعه العالمي فهناك ثلاث أطروحات:
الأولى: إنه ينتصر بطريق الإعجاز الإلهي:
وتتلخص هذه الاطروحة بان الله سبحانه وهو القادر على كل شيء قد وعد خليفته بالنصر في آيات كثيرة، وهو قادر على نصره بأية طريقة كانت، وتمكينه من بسط سلطانه على الأرض، وذلك بأن يحصل على الأسلحة بطريق المعجزة، وإن الأسلحة الحديثة لا تعمل ضده، وإن الأعداء سوف يصرفهم الله عن إستنتاج الطرق المؤثرة عليه.
وهذا الرأي مخالف لقاعدة (ناموسية السنن الإلهية) كما يقول الشيخ محمد السند، ويضيف (إن أي تغيير ليس إيحاءً ولا إعجازاً على قاعدة كن فيكون وإنما هو أمر بين أمرين، جانب من البشر، وجانب من التأييد الإلهي).(4)
ويقول السيد محمد الصدر ( إذا آمنا بالمعجزة فإن ظهوره يكون لا معنى له) إستناداً إلى قوله تعالى: ( ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً) ويضرب الأمثلة التي تدلل على إمتناع المعجز في إنجاز الحركة فيقول ( لو أمكن سيطرة الإمام المهدي عليه السلام على العالم لأمكن لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير منه أن يسيطر على العالم بطريق المعجزة، ولانتصر الحسين عليه السلام على جيش الكوفة، ولأمكن إنجاز الوعد الإلهي بأسرع ما يمكن، فتأخيره وإمتداد الظلم، ظلم للبشرية>.(5) ويقول كامل سليمان في اليوم الموعود (إننا لا نحكي حكايا عجائز فنصور إمامنا يسيطر على أعدائه بالدعاء على الظالمين فيقف دعاؤه في وجه مدافع أعدائه وقذائفهم وصواريخهم ومدمراتهم ووسائل حربهم المفنية).(6) ولعلّ هؤلاء يستندون إلى رواية عن الإمام الباقر عليه السلام قيل: قلت لأبي جعفر عليه السلام إنهم يقولون: إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يريق ملء محجمةٍ دماً، فقال: (كلاّ والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق) (أي الدم): ثم مسح جبهته)،(7) ثم أن الروايات التي تصف عصر الظهور تتحدث عن معارك يخوضها الإمام في مكة والمدينة والكوفة ودمشق وفلسطين مع جيوش السفياني واليهود والروم، فإذا كانت المعجزة هي التي تحقق النصر للإمام فلا داعي لمثل هذه المعارك، ونعود إلى قول السيد محمد الصدر بهذا الصدد ( لا يمكن الإلتزام بإن سيطرة المهدي عليه السلام على العالم تكون بطريق إعجازي).(8)
الأطروحة الثانية:
وهذه تقول: إن الله سبحانه يريد أن ينتصر الإمام المهدي بالقوانين الطبيعية، دون مساعدة القدرة الإلهية. وهذا الرأي لا يمكن الإعتماد عليه أيضاً، بالرغم من صحة القول بإن السير على طبق القوانين الطبيعية هو الإسلوب العام في ثورة الإمام المهدي عليه السلام، ولكن الاعتقاد بعدم وجود تأييد إلهي، وإن الإمام يواجه العالم بقدراته الذاتية وما له من الأنصار، ويقاتل الدول العظمى ذات الأسلحة الفتاكة وترسانات الأسلحة الحديثة اعتقاد لا يمكن قبوله، ومن أين لشخص يدخل مكة وحيداً فيصبح بعد أيام سيداً للعالم بلا منازع بقدرات ذاتية دون تأييد إلهي، وهذا لا يمكن التسليم به، سيّما وإننا نجد التأييد الإلهي الواضح في مراحل حركة الإمام الثلاث وهي:
أ ـ التاريخ السابق على خروج الإمام من ظهور الممهدين والمؤيدين ودعوتهم له وتأييدهم لدولته.
ب ـ التأييد الإلهي في وقت ظهوره المبارك من إجتماع أنصاره في مكة من كل مكان والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني ونزول عيسى عليه السلام من السماء وإنتصاره في الحروب كلها.
ج ـ سيطرته على العالم أجمع ولم يتحقق ذلك على طول التاريخ البشري.
الأطروحة الثالثة: وهي أن الإمام المهدي عليه السلام ينتصر بقوة جيشه وحداثة سلاحه ورجاله المحاربين الأشداء مع وجود التأييد الإلهي. ويشرح السيد محمد باقر الصدر أصل الفكرة فيقول: (تتميز عمليات التغيير الإجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بإنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية، لأن الرسالة التي تعتمدها هنا عملية تغيير ربانية ومن صنع السماء، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية، وهذا لا يمنع من تدخل الله سبحانه أحياناً فيما يخص بعض التفاصيل، ومن ذلك الإمدادات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة يحمي بها الرسالة كما في خمود نار نمرود وشل اليد الغادرة التي أرتفعت بالسيف على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها.
وعلى ضوء ذلك، والكلام للسيد الصدر: ندرس قضية الإمام المهدي لنجد أن عملية التغيير التي أُعِـدَ لها ترتبط من الناحية التنفيذية بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، كما وإن رسالة الإمام التي إدّخره الله لها وهي تغيير العالم تغييراً شاملاً لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإنما تتطلب مناخاً مساعداً لهذه الظروف الموضوعية.(9)
وهذا الرأي هو ما ذهب إليه الشيخ محمد السند بقوله ( إن حركة الإمام ليست سنّة إلهية لوحدها، وليست إعجازاً إلهياً لوحده، بل هي حركة وفق السنن الطبيعية زائداً التأييد الإلهي).(10)
فإذا سلمنا بالحالة الثالثة التي تعتمد طرفي المعادلة وهو الرأي الوسط، كان لا بد لنا أن ندرس صور التأييد الإلهي في حركة الإمام ثم نأتي إلى عوامل إنتصاره الذاتية.
الفصل الثاني: صور التأييد الإلهي لحركة الإمام عليه السلام
1 ـ التمهيد لظهور الإمام: ويمكن أن نلمس التأييد الإلهي في العصر السابق لظهور الإمام فيما يلي:
أ ـ إضعاف الدول وإنهاء ترسانات الأسلحة لكي يظهر الإمام على أرضية سهلة من البشر غير قادرة على المقاومة الشديدة عسكرياً، ويتجلى ذلك واضحاً في الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته التي تنبئ عن إنحطاط الدول وضعف ترسانة الأسلحة لديها، أما ضعف الأسلحة فهو وارد في إحتمالين:
الأول: إحتمال توصل الدول الكبرى إلى معاهدات للقضاء على الأسلحة النووية ومنع إنتشارها، كما حدث بين أمريكا والإتحاد السوفيتي المنحل أو إلغاء تلك الأسلحة، وهذا إحتمال ضعيف خاصة وأن الدول الكبرى لم تلتزم بتلك المعاهدات وأن البعض لم يوقّع عليها، وما معاهدات سالت / 1 وسالت / 2 إلا مثال على عدم جدوى ذلك الإحتمال حيث لم تطبق نهائياً.
الثاني: إحتمال أن تدمر هذه الأسلحة بقيام حرب عالمية ثالثة بين الدول التي تمتلك تلك الأسلحة ! يقول السيد محمد باقر الصدر: (هناك إفتراض أساسي بالإمكان قبوله على ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه، والتجارب التي لوحظت في عمليات التغيير الكبرى في التاريخ، وهو إفتراض ظهور نكسة وأزمة حضارية خانقة، وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تمتد وتهيئ الجو النفسي لقبولها، وليست هذه النكسة مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية، وإنما هي نتيجة تناقضات التاريخ المنقطع عن الله، فتشتعل النار التي لا تبقي ولا تذر ويبرز النور في تلك اللحظة ليطفئ النار ويقيم على الأرض عدل السماء).(11) وقيام حرب عالمية تدمر فيها ترسانات الأسلحة وارد جداً إستناداً إلى الأدلة الآتية:
أولاً ـ إشارة إلى الوعيد الإلهي بتدمير الحضارة عند أخذ الأرض زينتها، تقول الآية الكريمة ((حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الأَْرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَْمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآْياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)).(12)
ب ـ الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته التي تخبر بوقوع حرب مدمرة تُـفني ثلثي العالم ومن هذه الروايات:
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (لا يخرج المهدي حتى يقتل من كل تسعة سبعة).(13)
قال الصادق عليه السلام (قدام القائم موتان: موت أحمر وموت أبيض حتى يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض: الطاعون).(14)
وقال الصادق عليه السلام (لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا العالم، قيل له: إذا ذهب ثلثا العالم فمن يبقى ؟ قال: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي).(15) والروايات بهذا الصدد كثيرة.
ج ـ تنبؤ بعض المفكرين الغربيين بزوال الحضارة، يقول برناردشو بعد أن سُـئل عن الحرب العالمية الثالثة: إن هذا لا أعلمُـه ولكن الحرب الرابعة ستكون بالعصي والحجارة.(16) دليل التدمير الشامل.
وهذا الإحتمال أقرب إلى الوقوع حيث تتجه الدول إلى تكديس الأسلحة النووية والذرية وغيرهما وأن وقوع الحرب يؤدي إلى تلف هذه الأسلحة وإلى دمار شامل للدول والشعوب المالكة لها سيّما وإنها دول معادية للإسلام، فلا يبقى إلى الثلث المؤمن.
ثانياً: إنهيار كافة النظريات المادية عند التطبيق: ومن معالم التأييد الإلهي للإمام المهدي عليه السلام قبل ظهوره هو إنهيار كافة النظريات المادية البشرية عند التطبيق، يقول الإمام الصادق عليه السلام: لا يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا ولّوا على الناس حتى يقول القائل: إنا لو ولينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل)(17) ، ويقول السيد محمد باقر الصدر: (من الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالإحباط عاملاً أساسياً في خلق المناخ المناسب لتحقيق رسالة العدل الجديد).(18)
و إن فشل الأنظمة السابقة على الظهور، وإتضاح زيفها، وظلمها للبشرية، وتهاوي الأطروحات التي تعرض نفسها بإنها تنقذ البشرية من الظلم، كما رحل الفكر الشيوعي وأنحسر عن قارة أوروبا وأجزاء من قارة آسيا، وبهذا تنتظر البشرية المبدأ المؤهل لإسعادها.
ثالثاً: التأييد الإلهي بالممهدين للظهور:
ومن أجل أن تكتسب القضية المهدوية عوامل إنتصارها فإن الإرادة الإلهية تهيئ أسباب ذلك الإنتصار بالتمهيد له، وطرق التمهيد كثيرة منها ما يتعلق بتهيئة وسائل مادية صرفة، كما يقول السيد محمد باقر الصدر (إن شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة على إستقبال حركة الإمام المهدي عليه السلام)(19) ، ويقول الشيخ محمد السند (إن العولمة إعداد مهدوي والحداثة إعداد مهدوي، والعدالة والسلم ونبذ الإرهاب والمطالبة بحقوق الإنسان كلها عوامل تأهيل بشري لإستقبال دولة الإمام المهدي عليه السلام).(20)
أما على الصعيد العسكري، فإن الروايات تؤكد ظهور دول تمهد لحركة الإمام ربما تكون عن طريق أحزاب سياسية أو قوى عسكرية أو أنظمة تتسلم السلطة في دول مختلفة من الشرق الأوسط تطلق عليها الروايات (الرايات) فهناك راية الخراساني من الشرق، وراية اليماني من اليمن وراية السيد الهاشمي في العراق والذين يقيمون دولاً تمهد لحركة ظهور الإمام.
الفصل الثالث: الإنتصار العسكري في عصر الظهور
لعل مع كل هذه العوامل التي تمهد لظهور المنقذ , وتهاوي الأنظمة الظالمة, وفشل الأنظمة الفكرية والمعارك الرهيبة التي يمكن أن تقع بين الدول, وبعد تهيئة الأرضية الصالحة لإستقبال الإمام بظهور الرايات الموطئة لخروجه، لعل مع كل هذا من قيام الإمام بحركة عسكرية منظمة، وجيش مجهز بأحدث الأسلحة المتطورة وأجهزة تقنية عالية تصاحب الآلة العسكرية، وجنود مؤمنين بالرسالة ومضحين من أجلها، وقائد محنك له خبرة عالية بالقتال وأدارة عسكرية متطورة، فلعل كل هذه العوامل هي مفردات الإنتصار العسكري على الأرض، وتحقيق الإرادة القوية، ونشر الهداية في عالم. وهذا ما نراه واضحاً في الروايات التي تتحدث عن عصر الظهور من معارك يخوضها جيش الإمام في مكة والمدينة والكوفة والشام، وإرسال الجيوش البحرية إلى قسطنطينية وروما لخوض المعارك وفتحها، وإرسال الجيوش إلى دول العالم لنشر شريعة السماء فيها , كل هذا بإدارة قائد محنك وقادة معينون يبلغ عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر قائداً يحيط بهم أنصار يصل تعدادهم إلى عشرة آلاف ثم مئات الآلاف ثم الملايين. وهذه المعارك واقعة إستناداً إلى تلك الروايات التي تتحدث عن شرف الإستشهاد بين يدي الإمام، قال الصادق عليه السلام (من أدرك قائمنا فقُـتل معه كان له أجرُ شهيدين، ومن قـَتـَل معه عدواً كان له أجر عشرين شهيداً).(21) وفي الأدعية المأثورة عن أهل البيت يأتي دعاء (اللهم فكما جعلت قلبي بذكره معموراً فإجعل سلاحي بنصرته مشهوراً).(22)
ونبحث عوامل الإنتصار العسكري للإمام المهدي في الفقرات التالية:
أولاً: التأييد الإلهي في المعارك ويظهر جلياً فيما يلي:
أ ـ التأييد بالملائكة: لقد وردت روايات تؤكد هذا المعنى وأن الله سبحانه وتعالى يمده بالملائكة المسومين المهيئين للقتال، قال الإمام الباقر عليه السلام (لو خرج قائم آل محمد لـَـنَصَرَهُ الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره والرعب مسيره أمامه)(23) ، وقال الصادق عليه السلام (يؤيده الله بثلاث أجناد: الملائكة والمؤمنين والرعب).(24)
ب ـ تسهيل الصعاب التي تعترضه: إذا عرفنا أن الجهاد العسكري فيه من المشاق ما لا يحتمل ومن الصعاب ما لا يطاق كان التأييد الإلهي في هذا المجال مطلوباً، وهو ما تتحدث عنه الرواية، عن الصادق عليه السلام يقولإذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض وخفض له كل مرتفع حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته).(25)
ج ـ النداء السماوي بإسمه: وهو ما تسميه الروايات بالصيحة أو الفزعة التي تفزع النائم وتخرج العذراء من خدرها، وهي دعوة للمؤمنين للتهيؤ والإستعداد لنصرته، ولإثارة الرعب في قلوب أعدائه، وتكون الصيحة في السماء ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، يقول الباقر عليه السلام (ثم يصيح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي يُـسمع من في السماوات والأرض يا معشر الخلائق هنا مهدي آل محمد قد خرج فإتبعوه ولا تخالفوا أمره).(26) وعين الشمس كناية عن وسائل الإتصال الحديثة والفضائيات.
د ـ عنصر المباغتة في التوقيت: وعنصر المباغتة له الأثر الكبير في أي إجراء عسكري، لذا جعل الله سبحانه أمر وليه غير محدد بوقت معلوم، وجاء التأكيد من أئمة أهل البيتk بأنه (كذب الوقاتون)، قال أمير المؤمنين عليه السلام: يخرج المهدي على حين غفلة من الناس).(27) وقال المهدي عليه السلام: إن أمرنا بغتة.
ثانياً: تدخل الإعجاز الإلهي المباشر في المعارك: لقد ورد في مراحل البحث أن الإمام عليه السلام يستند إلى السنن الطبيعية في الجهاد، وإلى النصر والتأييد الإلهي في بعض المراحل، وهذا التأييد الإلهي نجده واضحاً في مراحل حركة الإمام العسكرية بما يأتي:
أ ـ الخسف في البيداء: وهو من علامات التأييد الإلهي واضحة المعالم، فالروايات تشير إلى إنه بعد ظهور الإمام في مكة وإستيلائه عليها يستنجد أمراء الحجاز بجيش السفياني الموجود في المدينة، فيتحرك الجيش للقضاء على حركة الإمام فيخسف الله بهم الأرض كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصف جيش السفياني (ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبرئيل فيقول: يا جبرئيل إذهب فأبدهُمْ فيضربها برجله ضربة يُـخسف بهم عندها ولا يفلت إلا رجلان).(28)
ب ـ نزول النبي عيسى عليه السلام من السماء: وهي علامة إعجازية أراد الله بها نصر وليه بأن ينزل النبي عيسى عليه السلام من السماء ليصلي خلف الإمام في المسجد الأقصى، والروايات تتحدث عن تحشيد هائل لليهود والصليبين في فلسطين بحيث يملأون الساحل من العريش إلى إنطاكية ومعهم عشرون ملكاً بكامل أسلحتهم لمقاتلة جيش الإمام فينزل المسيح من السماء ويصلي خلف الإمام عليه السلام فتحدث البلبلة في صفوف الجيش الصليبي فمنهم من يلتحق بالإمام، ومنهم من يترك الحرب، ومنهم من يبقى للقتال. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (منا الذي يصلي أبن مريم خلفه)(29) وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).(30)
الأستاذ: حسن عبد الأمير الظالمي
محرر في مجلة الإنتظار
تؤكد الآيات الكريمة أن الله عز وجل سيظهر دينه على الأديان كافة ولو كره المشركون، ولما كان الدين الإسلامي لم يسع المعمورة كلها فلا بد من ظهور المنقذ الذي يحقق هذا الوعد قال تعالى: ((هوَ الذي أرسلَ رسولـَه بالهـُدى ودين ِ الحقِ ِ ليظهرَهُ على الدين ِ كله ِ ولو كرهَ المشركون))(2)، ثم الوعد الإلهي الذي قطعه الله على نفسه بإنه سيورث الأرض عباده الصالحين، قال تعالى: ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون))(3) ولا شك أن الأرض منذ أن سـُكنت كان عبادُ الله فيها هم المستضعفون والمطاردون.
ففي الخطاب القرآني دلالات كافية وتأكيد إلهي ووعد صادق من الله تعالى بإقامة دولة إلهية عالمية تسود المعمورة يحكم بها المؤمنون الأرض وفق شريعة السماء لتكون نموذجاً لتطبيق الإرادة الإلهية، ومن أصدقُ من الله في تنفيذ وعده؟
الفصل الأول: حالات إنتصار الإمام عليه السلام
أما كيف يتحقق هذا الوعد الإلهي بنصرة الإمام المهدي عليه السلام وتنفيذ مشروعه العالمي فهناك ثلاث أطروحات:
الأولى: إنه ينتصر بطريق الإعجاز الإلهي:
وتتلخص هذه الاطروحة بان الله سبحانه وهو القادر على كل شيء قد وعد خليفته بالنصر في آيات كثيرة، وهو قادر على نصره بأية طريقة كانت، وتمكينه من بسط سلطانه على الأرض، وذلك بأن يحصل على الأسلحة بطريق المعجزة، وإن الأسلحة الحديثة لا تعمل ضده، وإن الأعداء سوف يصرفهم الله عن إستنتاج الطرق المؤثرة عليه.
وهذا الرأي مخالف لقاعدة (ناموسية السنن الإلهية) كما يقول الشيخ محمد السند، ويضيف (إن أي تغيير ليس إيحاءً ولا إعجازاً على قاعدة كن فيكون وإنما هو أمر بين أمرين، جانب من البشر، وجانب من التأييد الإلهي).(4)
ويقول السيد محمد الصدر ( إذا آمنا بالمعجزة فإن ظهوره يكون لا معنى له) إستناداً إلى قوله تعالى: ( ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً) ويضرب الأمثلة التي تدلل على إمتناع المعجز في إنجاز الحركة فيقول ( لو أمكن سيطرة الإمام المهدي عليه السلام على العالم لأمكن لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير منه أن يسيطر على العالم بطريق المعجزة، ولانتصر الحسين عليه السلام على جيش الكوفة، ولأمكن إنجاز الوعد الإلهي بأسرع ما يمكن، فتأخيره وإمتداد الظلم، ظلم للبشرية>.(5) ويقول كامل سليمان في اليوم الموعود (إننا لا نحكي حكايا عجائز فنصور إمامنا يسيطر على أعدائه بالدعاء على الظالمين فيقف دعاؤه في وجه مدافع أعدائه وقذائفهم وصواريخهم ومدمراتهم ووسائل حربهم المفنية).(6) ولعلّ هؤلاء يستندون إلى رواية عن الإمام الباقر عليه السلام قيل: قلت لأبي جعفر عليه السلام إنهم يقولون: إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يريق ملء محجمةٍ دماً، فقال: (كلاّ والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق) (أي الدم): ثم مسح جبهته)،(7) ثم أن الروايات التي تصف عصر الظهور تتحدث عن معارك يخوضها الإمام في مكة والمدينة والكوفة ودمشق وفلسطين مع جيوش السفياني واليهود والروم، فإذا كانت المعجزة هي التي تحقق النصر للإمام فلا داعي لمثل هذه المعارك، ونعود إلى قول السيد محمد الصدر بهذا الصدد ( لا يمكن الإلتزام بإن سيطرة المهدي عليه السلام على العالم تكون بطريق إعجازي).(8)
الأطروحة الثانية:
وهذه تقول: إن الله سبحانه يريد أن ينتصر الإمام المهدي بالقوانين الطبيعية، دون مساعدة القدرة الإلهية. وهذا الرأي لا يمكن الإعتماد عليه أيضاً، بالرغم من صحة القول بإن السير على طبق القوانين الطبيعية هو الإسلوب العام في ثورة الإمام المهدي عليه السلام، ولكن الاعتقاد بعدم وجود تأييد إلهي، وإن الإمام يواجه العالم بقدراته الذاتية وما له من الأنصار، ويقاتل الدول العظمى ذات الأسلحة الفتاكة وترسانات الأسلحة الحديثة اعتقاد لا يمكن قبوله، ومن أين لشخص يدخل مكة وحيداً فيصبح بعد أيام سيداً للعالم بلا منازع بقدرات ذاتية دون تأييد إلهي، وهذا لا يمكن التسليم به، سيّما وإننا نجد التأييد الإلهي الواضح في مراحل حركة الإمام الثلاث وهي:
أ ـ التاريخ السابق على خروج الإمام من ظهور الممهدين والمؤيدين ودعوتهم له وتأييدهم لدولته.
ب ـ التأييد الإلهي في وقت ظهوره المبارك من إجتماع أنصاره في مكة من كل مكان والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني ونزول عيسى عليه السلام من السماء وإنتصاره في الحروب كلها.
ج ـ سيطرته على العالم أجمع ولم يتحقق ذلك على طول التاريخ البشري.
الأطروحة الثالثة: وهي أن الإمام المهدي عليه السلام ينتصر بقوة جيشه وحداثة سلاحه ورجاله المحاربين الأشداء مع وجود التأييد الإلهي. ويشرح السيد محمد باقر الصدر أصل الفكرة فيقول: (تتميز عمليات التغيير الإجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بإنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية، لأن الرسالة التي تعتمدها هنا عملية تغيير ربانية ومن صنع السماء، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية، وهذا لا يمنع من تدخل الله سبحانه أحياناً فيما يخص بعض التفاصيل، ومن ذلك الإمدادات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة يحمي بها الرسالة كما في خمود نار نمرود وشل اليد الغادرة التي أرتفعت بالسيف على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها.
وعلى ضوء ذلك، والكلام للسيد الصدر: ندرس قضية الإمام المهدي لنجد أن عملية التغيير التي أُعِـدَ لها ترتبط من الناحية التنفيذية بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، كما وإن رسالة الإمام التي إدّخره الله لها وهي تغيير العالم تغييراً شاملاً لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإنما تتطلب مناخاً مساعداً لهذه الظروف الموضوعية.(9)
وهذا الرأي هو ما ذهب إليه الشيخ محمد السند بقوله ( إن حركة الإمام ليست سنّة إلهية لوحدها، وليست إعجازاً إلهياً لوحده، بل هي حركة وفق السنن الطبيعية زائداً التأييد الإلهي).(10)
فإذا سلمنا بالحالة الثالثة التي تعتمد طرفي المعادلة وهو الرأي الوسط، كان لا بد لنا أن ندرس صور التأييد الإلهي في حركة الإمام ثم نأتي إلى عوامل إنتصاره الذاتية.
الفصل الثاني: صور التأييد الإلهي لحركة الإمام عليه السلام
1 ـ التمهيد لظهور الإمام: ويمكن أن نلمس التأييد الإلهي في العصر السابق لظهور الإمام فيما يلي:
أ ـ إضعاف الدول وإنهاء ترسانات الأسلحة لكي يظهر الإمام على أرضية سهلة من البشر غير قادرة على المقاومة الشديدة عسكرياً، ويتجلى ذلك واضحاً في الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته التي تنبئ عن إنحطاط الدول وضعف ترسانة الأسلحة لديها، أما ضعف الأسلحة فهو وارد في إحتمالين:
الأول: إحتمال توصل الدول الكبرى إلى معاهدات للقضاء على الأسلحة النووية ومنع إنتشارها، كما حدث بين أمريكا والإتحاد السوفيتي المنحل أو إلغاء تلك الأسلحة، وهذا إحتمال ضعيف خاصة وأن الدول الكبرى لم تلتزم بتلك المعاهدات وأن البعض لم يوقّع عليها، وما معاهدات سالت / 1 وسالت / 2 إلا مثال على عدم جدوى ذلك الإحتمال حيث لم تطبق نهائياً.
الثاني: إحتمال أن تدمر هذه الأسلحة بقيام حرب عالمية ثالثة بين الدول التي تمتلك تلك الأسلحة ! يقول السيد محمد باقر الصدر: (هناك إفتراض أساسي بالإمكان قبوله على ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه، والتجارب التي لوحظت في عمليات التغيير الكبرى في التاريخ، وهو إفتراض ظهور نكسة وأزمة حضارية خانقة، وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تمتد وتهيئ الجو النفسي لقبولها، وليست هذه النكسة مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية، وإنما هي نتيجة تناقضات التاريخ المنقطع عن الله، فتشتعل النار التي لا تبقي ولا تذر ويبرز النور في تلك اللحظة ليطفئ النار ويقيم على الأرض عدل السماء).(11) وقيام حرب عالمية تدمر فيها ترسانات الأسلحة وارد جداً إستناداً إلى الأدلة الآتية:
أولاً ـ إشارة إلى الوعيد الإلهي بتدمير الحضارة عند أخذ الأرض زينتها، تقول الآية الكريمة ((حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الأَْرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَْمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآْياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)).(12)
ب ـ الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته التي تخبر بوقوع حرب مدمرة تُـفني ثلثي العالم ومن هذه الروايات:
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (لا يخرج المهدي حتى يقتل من كل تسعة سبعة).(13)
قال الصادق عليه السلام (قدام القائم موتان: موت أحمر وموت أبيض حتى يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض: الطاعون).(14)
وقال الصادق عليه السلام (لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا العالم، قيل له: إذا ذهب ثلثا العالم فمن يبقى ؟ قال: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي).(15) والروايات بهذا الصدد كثيرة.
ج ـ تنبؤ بعض المفكرين الغربيين بزوال الحضارة، يقول برناردشو بعد أن سُـئل عن الحرب العالمية الثالثة: إن هذا لا أعلمُـه ولكن الحرب الرابعة ستكون بالعصي والحجارة.(16) دليل التدمير الشامل.
وهذا الإحتمال أقرب إلى الوقوع حيث تتجه الدول إلى تكديس الأسلحة النووية والذرية وغيرهما وأن وقوع الحرب يؤدي إلى تلف هذه الأسلحة وإلى دمار شامل للدول والشعوب المالكة لها سيّما وإنها دول معادية للإسلام، فلا يبقى إلى الثلث المؤمن.
ثانياً: إنهيار كافة النظريات المادية عند التطبيق: ومن معالم التأييد الإلهي للإمام المهدي عليه السلام قبل ظهوره هو إنهيار كافة النظريات المادية البشرية عند التطبيق، يقول الإمام الصادق عليه السلام: لا يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا ولّوا على الناس حتى يقول القائل: إنا لو ولينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل)(17) ، ويقول السيد محمد باقر الصدر: (من الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالإحباط عاملاً أساسياً في خلق المناخ المناسب لتحقيق رسالة العدل الجديد).(18)
و إن فشل الأنظمة السابقة على الظهور، وإتضاح زيفها، وظلمها للبشرية، وتهاوي الأطروحات التي تعرض نفسها بإنها تنقذ البشرية من الظلم، كما رحل الفكر الشيوعي وأنحسر عن قارة أوروبا وأجزاء من قارة آسيا، وبهذا تنتظر البشرية المبدأ المؤهل لإسعادها.
ثالثاً: التأييد الإلهي بالممهدين للظهور:
ومن أجل أن تكتسب القضية المهدوية عوامل إنتصارها فإن الإرادة الإلهية تهيئ أسباب ذلك الإنتصار بالتمهيد له، وطرق التمهيد كثيرة منها ما يتعلق بتهيئة وسائل مادية صرفة، كما يقول السيد محمد باقر الصدر (إن شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة على إستقبال حركة الإمام المهدي عليه السلام)(19) ، ويقول الشيخ محمد السند (إن العولمة إعداد مهدوي والحداثة إعداد مهدوي، والعدالة والسلم ونبذ الإرهاب والمطالبة بحقوق الإنسان كلها عوامل تأهيل بشري لإستقبال دولة الإمام المهدي عليه السلام).(20)
أما على الصعيد العسكري، فإن الروايات تؤكد ظهور دول تمهد لحركة الإمام ربما تكون عن طريق أحزاب سياسية أو قوى عسكرية أو أنظمة تتسلم السلطة في دول مختلفة من الشرق الأوسط تطلق عليها الروايات (الرايات) فهناك راية الخراساني من الشرق، وراية اليماني من اليمن وراية السيد الهاشمي في العراق والذين يقيمون دولاً تمهد لحركة ظهور الإمام.
الفصل الثالث: الإنتصار العسكري في عصر الظهور
لعل مع كل هذه العوامل التي تمهد لظهور المنقذ , وتهاوي الأنظمة الظالمة, وفشل الأنظمة الفكرية والمعارك الرهيبة التي يمكن أن تقع بين الدول, وبعد تهيئة الأرضية الصالحة لإستقبال الإمام بظهور الرايات الموطئة لخروجه، لعل مع كل هذا من قيام الإمام بحركة عسكرية منظمة، وجيش مجهز بأحدث الأسلحة المتطورة وأجهزة تقنية عالية تصاحب الآلة العسكرية، وجنود مؤمنين بالرسالة ومضحين من أجلها، وقائد محنك له خبرة عالية بالقتال وأدارة عسكرية متطورة، فلعل كل هذه العوامل هي مفردات الإنتصار العسكري على الأرض، وتحقيق الإرادة القوية، ونشر الهداية في عالم. وهذا ما نراه واضحاً في الروايات التي تتحدث عن عصر الظهور من معارك يخوضها جيش الإمام في مكة والمدينة والكوفة والشام، وإرسال الجيوش البحرية إلى قسطنطينية وروما لخوض المعارك وفتحها، وإرسال الجيوش إلى دول العالم لنشر شريعة السماء فيها , كل هذا بإدارة قائد محنك وقادة معينون يبلغ عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر قائداً يحيط بهم أنصار يصل تعدادهم إلى عشرة آلاف ثم مئات الآلاف ثم الملايين. وهذه المعارك واقعة إستناداً إلى تلك الروايات التي تتحدث عن شرف الإستشهاد بين يدي الإمام، قال الصادق عليه السلام (من أدرك قائمنا فقُـتل معه كان له أجرُ شهيدين، ومن قـَتـَل معه عدواً كان له أجر عشرين شهيداً).(21) وفي الأدعية المأثورة عن أهل البيت يأتي دعاء (اللهم فكما جعلت قلبي بذكره معموراً فإجعل سلاحي بنصرته مشهوراً).(22)
ونبحث عوامل الإنتصار العسكري للإمام المهدي في الفقرات التالية:
أولاً: التأييد الإلهي في المعارك ويظهر جلياً فيما يلي:
أ ـ التأييد بالملائكة: لقد وردت روايات تؤكد هذا المعنى وأن الله سبحانه وتعالى يمده بالملائكة المسومين المهيئين للقتال، قال الإمام الباقر عليه السلام (لو خرج قائم آل محمد لـَـنَصَرَهُ الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره والرعب مسيره أمامه)(23) ، وقال الصادق عليه السلام (يؤيده الله بثلاث أجناد: الملائكة والمؤمنين والرعب).(24)
ب ـ تسهيل الصعاب التي تعترضه: إذا عرفنا أن الجهاد العسكري فيه من المشاق ما لا يحتمل ومن الصعاب ما لا يطاق كان التأييد الإلهي في هذا المجال مطلوباً، وهو ما تتحدث عنه الرواية، عن الصادق عليه السلام يقولإذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض وخفض له كل مرتفع حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته).(25)
ج ـ النداء السماوي بإسمه: وهو ما تسميه الروايات بالصيحة أو الفزعة التي تفزع النائم وتخرج العذراء من خدرها، وهي دعوة للمؤمنين للتهيؤ والإستعداد لنصرته، ولإثارة الرعب في قلوب أعدائه، وتكون الصيحة في السماء ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، يقول الباقر عليه السلام (ثم يصيح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي يُـسمع من في السماوات والأرض يا معشر الخلائق هنا مهدي آل محمد قد خرج فإتبعوه ولا تخالفوا أمره).(26) وعين الشمس كناية عن وسائل الإتصال الحديثة والفضائيات.
د ـ عنصر المباغتة في التوقيت: وعنصر المباغتة له الأثر الكبير في أي إجراء عسكري، لذا جعل الله سبحانه أمر وليه غير محدد بوقت معلوم، وجاء التأكيد من أئمة أهل البيتk بأنه (كذب الوقاتون)، قال أمير المؤمنين عليه السلام: يخرج المهدي على حين غفلة من الناس).(27) وقال المهدي عليه السلام: إن أمرنا بغتة.
ثانياً: تدخل الإعجاز الإلهي المباشر في المعارك: لقد ورد في مراحل البحث أن الإمام عليه السلام يستند إلى السنن الطبيعية في الجهاد، وإلى النصر والتأييد الإلهي في بعض المراحل، وهذا التأييد الإلهي نجده واضحاً في مراحل حركة الإمام العسكرية بما يأتي:
أ ـ الخسف في البيداء: وهو من علامات التأييد الإلهي واضحة المعالم، فالروايات تشير إلى إنه بعد ظهور الإمام في مكة وإستيلائه عليها يستنجد أمراء الحجاز بجيش السفياني الموجود في المدينة، فيتحرك الجيش للقضاء على حركة الإمام فيخسف الله بهم الأرض كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصف جيش السفياني (ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبرئيل فيقول: يا جبرئيل إذهب فأبدهُمْ فيضربها برجله ضربة يُـخسف بهم عندها ولا يفلت إلا رجلان).(28)
ب ـ نزول النبي عيسى عليه السلام من السماء: وهي علامة إعجازية أراد الله بها نصر وليه بأن ينزل النبي عيسى عليه السلام من السماء ليصلي خلف الإمام في المسجد الأقصى، والروايات تتحدث عن تحشيد هائل لليهود والصليبين في فلسطين بحيث يملأون الساحل من العريش إلى إنطاكية ومعهم عشرون ملكاً بكامل أسلحتهم لمقاتلة جيش الإمام فينزل المسيح من السماء ويصلي خلف الإمام عليه السلام فتحدث البلبلة في صفوف الجيش الصليبي فمنهم من يلتحق بالإمام، ومنهم من يترك الحرب، ومنهم من يبقى للقتال. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (منا الذي يصلي أبن مريم خلفه)(29) وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).(30)