النهضة اليمانية
06-30-2008, 04:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
شيعتنا الأندر فالأندر
في مقدمة هذا البحث تقدمت بدعوى مضمونها خروج الغالبية العظمى ممن يدعون التشيع من ولاية أهل البيت (ع)، واستدللت هناك بمقابلة الواقع الذي يعيشه الشيعة بالحديث الوارد عن الإمام المهدي (ع) في الرسالة التي بعثها الى الشيخ المفيد، وسأحاول هنا تعزيز استدلالي بأحاديث أخرى وردت عن أهل البيت (ع).
عن الإمام الباقر (ع)، إنه قال: (إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فانبذوه إليهم نبذاً، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكر فذروه، إنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة و وليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين، حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا) (غيبة النعماني 210). هذا الحديث ينص على وجود فتنة أو اختبار قبل قيام القائم (ع) تكون نتيجتها سقوط أكثر الناس، حتى من يشق الشعرة بشعرتين (وهذا التعبير كناية عن الدقة والمعرفة بمجاري الأمور)، ولا يبقى بالنتيجة إلا أهل البيت وشيعتهم. السؤال الآن: كم هم شيعة أهل البيت (ع)، أ هم حقاً عشرات الملايين، بل مئات الملايين الذين يدعون أنهم شيعة لأهل البيت (ع)؟ لنقرأ الحديث الآتي، عن أبي عبدالله (ع) إنه قال: (والله لتُكسرنّ تكسر الزجاج، وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتُكسرنّ تكسر الفخار، وإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، ووالله لتُغربلنّ، ووالله لتُميزنّ، والله لتُمحصنّ حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصعّر كفه) (غيبة النعماني 215). ولنقرأ كذلك هذا الحديث الوارد عن الإمام الرضا (ع): (والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تُمحّصوا وتُميّزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر) (غيبة النعماني 216). أقول واضح إن الأقل، والأندر فالأندر ليسوا ملايين، وليسوا آلافاً، وإذا شئتم الدقة فانظروا في هذا الحديث الوارد عن الصادق (ع)، حين سأله بعض أصحابه قائلاً: (جعلت فداك، إني والله أحبك، وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال له: اذكرهم. فقال: كثير, فقال: تُحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبدالله (ع): أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون... فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون؟ فقال (ع): فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبددهم... الخ) (غيبة النعماني 210- 211). يُفهم من هذا الحديث إنه إذا اكتمل من الشيعة ثلاثمائة وبضعة عشر يتحقق خروج القائم (ع)، وأما الأعداد الغفيرة التي تدّعي التشيع فإن الغربال سيُسقطهم حتماً. وفي حديث آخر يرويه أبو بصير عن الإمام الصادق (ع): (قال أبو عبدالله (ع): لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة. قلت: وكم تكملة الحلقة؟ قال: عشرة آلاف...) (غيبة النعماني320). إذن جيش القائم هم هؤلاء الـ(313+10000). قد تقول إن هؤلاء هم صفوة الشيعة وليسوا كل الشيعة، أقول إن الراوي في حديث (لو كملت العدة الموصوفة ... الخ) يسأل الإمام (ع) قائلاً: (فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون) ومعنى ذلك إنه فهم من العدد الذي ذكره الإمام (ع) إن هؤلاء هم كل الشيعة ومن هنا سأله عن الموقف من الأعداد الكبيرة التي تدعي التشيع، ولو عدت الى سياق الحديث يتأكد لك هذا الفهم. فالراوي يبدأ كلامه بإخبار الإمام (ع) بأن شيعته كثيرون، وأن عددهم أكثر من أن يُحصى، وهنا يأتي قول الإمام (ع): (تُحصيهم) والإستفهام هنا استنكاري، أي إنه (ع) يستنكر أن يكون شيعته كثيرون، ويؤكد هذا قوله (ع): (أما لو كملت العدة... الخ) ومعنى كلام الإمام إنه لو وجد في الشيعة هذا العدد، أي ال(313) لتحقق الفرج لهم، ثم إن الإمام (ع) يخبره أن الأعداد الكبيرة سيجري عليها التمييز والتمحيص والتبديل، وغيرها، وبنتيجة هذه الأمور سينكشف زيف ادعاؤهم، وسيخرجون من دائرة التشيع، فالإمام (ع) في كلمته هذه يبين المصير السيئ للمتشيعة، ولو كان مطلبه الإشارة الى صفوة الشيعة، وإنهم أفضل من الآخرين فقط لا إنهم هم الشيعة والآخرون مدعون لاكتفى بمدح هذه الصفوة دون بيان الموقف النهائي (أؤكد على كلمة النهائي) من الآخرين، لأن بيان الموقف النهائي يوجد مقابلة نوعية بين الفريقين، لا مجرد فرق في الدرجة. ولو كان الأمر مجرد فرق في درجة الإيمان، وأن الآخرين هم بالنتيجة شيعة ولكنهم أضعف إيمانا، لكان – وهذا هو المظنون – توجّه بالنصح لهم، ودعوتهم الى مزيد العمل والتكامل، والله أعلم وأحكم.
ولكي أزيدك ثقة بهذه النتيجة أقترح عليك قراءة هذه الأحاديث الشريفة, عن أبي عبدالله (ع)، إنه قال: (مع القائم (ع) من العرب شئ يسير. فقيل له: إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير. قال: لابد للناس من أن يُميّزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير) (غيبة النعماني212). وعن أبي جعفر (ع): (لتُمحصنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها) (غيبة النعماني214). الحديث الأول يُشبّه التمحيص بالغربال، ونتيجة التمحيص هي بقاء الإنسان على حد الإيمان أو خروجه منه، فالخارجون من الغربال خارجون من حد الإيمان كما هو واضح. ثم أ ليس هذا هو ما ينص عليه الحديث الثاني، اسمع إذن تعليق الشيخ النعماني على الحديث، يقول الشيخ: (أليس هذا دليل الخروج من نظام الإمامة، وترك ما كان يعتقد منها) (الغيبة215). وهذا ينبغي أن يكون واضحاً، فأمرهم (ع) هو الولاية، والخروج من أمرهم خروج منها.
وما ظنك بقوم يتفل بعضهم في وجوه بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ويُكفّر الأخ أخاه.. و.. و.. الى آخر ما ستسمعه الآن، أ ترى هؤلاء أمة مرحومة، يجمعها مبدأ التشيع لآل محمد (ع)؟ عن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسين بن علي (ع) يقول: (لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير. فقال الحسين (ع): الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله) (غيبة النعماني213). وعن أبي عبدالله (ع): (لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل يعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً، وحتى يُسمي بعضكم بعضأ كذابين) (غيبة النعماني214). وعن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين (ع): (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا – وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض -؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير. قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله (ص) فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) (غيبة النعماني214). وعن أمير المؤمنين (ع) : (كونوا كالنحل في الطير... الى قوله (ع): فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يُسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم – أو قال من شيعتي – إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام...) (غيبة النعماني217-218). أقول لعل هذا الحديث الأخير الوارد عن أمير المؤمنين يكفينا مؤونة توضيح المراد من الأحاديث المتقدمة، إذ يتضح منه بجلاء أن الخلاف بين الشيعة الذي يصل حد اللعن والتكفير جزء من عملية الغربلة التي تسفر كما عرفت قبل قليل عن خروج أكثر الشيعة عن ولاية أهل البيت (ع)، فقوله (ع): (وحتى لا يبقى منكم أومن شيعتي... الخ ) مرتبط بما تقدم – أي الحديث عن الخلاف – بل هو النتيجة التي ترشح عن الخلاف. فمعنى الحديث إنكم يا شيعة لا تزالون في خلافكم حتى لا يبقى منكم إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام. أي إن أكثركم يخرج من ولاية أهل البيت (ع)، ويبقى القليل.
وأود هنا التعقيب بكلمات عسى أن تكون مفيدة، فأقول: هذا الخلاف بين الشيعة من عسى يثيره أو يتسبب به؟ هل أنا وأنت من البشر العاديين الذين لا نملك سلطاناً على غير أنفسنا؟ بالتأكيد لا، فأنا وأنت لا نملك تأثيراً في الغالبية العظمى من الشيعة، ومن يفعل هذا لابد له من سلطان عليهم ، فمن يكون غير فقهاء آخر الزمان ممن يتبعهم الناس باسم التقليد الأعمى؟ قد تقول: ربما كان هذا بسبب بعض المغرضين؟ فأقول لك إن الواقع الشيعي يشهد بما لا يقبل لبساً أن الناس تبع لمراجعهم، فلا يمكن لمغرض أن يحقق مآربه على هذا المستوى الواسع الذي تنص عليه الأحاديث، ثم إن قولك هذا يلقي باللوم على فقهاء آخر الزمان من حيث لا تريد، فلو أن ما تقوله صحيح فأين المراجع الذين يرفعون شعار: نحن حصن الأمة، وأين دورهم في إرشاد الأمة، أم إنها كلمات تقال لخداع الأتباع لا غير؟! الحق إن هذه الأحاديث الشريفة من الخطورة بحيث توجب على كل شيعي أن يعيد التساؤل مراراً وتكراراً، وينظر الى أية هاوية سحيقة يقوده فقهاء آخر الزمان، (أم على قلوب أقفالها)؟
أختم هذا المبحث بروايتين تعززان الفكرة التي يتمحور حولها، فعن أبي جعفر (ع): (إن قائمنا إذا قام دعا الناس الى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (ص)، وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) (غيبة النعماني336). وعن أبي عبدالله (ع): (الإسلام بدأ غريباً و سيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء. فقلت: إشرح لي ذلك هذا أصلحك الله. فقال: مما يستأنف الداعي منا دعاء جديداً كما دعا رسول الله (ص)) (غبية النعماني336- 337). أقول إن عودة الإسلام غريب كما بدأ تشير بوضوح الى خروج أكثر أهله، أو قل منتحليه عن حوزته حتى لا يبقى إلا الأقل، أو الأندر فالأندر كما عبرت الروايات الشريفة. وليت شعري أين هم حصون الأمة؟ أم لعلهم السبب في خروج الناس من دين الله أفواجاً؟ فإذا كان الإنسان يمسي على شريعة من أمر أهل البيت (ع) ويصبح وقد خرج منها، أو يصبح على شريعة من أمرهم (ع) ويمسي وقد خرج منها، فلابد أن يكون هذا التحول المفاجئ الذي يشبه خروج الكحل من العين، لا يدري صاحبه به، ناتجاً عن فتنة جماعية أوقعهُ بها الكبراء والسادات الذين أسلم لهم قياده. إذن السؤال الآن: ما الذي أخرج الأمة عن دينها، حتى عاد غريباً كما بدأ؟ لننظر في مباحث هذا الكتاب الآتية.
والحمد لله وحده وحده وحده
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
شيعتنا الأندر فالأندر
في مقدمة هذا البحث تقدمت بدعوى مضمونها خروج الغالبية العظمى ممن يدعون التشيع من ولاية أهل البيت (ع)، واستدللت هناك بمقابلة الواقع الذي يعيشه الشيعة بالحديث الوارد عن الإمام المهدي (ع) في الرسالة التي بعثها الى الشيخ المفيد، وسأحاول هنا تعزيز استدلالي بأحاديث أخرى وردت عن أهل البيت (ع).
عن الإمام الباقر (ع)، إنه قال: (إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فانبذوه إليهم نبذاً، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكر فذروه، إنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة و وليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين، حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا) (غيبة النعماني 210). هذا الحديث ينص على وجود فتنة أو اختبار قبل قيام القائم (ع) تكون نتيجتها سقوط أكثر الناس، حتى من يشق الشعرة بشعرتين (وهذا التعبير كناية عن الدقة والمعرفة بمجاري الأمور)، ولا يبقى بالنتيجة إلا أهل البيت وشيعتهم. السؤال الآن: كم هم شيعة أهل البيت (ع)، أ هم حقاً عشرات الملايين، بل مئات الملايين الذين يدعون أنهم شيعة لأهل البيت (ع)؟ لنقرأ الحديث الآتي، عن أبي عبدالله (ع) إنه قال: (والله لتُكسرنّ تكسر الزجاج، وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتُكسرنّ تكسر الفخار، وإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، ووالله لتُغربلنّ، ووالله لتُميزنّ، والله لتُمحصنّ حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصعّر كفه) (غيبة النعماني 215). ولنقرأ كذلك هذا الحديث الوارد عن الإمام الرضا (ع): (والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تُمحّصوا وتُميّزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر) (غيبة النعماني 216). أقول واضح إن الأقل، والأندر فالأندر ليسوا ملايين، وليسوا آلافاً، وإذا شئتم الدقة فانظروا في هذا الحديث الوارد عن الصادق (ع)، حين سأله بعض أصحابه قائلاً: (جعلت فداك، إني والله أحبك، وأحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال له: اذكرهم. فقال: كثير, فقال: تُحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبدالله (ع): أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون... فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون؟ فقال (ع): فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبددهم... الخ) (غيبة النعماني 210- 211). يُفهم من هذا الحديث إنه إذا اكتمل من الشيعة ثلاثمائة وبضعة عشر يتحقق خروج القائم (ع)، وأما الأعداد الغفيرة التي تدّعي التشيع فإن الغربال سيُسقطهم حتماً. وفي حديث آخر يرويه أبو بصير عن الإمام الصادق (ع): (قال أبو عبدالله (ع): لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة. قلت: وكم تكملة الحلقة؟ قال: عشرة آلاف...) (غيبة النعماني320). إذن جيش القائم هم هؤلاء الـ(313+10000). قد تقول إن هؤلاء هم صفوة الشيعة وليسوا كل الشيعة، أقول إن الراوي في حديث (لو كملت العدة الموصوفة ... الخ) يسأل الإمام (ع) قائلاً: (فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون) ومعنى ذلك إنه فهم من العدد الذي ذكره الإمام (ع) إن هؤلاء هم كل الشيعة ومن هنا سأله عن الموقف من الأعداد الكبيرة التي تدعي التشيع، ولو عدت الى سياق الحديث يتأكد لك هذا الفهم. فالراوي يبدأ كلامه بإخبار الإمام (ع) بأن شيعته كثيرون، وأن عددهم أكثر من أن يُحصى، وهنا يأتي قول الإمام (ع): (تُحصيهم) والإستفهام هنا استنكاري، أي إنه (ع) يستنكر أن يكون شيعته كثيرون، ويؤكد هذا قوله (ع): (أما لو كملت العدة... الخ) ومعنى كلام الإمام إنه لو وجد في الشيعة هذا العدد، أي ال(313) لتحقق الفرج لهم، ثم إن الإمام (ع) يخبره أن الأعداد الكبيرة سيجري عليها التمييز والتمحيص والتبديل، وغيرها، وبنتيجة هذه الأمور سينكشف زيف ادعاؤهم، وسيخرجون من دائرة التشيع، فالإمام (ع) في كلمته هذه يبين المصير السيئ للمتشيعة، ولو كان مطلبه الإشارة الى صفوة الشيعة، وإنهم أفضل من الآخرين فقط لا إنهم هم الشيعة والآخرون مدعون لاكتفى بمدح هذه الصفوة دون بيان الموقف النهائي (أؤكد على كلمة النهائي) من الآخرين، لأن بيان الموقف النهائي يوجد مقابلة نوعية بين الفريقين، لا مجرد فرق في الدرجة. ولو كان الأمر مجرد فرق في درجة الإيمان، وأن الآخرين هم بالنتيجة شيعة ولكنهم أضعف إيمانا، لكان – وهذا هو المظنون – توجّه بالنصح لهم، ودعوتهم الى مزيد العمل والتكامل، والله أعلم وأحكم.
ولكي أزيدك ثقة بهذه النتيجة أقترح عليك قراءة هذه الأحاديث الشريفة, عن أبي عبدالله (ع)، إنه قال: (مع القائم (ع) من العرب شئ يسير. فقيل له: إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير. قال: لابد للناس من أن يُميّزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير) (غيبة النعماني212). وعن أبي جعفر (ع): (لتُمحصنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها) (غيبة النعماني214). الحديث الأول يُشبّه التمحيص بالغربال، ونتيجة التمحيص هي بقاء الإنسان على حد الإيمان أو خروجه منه، فالخارجون من الغربال خارجون من حد الإيمان كما هو واضح. ثم أ ليس هذا هو ما ينص عليه الحديث الثاني، اسمع إذن تعليق الشيخ النعماني على الحديث، يقول الشيخ: (أليس هذا دليل الخروج من نظام الإمامة، وترك ما كان يعتقد منها) (الغيبة215). وهذا ينبغي أن يكون واضحاً، فأمرهم (ع) هو الولاية، والخروج من أمرهم خروج منها.
وما ظنك بقوم يتفل بعضهم في وجوه بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ويُكفّر الأخ أخاه.. و.. و.. الى آخر ما ستسمعه الآن، أ ترى هؤلاء أمة مرحومة، يجمعها مبدأ التشيع لآل محمد (ع)؟ عن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسين بن علي (ع) يقول: (لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير. فقال الحسين (ع): الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله) (غيبة النعماني213). وعن أبي عبدالله (ع): (لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل يعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً، وحتى يُسمي بعضكم بعضأ كذابين) (غيبة النعماني214). وعن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين (ع): (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا – وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض -؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير. قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله (ص) فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) (غيبة النعماني214). وعن أمير المؤمنين (ع) : (كونوا كالنحل في الطير... الى قوله (ع): فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يُسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم – أو قال من شيعتي – إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام...) (غيبة النعماني217-218). أقول لعل هذا الحديث الأخير الوارد عن أمير المؤمنين يكفينا مؤونة توضيح المراد من الأحاديث المتقدمة، إذ يتضح منه بجلاء أن الخلاف بين الشيعة الذي يصل حد اللعن والتكفير جزء من عملية الغربلة التي تسفر كما عرفت قبل قليل عن خروج أكثر الشيعة عن ولاية أهل البيت (ع)، فقوله (ع): (وحتى لا يبقى منكم أومن شيعتي... الخ ) مرتبط بما تقدم – أي الحديث عن الخلاف – بل هو النتيجة التي ترشح عن الخلاف. فمعنى الحديث إنكم يا شيعة لا تزالون في خلافكم حتى لا يبقى منكم إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام. أي إن أكثركم يخرج من ولاية أهل البيت (ع)، ويبقى القليل.
وأود هنا التعقيب بكلمات عسى أن تكون مفيدة، فأقول: هذا الخلاف بين الشيعة من عسى يثيره أو يتسبب به؟ هل أنا وأنت من البشر العاديين الذين لا نملك سلطاناً على غير أنفسنا؟ بالتأكيد لا، فأنا وأنت لا نملك تأثيراً في الغالبية العظمى من الشيعة، ومن يفعل هذا لابد له من سلطان عليهم ، فمن يكون غير فقهاء آخر الزمان ممن يتبعهم الناس باسم التقليد الأعمى؟ قد تقول: ربما كان هذا بسبب بعض المغرضين؟ فأقول لك إن الواقع الشيعي يشهد بما لا يقبل لبساً أن الناس تبع لمراجعهم، فلا يمكن لمغرض أن يحقق مآربه على هذا المستوى الواسع الذي تنص عليه الأحاديث، ثم إن قولك هذا يلقي باللوم على فقهاء آخر الزمان من حيث لا تريد، فلو أن ما تقوله صحيح فأين المراجع الذين يرفعون شعار: نحن حصن الأمة، وأين دورهم في إرشاد الأمة، أم إنها كلمات تقال لخداع الأتباع لا غير؟! الحق إن هذه الأحاديث الشريفة من الخطورة بحيث توجب على كل شيعي أن يعيد التساؤل مراراً وتكراراً، وينظر الى أية هاوية سحيقة يقوده فقهاء آخر الزمان، (أم على قلوب أقفالها)؟
أختم هذا المبحث بروايتين تعززان الفكرة التي يتمحور حولها، فعن أبي جعفر (ع): (إن قائمنا إذا قام دعا الناس الى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (ص)، وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) (غيبة النعماني336). وعن أبي عبدالله (ع): (الإسلام بدأ غريباً و سيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء. فقلت: إشرح لي ذلك هذا أصلحك الله. فقال: مما يستأنف الداعي منا دعاء جديداً كما دعا رسول الله (ص)) (غبية النعماني336- 337). أقول إن عودة الإسلام غريب كما بدأ تشير بوضوح الى خروج أكثر أهله، أو قل منتحليه عن حوزته حتى لا يبقى إلا الأقل، أو الأندر فالأندر كما عبرت الروايات الشريفة. وليت شعري أين هم حصون الأمة؟ أم لعلهم السبب في خروج الناس من دين الله أفواجاً؟ فإذا كان الإنسان يمسي على شريعة من أمر أهل البيت (ع) ويصبح وقد خرج منها، أو يصبح على شريعة من أمرهم (ع) ويمسي وقد خرج منها، فلابد أن يكون هذا التحول المفاجئ الذي يشبه خروج الكحل من العين، لا يدري صاحبه به، ناتجاً عن فتنة جماعية أوقعهُ بها الكبراء والسادات الذين أسلم لهم قياده. إذن السؤال الآن: ما الذي أخرج الأمة عن دينها، حتى عاد غريباً كما بدأ؟ لننظر في مباحث هذا الكتاب الآتية.
والحمد لله وحده وحده وحده