المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة مع محمود الصرخي



النهضة اليمانية
06-30-2008, 04:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما

وقفة مع محمود الصرخي

كان محمود الصرخي من أوائل الفقهاء الذين طالبوا السيد أحمد الحسن (ع) بالإتيان بمعجزة، والغريب في أمر هذا الرجل إنه توهم معجزة ما سبقه لمثلها أحد، فهو يطالب الإمام المهدي، أو من يأتي مرسلاً منه بمعجزة موضوعها علم الأصول! وقبل الوقوف عند مسألة المعجزة الأصولية المزعومة أود أولاً مناقشة الشيخ النجفي والشيخ الكوراني اللذين زعما أن دليل من يرسله الإمام المهدي (ع) محصور بالمعجزة لا غير، فأقول: لا دليل أبداً على أن المعجزة هي كل الدليل الشرعي، ولا دليل شرعياً سواها، فالمعجزة في أحسن أحوالها مصداق واحد من مصاديق الدليل الشرعي. وكذلك لا يوجد دليل على أن الإمام المهدي (ع)، أو من يأتي مرسلاً من قبله لابد أن يُثبت نفسه من خلال المعجزة المادية، بل أن الروايات تشير الى أمور أخرى ليس المعجزة المادية من بينها، ففي خطبته المشهورة بين الركن والمقام يعرض الإمام المهدي (ع) الإحتجاج بكتاب الله، (يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله) (المعجم الموضوعي 522). والحق إن النجفي والكوراني وغيرهما لا يُصران على المعجزة المادية لأنهما يطلبان الحق، ويعتقدان إن الطريق إليه منحصر بها، وإنما يحاولان من خلال التركيز عليها صرف الأنظار عن الأدلة الشرعية الكثيرة التي طرحها وصي ورسول الإمام المهدي السيد أحمد الحسن (ع). فلو كانا حقاً يطلبان الحقيقة لعملا على إقناع كبار مراجع الشيعة في العالم على قبول العرض الذي تقدم به السيد أحمد لهم بالإتيان بإحدى معاجز الأنبياء. وعلى أية حال أود الآن أن أتحدث حديثاً مختصراً عن المعجزة معتمداً فيه على ما ورد في كتاب (الجهاد باب الجنة) للسيد أحمد الحسن (ع), الكتاب الذي أراه – كما هو شأن كتب السيد أحمد الأخرى – يكفي وحده دليلاً على صدق دعوته.
إن طلب الناس للمعجزة يأتي في الحقيقة انطلاقاً من تصورهم أن المعجزة تمنحهم علماً جازماً يقطع كل شكوكهم، ويضعهم مباشرة بإزاء الحقيقة التي يتطلعون الى بلوغها 0 وبمعنى آخر هم يطلبون المعجزة لأنهم يريدون علماً قاطعاً جازماً يتسلط على عقولهم وقلوبهم دون أن يترك ولو مقدار خرم إبرة لتسلل الشكوك، والظنون. ولكن تأملاً في القران الكريم يضعنا بإزاء حقيقة مغايرة، فالمعجزة التي يفترض الناس فيها أن تنقلهم مباشرة الى الحق يبدو إنها تُخيّب تصوراتهم، وما يفترضونه فيها. فالمعجزات التي جاء بها الأنبياء – وأكثرها كانت بطلب من أقوامهم – لم يترتب عليها النتيجة التي يريدها الناس، وهي الإيمان، بل نتج عنها التكذيب والجحود والإتهام، بل قالوا: (إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (الحجر:15)، ولم يكن ذلك بسبب قصور هذه المعاجز، بل في الحقيقة بسبب طبيعة المعجزة؟ فالإيمان الذي يريده الله سبحانه وتعالى هو الإيمان بالغيب، قال تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (البقرة:1-3)، (ِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ) (يس:11)، (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25)، من هنا فإن المعجزة التي يأتي بها الأنبياء لا تجئ كما يتوقع الناس مهيمنة، متسلطة لا تترك مساحة للشك أو التكذيب. الواقع إن هذه المساحة ضرورية لكي تنكشف دخائل الناس، ويتميز بعضهم عن بعض، ولكي لا يكون الإيمان قهرياً، بل نابعاً من اختيار واع.
إن مراعاة الغيب والإختيار في مسألة الإيمان تترتب عليها أن تتخذ المعجزة صورة حضور يبقي الباب مفتوحاً للشك والإلتباس، و لمن هم في ريبهم يترددون، ومن هنا في الحقيقة كانت المعجزات تأتي مشابهة لعلوم العصر التي يعرفها الناس، فليس الأمر – كما يظن البعض – تحد لعلوم العصر فقط. والحق إن تأملاً يسيراً يضع هذه الحقيقة أمامنا كالثمرة اليانعة، فعلى سبيل المثال جاء موسى (ع) بمعجزة قريبة من السحر الذي كان شائعاً بين المصريين في زمنه، ولا أظن منصفاً بإمكانه القول إن هذه المعجزة لا يمكن لأحد من المصريين أن يقول إنها هي سحر بدورها، أي أن يرى إنها من نوع السحر نفسه، وإن كانت على درجة كبيرة من المهارة والإتقان، وكيف وقد قالها فرعون ومن هم على شاكلته، (إنه لكبيركم...). الحق إن هذا هو سر المعجزة، وهذا هو الباب الذي تبقيه مفتوحاً، بمعنى أن المعجزة تمتحن الناس لترى هل ينظرون لها على أن الفارق بينها وبين العلم الشائع بينهم (السحر مثلاً) هو فرق في النوع، وبالتالي هو فرق يدل على وجود الله القادر على كل شئ، وهذا ما تريد إيصال الناس إليه، أم إن الفرق هو فرق في الدرجة فقط، فنتفي بذلك دلالتها على الله تعالى عند من هم في ريبهم يترددون. أي إنها تترك للناس مساحة أن يفكروا: هل إن ما جاء به موسى (ع) معجزة حقاً وتدل بالتالي على اتصال بالسماء، أم عمل من نوع السحر، ولا شئ يميزه عن السحر سوى أنه سحر عظيم، ويكون موسى بالتالي ليس نبياً، وإنما ساحر، نعم ساحر، وإن كان ساحراً عظيماً.
والحق إننا لو أردنا أن نفسر انحراف قوم موسى بفتنة السامري، وما نتج عنه من تيه دام أربعين سنة، لما وجدنا سبباً لهذا الإنحراف غير الشك بموسى، وعدم الإيمان به إيماناً حقيقياً، مع ملاحظة أن هذا الإنحراف جاء بعد رؤيتهم لكثير من المعاجز، وبعضها كان قريباً مثل انفلاق الحجر وانبجاس الماء منه، وشق البحر، وما أكثر المعاجز التي جاء بها موسى (ع).
إذن لابد من إختبار إيمان الناس بالغيب، بل إن من لا يؤمن منهم بالغيب لا تنفعه المعجزة بشئ، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2)، والكتاب هو معجزة الرسول الخالدة التي لا تدانيها معجزة، ومع ذلك فهو ينص على أنه لا يهدي إلا من يؤمن بالغيب. و لعلي لا أخطئ إذا قلت إن من يطلب معجزة مادية لا يؤمن بالغيب، ولعل مثل هذا الشخص يشعر بنفسه المتمردة التي تأبى الإيمان، ويسعى من خلال طلب المعجزة المادية الى قهر نفسه، تماماً كالشخص الذي يفقد السيطرة كلياً على نفسه ومشاعره، وينهار أمام هواجسه فيهرع الى الإنتحار أو تدمير النفس بغية الحصول على ما يظنه سلاما وراحة؟
وبالعودة الى المعجزة الأصولية التي ابتدع القول بها السيد محمود الصرخي، أقول: إن علم الأصول قد وضعه من وضعه بدعوى إنا قد ابتعدنا عن عصر التشريع، وضاع من مصادرنا ما ضاع، وما وصل إلينا منها لم يسلم من أيدي العابثين والوضّاعين، ومن جهة أخرى استجدت حاجات وقضايا، ومناطق فراغ، استوجبت علماً يوجه حركة الإستنباط، و يتيح لنا الوصول الى استنباط الحكم الشرعي بنجاح، ومن هنا صار البعض الى وضع القواعد الأصولية على أنها الطريق المبتغى. وعلى الرغم من إمكانية المناقشة في هذه المقدمة، إلا إني سأتجاوز المناقشة باعتبارها خارجة عن أصل الموضوع. ولكن هذا المقدمة تفيدنا أمراً مهماً هو إن علم الأصول معلول لغياب الإمام، أو انقطاع الإتصال به، بالنظر الى أن الإمام هو القرآن الناطق، وهو السنة الصحيحة، فهو التشريع كله، ومعلوم – بحسب المباني الفلسفية التي يؤمن بها السيد محمود حتى العظم – إن المعلول يدور مدار علته وجوداً وعدماً، فينتج عنه إن حضور الإمام أو من يتصل به يبطل الحاجة لعلم الأصول، فالإمام وهو التشريع كله قد حضر، وبحضوره انعدمت علة علم الأصول، فينعدم هو أيضاً، غير مأسوف عليه.
والحق إن المعجزة الأصولية المزعومة ليست سوى وهم في مخيلة متعبة، فبعض الناس حين يحصرون أنفسهم في عالم معين يبلغ بهم الوهم درجة أن يتصوروا أن عالمهم هذا هو كل العالم، أو هو العالم الأكمل، وأذكر إني قرأت مرة كلاماً للمفكر الفرنسي فولتير يقول فيه: إن صرصاراً دخل يوماً في جحر جرذ فتعجب كثيراً من سعة هذا الجحر، حتى لقد قال في نفسه: لا بد أن يكون هذا الثقب الواسع من عمل إله! فالصرصار المسكين هذا يرى العالم من خلال ثقبه الضيق، وبظنه أن الإله لا يستطيع سوى أن يعمل ثقباً أوسع، فهو غير قادر على تصور وجود شئ آخر سوى الثقب. وأود هنا أن أخبر السيد محمود بأن علم الأصول ليس سوى ثقب صغير قياساً بال (27) حرفاً من العلم التي يبثها القائم، بل هو وهم ثقب في الحقيقة.
نعم المعجزة الأصولية وهم، حتى إن السيد محمود على ما يبدو لا يملك تصوراً لكيفيتها، فلم يُخبرنا كيف يمكن أن نكون المعجزة الأصولية! فعلى سبيل المثال يمكن أن نتصور معجزة انشقاق القمر بأن نراه كتلة واحدة ثم ينشق الى جزأين، ويمكن أن نتصور معجزة إحياء الموتى بأن نرى ميتاً أمامنا تُعاد له الحياة، ولكن كيف نتصور المعجزة الأصولية؟ إن إحياء الميت معجزة بالنسبة لنا لأننا نعجز عن القيام به، وعلم الأصول هو علم بالواسطة (أي بالعناصر المشتركة الداخلة في عملية استنباط الحكم الشرعي)، وهذا العلم يستمد ضرورته بحسبهم لأننا لا نستطيع معرفة الحكم الشرعي مباشرة, أو دون وساطته، وعلى ذلك هل تكون معرفة الحكم الشرعي مباشرة، ودون وساطة من علم الأصول معجزة، أم لا؟ وكيف لا تكون كذلك وهي شئ نعجز عنه؟ ثم على افتراض وجود حد معجز لعلم الأصول كيف يمكن أن يطمأنوا الى أن العلم الذي يأتي به الإمام، أو المرسل من قبله هو هذا الحد المعجز؟ هل تكون علة الإطمئنان معرفتهم المسبقة بأن من جاء به هو الإمام، أو رسوله، وهذا باطل لأن أصل طلبهم للمعجزة الأصولية هو للتعرف على الإمام، أو المرسل من قبله، أم لعلهم يفترضون تصوراً مسبقاً للحد المعجز، وعلى هذا إذا قال لهم الإمام، أو من يرسله إن ما تسمونه (المعجزة الأصولية) هو تعبير خاطئ عن العلم المعجز الذي تتطلع له كل البشرية، وهذا العلم ليس هو علم الأصول قطعاً، فلن يصدقوه على الأرجح.
الواقع إن على السيد محمود وأتباعه أن يلتفتوا الى أن علم الأصول قد استدعته ضرورة جهلنا بالحكم الشرعي كما يعترفون، فعلة وجوده إذن هو جهلنا، وهو إذن يشير بوجوده دائماً، ويعبر دائماً عن جهلنا. نعم إن غايته استكمال نقصنا – برأيكم – والتعويض عن جهلنا، ولكننا لم نبتكر هذا العلم ونحن نعلم أنه الطريق الصحيح الذي لا يرد عليه الباطل، والدليل على ذلك إننا لا نملك تصوراً عن صورته المثلى، ومن هنا ترى كل أصولي يرى منظومته كاملة ويسعه العمل بمقتضاها، حتى إذا جاء آخر نقضها، أو أضاف لها ما لم يكن فيها. إن عدم وجود تصور عن الصورة المثلى لمنهجية علم الأصول يمنعنا من الحكم بأنها طريق صحيح، فكيف إذن نقطع بوجود حد معجز لمنهجية لا نملك قطعاً بصحتها، بل نملك احتمالاً على الأقل بإمكانية أن تكون باطل الأباطيل؟
والواقع إن الأمر يمكن أن يهون في حالة السيد محمود، فالرجل على ما يبدو مصاب بداء الأعلمية وعلم الأصول، ولكن المشكلة إن أتباعه مغرمون جداً بعلم الأصول مع إنهم لا يفقهون منه شيئاً، فلو سألت أحدهم: ما علم الأصول؟ لأجابك من فوره: هو العلم بالعناصر المشتركة. وتسأله: وبعد؟ فيجيبك بالصمت، فلا بعد، ولا قبل، وكأن الأمر كلمتان حفظهما والسلام.


والحمد لله وحده وحده وحده

النهضة اليمانية
07-03-2008, 12:56 AM
الحمد لله الذي فضح الصرخي على رؤوس الاشهاد