ولد الدسمة
04-05-2003, 04:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
كما تعلمون بأن المسلمين قبل الهجرة لاقوا الكثير من صنوف العذاب من المشركين ، مما دعاهم للهجرة للحبشة . و قد هاجرت في البداية مجموعة قليلة .. لبثت في الحبشة مدة قصيرة ، ثم عادت لمكة بعد أن أشيع بأن قريش آمنت بالله و برسوله . لكن اتضح لهم عند عودته كذب تلك المقولة . فلم يستطع الكثير منهم دخول مكة إلا بجوار بعض الشخصيات القرشية ، و إليكم الآن قصة للصحابي الجليل : عثمان بن مظعون ، و التي أنقلها لكم من كتاب : سيد المرسلين للشيخ جعفر السبحاني في جزئه الأول ص460 :
و كان ممن دخل مكة بجوار ( عثمان بن مظعون ) الذي دخلها بجوار ( الوليد بن المغيرة ) (1) و لكنه كان يشاهد ما فيه أصحاب رسول الله (ص) من البلاء ، و العذاب و هو يغدو و يروح في أمان فتألم لذلك و لم تطق نفسه تحمل هذا الفرق و قال : و الله إن غدوي و رواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك ، و أصحابي و أهل ديني يلقون من البلاء و الأذى في الله مالا يصيبني لنقص كبير في نفسي . فمشى إلى الوليد بن المغيرة و رد عليه جواره ليواسي المسلمين و يشاركهم في آلامهم و متاعبهم و قال : يا أبا عبد شمس وفَت ذمتك ، و قد رددت إليك جوارك .
قال : لم يا بن أخي ؟ لعله آذاك أحد من قومي ؟
قال : لا و لكني أرضى بجوار الله و لا أريد أن أستجير بغيره .
فقال الوليد له : إذن فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتك علانية .
فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد ، فقال الوليد مخاطباً من حضر من قريش : هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري .
قال : صدق ، قد وجدته وفياً كريم الجوار و لكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله ، فقد رددت عليه جواره .(2)
ثم لم يمض شيء من الوقت حتى دخل المسجد ( لبيد ) و كان شاعراً متكلماً بارزاً من شعراء العرب و متكلميها و وقف في مجلس من قريش ينشدهم و عثمان بن مظعون جالس معهم فقال من جملة ما قال شعراً :
ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ
فقال عثمان بن مظعون : صدقت .
فقال لبيد : و كل نعيم لا محالة زائلُ
فقال عثمان : كذبت ، نعيم الجنة لا يزول
فاستثقل لبيد تكذيب عثمان و تحديه له في ذلك الجمع فقال : يا معشر قريش و الله ما كان يؤذى جليسكم ، فمتى حدث هذا فيكم ؟
فقال رجل من القوم : إن هذا سفيه في سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله .
فرد عليه عثمان حتى تفاقم الأمر بينهما ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها ( أصابها ) ، و الوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان فقال : أما و الله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية لقد كنت في ذمة منيعة ( و هو يريد أنك لو بقيت في ذمتي و جواري لما أصابك ما أصابك ) .
فقال عثمان راداً عليه : بل و الله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله ، و إني لفي جوار من هو أعز منك ، و أقدر يا أبا عبد شمس .
فقال له الوليد : هلم يا ابن أخي إن شئت فعد إلى جوارك ، فقال ابن مظعون : لا .(3)
و كانت هذه صورة رائعة من صور كثيرة لصمود المسلمين ، و تفانيهم في سبيل العقيدة ، و إصرارهم على النهج الذي اختاروه ، و مواساة بعضهم لبعض في أشد فترة من فترات التاريخ الإسلامي .
الهوامش :
1- السيرة النبوية – ابن هشام – ج1- ص369
2- السيرة النبوية – ابن هشام – ج1- ص370
3- السيرة النبوية – ابن هشام – ج1- ص370 و 371
كما تعلمون بأن المسلمين قبل الهجرة لاقوا الكثير من صنوف العذاب من المشركين ، مما دعاهم للهجرة للحبشة . و قد هاجرت في البداية مجموعة قليلة .. لبثت في الحبشة مدة قصيرة ، ثم عادت لمكة بعد أن أشيع بأن قريش آمنت بالله و برسوله . لكن اتضح لهم عند عودته كذب تلك المقولة . فلم يستطع الكثير منهم دخول مكة إلا بجوار بعض الشخصيات القرشية ، و إليكم الآن قصة للصحابي الجليل : عثمان بن مظعون ، و التي أنقلها لكم من كتاب : سيد المرسلين للشيخ جعفر السبحاني في جزئه الأول ص460 :
و كان ممن دخل مكة بجوار ( عثمان بن مظعون ) الذي دخلها بجوار ( الوليد بن المغيرة ) (1) و لكنه كان يشاهد ما فيه أصحاب رسول الله (ص) من البلاء ، و العذاب و هو يغدو و يروح في أمان فتألم لذلك و لم تطق نفسه تحمل هذا الفرق و قال : و الله إن غدوي و رواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك ، و أصحابي و أهل ديني يلقون من البلاء و الأذى في الله مالا يصيبني لنقص كبير في نفسي . فمشى إلى الوليد بن المغيرة و رد عليه جواره ليواسي المسلمين و يشاركهم في آلامهم و متاعبهم و قال : يا أبا عبد شمس وفَت ذمتك ، و قد رددت إليك جوارك .
قال : لم يا بن أخي ؟ لعله آذاك أحد من قومي ؟
قال : لا و لكني أرضى بجوار الله و لا أريد أن أستجير بغيره .
فقال الوليد له : إذن فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتك علانية .
فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد ، فقال الوليد مخاطباً من حضر من قريش : هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري .
قال : صدق ، قد وجدته وفياً كريم الجوار و لكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله ، فقد رددت عليه جواره .(2)
ثم لم يمض شيء من الوقت حتى دخل المسجد ( لبيد ) و كان شاعراً متكلماً بارزاً من شعراء العرب و متكلميها و وقف في مجلس من قريش ينشدهم و عثمان بن مظعون جالس معهم فقال من جملة ما قال شعراً :
ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ
فقال عثمان بن مظعون : صدقت .
فقال لبيد : و كل نعيم لا محالة زائلُ
فقال عثمان : كذبت ، نعيم الجنة لا يزول
فاستثقل لبيد تكذيب عثمان و تحديه له في ذلك الجمع فقال : يا معشر قريش و الله ما كان يؤذى جليسكم ، فمتى حدث هذا فيكم ؟
فقال رجل من القوم : إن هذا سفيه في سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله .
فرد عليه عثمان حتى تفاقم الأمر بينهما ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها ( أصابها ) ، و الوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان فقال : أما و الله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية لقد كنت في ذمة منيعة ( و هو يريد أنك لو بقيت في ذمتي و جواري لما أصابك ما أصابك ) .
فقال عثمان راداً عليه : بل و الله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله ، و إني لفي جوار من هو أعز منك ، و أقدر يا أبا عبد شمس .
فقال له الوليد : هلم يا ابن أخي إن شئت فعد إلى جوارك ، فقال ابن مظعون : لا .(3)
و كانت هذه صورة رائعة من صور كثيرة لصمود المسلمين ، و تفانيهم في سبيل العقيدة ، و إصرارهم على النهج الذي اختاروه ، و مواساة بعضهم لبعض في أشد فترة من فترات التاريخ الإسلامي .
الهوامش :
1- السيرة النبوية – ابن هشام – ج1- ص369
2- السيرة النبوية – ابن هشام – ج1- ص370
3- السيرة النبوية – ابن هشام – ج1- ص370 و 371