سعد الزيداوي
06-27-2008, 02:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرج قائم آل محمد
أخترت هذا الموضوع لأحد أخواننا الحسنيين والمختص في ولاية الفقيه وذلك بسبب طلب جماعة ابن أكويطع لهذا الشئ واليكم هذا البحث
الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على محمد وآله أجمعين وعجّل فرجهم والعن عدوهم .
ولاية أمر المسلمين
عندما أوجد الله تعالى البشرية على الأرض جعلها تسير وفقاً لتخطيطات حكيمة لإخراجها نحو الكمال المرتقب لها ، وذلك بالتدريج والإستحقاق لمراتب الكمال ، وأمر الله تعالى البشرية بل الخلق كله بطاعته وإتباعه وولايته وتلقـّي الكمال منه مباشرة .
وبما أنه هو الخالق وهم المخلوقات ، ولأجل القصور الموجود في البشرية والمخلوقات عن تنفيذ هذا التوجيه الإلهي ولأجل رحمة الله بالخلق والتنزّل لهم ، جعل لكل مرحلة من مراحل البشرية واسطة وممثل عنه .
وتنتقل تلك المعاني الولائية والإتباعية والطاعة إلى ذلك الوسيط بالنيابة لكي تمثل طاعة الله وموالاته ، وهذا الوسيط يجعله الله تعالى حسب المستوى الذي تعيشه أي مرحلة من البشرية بحيث يكون التفاعل موجوداً وإن كان ضئيلاً إلاّ أنه يُحضّر ويُربّي للمرحلة القادمة ليكون التقبّل أكثر والإنسجام أكثر مع الوسيط القادم ، وعن طريق هذه الوساطة أمر الله تعالى بإتباع الحق والتضحية من أجله ومحاربة الباطل لأن الله تعالى علِم بعلمه الأزلي أنه سيوجد الباطل والضلال على طول البشرية إلى أن يتحقق الهدف الأولي لوجود البشرية وهو تحقيق الدولة العالمية العادلة في يوم الظهور .
والحق الذي يجب إتباعه غير معروف وغامض وليس هو فكرة موجودة محسوسة يمكن للبشرية معرفتها والتعامل معها وإنما الحق هو الله نفسه(جلّت قدرته) .
وأيضاً لوجود القصور في معرفة الله تعالى وبالتالي معرفة الحق ، فقد تعيّن أن يكون الوسيط هو صورة ومستوى على مستويات الحق ، إذن يجب أن تنتقل موالاة الحق إلى من يمثله وهو الوسيط في كل عصر .
وقد يرد إعتراض على ذلك ، وهو أن الوسطاء هم الأنبياء والرسل والأوصياء وأهل البيت(صلوات الله عليهم) وفي عصر الغيبة أولياء الأمر ( ولاة أمر المسلمين) ، وإن هؤلاء الوسطاء يعطون تعاليم عن الألوهية أو تعاليم تشريعية مختلفة بعضها عن البعض الذي يليها ، وهذا ما يسمى بالنسخ فهل هذا الإختلاف حاصل في الذات الإلهية ، لكون الحق هو الله وهم يمثـّلون الله تعالى ؟
ويمكن الجواب: بأن يقال إن كل وسيط يعطي مستوى من الكمال والمفاهيم مناسبة مع مستوى تقبّل المجتمع الذي يعيشه ، وكما ورد في الحديث (( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم )) ، وطبعاً المجتمع الذي يأتي بعد هذا المجتمع يكون أكثر إستحقاقاً وتقبلاً للمعرفة والكمال فيعطي النبي الآخر مستوىً أكثر ، علماً ومعرفة ، بالعقائد والتشريعات وغيرها ومن هنا ينشأ الإختلاف والترقي وهذا ما نراه واضحاً بإعتقادنا في هذا العصر بسذاجة معتقدات الأمم السالفة التي هي مؤمنة بالأنبياء ، وهذا المستوى الموجود الآن سيكون ساذجاً عند المجتمع المعصوم وهكذا عند المجتمع ما بعد العصمة وإلى ما بعده ، وطبعاً إننا في عصرنا الآن غير مستحقّين لتلك المستويات الباهرة في الكمال وفي معرفة الله حق معرفته التي ستحصل في الدولة العادلة وفي المجتمع المعصوم وما بعده لأن الكمال غير منتهي الدرجات حسب ما بيّنه السيد الصدر الثاني في موسوعته المهدوية ، وعليه فإننا نفهم من هذه المقدمة عدة أمور:
الأول: التخطيط الإلهي
إنه لا يمكن أن يخلو عصر أو جيل أو حتى يوم واحد من التخطيط الإلهي وذلك لسببين:
السبب الأول: على ما نفهم إن التخطيط الإلهي شامل ومهيمن على جميع مراحل البشرية وأيامها وأزمانها فلو خلي جيل أو عصر من التخطيط فهذا يعني نقص في شمولية وهيمنة التخطيط وبالتالي لا يمكنه أن يعطي النتائج الكاملة .
السبب الثاني: إن التخطيط يعني الرعاية والتربية الإلهية فإذا خـُلي منه عصر فهذا يعني ظلم الله تعالى لذلك العصر وهو محال على الله تعالى لأنه العادل الكريم .
الثاني: إنطباق مفهوم الوسيط على المرجع الولي
إنه لا يخلو يوم أو أكثر من وجود الوسيط ولا يجب تقييد مفهوم الوسيط بالأنبياء والرسل والأئمة(عليهم السلام) بل يمكن إنطباقه على ولي أمر المسلمين في فترة الغيبة ، وهذا معنى قول الإمام الصادق(عليه السلام): (( لا تخلو الأرض من حجة )) و (( لو لم يبقَ من أهل الأرض إلاّ إثنان لكان أحدهما الحجة )) .
الثالث: إعرف الحق تعرف أهله
ولنرجع قليلاً إلى معنى الحق والباطل فبما أن الحق متمثل بالوسطاء فمن إنسجم معهم فهو منسجم مع الحق ومن ناصرهم وآمن بهم فقد ناصر وآمن بالحق وبالمقابل من لم يؤمن بهم ولم ينسجم معهم ( خاصةً عصرنا الحاضر) فهو بالضرورة غير مؤمن وغير منسجم مع الحق ، وعدم الإيمان والنفور هي حقيقة الباطل لأن الباطل والشر أمور عدمية مكتسبة لوجودها من عدم وجود الصفات الحقانية والخيرية فهي في الحقيقة لا وجود لها إطلاقاً .
إن بهذا المعنى من عدمية الإيمان بالحق وعدمية فعل الخير إلى غيرها ، وبما أن الوسيط في عصرنا الحالي هو الأعلم صاحب ولاية الفقيه ، فمن عاداه ولم يؤمن به فهو داخل في تلك المعاني من الباطل والشر بل هو مستند إلى العدم نفسه وأعماله تذهب عدماً ، وهنا ننصح المكلفين عموماً بالإلتفات إلى خطورة مسالكهم وموالاتهم لغير الأعلم والنظر (مثلاً) إلى قضية السيد الحسني بعين المنصف العاقل الباحث عن الحقيقة ، ودفع الشبهات عن إعتقادهم بتصديقهم للجهات التي ينتمون إليها وفحصها ونقدها والنظر إلى ما ورائها من مصالح دنيوية ومناصب إجتماعية على حساب الدين وعلى حساب مصير المكلفين ، نعم إنهم لا يبالون بكم وسواء عليهم أهتديتم أم ضللتم وهويتم إلى النار والعقاب وإنما ما يهمّهم هو البقاء في مناصبهم وتوسيع نفوذهم وسلطانهم الباطل ، أترضى أيها المكلف أن تكون مثل الحطب الذي يحترق في سبيل إعطاء الدفء والمنفعة للغير ، وقضية الصدر الأول والثاني ليست ببعيدة عنك فخذ العبرة والذكاء في التصرّف ولا تكن منقاداً وعبداً ذليلاً لمصالحهم .
أطلب الدليل والأثر العلمي واتـّبع صاحبه فهو حجة عليك ، أنا لا ألزمك بالسيد الحسني كشخص بل ألزمك بدليله وأثره العلمي ، فهل عندك دليل أرجح منه أو مثله حتى تتبعه وأتبعه معك .
الرابع: الكمال في العلم
إن كل وسيط أيّاً كان عنوانه يجب أن يكون أعلم أهل زمانه فكل نبي من الأنبياء كان أعلم ولا يوجد من هو أعلم منه في فترته النبوية ، أمّا إذا زال عن المجتمع فسيأتي من هو أعلم منه لأن التكامل في ترقي مستمر ، وحتى قضية نبي الله موسى مع الخضر(عليهما السلام) فإن موسى(عليه السلام) كان أعلم من الخضر(عليه السلام) ولكن هذه الحادثة كانت من باب إختبار الطاعة لموسى(عليه السلام) وهذا ما أشار إليه الصدر الثاني(قدس سره) عندما سُئل عن هذا الإشكال ، وعلى هذا الأساس يجب أن يركّز التقليد في عصر الغيبة على الأعلم ، ولذلك جُعلت الأعلمية شرط في التقليد والولاية العامة والإمام الصادق(عليه السلام) يقول: (( ما ولّت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا )) وهذا شيء عقلي وطبيعي لأن الدين قائم على أساس العلم وليس الجهل ، بل الكمال كله عبارة عن علم .
الخامس: الولاية الواحدة
إن الوسيط الواحد لا يتعدد ففي مرحلة الأنبياء كان النبي واحداً ، وهو المبلّغ والحجة في عصره وإن كان معه أنبياء في جيله ، مثل مجموعة كثيرة من الأنبياء في عصر النبي موسى أو إبراهيم فهؤلاء الأنبياء في الحقيقة راجعون إلى ذلك النبي في الطاعة والموالاة والحجية عليهم ، وفي مرحلة أهل البيت(عليهم السلام) فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الحجة والمبلّغ والمطاع والمفترض والولاية حتى علي أمير المؤمنين والحسن والحسين(عليهم السلام) مع إنهم أئمة وأفضل خلق الله بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحتى لا يكون عصرنا شاذاً عن الأنبياء والأئمة فيجب أن يكون الوسيط الذي هو الأعلم واحداّ لا يتعدد ومرجع التقليد واحداً ، والقيادة العامة والولاية والنيابة واحدة في كل جيل ، وهذا ما قاله السيد الصدر (( الولايـة واحدة لا تتعدد في جميع بلاد الشيعة في العراق وإيران أو أفغانستان أو باكستان أو الهند…إلى غيرها )) .
والسيد محمود الحسني يقول: (( الولاية واحدة واقعاً )) ودليل الولاية الأعلمية والولاية تدور مدار الأعلمية والأعلمية حددها السيد الصدر الثاني بأصول أبي جعفر حيث قال: (( من لم يكـن له أصول أبي جعفر فاعزلوه كائناً من كان )) وهذا القول منطقي جداً لأن السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) هو الأعلم في جيله ومن كان فاهماً ومسيطراً على أصوله ومستواه العلمي ودافعاً لهذا المستوى خطوةً إلى الأمام فهو الأعلم من بعده وهو السيد الصدر الثاني(قدس سره) ومن كان فاهماً ومسيطراً على أصول السيد الصدر الثاني(قدس سره) فهو مسيطراً على أصول السيد الصدر الأول(قدس سره) وهو دافعاً لهذا المستوى خطوة إلى الأمام فهو الأعلم من بعده وصاحب الولاية ، وهذه الكيفية حاصلة عند الأنبياء(عليهم السلام) فبعضهم مستند على بعض وهو حاصل في الأئمة فأمير المؤمنين(عليه السلام) متربي في أحضان نبوة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) والحسن في حوزة أمير المؤمنين والحسين كذلك إلى باقي الأئمة(صلوات الله عليهم) فكل منهم هو أعلم أهل زمانه لأنه تتلمذ وأخذ من الإمام الذي قبله وهو الأعلم أيضاً .
السادس: الرقي في الأغراض
إن كل نبوءة تزول بإستفادة غرضها ، فإذا حققت غرضها وهدفها المرحلي فلا داعي لبقاءها لأنه ستأتي بعدها نبوءة جديدة لها أغراض أعلى وأرقى فإذا تحقق غرضها ستزول وتأتي أخرى وهكذا إلى أن تختم النبوءة بنبوءة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) الباقية إلى النهاية لأن غرضها غير متحقق وهو وجود الدولة العالمية العادلة وما بعدها من تحقيق المجتمع المعصوم وما بعده .
والمهم هنا أنه لا معنى للبقاء على تعاليم وطاعة وولاية النبوة السابقة مع وجود نبؤة جديدة وهذا ما بيّنه الصدر الأول والصدر الثاني(قدست أسرارهم) وعصر الغيبة مستند إلى هذه السنن وذلك معنى الفتوى التي يقول بها العلماء المجاهدين الصادقين (( إنه لا يجوز البقاء على تقليد الميت الأعلم مع وجود الأعلم الحي )) ، نعم مع أخذ الإذن من الأعلم الحي يجوز لك ولكن حتى هذا يعتبر تقليداً للأعلم الحي ولا ينبغي أن ننسى أن الأعلم يعني الوسيط في الطاعة والولاية والإتباع التي هي في الأساس منتقلة إلى طاعة الله وولايـة الله وإتباع الله تعالى .
ويجب أن نفهم أن وساطة الولاية العامة في عصر الغيبة ووساطة أهل البيت(عليهم السلام) ووساطة الأنبياء ليست مباشرة مع لله تعالى فإن هذا غيـر حاصـل إلاّ لـواحـد حسب قاعدة (( الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد )) وهو الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) أو لنقـُلْ أن الشارع الأقدس(عظمت قدرته) هو الذي حصر لها هذا الخط وهذه الوساطة أشار إليها بقوله تعالى: (( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )) ، وولاية وحجية ووساطة الأنبياء تصب في ولاية أهل البيت(عليهم السلام) ومشرّعة من قبلها وكذلك ولاية أمر المسلمين في عصر الغيبة وكذلك ولاية ووساطة الأولياء المهديين الذين يحكمون ما بعد المهدي(u) بطريق التعيين وكذلك الذين يحكمون ما بعدهم بطريق الإنتخاب والشورى فكلهم يصبّون في ولاية أهل البيت(عليهم السلام) وولاية أهل البيت(عليهم السلام) تصب في ولاية أمير المؤمنين(u) وولاية أمير المؤمنين(u) تصب في ولاية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسول له هذه الصفات بالمباشرة مع الله لا وجود لوسيط بينهما .
السابع: الثلاثمائة وثلاثة عشر
إن إيمان الفرد بولاية وطاعة ونبؤة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يجب عليه أن يكون مؤمناً بجميع النبوءات السابقة لأن المؤمن بالرسول بالضرورة يكون مؤمن بالأنبياء السابقين وتلك الصفوة المؤمنة بالرسول عند بدء دعوته وهم (313) هم خلاصة التمحيص في عصور الأنبياء كلها ونفس الأمر حاصل مع قضية الإمام المهدي(عجل الله فرجه) فكما إن اطروحة الإسلام كانت متوقفة على شرط وجود عدد مناصر ومتقبّل ومُهيّأ وهم عدة أصحاب بدر (313) فكذلك الإمام المهدي واطروحة العدل الإلهي متوقفة على ذلك العدد من الممحصين المخلصين المؤمنين بالأنبياء وأهل البيت(صلوات الله عليهم) وولاية المسلمين في عصر الغيبة فالمؤمن بالمهدي(عجل الله فرجه) يجب أن يكون مؤمناً بالولايات السابقة على الظهور وحاصل على تكاملاتها وممحَصاً في إختباراتها فمن يقصّر في الإيمان هنا فمن باب أولى سيكـون مقصراً في الإيمان هناك ـ أي بالمهدي (عجل الله فرجه) ـ عند الظهور ، ومن هنا ، فليعلم من كان معتقداً في نفسه بالإيمان بالمهدي والإخلاص له وهو مخالف وغير مؤمن بنائبه فليعلم أنه يكذب على نفسه وإن كان يَحس في نفسه بأحقية المهدي(عجل الله فرجه) وإمامته وغيبته ومظلوميته إلا أنه عند الظهور سيتبخّر هذا الإحساس عند أول تمحيص وقد ينقلب إلى أعداء المهدي(عجل الله فرجه) وهذا ما سيحدث عند الظهور فإن الشيعة المؤمنة بالمهدي(عجل الله فرجه) ستجمع على محاربته مع رؤساءهم ومراجعهم وأئمتهم المضلّين وهذه الحوادث الفظيعة هي نتاج وخلاصة لتلك الأعمال الظالمة والإفتراءات والشبهات والمؤامرات التي زرعوها في قلوب وعقول الناس الغافلين والجاهلين ضد الأعلم في كل جيل وباستمرار .
الثامن: كن جنديّاً للإمام(عجل الله فرجه)
فيا أيها المكلّف الغافل هل ترضى لنفسك بهذه النتيجة ؟ هل تحب أن تكون مشاركاً في تكوين تلك الحرب العشواء ضد إمامك ؟ أنظر بعين ثاقبة لهذه الأوضاع وسترى تلك الأوضاع عند الظهور وإذا كنت محبّاً أن تكون جنديّاً في جيش الإمام(عجل الله فرجه) وتحاول أن تقطع كل يد تحاول أن تمس إمامك بالسوء فاعمل الآن وإن كان غير عصر الظهور لأن القضايا متشابهة فالأعلم مثل الإمام والأعداء يخططون للقضاء عليه ولا تكن فريسة سهلة للشبهات التي يطرحونها وأنت وغيرك يصدّقها كالأعمى إنهم أعداؤك الحقيقيّون ، هؤلاء الذين تحترمهم وتقدّسهم بدون دليل علمي وشرعي ، فإذا كان أعداء الأعلم وأعداء الإمام(عجل الله فرجه) ليسوا بأعداء لك فأنت أيضاً من أعداء الإمام(عجل الله فرجه) فأنقذ نفسك من هذه الهلكات وكن على بصيرة من أمرك وكثير من الناس غافلاّ عن حقيقة ولاية أمر المسلمين ، وغافلاّ عن كونها لا تتعدد في الجيل الواحد ، وغافلاً عن أن الأعلمية هي دليلها الوحيد ، وغافلاً عن إنها الإستمرار الشرعي لولاية الأنبياء وخط الأئمة(عليهم السلام) ، وهم وقعوا فريسة للمؤامرات العقائدية من الداخل والخارج.
فالمؤامرات ضد الولاية والأعلمية في عصر الغيبة تتمثل بإنشاء دليل على ولايتهم وتقليدهم وإتباعهم بتكوين فكرة الشياع وفكرة أصحاب الخبرة وإجازة الإجتهاد وفكرة توحيد المذهب ونبذ الخلافات بتجويزهم الرجوع إلى أي مجتهد أو واجهة دينية مع إنهم فيما بينهم مختلفون في الفتاوى بل العداء فيما بينهم ، نعم إجتماع كلمتهم على عداء الأعلم .
التاسع : محمد باقر الصدر والولاية العامة
للمعرفة الإجمالية عن الولاية العامة وحسب ما نفهم ، يقال أن الإمام المهدي(عجل الله فرجه) ، وبما أنه القائد الوحيد المذخور لإقامة الدولة الإلهية العادلة وهو الإمام الثاني عشر والأخير وهو الحجة في خلق الله تعالى ولأن الشرط الثالث لم يتحقق إلى الآن ، وهو وجود العدد الكافي المخلص والمحامي عن الإمام(عجل الله فرجه) فلا بد أن يتأخر موعد الظهور بشكل طبيعي وظاهر أمام الناس لعدّة أجيال لأنه سوف يلاقي ما لاقاه آباؤه الطاهرون وهو القتل ، وإذا قـُتل الإمام زال شرط من شروط بل الركن الأساسي للدولة العالمية العادلة وهذا مخالف لما يريده ويخطط له الله تعالى ، ومن هنا تقرر أن يغيب الإمام(عجل الله فرجه) لحين وجود العدد المناصر والمخلص ، وبما أن الغيبة تنافي إقامة الحجة والاتصال بالمجتمع لتكامله والإندكاك في مشاكله وحوادثه بشكل ظاهر ، فإذن لهذا السبب إستحدثت ولاية أمر المسلمين وأوكلت إليها هذه المهام الجسيمة ، كما أشار السيد الصدر الأول إلى ذلك حيث قال: (( إن خطي الخلافة والشهادة الموجودة عند الأنبياء وأهل البيت والإمام المهدي(صلوات الله عليهم) بعد الغيبة تُعذّر المباشرة بمسؤولياتها فلذلك أنيطت هاتين المهمتين بالمرجع الجامع للشرائط )) صاحب ولاية الفقيه .
العاشر: إنقذ نفسك
والآن أيها المكلف بعد أن عرفت معنى ولاية أمر المسلمين فهل يمكن لغير الأعلم أن يباشر هذه المسؤوليات الرسالية ؟ وهل كل المجتهدين والعلماء حاصلين على هذه الصفة لكي يجوز تقليد وإتباع أيّاً كان منهم ؟ أما هذان الخطان فسيرجعان للإمام(عجل الله فرجه) عند الظهور وتلغى من الأصل ولاية الفقيه بإنتاج هدفها وهو الـ(313) الذين سيكونون كلهم علماء بحق ونقصد علمـاء بالحق وطريق الحق وقائدنا الحق ، ومخلصين وممحصين فانظر أيها المكلف بنفسك وأنقذها من الإنحراف عن خط الولاية وابحث عن مصداقها الحقيقي ، وأسأل نفسك هل حقاً إن من أتبعه وأقلده يمثل الولاية والنيابة عن الإمام(عجل الله فرجه) ؟ وكيف يكون صاحب الولاية وهو ليس بأعلم ؟ وأسأل نفسك من ينادي بالأعلمية الآن في أيامنا هذه ؟ أليس هـو الوحيد السيد محمود الحسني الصرخي ؟ ومن ينادي بالمناظرة ؟ ومن أعطى الدليل العلمي والأخلاقي والدليل العلمي المتمثل بالبحوث الأصولية العالية التي لم يستطع علماء الحوزة في الداخل وفي الخارج من باقي حوزات العالم الشيعي أن يرد عليها ؟ أليس من الواجب عليك أيها المكلف أن تسمع من السيد الحسني كمـا تسمع من المروّجين للشبهات ضده ، تلك الشبهات التي أثّرت على كثير من المشتبهين ، مثل ((أنه ليس بسيد)) و((إنه صغير السن)) و((إنه ليس من السلك الحوزوي)) و((إنه متوهم)) و((إنه يفرّق المذهب)) و((إنه يدّعي المهدوية)) إلى غيرها من الشبهات الكثيرة ، مع إن السيد الحسني قد ردَّ تلك الشبهات علمياً وأخلاقيّاً ، ولذلك احتاج أولئك المخادعين لشن المؤامرات المستهدفة إغتياله وذلك بالتعاون مع قوى الكفر أمثال صدام وأمريكا ، فكن صاحب عقل وعلم ولا تسير بالعاطفة الهوجاء .
الحادي عشر : ولاية أمر المسلمين منشؤها وتكاملها
إن ولاية أمر المسلمين بهذه المفاهيم الموجودة في عصرنا الآن لم تكن موجودة في بدايتها في عهد السفراء , مثلاً ، فإن غاية وهدف السفراء هو ترسيخ فكرة الغيبة في أذهان قواعد الإمام الشيعية يعني تقبّل الشيعة فكرة الغيبة مع الإيمان الثابت بوجود الإمام(عجل الله فرجه) عن طريق التوقيعات من الناحية المقدسة أي الإمام(عجل الله فرجه) التي تعتبر دليلاً على وجوده ، وتـُوجَّه من الإمام(عجل الله فرجه) لقواعده الشعبية حلاً لمشاكلهم الفقهية والعقائدية ، وعن طريق التوقيعات يعيّن السفير ـ أي أن تعيين السفير من قبل الإمـام مباشرةً ـ وبعد هذه المرحلة التمهيدية وقعت الغيبة الكبرى وذلك بموت السفير الرابع وفي الغيبة الكبرى لا وجود للتوقيعات والتعيين المباشر فأوكلت مهمة التعيين للقواعد الشعبية نفسها وحمّلت هذه المسؤولية ورعايتها بالحق ، وذلك بتعيين النائب أو ولي أمر المسلمين وإن كانت هذه الولاية في هذه المرحلة غير مكتملة المعالم أو واضحة في أذهان الناس ، وهذا لا يعني أن التعيين موكل إلى الأمة حسب رغبتها بل مشروط وموافق لتعيين آخر وهو التعيين الوصفي من قبل الأئمة والإمام المهدي(عجل الله فرجه) ، وذلك أن الأئمة بيّنوا من يصلح للقيادة والنيابة بمواصفات وشروط لأن الأئمة والمهدي(عليهم السلام) لا يمكن أن يهملوا أمر الغيبة الكبرى فمن هنا قال الإمام الحسن العسكري(u):{ فمن كان من الفقهاء ، صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه } ، وكذلك قول الإمام المهدي(عجل الله فرجه):{ أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم } وكـذلك قـول الإمـام الصادق(u): { انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكماً } والسيد الصدر الثاني(قدس سره) يقول نفهم من كلمة (حاكماً) يعني الولاية العامة والإمام الصادق(u) يقول: { ما ولّت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا } فكلمة ولّت تعني الولاية العامة ، وهي مؤدية للسفال إذا كانت لغير الأعلم ومؤدية إلى الكمال إذا كانت للأعلم .
الثاني عشر : هذا ما وجدنا عليه آبائنا
إذن يجب أن يكون التعيين من الأمة ـ وحسب ما ذكرناه من شروط ـ والحقيقة أن الأمة لم تسر على هذا هذه الشروط إلاّ القليل وإلى يومنا هذا ، فهذه الأمة قديماً وحديثاً كانت تعيّن النائب على شروط إبتدعوها ، وعزلوا شروط الأئمة(عليهم السلام) وضربوها عرض الجدار ، حيث أن الأئمة(عليهم السلام) لم يشترطوا ولم يقيّدوا لإثبات مرجع التقليد بالشياع ، ولم يشترطوا ولم يقيّدوا بأن أصحاب الخبرة يجب أن يشهدوا له بالأعلمية والولاية ، فأي أعلم وأي ولي هذا الذي يحتاج إسباغ الشرعية من الأدنى منه والأئمة(عليهم السلام) لم يشترطوا فيها طول العمر إلى غيرها من الشروط والقيود التي يسيرون عليها منذ أمد بعيد بنفس الترتيب ، وكل من جاء بالتجديد والإصلاح وهدم هذه المفاهيم الخاطئة ـ أما بعدم صحتها أصلاً أو بعدم واقعيتـها خارجـاً ـ اتهموه بالعمـالة والتوهم ، فيجب علينا عقلاً وشرعاً التقيّد بالشروط التي إشترطوها أهل البيت(عليهم السلام) ، وعبارة { فعلى العوام أن يقلدوه } تعني أن كل من لم يكن بتلك الشروط فليس للعوام أن يقلّـدوه وهو محـرّم عليهم ، وعبارة { رواة حديثنا } ليس المقصود منها مجموعة الفقهاء والمجتهدين الموجودين في الجيل الواحد بحيث يمكن الرجوع إليهم كلّهم ، وإنما المقصود في كل جيل نائب واحد وهو الأعلم (( كما أثبتنا هذا خلال البحث)) وبمجموعة أجيال الغيبة يكون مجموعة من النواب وهم في الحقيقة رواة الأحاديث لأن كلام الإمام شامل لكل عصور الغيبة ، وكذلك يقال أنه لا يمكن أن يحتج الإمام(عجل الله فرجه) على الناس بمجموعة من الفقهاء في الجيل الواحد لأننا نعلم أن الحجة تتمثل بواحد وليس أكثر والإمام(عجل الله فرجه) يقول : إني مرسل إليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم فأرسل إليهم النفس الزكية محمد بن الحسن وهو واحد طبعاً ، ولو لم يكن عندنا إلاّ سيرة الإمام المعصوم(عجل الله فرجه) في السفارة لكفى في إثبات وجوب إتباع الأعلم الذي تنعقد له الولاية العامة ، فالجميع يعلم أن السفراء كان تعيينهم من قبل المعصوم(عجل الله فرجه) بالطول ـ أي يتحقق وجود سفير واحد فقط وعند رحيله إلى الرفيق الأعلى تبدأ سفارة الثاني وهكذا الثالث والرابع ـ ومما يؤسف جداً إنه في جميع عصور الغيبة نرى أن الأمة تاركة للأعلم ومجتمعة على غيره ، إلاّ قليلاً ممن وفى لرعاية الحق ، وقضية الصدر الأول والصدر الثاني والسيد محمود الحسني أوضح مثال على ذلك .
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرج قائم آل محمد
أخترت هذا الموضوع لأحد أخواننا الحسنيين والمختص في ولاية الفقيه وذلك بسبب طلب جماعة ابن أكويطع لهذا الشئ واليكم هذا البحث
الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على محمد وآله أجمعين وعجّل فرجهم والعن عدوهم .
ولاية أمر المسلمين
عندما أوجد الله تعالى البشرية على الأرض جعلها تسير وفقاً لتخطيطات حكيمة لإخراجها نحو الكمال المرتقب لها ، وذلك بالتدريج والإستحقاق لمراتب الكمال ، وأمر الله تعالى البشرية بل الخلق كله بطاعته وإتباعه وولايته وتلقـّي الكمال منه مباشرة .
وبما أنه هو الخالق وهم المخلوقات ، ولأجل القصور الموجود في البشرية والمخلوقات عن تنفيذ هذا التوجيه الإلهي ولأجل رحمة الله بالخلق والتنزّل لهم ، جعل لكل مرحلة من مراحل البشرية واسطة وممثل عنه .
وتنتقل تلك المعاني الولائية والإتباعية والطاعة إلى ذلك الوسيط بالنيابة لكي تمثل طاعة الله وموالاته ، وهذا الوسيط يجعله الله تعالى حسب المستوى الذي تعيشه أي مرحلة من البشرية بحيث يكون التفاعل موجوداً وإن كان ضئيلاً إلاّ أنه يُحضّر ويُربّي للمرحلة القادمة ليكون التقبّل أكثر والإنسجام أكثر مع الوسيط القادم ، وعن طريق هذه الوساطة أمر الله تعالى بإتباع الحق والتضحية من أجله ومحاربة الباطل لأن الله تعالى علِم بعلمه الأزلي أنه سيوجد الباطل والضلال على طول البشرية إلى أن يتحقق الهدف الأولي لوجود البشرية وهو تحقيق الدولة العالمية العادلة في يوم الظهور .
والحق الذي يجب إتباعه غير معروف وغامض وليس هو فكرة موجودة محسوسة يمكن للبشرية معرفتها والتعامل معها وإنما الحق هو الله نفسه(جلّت قدرته) .
وأيضاً لوجود القصور في معرفة الله تعالى وبالتالي معرفة الحق ، فقد تعيّن أن يكون الوسيط هو صورة ومستوى على مستويات الحق ، إذن يجب أن تنتقل موالاة الحق إلى من يمثله وهو الوسيط في كل عصر .
وقد يرد إعتراض على ذلك ، وهو أن الوسطاء هم الأنبياء والرسل والأوصياء وأهل البيت(صلوات الله عليهم) وفي عصر الغيبة أولياء الأمر ( ولاة أمر المسلمين) ، وإن هؤلاء الوسطاء يعطون تعاليم عن الألوهية أو تعاليم تشريعية مختلفة بعضها عن البعض الذي يليها ، وهذا ما يسمى بالنسخ فهل هذا الإختلاف حاصل في الذات الإلهية ، لكون الحق هو الله وهم يمثـّلون الله تعالى ؟
ويمكن الجواب: بأن يقال إن كل وسيط يعطي مستوى من الكمال والمفاهيم مناسبة مع مستوى تقبّل المجتمع الذي يعيشه ، وكما ورد في الحديث (( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم )) ، وطبعاً المجتمع الذي يأتي بعد هذا المجتمع يكون أكثر إستحقاقاً وتقبلاً للمعرفة والكمال فيعطي النبي الآخر مستوىً أكثر ، علماً ومعرفة ، بالعقائد والتشريعات وغيرها ومن هنا ينشأ الإختلاف والترقي وهذا ما نراه واضحاً بإعتقادنا في هذا العصر بسذاجة معتقدات الأمم السالفة التي هي مؤمنة بالأنبياء ، وهذا المستوى الموجود الآن سيكون ساذجاً عند المجتمع المعصوم وهكذا عند المجتمع ما بعد العصمة وإلى ما بعده ، وطبعاً إننا في عصرنا الآن غير مستحقّين لتلك المستويات الباهرة في الكمال وفي معرفة الله حق معرفته التي ستحصل في الدولة العادلة وفي المجتمع المعصوم وما بعده لأن الكمال غير منتهي الدرجات حسب ما بيّنه السيد الصدر الثاني في موسوعته المهدوية ، وعليه فإننا نفهم من هذه المقدمة عدة أمور:
الأول: التخطيط الإلهي
إنه لا يمكن أن يخلو عصر أو جيل أو حتى يوم واحد من التخطيط الإلهي وذلك لسببين:
السبب الأول: على ما نفهم إن التخطيط الإلهي شامل ومهيمن على جميع مراحل البشرية وأيامها وأزمانها فلو خلي جيل أو عصر من التخطيط فهذا يعني نقص في شمولية وهيمنة التخطيط وبالتالي لا يمكنه أن يعطي النتائج الكاملة .
السبب الثاني: إن التخطيط يعني الرعاية والتربية الإلهية فإذا خـُلي منه عصر فهذا يعني ظلم الله تعالى لذلك العصر وهو محال على الله تعالى لأنه العادل الكريم .
الثاني: إنطباق مفهوم الوسيط على المرجع الولي
إنه لا يخلو يوم أو أكثر من وجود الوسيط ولا يجب تقييد مفهوم الوسيط بالأنبياء والرسل والأئمة(عليهم السلام) بل يمكن إنطباقه على ولي أمر المسلمين في فترة الغيبة ، وهذا معنى قول الإمام الصادق(عليه السلام): (( لا تخلو الأرض من حجة )) و (( لو لم يبقَ من أهل الأرض إلاّ إثنان لكان أحدهما الحجة )) .
الثالث: إعرف الحق تعرف أهله
ولنرجع قليلاً إلى معنى الحق والباطل فبما أن الحق متمثل بالوسطاء فمن إنسجم معهم فهو منسجم مع الحق ومن ناصرهم وآمن بهم فقد ناصر وآمن بالحق وبالمقابل من لم يؤمن بهم ولم ينسجم معهم ( خاصةً عصرنا الحاضر) فهو بالضرورة غير مؤمن وغير منسجم مع الحق ، وعدم الإيمان والنفور هي حقيقة الباطل لأن الباطل والشر أمور عدمية مكتسبة لوجودها من عدم وجود الصفات الحقانية والخيرية فهي في الحقيقة لا وجود لها إطلاقاً .
إن بهذا المعنى من عدمية الإيمان بالحق وعدمية فعل الخير إلى غيرها ، وبما أن الوسيط في عصرنا الحالي هو الأعلم صاحب ولاية الفقيه ، فمن عاداه ولم يؤمن به فهو داخل في تلك المعاني من الباطل والشر بل هو مستند إلى العدم نفسه وأعماله تذهب عدماً ، وهنا ننصح المكلفين عموماً بالإلتفات إلى خطورة مسالكهم وموالاتهم لغير الأعلم والنظر (مثلاً) إلى قضية السيد الحسني بعين المنصف العاقل الباحث عن الحقيقة ، ودفع الشبهات عن إعتقادهم بتصديقهم للجهات التي ينتمون إليها وفحصها ونقدها والنظر إلى ما ورائها من مصالح دنيوية ومناصب إجتماعية على حساب الدين وعلى حساب مصير المكلفين ، نعم إنهم لا يبالون بكم وسواء عليهم أهتديتم أم ضللتم وهويتم إلى النار والعقاب وإنما ما يهمّهم هو البقاء في مناصبهم وتوسيع نفوذهم وسلطانهم الباطل ، أترضى أيها المكلف أن تكون مثل الحطب الذي يحترق في سبيل إعطاء الدفء والمنفعة للغير ، وقضية الصدر الأول والثاني ليست ببعيدة عنك فخذ العبرة والذكاء في التصرّف ولا تكن منقاداً وعبداً ذليلاً لمصالحهم .
أطلب الدليل والأثر العلمي واتـّبع صاحبه فهو حجة عليك ، أنا لا ألزمك بالسيد الحسني كشخص بل ألزمك بدليله وأثره العلمي ، فهل عندك دليل أرجح منه أو مثله حتى تتبعه وأتبعه معك .
الرابع: الكمال في العلم
إن كل وسيط أيّاً كان عنوانه يجب أن يكون أعلم أهل زمانه فكل نبي من الأنبياء كان أعلم ولا يوجد من هو أعلم منه في فترته النبوية ، أمّا إذا زال عن المجتمع فسيأتي من هو أعلم منه لأن التكامل في ترقي مستمر ، وحتى قضية نبي الله موسى مع الخضر(عليهما السلام) فإن موسى(عليه السلام) كان أعلم من الخضر(عليه السلام) ولكن هذه الحادثة كانت من باب إختبار الطاعة لموسى(عليه السلام) وهذا ما أشار إليه الصدر الثاني(قدس سره) عندما سُئل عن هذا الإشكال ، وعلى هذا الأساس يجب أن يركّز التقليد في عصر الغيبة على الأعلم ، ولذلك جُعلت الأعلمية شرط في التقليد والولاية العامة والإمام الصادق(عليه السلام) يقول: (( ما ولّت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا )) وهذا شيء عقلي وطبيعي لأن الدين قائم على أساس العلم وليس الجهل ، بل الكمال كله عبارة عن علم .
الخامس: الولاية الواحدة
إن الوسيط الواحد لا يتعدد ففي مرحلة الأنبياء كان النبي واحداً ، وهو المبلّغ والحجة في عصره وإن كان معه أنبياء في جيله ، مثل مجموعة كثيرة من الأنبياء في عصر النبي موسى أو إبراهيم فهؤلاء الأنبياء في الحقيقة راجعون إلى ذلك النبي في الطاعة والموالاة والحجية عليهم ، وفي مرحلة أهل البيت(عليهم السلام) فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الحجة والمبلّغ والمطاع والمفترض والولاية حتى علي أمير المؤمنين والحسن والحسين(عليهم السلام) مع إنهم أئمة وأفضل خلق الله بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحتى لا يكون عصرنا شاذاً عن الأنبياء والأئمة فيجب أن يكون الوسيط الذي هو الأعلم واحداّ لا يتعدد ومرجع التقليد واحداً ، والقيادة العامة والولاية والنيابة واحدة في كل جيل ، وهذا ما قاله السيد الصدر (( الولايـة واحدة لا تتعدد في جميع بلاد الشيعة في العراق وإيران أو أفغانستان أو باكستان أو الهند…إلى غيرها )) .
والسيد محمود الحسني يقول: (( الولاية واحدة واقعاً )) ودليل الولاية الأعلمية والولاية تدور مدار الأعلمية والأعلمية حددها السيد الصدر الثاني بأصول أبي جعفر حيث قال: (( من لم يكـن له أصول أبي جعفر فاعزلوه كائناً من كان )) وهذا القول منطقي جداً لأن السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) هو الأعلم في جيله ومن كان فاهماً ومسيطراً على أصوله ومستواه العلمي ودافعاً لهذا المستوى خطوةً إلى الأمام فهو الأعلم من بعده وهو السيد الصدر الثاني(قدس سره) ومن كان فاهماً ومسيطراً على أصول السيد الصدر الثاني(قدس سره) فهو مسيطراً على أصول السيد الصدر الأول(قدس سره) وهو دافعاً لهذا المستوى خطوة إلى الأمام فهو الأعلم من بعده وصاحب الولاية ، وهذه الكيفية حاصلة عند الأنبياء(عليهم السلام) فبعضهم مستند على بعض وهو حاصل في الأئمة فأمير المؤمنين(عليه السلام) متربي في أحضان نبوة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) والحسن في حوزة أمير المؤمنين والحسين كذلك إلى باقي الأئمة(صلوات الله عليهم) فكل منهم هو أعلم أهل زمانه لأنه تتلمذ وأخذ من الإمام الذي قبله وهو الأعلم أيضاً .
السادس: الرقي في الأغراض
إن كل نبوءة تزول بإستفادة غرضها ، فإذا حققت غرضها وهدفها المرحلي فلا داعي لبقاءها لأنه ستأتي بعدها نبوءة جديدة لها أغراض أعلى وأرقى فإذا تحقق غرضها ستزول وتأتي أخرى وهكذا إلى أن تختم النبوءة بنبوءة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) الباقية إلى النهاية لأن غرضها غير متحقق وهو وجود الدولة العالمية العادلة وما بعدها من تحقيق المجتمع المعصوم وما بعده .
والمهم هنا أنه لا معنى للبقاء على تعاليم وطاعة وولاية النبوة السابقة مع وجود نبؤة جديدة وهذا ما بيّنه الصدر الأول والصدر الثاني(قدست أسرارهم) وعصر الغيبة مستند إلى هذه السنن وذلك معنى الفتوى التي يقول بها العلماء المجاهدين الصادقين (( إنه لا يجوز البقاء على تقليد الميت الأعلم مع وجود الأعلم الحي )) ، نعم مع أخذ الإذن من الأعلم الحي يجوز لك ولكن حتى هذا يعتبر تقليداً للأعلم الحي ولا ينبغي أن ننسى أن الأعلم يعني الوسيط في الطاعة والولاية والإتباع التي هي في الأساس منتقلة إلى طاعة الله وولايـة الله وإتباع الله تعالى .
ويجب أن نفهم أن وساطة الولاية العامة في عصر الغيبة ووساطة أهل البيت(عليهم السلام) ووساطة الأنبياء ليست مباشرة مع لله تعالى فإن هذا غيـر حاصـل إلاّ لـواحـد حسب قاعدة (( الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد )) وهو الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) أو لنقـُلْ أن الشارع الأقدس(عظمت قدرته) هو الذي حصر لها هذا الخط وهذه الوساطة أشار إليها بقوله تعالى: (( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )) ، وولاية وحجية ووساطة الأنبياء تصب في ولاية أهل البيت(عليهم السلام) ومشرّعة من قبلها وكذلك ولاية أمر المسلمين في عصر الغيبة وكذلك ولاية ووساطة الأولياء المهديين الذين يحكمون ما بعد المهدي(u) بطريق التعيين وكذلك الذين يحكمون ما بعدهم بطريق الإنتخاب والشورى فكلهم يصبّون في ولاية أهل البيت(عليهم السلام) وولاية أهل البيت(عليهم السلام) تصب في ولاية أمير المؤمنين(u) وولاية أمير المؤمنين(u) تصب في ولاية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسول له هذه الصفات بالمباشرة مع الله لا وجود لوسيط بينهما .
السابع: الثلاثمائة وثلاثة عشر
إن إيمان الفرد بولاية وطاعة ونبؤة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يجب عليه أن يكون مؤمناً بجميع النبوءات السابقة لأن المؤمن بالرسول بالضرورة يكون مؤمن بالأنبياء السابقين وتلك الصفوة المؤمنة بالرسول عند بدء دعوته وهم (313) هم خلاصة التمحيص في عصور الأنبياء كلها ونفس الأمر حاصل مع قضية الإمام المهدي(عجل الله فرجه) فكما إن اطروحة الإسلام كانت متوقفة على شرط وجود عدد مناصر ومتقبّل ومُهيّأ وهم عدة أصحاب بدر (313) فكذلك الإمام المهدي واطروحة العدل الإلهي متوقفة على ذلك العدد من الممحصين المخلصين المؤمنين بالأنبياء وأهل البيت(صلوات الله عليهم) وولاية المسلمين في عصر الغيبة فالمؤمن بالمهدي(عجل الله فرجه) يجب أن يكون مؤمناً بالولايات السابقة على الظهور وحاصل على تكاملاتها وممحَصاً في إختباراتها فمن يقصّر في الإيمان هنا فمن باب أولى سيكـون مقصراً في الإيمان هناك ـ أي بالمهدي (عجل الله فرجه) ـ عند الظهور ، ومن هنا ، فليعلم من كان معتقداً في نفسه بالإيمان بالمهدي والإخلاص له وهو مخالف وغير مؤمن بنائبه فليعلم أنه يكذب على نفسه وإن كان يَحس في نفسه بأحقية المهدي(عجل الله فرجه) وإمامته وغيبته ومظلوميته إلا أنه عند الظهور سيتبخّر هذا الإحساس عند أول تمحيص وقد ينقلب إلى أعداء المهدي(عجل الله فرجه) وهذا ما سيحدث عند الظهور فإن الشيعة المؤمنة بالمهدي(عجل الله فرجه) ستجمع على محاربته مع رؤساءهم ومراجعهم وأئمتهم المضلّين وهذه الحوادث الفظيعة هي نتاج وخلاصة لتلك الأعمال الظالمة والإفتراءات والشبهات والمؤامرات التي زرعوها في قلوب وعقول الناس الغافلين والجاهلين ضد الأعلم في كل جيل وباستمرار .
الثامن: كن جنديّاً للإمام(عجل الله فرجه)
فيا أيها المكلّف الغافل هل ترضى لنفسك بهذه النتيجة ؟ هل تحب أن تكون مشاركاً في تكوين تلك الحرب العشواء ضد إمامك ؟ أنظر بعين ثاقبة لهذه الأوضاع وسترى تلك الأوضاع عند الظهور وإذا كنت محبّاً أن تكون جنديّاً في جيش الإمام(عجل الله فرجه) وتحاول أن تقطع كل يد تحاول أن تمس إمامك بالسوء فاعمل الآن وإن كان غير عصر الظهور لأن القضايا متشابهة فالأعلم مثل الإمام والأعداء يخططون للقضاء عليه ولا تكن فريسة سهلة للشبهات التي يطرحونها وأنت وغيرك يصدّقها كالأعمى إنهم أعداؤك الحقيقيّون ، هؤلاء الذين تحترمهم وتقدّسهم بدون دليل علمي وشرعي ، فإذا كان أعداء الأعلم وأعداء الإمام(عجل الله فرجه) ليسوا بأعداء لك فأنت أيضاً من أعداء الإمام(عجل الله فرجه) فأنقذ نفسك من هذه الهلكات وكن على بصيرة من أمرك وكثير من الناس غافلاّ عن حقيقة ولاية أمر المسلمين ، وغافلاّ عن كونها لا تتعدد في الجيل الواحد ، وغافلاً عن أن الأعلمية هي دليلها الوحيد ، وغافلاً عن إنها الإستمرار الشرعي لولاية الأنبياء وخط الأئمة(عليهم السلام) ، وهم وقعوا فريسة للمؤامرات العقائدية من الداخل والخارج.
فالمؤامرات ضد الولاية والأعلمية في عصر الغيبة تتمثل بإنشاء دليل على ولايتهم وتقليدهم وإتباعهم بتكوين فكرة الشياع وفكرة أصحاب الخبرة وإجازة الإجتهاد وفكرة توحيد المذهب ونبذ الخلافات بتجويزهم الرجوع إلى أي مجتهد أو واجهة دينية مع إنهم فيما بينهم مختلفون في الفتاوى بل العداء فيما بينهم ، نعم إجتماع كلمتهم على عداء الأعلم .
التاسع : محمد باقر الصدر والولاية العامة
للمعرفة الإجمالية عن الولاية العامة وحسب ما نفهم ، يقال أن الإمام المهدي(عجل الله فرجه) ، وبما أنه القائد الوحيد المذخور لإقامة الدولة الإلهية العادلة وهو الإمام الثاني عشر والأخير وهو الحجة في خلق الله تعالى ولأن الشرط الثالث لم يتحقق إلى الآن ، وهو وجود العدد الكافي المخلص والمحامي عن الإمام(عجل الله فرجه) فلا بد أن يتأخر موعد الظهور بشكل طبيعي وظاهر أمام الناس لعدّة أجيال لأنه سوف يلاقي ما لاقاه آباؤه الطاهرون وهو القتل ، وإذا قـُتل الإمام زال شرط من شروط بل الركن الأساسي للدولة العالمية العادلة وهذا مخالف لما يريده ويخطط له الله تعالى ، ومن هنا تقرر أن يغيب الإمام(عجل الله فرجه) لحين وجود العدد المناصر والمخلص ، وبما أن الغيبة تنافي إقامة الحجة والاتصال بالمجتمع لتكامله والإندكاك في مشاكله وحوادثه بشكل ظاهر ، فإذن لهذا السبب إستحدثت ولاية أمر المسلمين وأوكلت إليها هذه المهام الجسيمة ، كما أشار السيد الصدر الأول إلى ذلك حيث قال: (( إن خطي الخلافة والشهادة الموجودة عند الأنبياء وأهل البيت والإمام المهدي(صلوات الله عليهم) بعد الغيبة تُعذّر المباشرة بمسؤولياتها فلذلك أنيطت هاتين المهمتين بالمرجع الجامع للشرائط )) صاحب ولاية الفقيه .
العاشر: إنقذ نفسك
والآن أيها المكلف بعد أن عرفت معنى ولاية أمر المسلمين فهل يمكن لغير الأعلم أن يباشر هذه المسؤوليات الرسالية ؟ وهل كل المجتهدين والعلماء حاصلين على هذه الصفة لكي يجوز تقليد وإتباع أيّاً كان منهم ؟ أما هذان الخطان فسيرجعان للإمام(عجل الله فرجه) عند الظهور وتلغى من الأصل ولاية الفقيه بإنتاج هدفها وهو الـ(313) الذين سيكونون كلهم علماء بحق ونقصد علمـاء بالحق وطريق الحق وقائدنا الحق ، ومخلصين وممحصين فانظر أيها المكلف بنفسك وأنقذها من الإنحراف عن خط الولاية وابحث عن مصداقها الحقيقي ، وأسأل نفسك هل حقاً إن من أتبعه وأقلده يمثل الولاية والنيابة عن الإمام(عجل الله فرجه) ؟ وكيف يكون صاحب الولاية وهو ليس بأعلم ؟ وأسأل نفسك من ينادي بالأعلمية الآن في أيامنا هذه ؟ أليس هـو الوحيد السيد محمود الحسني الصرخي ؟ ومن ينادي بالمناظرة ؟ ومن أعطى الدليل العلمي والأخلاقي والدليل العلمي المتمثل بالبحوث الأصولية العالية التي لم يستطع علماء الحوزة في الداخل وفي الخارج من باقي حوزات العالم الشيعي أن يرد عليها ؟ أليس من الواجب عليك أيها المكلف أن تسمع من السيد الحسني كمـا تسمع من المروّجين للشبهات ضده ، تلك الشبهات التي أثّرت على كثير من المشتبهين ، مثل ((أنه ليس بسيد)) و((إنه صغير السن)) و((إنه ليس من السلك الحوزوي)) و((إنه متوهم)) و((إنه يفرّق المذهب)) و((إنه يدّعي المهدوية)) إلى غيرها من الشبهات الكثيرة ، مع إن السيد الحسني قد ردَّ تلك الشبهات علمياً وأخلاقيّاً ، ولذلك احتاج أولئك المخادعين لشن المؤامرات المستهدفة إغتياله وذلك بالتعاون مع قوى الكفر أمثال صدام وأمريكا ، فكن صاحب عقل وعلم ولا تسير بالعاطفة الهوجاء .
الحادي عشر : ولاية أمر المسلمين منشؤها وتكاملها
إن ولاية أمر المسلمين بهذه المفاهيم الموجودة في عصرنا الآن لم تكن موجودة في بدايتها في عهد السفراء , مثلاً ، فإن غاية وهدف السفراء هو ترسيخ فكرة الغيبة في أذهان قواعد الإمام الشيعية يعني تقبّل الشيعة فكرة الغيبة مع الإيمان الثابت بوجود الإمام(عجل الله فرجه) عن طريق التوقيعات من الناحية المقدسة أي الإمام(عجل الله فرجه) التي تعتبر دليلاً على وجوده ، وتـُوجَّه من الإمام(عجل الله فرجه) لقواعده الشعبية حلاً لمشاكلهم الفقهية والعقائدية ، وعن طريق التوقيعات يعيّن السفير ـ أي أن تعيين السفير من قبل الإمـام مباشرةً ـ وبعد هذه المرحلة التمهيدية وقعت الغيبة الكبرى وذلك بموت السفير الرابع وفي الغيبة الكبرى لا وجود للتوقيعات والتعيين المباشر فأوكلت مهمة التعيين للقواعد الشعبية نفسها وحمّلت هذه المسؤولية ورعايتها بالحق ، وذلك بتعيين النائب أو ولي أمر المسلمين وإن كانت هذه الولاية في هذه المرحلة غير مكتملة المعالم أو واضحة في أذهان الناس ، وهذا لا يعني أن التعيين موكل إلى الأمة حسب رغبتها بل مشروط وموافق لتعيين آخر وهو التعيين الوصفي من قبل الأئمة والإمام المهدي(عجل الله فرجه) ، وذلك أن الأئمة بيّنوا من يصلح للقيادة والنيابة بمواصفات وشروط لأن الأئمة والمهدي(عليهم السلام) لا يمكن أن يهملوا أمر الغيبة الكبرى فمن هنا قال الإمام الحسن العسكري(u):{ فمن كان من الفقهاء ، صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه } ، وكذلك قول الإمام المهدي(عجل الله فرجه):{ أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم } وكـذلك قـول الإمـام الصادق(u): { انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكماً } والسيد الصدر الثاني(قدس سره) يقول نفهم من كلمة (حاكماً) يعني الولاية العامة والإمام الصادق(u) يقول: { ما ولّت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا } فكلمة ولّت تعني الولاية العامة ، وهي مؤدية للسفال إذا كانت لغير الأعلم ومؤدية إلى الكمال إذا كانت للأعلم .
الثاني عشر : هذا ما وجدنا عليه آبائنا
إذن يجب أن يكون التعيين من الأمة ـ وحسب ما ذكرناه من شروط ـ والحقيقة أن الأمة لم تسر على هذا هذه الشروط إلاّ القليل وإلى يومنا هذا ، فهذه الأمة قديماً وحديثاً كانت تعيّن النائب على شروط إبتدعوها ، وعزلوا شروط الأئمة(عليهم السلام) وضربوها عرض الجدار ، حيث أن الأئمة(عليهم السلام) لم يشترطوا ولم يقيّدوا لإثبات مرجع التقليد بالشياع ، ولم يشترطوا ولم يقيّدوا بأن أصحاب الخبرة يجب أن يشهدوا له بالأعلمية والولاية ، فأي أعلم وأي ولي هذا الذي يحتاج إسباغ الشرعية من الأدنى منه والأئمة(عليهم السلام) لم يشترطوا فيها طول العمر إلى غيرها من الشروط والقيود التي يسيرون عليها منذ أمد بعيد بنفس الترتيب ، وكل من جاء بالتجديد والإصلاح وهدم هذه المفاهيم الخاطئة ـ أما بعدم صحتها أصلاً أو بعدم واقعيتـها خارجـاً ـ اتهموه بالعمـالة والتوهم ، فيجب علينا عقلاً وشرعاً التقيّد بالشروط التي إشترطوها أهل البيت(عليهم السلام) ، وعبارة { فعلى العوام أن يقلدوه } تعني أن كل من لم يكن بتلك الشروط فليس للعوام أن يقلّـدوه وهو محـرّم عليهم ، وعبارة { رواة حديثنا } ليس المقصود منها مجموعة الفقهاء والمجتهدين الموجودين في الجيل الواحد بحيث يمكن الرجوع إليهم كلّهم ، وإنما المقصود في كل جيل نائب واحد وهو الأعلم (( كما أثبتنا هذا خلال البحث)) وبمجموعة أجيال الغيبة يكون مجموعة من النواب وهم في الحقيقة رواة الأحاديث لأن كلام الإمام شامل لكل عصور الغيبة ، وكذلك يقال أنه لا يمكن أن يحتج الإمام(عجل الله فرجه) على الناس بمجموعة من الفقهاء في الجيل الواحد لأننا نعلم أن الحجة تتمثل بواحد وليس أكثر والإمام(عجل الله فرجه) يقول : إني مرسل إليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم فأرسل إليهم النفس الزكية محمد بن الحسن وهو واحد طبعاً ، ولو لم يكن عندنا إلاّ سيرة الإمام المعصوم(عجل الله فرجه) في السفارة لكفى في إثبات وجوب إتباع الأعلم الذي تنعقد له الولاية العامة ، فالجميع يعلم أن السفراء كان تعيينهم من قبل المعصوم(عجل الله فرجه) بالطول ـ أي يتحقق وجود سفير واحد فقط وعند رحيله إلى الرفيق الأعلى تبدأ سفارة الثاني وهكذا الثالث والرابع ـ ومما يؤسف جداً إنه في جميع عصور الغيبة نرى أن الأمة تاركة للأعلم ومجتمعة على غيره ، إلاّ قليلاً ممن وفى لرعاية الحق ، وقضية الصدر الأول والصدر الثاني والسيد محمود الحسني أوضح مثال على ذلك .