المهدى
06-20-2008, 01:06 PM
البصرة تخلع ثياب الموت المجاني
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/25-4-2008//386324_591_small.jpg
• حراسة ورقابة امنية حكومية في ميناء «ابوفلوس»
25/04/2008 البصرة - موفد القبس نزار حاتم
فاصلة كبيرة بين سماعك الأحداث، واقترابك منها لمشاهدتها عن كثب والدخول في تفاصيلها المتشابكة.
تأكدت أن الحقائق المتصلة بالأحداث، التي عاشتها البصرة أخيراً، كانت غائمة ومبهمة، كما أن التعاطي معها من خلال «القيل والقال» لم يكن يلامس وجه الحقيقة قبل أن ندخل ـــ أمس الأول ـــ الى هذه المحافظة الغنية بالنفط والنخل والأبناء الطيبين والمبدعين.
حرام على من يعبث بهذه المدينة الغافية على شط العرب، والحالمة دوما بقصائد السياب ورقصات «الهيوة».
حرام على الذين يفقأون عيونها الجميلة بحراب الميليشيات، وعصابات التهريب، وأصحاب القتل العشوائي، والمنظم، وتصفية الحسابات بين الدول، وبين أهل المصالح الدنيئة الذين لا هم ّ لهم غير ملء الجيوب والبطون.
التراب هو التراب، ما زال يبسط رداءه الكالح على وجه المدينة ويزداد كثافة في ظل زحام العربات التي تختنق فيها الشوارع فجأة بسبب الاغلاقات المفاجئة التي تعمد اليها عناصر الجيش والشرطة في مداخل هذا الحي او ذاك من احياء المدينة لمداهمة بعض المنازل المشتبه باحتوائها على الأسلحة، أو القبض على مطلوبين بتهمة القتل وتنفيذ الأجندة الخارجية، وتهريب الثروة النفطية.
مظاهر تثير الفرح
عربات «الهمر» العسكرية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين لا تفتر عن الحركة الدائبة الى جانب سيارات النجدة عند مداخل المدينة وفي بعض الشوارع، في ظل احساس عميق من البهجة يتملك نفوس الناس الأبرياء الراغبين في العيش بسلام، والتواقين الى التخلص من الرعب الذي كان يستحوذ على نفوسهم فيحيل حياتهم الى جحيم.
اذا ما ابديت احساسا بالتبرم حيال هذه المظاهر الامنية الحكومية، يرد عليك الجميع- من الاستاذ الجامعي، مرورا بسائق التاكسي الى بائع «الفجل» ـــ بالقول: «يا معود خليهم، الله يعطيهم العافية خلصونا من المصائب».
بعض السيطرات المنتشرة في شوارع المدينة يسأل عناصرها سائقي التاكسيات عما اذا كانوا يحتفظون باشرطة تسجيل، كان عناصر جيش المهدي التابع لتيار الصدر يستخدمونها لبث الاناشيد الخاصة بهم، لغرض مصادرتها. وان كانت قيادة عمليات البصرة اعتبرت ذلك تصرفا شخصيا ولم يكن صادرا منها، طالما يتعارض مع الحريات الشخصية، بيد أن اللافت هو أن المواطنين مسرورون بذلك، فيما أصر عدد غير قليل من افراد الجيش والشرطة على بث الاغاني بصوت عال في نقاط التفتيش التي يرابطون فيها.
البصريات يطردن سطوة المتطرفين
في العشار وحي الجزائر والطويسة والجنينة، وغيرها من الأحياء البصرية، تمر فتيات حاسرات الرؤوس، فيبدي الشباب التعبير عن ارتياحهم بعباراتهم العامية الدارجة: «لك شوف هاي الرحمة - ليش ما سوتها الحكومة من زمان؟»، في اشارة الى العملية العسكرية الاخيرة التي شهدتها البصرة باسم «صولة الفرسان».
وحين تسأل أيا كان عن السبب في ابداء هذه المشاعر الفرحة يجيب: «اخي كانت لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي المسيطرة على الشارع البصري. وكان يمكنها ان تعتقل اي شاب يسير في الشارع لاي سبب كان، مثل ان يكون شعره طويلا أو بنطلونه ضيقا، فما بالك اذا شاهدوا فتاة سافرة؟!».
ما الذي يمكن أن يفعلوه اذا ما مرت سافرة؟
يجيبون: «يعتقلونها فورا. ولا أحد من أهلها يمكنه السؤال عنها، خوفا من أن يعتقل هو ايضا ويضيع ذكره».
البصرة كانت مخطوفة
الجميع، تقريبا، يؤكدون أن البصرة قبل العملية العسكرية «صولة الفرسان» كانت مخطوفة، كانت بين أنياب ومخالب أياد مختلفة، في اشارة الى أن جيش المهدي، الذي خاض الاشتباكات مع القوات الحكومية، هو أساس المشكلة «لا تعني سوى التسطيح وحرف الحقائق عن مسارها الموضوعي».
هذا ما أكده لنا المعنيون الذين يحتفظون بكثير من الأدلة والوثائق والاعترافات التي يحجمون عن ذكرها في الوقت الراهن، وفقا لتوجيهات مركزية.
ويضيف هؤلاء المعنيون أن جيش المهدي قد استدرج الى المواجهة المسلحة مع القوات الحكومية على يد عناصر بعضهم من اتباع النظام السابق وبعضهم الآخر مرتبط باجندة ايرانية وآخرون بأجندة دول أخرى مجاورة وغير مجاورة.
ولأن عددا غير قليل من هؤلاء الذين يتخذون من جيش المهدي «غطاء» لممارساتهم الاجرامية «شبه اليومية» في المحافظة، قد أدلوا باعترافات سريعة ومن دون جهد كبير من المحقين - ساعة اعتقالهم - أكدوا خلالها أنهم ارتكبوا جرائمهم مقابل أموال كبيرة كانت تقدم اليهم من دول مجاورة وغير مجاورة، مع توجيهات «محددة الاهداف».
أياد خارجية
وعن عمليات الخطف والقتل والتعذيب، التي طالما طالت الكوادر العلمية من أطباء ومهندسين، شدد بعض المعنيين على أن الاعترافات التي أدلى بها القائمون بهذه الأعمال قد أكدت الحقائق التالية:
1 ـ أنهم يتلقون في مقابل افعالهم الاجرامية هذه اموالا ضخمة من دولة يصفونها بأنها «اقليمية غير مجاورة».
2 ـ عمدوا الى الاندساس في جيش المهدي، وغيره من الميليشيات، وفقا لتوجيهات خاصة، من أجل الاحتماء بقوة سياسية، وبغية عدم التعرف على تلك الدولة من خلال التحقيق مع هذه العناصر في حال القبض عليهم.
بيد أن ذلك لا يعفي جيش المهدي من تهمة اختراقه على يد هؤلاء العناصر المرتبطة بأجندة خارجية لا صلة لها بتوجيهات التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر. وعليه فان مطالبة التيار الصدري بضرورة التخلص من «المندسين» في صفوفه تعد أمرا ضروريا للغاية.
وفي هذا الشأن، علمت «القبس» أن حوارا هادئا تقوم به الحكومة مع المعتدلين في التيار الصدري لاطلاعهم على مدى الاختراقات التي حصلت في صفوفه وبتوجهات مختلفة الاهداف والغايات.
صراعات دول
أمور مدهشة تطالع من يريد العوم في اعماق المشهد الذي كان يستحوذ على البصرة وأهلها: فلم يعد بالامكان، ان لم يكن من البلادة، حصر الاهداف لصناع ذلك المشهد تبدو كما لو انها بعدد أشجار نخيل البصرة .
أهداف سياسية، صراع ارادات بين الدول، مافيات تهريب النفط، عصابات القتل الموجه، تنفيذ الاجندة الخارجية من القريب والبعيد، استغلال السلطة للكسب المادي، أحزاب متناطحة، وغياب كامل للقانون. كلها كانت تتحرك في احشاء هذه المحافظة فساعد الله أهلها الصابرين.
خليها على الفلافل أحسن
الساعة العاشرة من صباح الخميس، علمت بوجود مدير عام العمليات في وزارة الداخلية والناطق الرسمي باسمها اللواء الركن عبدالكريم خلف في البصرة. فتوجهت اليه لغرض الحصول منه على كتاب «تسهيل مهمة»، تحاشيا لاي اعتراضات قد يبديها عناصر الجيش والشرطة على مهامنا الصحفية.
دلفت الى مكتبه في غرفة قيادة العمليات، الذي لا يتواجد فيها الا نادرا. فالرجل دائم الحركة والتنقل لمتابعة مهامه الأمنية التي كثيرا ما عرضته الى محاولات الاغتيال. فقد كان رائعا حقا في التعامل وابداء تسهيلات جمة ساعدت الاعلاميين على الاطلاع على الأمور عن كثب.
زودني بكتاب «تسهيل مهمة» من دون تأخير، وعرضت عليه رغبتي في زيارة ميناء «أبو فلوس» - النقطة الأكثر حساسية في عمليات تهريب النفط - وقد فاجأني بعبارة «تتدلل سأذهب معك. تعال معي في سيارتي».
أصدر أوامره لسكرتيره بإبلاغ موكب حمايته في التهيؤ للحركة.
مرافقة اللواء خلف تجربة فيها الكثير من الاثارة، لكن ايضا المخاطرة، لانه بالتأكيد سيمنحني فرصة التحدث مع الموجودين في الميناء والتجوال فيه براحة بال. كما أن سيارته مصفحة. لكن المقلق في المهمة بالنسبة لي هو علمي المسبق بأن الرجل مستهدف وكان وصله سيل من التهديدات عبر هاتفه النقال وبريده الالكتروني.
سألني: «هل ترغب في أن ننتظر لنتغدى معاً، أم نتوجه الآن فيكون غداؤك سندويشات فلافل نتناولها في الطريق ونحن في السيارة؟».
أجبته بان يخليها على الفلافل أحسن، وتحرك موكبنا نحو الميناء، سالكا الطريق المؤدي الى قضاء «ابو الخصيب».
في ميناء «أبو فلوس»
شارع ضيق ما زالت تحتشد على جانبيه أشجار النخيل، ومنازل متوارية خلف الأشجار على مسافة نحو ثلاثين كيلومترا. ثم انعرج بنا الموكب يسارا، نحو بوابة ميناء «أبو فلوس» التي يقف عندها عناصر الشرطة مدججين بالسلاح.
استقبلنا مدير الميناء ومعه عدد كبير من الموظفين والعمال العاملين هناك.
- سألت بعض المستقبلين عن عمليات التهريب، فاجابوا ان «الكثير منها حصل، لكن الآن انتهت.. ماكو واحد يجرؤ لأن شافوا الحديدة حارة»، كناية عن الاجراءات المشددة التي اتخذت أخيراً للحيلولة دون تهريب النفط في هذا الميناء الذي يعد الثالث بعد مينائي أم قصر وخور الزبير، الذي بدأ يستقبل السفن التجارية وناقلات النفط منذ عام 1976.
حشد من السيارات الكبيرة لنقل البضائع المختلفة والقادمة من ايران ودول الخليج العربي - بعد تفريغها من السفن حيث يستقبل الميناء سبع سفن يوميا محملة بمختلف البضائع ـــ لا سيما اطارات السيارات ـــ والمواد الانشائية، وحاجات السوق العراقية، والفواكه المختلفة.
سألني اللواء خلف: «هل تعلم أن مليون وسبعمائة الف دولار لكل باخرة يقدمها التجار رشاوى للعصابات التي كانت تستحوذ على الميناء؟ لم يكن في الميناء عناصر أمن أو شرطة. كان فقط رجال الـ«اف بي اس» ــ حماية المنشآت ــ التابعون لوزارة النقل يتولون هذه المهمة. واخيرا استغنينا عنهم وحل مكانهم رجال الجيش والشرطة والاستخبارات».
في الشاطئ الذي وقفنا عنده من شط العرب، حيث ترسو السفن كنا نشاهد في الجانب المقابل أعمدة الكهرباء التابعة لمنطقة الشلامجة الايرانية. ويشير بعض العاملين في الميناء الى أن هذا الممر المائي الضيق كان «مسرحا لحاملات النفط الصغيرة التي يقوم اصحابها بالتهريب لكل من ايران ودبي، ويستوردون مقابلها بضائع رديئة تباع في الاسواق العراقية».
معاون مدير الميناء قال: «سنباشر بفحص المواد المستوردة بشكل دقيق بعد أن كانت تمر من دون رقابة بسبب التواطؤ الحاصل في مقابل الرشاوى».
من «دويلات» إلى محافظة
لم تدم الجولة اكثر من نصف ساعة بسبب ضيق وقت اللواء خلف. وفي طريق العودة سألته عما حققته «صولة الفرسان»، فأجابني بان «البصرة قبل العملية كانت دويلات وصارت اليوم محافظة يضبطها القانون».
وأوضح: «كان مواطنو المحافظة لا يجرؤون مثلا على ابلاغ الشرطة اذا ما تعرض احد اباؤهم للخطف او القتل، خوفا من تعرضهم للملاحقة من قبل العصابات والميليشيات التي كانت قد همشت دور الشرطي تماما لتتحكم في أمن المواطن. اليوم صار الشرطي هو من يعتقل الخارجين على القانون بعد أن كان يتلقى الاهانات والاتهامات من المواطن بانه عاجز عن حمايته».
وتابع: «أي مؤسسة حزبية أو غير حزبية نصادرها ونعتقل منتسبيها اذا ما وجدنا فيها سلاحا كما نصادر المؤسسة على الفور بأمر من رئيس الوزراء. أخلينا جميع المباني الحكومية التي كانت تسيطر عليها الاحزاب. الناس تنفسوا الصعداء. ألم تنظر حركة الشارع والاسواق؟».
«مدسوسون» استدرجوا «الصدريين»
وعن الاسباب التي من اجلها خاضت الحكومة معركتها ضد جيش المهدي، قال اللواء خلف: «ميليشيا الصدريين وقعوا فريسة مؤامرة حاكتها عناصر مدسوسة بينهم، هدفها الايقاع بين جيش المهدي والحكومة. هذه حقيقة انقلها عني للتاريخ. وأؤكد لك انه لدينا قوائم واسماء على لائحة الاعتقال. وتحقيقاتنا متواصلة».
في الأثناء أراني ملفين كبيرين، أحدهما خاص بحوادث قتل النساء في البصرة، مشفوعا بصور بعض الضحايا وأسمائهن. والآخر خاص بعمليات الاغتيال التي طالت الكفاءات والرموز الدينية وضباط الجيش والشرطة.
هل كل ذلك من افعال جيش المهدي والميليشيات الأخرى؟! سألته، فأجابني: «طبعا لا. الكثير منها نفذها عناصر مرتزقة مرتبطة بدول تدفع لهم اموالا طائلة».
وعن هروب عدد من منتسبي الجيش والشرطة العراقية، أكد اللواء الخلف ان «هؤلاء قد تم طردهم، وسيحالون الى القضاء العسكري لاتخاذ ما يلزم بحقهم وفقا للقانون».
كما أكد ان اجراءت أمنية مماثلة ضد الخارجين على القانون سيتم تنفيذها في المحافظات الأخرى، مضيفا: «لقد استنزفناهم نفسيا قبل ان نشرع بملاحقتهم».
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/25-4-2008//386324_591_small.jpg
• حراسة ورقابة امنية حكومية في ميناء «ابوفلوس»
25/04/2008 البصرة - موفد القبس نزار حاتم
فاصلة كبيرة بين سماعك الأحداث، واقترابك منها لمشاهدتها عن كثب والدخول في تفاصيلها المتشابكة.
تأكدت أن الحقائق المتصلة بالأحداث، التي عاشتها البصرة أخيراً، كانت غائمة ومبهمة، كما أن التعاطي معها من خلال «القيل والقال» لم يكن يلامس وجه الحقيقة قبل أن ندخل ـــ أمس الأول ـــ الى هذه المحافظة الغنية بالنفط والنخل والأبناء الطيبين والمبدعين.
حرام على من يعبث بهذه المدينة الغافية على شط العرب، والحالمة دوما بقصائد السياب ورقصات «الهيوة».
حرام على الذين يفقأون عيونها الجميلة بحراب الميليشيات، وعصابات التهريب، وأصحاب القتل العشوائي، والمنظم، وتصفية الحسابات بين الدول، وبين أهل المصالح الدنيئة الذين لا هم ّ لهم غير ملء الجيوب والبطون.
التراب هو التراب، ما زال يبسط رداءه الكالح على وجه المدينة ويزداد كثافة في ظل زحام العربات التي تختنق فيها الشوارع فجأة بسبب الاغلاقات المفاجئة التي تعمد اليها عناصر الجيش والشرطة في مداخل هذا الحي او ذاك من احياء المدينة لمداهمة بعض المنازل المشتبه باحتوائها على الأسلحة، أو القبض على مطلوبين بتهمة القتل وتنفيذ الأجندة الخارجية، وتهريب الثروة النفطية.
مظاهر تثير الفرح
عربات «الهمر» العسكرية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين لا تفتر عن الحركة الدائبة الى جانب سيارات النجدة عند مداخل المدينة وفي بعض الشوارع، في ظل احساس عميق من البهجة يتملك نفوس الناس الأبرياء الراغبين في العيش بسلام، والتواقين الى التخلص من الرعب الذي كان يستحوذ على نفوسهم فيحيل حياتهم الى جحيم.
اذا ما ابديت احساسا بالتبرم حيال هذه المظاهر الامنية الحكومية، يرد عليك الجميع- من الاستاذ الجامعي، مرورا بسائق التاكسي الى بائع «الفجل» ـــ بالقول: «يا معود خليهم، الله يعطيهم العافية خلصونا من المصائب».
بعض السيطرات المنتشرة في شوارع المدينة يسأل عناصرها سائقي التاكسيات عما اذا كانوا يحتفظون باشرطة تسجيل، كان عناصر جيش المهدي التابع لتيار الصدر يستخدمونها لبث الاناشيد الخاصة بهم، لغرض مصادرتها. وان كانت قيادة عمليات البصرة اعتبرت ذلك تصرفا شخصيا ولم يكن صادرا منها، طالما يتعارض مع الحريات الشخصية، بيد أن اللافت هو أن المواطنين مسرورون بذلك، فيما أصر عدد غير قليل من افراد الجيش والشرطة على بث الاغاني بصوت عال في نقاط التفتيش التي يرابطون فيها.
البصريات يطردن سطوة المتطرفين
في العشار وحي الجزائر والطويسة والجنينة، وغيرها من الأحياء البصرية، تمر فتيات حاسرات الرؤوس، فيبدي الشباب التعبير عن ارتياحهم بعباراتهم العامية الدارجة: «لك شوف هاي الرحمة - ليش ما سوتها الحكومة من زمان؟»، في اشارة الى العملية العسكرية الاخيرة التي شهدتها البصرة باسم «صولة الفرسان».
وحين تسأل أيا كان عن السبب في ابداء هذه المشاعر الفرحة يجيب: «اخي كانت لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي المسيطرة على الشارع البصري. وكان يمكنها ان تعتقل اي شاب يسير في الشارع لاي سبب كان، مثل ان يكون شعره طويلا أو بنطلونه ضيقا، فما بالك اذا شاهدوا فتاة سافرة؟!».
ما الذي يمكن أن يفعلوه اذا ما مرت سافرة؟
يجيبون: «يعتقلونها فورا. ولا أحد من أهلها يمكنه السؤال عنها، خوفا من أن يعتقل هو ايضا ويضيع ذكره».
البصرة كانت مخطوفة
الجميع، تقريبا، يؤكدون أن البصرة قبل العملية العسكرية «صولة الفرسان» كانت مخطوفة، كانت بين أنياب ومخالب أياد مختلفة، في اشارة الى أن جيش المهدي، الذي خاض الاشتباكات مع القوات الحكومية، هو أساس المشكلة «لا تعني سوى التسطيح وحرف الحقائق عن مسارها الموضوعي».
هذا ما أكده لنا المعنيون الذين يحتفظون بكثير من الأدلة والوثائق والاعترافات التي يحجمون عن ذكرها في الوقت الراهن، وفقا لتوجيهات مركزية.
ويضيف هؤلاء المعنيون أن جيش المهدي قد استدرج الى المواجهة المسلحة مع القوات الحكومية على يد عناصر بعضهم من اتباع النظام السابق وبعضهم الآخر مرتبط باجندة ايرانية وآخرون بأجندة دول أخرى مجاورة وغير مجاورة.
ولأن عددا غير قليل من هؤلاء الذين يتخذون من جيش المهدي «غطاء» لممارساتهم الاجرامية «شبه اليومية» في المحافظة، قد أدلوا باعترافات سريعة ومن دون جهد كبير من المحقين - ساعة اعتقالهم - أكدوا خلالها أنهم ارتكبوا جرائمهم مقابل أموال كبيرة كانت تقدم اليهم من دول مجاورة وغير مجاورة، مع توجيهات «محددة الاهداف».
أياد خارجية
وعن عمليات الخطف والقتل والتعذيب، التي طالما طالت الكوادر العلمية من أطباء ومهندسين، شدد بعض المعنيين على أن الاعترافات التي أدلى بها القائمون بهذه الأعمال قد أكدت الحقائق التالية:
1 ـ أنهم يتلقون في مقابل افعالهم الاجرامية هذه اموالا ضخمة من دولة يصفونها بأنها «اقليمية غير مجاورة».
2 ـ عمدوا الى الاندساس في جيش المهدي، وغيره من الميليشيات، وفقا لتوجيهات خاصة، من أجل الاحتماء بقوة سياسية، وبغية عدم التعرف على تلك الدولة من خلال التحقيق مع هذه العناصر في حال القبض عليهم.
بيد أن ذلك لا يعفي جيش المهدي من تهمة اختراقه على يد هؤلاء العناصر المرتبطة بأجندة خارجية لا صلة لها بتوجيهات التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر. وعليه فان مطالبة التيار الصدري بضرورة التخلص من «المندسين» في صفوفه تعد أمرا ضروريا للغاية.
وفي هذا الشأن، علمت «القبس» أن حوارا هادئا تقوم به الحكومة مع المعتدلين في التيار الصدري لاطلاعهم على مدى الاختراقات التي حصلت في صفوفه وبتوجهات مختلفة الاهداف والغايات.
صراعات دول
أمور مدهشة تطالع من يريد العوم في اعماق المشهد الذي كان يستحوذ على البصرة وأهلها: فلم يعد بالامكان، ان لم يكن من البلادة، حصر الاهداف لصناع ذلك المشهد تبدو كما لو انها بعدد أشجار نخيل البصرة .
أهداف سياسية، صراع ارادات بين الدول، مافيات تهريب النفط، عصابات القتل الموجه، تنفيذ الاجندة الخارجية من القريب والبعيد، استغلال السلطة للكسب المادي، أحزاب متناطحة، وغياب كامل للقانون. كلها كانت تتحرك في احشاء هذه المحافظة فساعد الله أهلها الصابرين.
خليها على الفلافل أحسن
الساعة العاشرة من صباح الخميس، علمت بوجود مدير عام العمليات في وزارة الداخلية والناطق الرسمي باسمها اللواء الركن عبدالكريم خلف في البصرة. فتوجهت اليه لغرض الحصول منه على كتاب «تسهيل مهمة»، تحاشيا لاي اعتراضات قد يبديها عناصر الجيش والشرطة على مهامنا الصحفية.
دلفت الى مكتبه في غرفة قيادة العمليات، الذي لا يتواجد فيها الا نادرا. فالرجل دائم الحركة والتنقل لمتابعة مهامه الأمنية التي كثيرا ما عرضته الى محاولات الاغتيال. فقد كان رائعا حقا في التعامل وابداء تسهيلات جمة ساعدت الاعلاميين على الاطلاع على الأمور عن كثب.
زودني بكتاب «تسهيل مهمة» من دون تأخير، وعرضت عليه رغبتي في زيارة ميناء «أبو فلوس» - النقطة الأكثر حساسية في عمليات تهريب النفط - وقد فاجأني بعبارة «تتدلل سأذهب معك. تعال معي في سيارتي».
أصدر أوامره لسكرتيره بإبلاغ موكب حمايته في التهيؤ للحركة.
مرافقة اللواء خلف تجربة فيها الكثير من الاثارة، لكن ايضا المخاطرة، لانه بالتأكيد سيمنحني فرصة التحدث مع الموجودين في الميناء والتجوال فيه براحة بال. كما أن سيارته مصفحة. لكن المقلق في المهمة بالنسبة لي هو علمي المسبق بأن الرجل مستهدف وكان وصله سيل من التهديدات عبر هاتفه النقال وبريده الالكتروني.
سألني: «هل ترغب في أن ننتظر لنتغدى معاً، أم نتوجه الآن فيكون غداؤك سندويشات فلافل نتناولها في الطريق ونحن في السيارة؟».
أجبته بان يخليها على الفلافل أحسن، وتحرك موكبنا نحو الميناء، سالكا الطريق المؤدي الى قضاء «ابو الخصيب».
في ميناء «أبو فلوس»
شارع ضيق ما زالت تحتشد على جانبيه أشجار النخيل، ومنازل متوارية خلف الأشجار على مسافة نحو ثلاثين كيلومترا. ثم انعرج بنا الموكب يسارا، نحو بوابة ميناء «أبو فلوس» التي يقف عندها عناصر الشرطة مدججين بالسلاح.
استقبلنا مدير الميناء ومعه عدد كبير من الموظفين والعمال العاملين هناك.
- سألت بعض المستقبلين عن عمليات التهريب، فاجابوا ان «الكثير منها حصل، لكن الآن انتهت.. ماكو واحد يجرؤ لأن شافوا الحديدة حارة»، كناية عن الاجراءات المشددة التي اتخذت أخيراً للحيلولة دون تهريب النفط في هذا الميناء الذي يعد الثالث بعد مينائي أم قصر وخور الزبير، الذي بدأ يستقبل السفن التجارية وناقلات النفط منذ عام 1976.
حشد من السيارات الكبيرة لنقل البضائع المختلفة والقادمة من ايران ودول الخليج العربي - بعد تفريغها من السفن حيث يستقبل الميناء سبع سفن يوميا محملة بمختلف البضائع ـــ لا سيما اطارات السيارات ـــ والمواد الانشائية، وحاجات السوق العراقية، والفواكه المختلفة.
سألني اللواء خلف: «هل تعلم أن مليون وسبعمائة الف دولار لكل باخرة يقدمها التجار رشاوى للعصابات التي كانت تستحوذ على الميناء؟ لم يكن في الميناء عناصر أمن أو شرطة. كان فقط رجال الـ«اف بي اس» ــ حماية المنشآت ــ التابعون لوزارة النقل يتولون هذه المهمة. واخيرا استغنينا عنهم وحل مكانهم رجال الجيش والشرطة والاستخبارات».
في الشاطئ الذي وقفنا عنده من شط العرب، حيث ترسو السفن كنا نشاهد في الجانب المقابل أعمدة الكهرباء التابعة لمنطقة الشلامجة الايرانية. ويشير بعض العاملين في الميناء الى أن هذا الممر المائي الضيق كان «مسرحا لحاملات النفط الصغيرة التي يقوم اصحابها بالتهريب لكل من ايران ودبي، ويستوردون مقابلها بضائع رديئة تباع في الاسواق العراقية».
معاون مدير الميناء قال: «سنباشر بفحص المواد المستوردة بشكل دقيق بعد أن كانت تمر من دون رقابة بسبب التواطؤ الحاصل في مقابل الرشاوى».
من «دويلات» إلى محافظة
لم تدم الجولة اكثر من نصف ساعة بسبب ضيق وقت اللواء خلف. وفي طريق العودة سألته عما حققته «صولة الفرسان»، فأجابني بان «البصرة قبل العملية كانت دويلات وصارت اليوم محافظة يضبطها القانون».
وأوضح: «كان مواطنو المحافظة لا يجرؤون مثلا على ابلاغ الشرطة اذا ما تعرض احد اباؤهم للخطف او القتل، خوفا من تعرضهم للملاحقة من قبل العصابات والميليشيات التي كانت قد همشت دور الشرطي تماما لتتحكم في أمن المواطن. اليوم صار الشرطي هو من يعتقل الخارجين على القانون بعد أن كان يتلقى الاهانات والاتهامات من المواطن بانه عاجز عن حمايته».
وتابع: «أي مؤسسة حزبية أو غير حزبية نصادرها ونعتقل منتسبيها اذا ما وجدنا فيها سلاحا كما نصادر المؤسسة على الفور بأمر من رئيس الوزراء. أخلينا جميع المباني الحكومية التي كانت تسيطر عليها الاحزاب. الناس تنفسوا الصعداء. ألم تنظر حركة الشارع والاسواق؟».
«مدسوسون» استدرجوا «الصدريين»
وعن الاسباب التي من اجلها خاضت الحكومة معركتها ضد جيش المهدي، قال اللواء خلف: «ميليشيا الصدريين وقعوا فريسة مؤامرة حاكتها عناصر مدسوسة بينهم، هدفها الايقاع بين جيش المهدي والحكومة. هذه حقيقة انقلها عني للتاريخ. وأؤكد لك انه لدينا قوائم واسماء على لائحة الاعتقال. وتحقيقاتنا متواصلة».
في الأثناء أراني ملفين كبيرين، أحدهما خاص بحوادث قتل النساء في البصرة، مشفوعا بصور بعض الضحايا وأسمائهن. والآخر خاص بعمليات الاغتيال التي طالت الكفاءات والرموز الدينية وضباط الجيش والشرطة.
هل كل ذلك من افعال جيش المهدي والميليشيات الأخرى؟! سألته، فأجابني: «طبعا لا. الكثير منها نفذها عناصر مرتزقة مرتبطة بدول تدفع لهم اموالا طائلة».
وعن هروب عدد من منتسبي الجيش والشرطة العراقية، أكد اللواء الخلف ان «هؤلاء قد تم طردهم، وسيحالون الى القضاء العسكري لاتخاذ ما يلزم بحقهم وفقا للقانون».
كما أكد ان اجراءت أمنية مماثلة ضد الخارجين على القانون سيتم تنفيذها في المحافظات الأخرى، مضيفا: «لقد استنزفناهم نفسيا قبل ان نشرع بملاحقتهم».