جمال
06-16-2008, 11:49 PM
كريستيان بونروبو الحياة - 11/06/08//
أبصرت شهادة البكالوريا (الفرنسية) النور بموجب مرسوم إمبراطوري أصدره نابليون بونابرت، في 17 آذار (مارس) 1808. والبكالوريا هي في مثابة نقطة الوصول في سباق الدراسة الثانوية، وعتبة على أبواب الجامعة أمام الحائزين عليها. وتعود جذور هذه الشهادة إلى ما قبل الثورة الفرنسية في 1789. وهذه ألغت البكالوريا، قبل أن يبعثها نابليون، ويكرس تتويجها نهاية مرحلة مدرسية فاصلة.
ومرّ على شهادة البكالوريا 200 عام. وهي ذكرى تُستعاد كل سنة من غير احتفال. وهذا من نصيب الأعياد.
والحق أن ارتفاع عدد المرشّحين لنيل البكالوريا ارتفاعاً كبيراً، وإنشاء فروع بكالوريا جديدة، تقنية ومهنية، غيّر صورة البكالوريا ووظيفتها. ويكاد إصلاح البكالوريا يكون أمراً مستحيلاً يتوق اليه كل وزراء التربية. ومن حاولوا خوض عملية إصلاح نظام البكالوريا، اضطروا الى الخروج من باب وزارة التربية الخلفي، وطردهم احتجاج الطلاب. فالطلاب، شأن الأهل والمعلمين، لا يرغبون في التفريط بهذا الإرث الوطني أو التخلي عنه. ولا يقوى أحد على العبث برمز كبير، ولو تحفة يتهددها خطر الانهيار والزوال.
وفي هذا العام، تقدّم 615 ألف طالب ثانوي بطلب تسجيل في البكالوريا، 53 في المئة منهم في البكالوريا العامة، و27 في المئة في البكالوريا التقنية، و20 في المئة في البكالوريا المهنية.
ويبلغ سن أصغر مرشّح 12 عاماً وأكبر مرشّح 70 عاماً. وتعقد الامتحانات في 4366 ثانوية بفرنسا، وتتطرّق إلى 4 آلاف موضوع.
وينتج من الامتحانات 4 ملايين نسخة يصححها نحو 128 ألف أستاذ. ويبلغ متوسط تكلفة التجهيزات الخاصة بكل مرشّح 62.6 يورو، وتكلفة كل نسخة مصححة 1.67 يورو. وهؤلاء الطلاب يمتحنون في أكثر من مئة نوع مختلف من الامتحانات.
وبعد مرور قرنين، أصابت الشيخوخة الشهادة هذه. وتكاد الآراء تُجمع على أن أكثر الامتحانات الفرنسية شهرة يعاني أزمة حادة جراء تزايد أعداد الطلاب وتكاليف البكالوريا الباهظة.
ويميل مستوى المرشحين التعليمي الى التدني. وبين الفروع المختلفة ونظام الاختيار، تصبغ اختصاصات البكالوريا المئة المختلفة الامتحان بالغموض. فهو لا يتيح فرصاً متكافئة, ويكاد يحض الطلاب على الخضوع للامتحان لاجتياز عتبته والتخلص منه، عوض السعي الى اكتساب معارف معمّقة.
ويبدو أن رمز الجمهورية وديموقراطية التعليم الكبير في خطر. ففي 2007، نجح 521 ألف مرشح في البكالوريا، أي 63.6 في المئة.
وفي 1900، استطاع 1 في المئة فقط من المرشحين نيل شهادة البكالوريا. فعامة الناس استأثرت بشهادة النخبة. ومنذ 1968، تاريخ إنشاء الفروع التقنية، و1985 حين أنشئت فروع البكالوريا المهنية، انقلبت المقاييس. فهذه الشهادات الجديدة، المشروعة والمفيدة، ضعيفة الصلة بشهادات البكالوريا العامة. ولا يصح اطلاق تسمية البكالوريا عليها. فحَمَلة البكالوريا العامة يتابعون دراسة في التعليم العالي، بينما يدخل 90 في المئة من حملة الشهادات المهنية سوق العمل.
وظهور الدبلومات الجديدة قسَّم دور البكالوريا العامة المزدوج التقليدي، العلمي والأدبي. وقبل استحداث البكالوريا المهنية والتقنية، كانت البكالوريا العامة شهادة نهاية الدراسة الثانوية وإجازة الدخول الى الجامعات. وعلى خلاف البكالوريا العامة، لا تمهد البكالوريا المهنية والبكالوريا التقنية الطريق أمام حاملها لمتابعة دراسة جامعية. فهي مجرد شهادة. وثمة من يرى أن البكالوريا المهنية والتقنية تفتقر الى شرط جوهري في البكالوريا العامة، أي الكفاءة «الجمهورية».
وهذه تخول قلة من الطلاب المتفوّقين، المتحدرين من شرائح محرومة، تبوّء مسؤوليات كبرى ومناصب عليا. ففي عهد البكالوريا العامة، قبل استحداث البكالوريا المهنية أو التقنية، كان طالب من طبقة شعبية فقيرة يلقى دعم أساتذته. ونظام المنحة الدراسية، أتاح للطالب الفقير دخول الجامعة وتبوّء منصب رفيع.
واليوم، إثر تنوّع فروع البكالوريا، يميل الشاب المتحدر من أسرة عاملة إلى الفروع المهنية. وقد ينجح في الانخراط في سوق العمل. ولكنه لن يترقى في سلّم المهن، ولن يشغل منصباً إدارياً. وهذا النظام التعليمي يحد فرص الاختلاط الاجتماعي. ومنذ 1995 الى يومنا، استقرت نسبة النجاح في البكالوريا على عتبة 62 في المئة، ما يشير إلى وجود أزمة. ولا تحتل فرنسا مرتبة طليعية بين الدول الأوروبية في مجال تخريج حَمَلة الشهادات الثانوية.
وبحسب منظمة «اليونيسكو»، يبلغ عدد هؤلاء 51 في المئة بفرنسا، مقابل 92 في المئة بفنلندا، و73 في المئة بالولايات المتحدة، و74 في المئة بإيطاليا. وعلى الدول الأعضاء في مجلس التعاون والنمو الاقتصادي الأوروبي، أن تمهد الطريق الى بلوغ 50 في المئة من جيل الشباب مرحلة التعليم الجامعي، بين 2015 – 2020. ولكن نسبة حَمَلة البكالوريا من جيل الشباب بفرنسا لا تتعدى 38 في المئة، نظير 55 في المئة بإيطاليا، و74 في المئة بفنلندا. وعلى رغم تفاقم أزمة البكالوريا الفرنسية، باءت كل محاولات تعديلها وتطويرها، ومساعي ضبط معايير التقويم والترجيح المتساهلة أو «الكريمة»، ومحاولات إلغاء هذه الشهادة، بالفشل.
«لوموند دو ليدوكاسيون»، 6/2008
أبصرت شهادة البكالوريا (الفرنسية) النور بموجب مرسوم إمبراطوري أصدره نابليون بونابرت، في 17 آذار (مارس) 1808. والبكالوريا هي في مثابة نقطة الوصول في سباق الدراسة الثانوية، وعتبة على أبواب الجامعة أمام الحائزين عليها. وتعود جذور هذه الشهادة إلى ما قبل الثورة الفرنسية في 1789. وهذه ألغت البكالوريا، قبل أن يبعثها نابليون، ويكرس تتويجها نهاية مرحلة مدرسية فاصلة.
ومرّ على شهادة البكالوريا 200 عام. وهي ذكرى تُستعاد كل سنة من غير احتفال. وهذا من نصيب الأعياد.
والحق أن ارتفاع عدد المرشّحين لنيل البكالوريا ارتفاعاً كبيراً، وإنشاء فروع بكالوريا جديدة، تقنية ومهنية، غيّر صورة البكالوريا ووظيفتها. ويكاد إصلاح البكالوريا يكون أمراً مستحيلاً يتوق اليه كل وزراء التربية. ومن حاولوا خوض عملية إصلاح نظام البكالوريا، اضطروا الى الخروج من باب وزارة التربية الخلفي، وطردهم احتجاج الطلاب. فالطلاب، شأن الأهل والمعلمين، لا يرغبون في التفريط بهذا الإرث الوطني أو التخلي عنه. ولا يقوى أحد على العبث برمز كبير، ولو تحفة يتهددها خطر الانهيار والزوال.
وفي هذا العام، تقدّم 615 ألف طالب ثانوي بطلب تسجيل في البكالوريا، 53 في المئة منهم في البكالوريا العامة، و27 في المئة في البكالوريا التقنية، و20 في المئة في البكالوريا المهنية.
ويبلغ سن أصغر مرشّح 12 عاماً وأكبر مرشّح 70 عاماً. وتعقد الامتحانات في 4366 ثانوية بفرنسا، وتتطرّق إلى 4 آلاف موضوع.
وينتج من الامتحانات 4 ملايين نسخة يصححها نحو 128 ألف أستاذ. ويبلغ متوسط تكلفة التجهيزات الخاصة بكل مرشّح 62.6 يورو، وتكلفة كل نسخة مصححة 1.67 يورو. وهؤلاء الطلاب يمتحنون في أكثر من مئة نوع مختلف من الامتحانات.
وبعد مرور قرنين، أصابت الشيخوخة الشهادة هذه. وتكاد الآراء تُجمع على أن أكثر الامتحانات الفرنسية شهرة يعاني أزمة حادة جراء تزايد أعداد الطلاب وتكاليف البكالوريا الباهظة.
ويميل مستوى المرشحين التعليمي الى التدني. وبين الفروع المختلفة ونظام الاختيار، تصبغ اختصاصات البكالوريا المئة المختلفة الامتحان بالغموض. فهو لا يتيح فرصاً متكافئة, ويكاد يحض الطلاب على الخضوع للامتحان لاجتياز عتبته والتخلص منه، عوض السعي الى اكتساب معارف معمّقة.
ويبدو أن رمز الجمهورية وديموقراطية التعليم الكبير في خطر. ففي 2007، نجح 521 ألف مرشح في البكالوريا، أي 63.6 في المئة.
وفي 1900، استطاع 1 في المئة فقط من المرشحين نيل شهادة البكالوريا. فعامة الناس استأثرت بشهادة النخبة. ومنذ 1968، تاريخ إنشاء الفروع التقنية، و1985 حين أنشئت فروع البكالوريا المهنية، انقلبت المقاييس. فهذه الشهادات الجديدة، المشروعة والمفيدة، ضعيفة الصلة بشهادات البكالوريا العامة. ولا يصح اطلاق تسمية البكالوريا عليها. فحَمَلة البكالوريا العامة يتابعون دراسة في التعليم العالي، بينما يدخل 90 في المئة من حملة الشهادات المهنية سوق العمل.
وظهور الدبلومات الجديدة قسَّم دور البكالوريا العامة المزدوج التقليدي، العلمي والأدبي. وقبل استحداث البكالوريا المهنية والتقنية، كانت البكالوريا العامة شهادة نهاية الدراسة الثانوية وإجازة الدخول الى الجامعات. وعلى خلاف البكالوريا العامة، لا تمهد البكالوريا المهنية والبكالوريا التقنية الطريق أمام حاملها لمتابعة دراسة جامعية. فهي مجرد شهادة. وثمة من يرى أن البكالوريا المهنية والتقنية تفتقر الى شرط جوهري في البكالوريا العامة، أي الكفاءة «الجمهورية».
وهذه تخول قلة من الطلاب المتفوّقين، المتحدرين من شرائح محرومة، تبوّء مسؤوليات كبرى ومناصب عليا. ففي عهد البكالوريا العامة، قبل استحداث البكالوريا المهنية أو التقنية، كان طالب من طبقة شعبية فقيرة يلقى دعم أساتذته. ونظام المنحة الدراسية، أتاح للطالب الفقير دخول الجامعة وتبوّء منصب رفيع.
واليوم، إثر تنوّع فروع البكالوريا، يميل الشاب المتحدر من أسرة عاملة إلى الفروع المهنية. وقد ينجح في الانخراط في سوق العمل. ولكنه لن يترقى في سلّم المهن، ولن يشغل منصباً إدارياً. وهذا النظام التعليمي يحد فرص الاختلاط الاجتماعي. ومنذ 1995 الى يومنا، استقرت نسبة النجاح في البكالوريا على عتبة 62 في المئة، ما يشير إلى وجود أزمة. ولا تحتل فرنسا مرتبة طليعية بين الدول الأوروبية في مجال تخريج حَمَلة الشهادات الثانوية.
وبحسب منظمة «اليونيسكو»، يبلغ عدد هؤلاء 51 في المئة بفرنسا، مقابل 92 في المئة بفنلندا، و73 في المئة بالولايات المتحدة، و74 في المئة بإيطاليا. وعلى الدول الأعضاء في مجلس التعاون والنمو الاقتصادي الأوروبي، أن تمهد الطريق الى بلوغ 50 في المئة من جيل الشباب مرحلة التعليم الجامعي، بين 2015 – 2020. ولكن نسبة حَمَلة البكالوريا من جيل الشباب بفرنسا لا تتعدى 38 في المئة، نظير 55 في المئة بإيطاليا، و74 في المئة بفنلندا. وعلى رغم تفاقم أزمة البكالوريا الفرنسية، باءت كل محاولات تعديلها وتطويرها، ومساعي ضبط معايير التقويم والترجيح المتساهلة أو «الكريمة»، ومحاولات إلغاء هذه الشهادة، بالفشل.
«لوموند دو ليدوكاسيون»، 6/2008