الفرزدق
06-15-2008, 10:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم )
دعوة محمد (ص) دعوة شمولية عامة فكأن فيها ما في دعوات جميع الأنبياء وزيادة وهذا المعنى ورد في الحديث ، فما في التوراة والإنجيل والزبور كله في القرآن قال تعالى ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) (الشورى:13)
فنجد الرسول (ص) وقف يقارع علماء ثلاث ديانات إلهية محرفة هي الحنفية والمسيحية واليهودية ومن الواضح أن الوقوف بوجه عالم إلهي منحرف سواء في العقيدة أو في التشريع وفق هواه أصعب بكثير من الوقوف بوجه وثني أو ملحد لا يؤمن بوجود الله وذلك لان العالم الإلهي الضال يتأول كلام الله وفق هواه ويرسم العقائد الإلهية وفق هواه ويضع الحجج والمغالطات ليثبت أن باطله حق فصاحب الفتنة ملقى حجته كما قال (ص) ( كل مفتتن ملقى حجته إلى انقضاء مدته فإذا انقضت أحرقته فتنته في النار ) اليعقوبي ج1 ص82 . ومن هنا أقول لو لم ينهض محمد (ص) بالدعوة الإسلامية لما استطاع نبي غيره النهوض بها فتحمل بأبي وأمي ما لم يتحمله بشر غيره وقام بالدعوة يقارع علماء الضلالة والطواغيت المتسلطين على الناس ، مرة بعلمه الذي لم يتحمله غيره سوى علي (ع) بابه كما وصفه هو ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ومرة أخرى يقارعهم بالقوة التي استمدها من توكله على الله الذي لم يعرف له مثيل ، وقف في الطائف ممتلئ بالألم على أحجار أدمت بدنه الشريف يناجي ربه بكلمات لا تزال ترتعش قلوب المؤمنين عند سماعها وتفيض أعينهم من الدمع ( إلهي إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إلى من تكلني يا رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى عدو ملكته أمري أم إلى بعيد فيتجهمني إن لم تكن غضبت علي فلا أبالي … ) محمد (ص) لا يبالي عندما يغري هؤلاء السفهاء صبيانهم ليرموه بالحجارة وتسيل من بدنه الدماء ويهان في سبيل الله ولا يبالي إن كذبه الناس ولكنه يتألم عندما لا يؤمنون لأنه يرى جهنم مستقرةً في نهاية الطريق الذي يسلكونه ، وهكذا نهض محمد (ص) مرة يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومرة يجادل بالتي هي أحسن ومرة يقاتل الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم ، ثلاثة وعشرين سنة لم يعرف فيها رسول الله (ص) راحة ولا هوادة ؛ مواعظ وجدال وقتال ودعوة إلى الله حتى النفس الأخير وفي أخر أيامه يخرج متكئاً على علي (ع) والعباس (ع) ليحث الناس على القتال والخروج مع أسامة بن زيد ، وفي نفس الوقت طاعة لربه وعبادة بالغ فيها حتى خاطبه الجليل ( طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طـه 1-2) وكرم وزهد في الدنيا حتى قال (ص) للمسلمين (( والذي نفسي بيده لو كان لي مثل شجر تهامة نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني كذوبا ولا جبانا ولا بخيلا )) ولم يأخذ من أموال الغنائم على كثرتها إلا القليل والكفاف حتى اشتكت حفصة وعائشة لضيق المعيشة فنزلت آيات الاستبدال المعروفة في القرآن وياليت لنا اليوم مسلمين يقتدون ولو بمعشار سيرة محمد (ص) إذن لظهر الإسلام على الدين كله .
ودعوة الرسول محمد (ص) فيها كل ما في دعوات الأنبياء السابقين فالدعوة بلين ورحمة ثم الهجوم بشدة وقسوة ، تكسير الأصنام قتل أعداء الله توعدهم بالأذى الدنيوي والأخروي ،كان الرسول (ص) في غاية اللين والرحمة والرقة مع المؤمنين وفي غاية الشدة والغلظة والقسوة مع الكافرين ، وهذا الميزان الحق الإلهي لا يمكن أن تحتمل تناقضاته الظاهرية إلا نفس عظيمة كنفس محمد (ص) ، نفس تحمل الجنة في يد والنار في اليد الأخرى لتعرضها على الناس فتبشر المؤمنين وتنذر وتزجر وتهدد الكافرين ( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) (الإسراء:105) وقال تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) (الكهف 1-2)
وأهم ما امتازت به دعوة الرسول (ص) هي أنها خاتمة الرسالات الإلهية وان التبشير والإنذار والوعد والوعيد الذي جاء به المرسلون آن وقت تنفيذه وإن المنفذ هو من ذرية الرسول (ص) وهو الأمام المهدي (ع) وبالتالي فقد اقترب الوعد الحق الذي وعده الله سبحانه وتعالى لجميع الأنبياء والمرسلين واقترب يوم الوعد المعلوم الذي وُعد به إبليس لعنه الله وانه يوم نهايته ، قال تعالى ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (النحل:1) وقال تعالى (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:1) وقال تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (القمر 1-2) وأخيراً أقول أن في دعوات المرسلين الكثير الكثير الذي يستفاده منها المؤمن ليصبح ولياً من أولياء الإمام المهدي (ع) ولا يمسي عدواً من أعداءه ، وفي دعوات المرسلين حق لابد للمؤمن الذي يريد نصرة الإمام المهدي (ع) أن يخوض هيجاءه فمن عناء وبلاء وجهد وجهاد وقتل وقتال والآم ربما تتجاوز البدن إلى النفس والروح ، إلى سخرية وتهكم واستهزاء ، الى الخذلان وقلة الناصر ، الآم والآم والآم .
( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)(البقرة: 214) .
من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة عيسى (ع)
الحقيقة إن دعوة عيسى (ع) هي من أعقد وأصعب أنواع الدعوة إلى الله سبحانه وذلك لأنها كانت في مجتمع المفروض انه مجتمع أيمان لم تتلوث عقائده بشرك وثني بين كما إن عيسى (ع) كانت عليه مواجهة علماء وأحبار بني إسرائيل المتمرسين بالكلام والجدل في العقائد وغيرها من الأمور الدينية ولهذا امتازت دعوة عيسى بأمور منها :-
1- الزهد في الدنيا : وكان ابرز مصداق لهذا الزهد هو عيسى (ع) وحواريه الإثنا عشر وكان هذا الزهد الذي بالغ عيسى (ع) في إظهاره إلى الناس علاجاً لحالة الترف المستشرية في علماء بني إسرائيل الذين أنِسوا الحياة تحت سلطة الكفار الرومان وأمسوا كالحيوانات في المعالف لا يهمهم إلا التقمم والإكتراش وبهذا اظهر عيسى(ع) وحواريه لبني إسرائيل واليهود بل وللناس جميعا ما يجب أن يكون عليه حال العالم الرباني العامل المخلص لله من الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة وخصوصا في المجتمعات الإنسانية التي أنهكها التسلط الطاغوتي ولم يبق فيها للفقراء رغيف يقتاتون به بكرامة كما ولم يبق لهم منهج فكري سليم يستضيئون به بعد أن أغرقهم في الفساد الأخلاقي والاجتماعي . ومن هنا كان زهد عيسى وحواريه فضيحة أخزت علماء بني إسرائيل وأظهرت للناس الصراط المستقيم والمنهج القويم الذي يجب أن يسلكه العالم الرباني والقائد الإلهي ليكون نورا يستضيء به الناس ويقتدون به ومخلصاً لهم من سلطة الطاغوت وقائداً الى الله الواحد القهار .
2- الإخلاص في عبادة الله سبحانه : اليهود لم يكونوا يعبدون الأصنام عندما بعث عيسى ولكنهم كانوا يدفعون الجزية لقيصر وكانوا يتابعون علماءهم في كل ما يشرعون لهم ويقلدونهم تقليداً أعمى ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31) وهذه الأعمال هي شرك بالله سبحانه وتعالى فهم لم يكتفوا بترك الجهاد ورفض تواجد قوات الرومان الكافرة على الأرض المقدسة أرض الموحدين بل عملوا على تقوية دولة المحتل والطاغوت وتثبيت سلطانه بدفع الجزية لقيصر الروم ليمسوا بهذا العمل عبدة طاغوت لا موحدين يعبدون الله وان ادعوا ذلك ثم إنهم تابعوا علماءهم عندما خالفوا شريعة الأنبياء والأوصياء وهذا العمل عبادة للعلماء الضالين من دون الله سبحانه لان العلماء الضالين يضعون رأيهم مقابل تشريع الله سبحانه ويطالبون الناس بإتباعهم ويوهمون الناس أن طاعتهم هي طاعة الله بينما في مثل هذه الحالة تكون طاعتهم طاعة للشيطان لعنه الله وأخزاه ولهذا انبرى عيسى (ع) يعلم الناس ويبين لهم هذه الحقائق الإلهية ويدعوهم للإخلاص في عبادة الله سبحانه وتعالى مرة وللكفر بالطاغوت ومحاربته وهدم أركان دولته الاقتصادية والعسكرية والإعلامية مرة أخرى ، يدعو عيسى (ع) الناس للتمرد على علماء بني إسرائيل الذين نصّبوا أنفسهم للتشريع مقابل الله سبحانه وتعالى ودعوا الناس لطاعتهم واقتفاء آثارهم فأضلوا الناس بعد أن كانوا هم أنفسهم ضالين حيث جعلوا أنفسهم أرباباً تُعبد من دون الله سبحانه وتعالى .
3- العدل والرحمة : بدون عدل ورحمة تمسي الحياة مظلمة ليس فيها إلا الحيف والجور والقسوة والألم ، والطاغوت بلا عدل ولا رحمة فبالجور والغلظة والقسوة يبقى فرعون ونمرود وقيصر وأمثالهم على كرسي الحكم ويسيطرون على دفة القيادة الشيطانية ليقودوا أتباعهم ومن سار في ركبهم إلى هاوية جهنم ، ومن يتوقع من طاغية شيئاً من الرحمة والعدل يكون كمن يريد أن يشم من جيفة أو نجاسة ريحاً طيبة ولهذا كان السلاح القوي بيد الأنبياء (ع) هو العدل والرحمة وهكذا انطلق عيسى (ع) ينشر ويدعو للعدل والرحمة في المجتمع ، العدل الذي ضيعه علماء بني إسرائيل عندما استأثروا بأموال الصدقات واخذوا يشرعون وفق أهواءهم وتخرصاتهم العقلية الخرقاء والرحمة التي لم يعرفها الناس في ظل الطاغوت ، وشملت رحمة عيسى (ع) حتى جباة الضرائب الذين يعملون لقيصر بشكل مباشر فحاول استنقاذهم وتخليصهم من النهاية السوداء المظلمة التي تنتظرهم إذا استمروا يسيرون في ركب قيصر .
من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة موسى
( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (القصص:14)
ها نحن ندخل مع موسى (ع) ، بعد أن آتاه الله الحكمة والعلم ، المدينة ؛ عاصمة فرعون التي ملأها بالفساد والطغيان وقتل المؤمنين والاعتداء على الأعراض وتسخير المستضعفين لخدمة آلته الإجرامية الضخمة ، وها هو موسى يقترب من رجلين أحدهما مؤمن إسرائيلي والآخر رجس من جنود فرعون يريد تسخيره وإذلاله والإسرائيلي يأبى الذل والمهانة التي ضاق بها ذرعاً معظم بني إسرائيل ويبادر موسى (ع) فيقتل اللعين ويصفه من عمل الشيطان وصنيعته وكما إن الشيطان عدو لله مضل لعباد الله بين لكل صاحب فطرة سليمة ،كذلك هذا اللعين الفرعوني ، وتبدأ معركة موسى (ع) مع فرعون وحزبه الشيطاني اللعين ، معركة غير متكافئة بالقياسات المادية .
فيخرج موسى (ع) من المدينة خائفاً يترقب متوسلاً بالله أن ينجيه من القوم الظالمين لا طلباً للحياة المادية التي هي سجن لأمثال موسى (ع) بل ليتسنى له حمل راية ( لا إله إلا الله ) .
وموسى هنا لم يحمل فأساً ليكسر صنم يمثل عقائد القوم الضالين بل حمل عليهم مباشرة وقتل أحدهم وحاول قتل الآخر وهذه الخطوة أكثر تقدماً من سابقتها ، وبعد غيبة عشر سنوات قضاها موسى (ع) في أحضان نبي عظيم هو شعيب (ع) عاد موسى (ع) إلى مصر وهذه المرة يحمل رسالة إلى الطاغية فرعون ، رسالة حملها وهو في طريق العودة وحمل معها ( لا قوة إلا بالله ) قال له جبار السماوات والأرض ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ) (طـه:17) وسبحانه وتعالى اعلم بما في يمين موسى ، عصا بحسب قياسات المحجوبين بالمادة ، لا يمكن إن تكون سلاحاً يقاتل به موسى (ع) قوات فرعون المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة في حينها ولكن الله سبحانه وتعالى جعلها حية تسعى بقوته التي قامت بها السماوات والأرض وجعل يد موسى بيضاء من غير سوء آية أخرى . ومع إن هذه الآيات عظيمة ولكن سلاح موسى لم يكن العصا أو اليد البيضاء المعجزة بل إن سلاح موسى القوي الذي لا يقهر هو ( لا قوة إلا بالله ) . ودخل موسى على الطاغية فرعون وهو يحمل في صدره ذلك المعنى العظيم ( لا قوة إلا بالله ) ذلك المعنى الذي صير فرعون وهامان وجنودهما في عين موسى (ع) أخس من الذباب بل لم يكونوا في الحقيقة شيئاً مذكوراً . وهتف موسى (ع) وهارون (ع) في مجلس فرعون ( جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (طـه 47-48) وأخذ الطاغية يكابر ويجادل : من ربكما ؟ … ما بال القرون الأولى ؟ … ثم اعرض اللعين ( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً) (طـه 57-58) وتكبر فرعون وجنوده وحق عليهم العذاب فأُغرِقوا في بحر آثامهم ليكونوا عبرة لفراعنة هذا الزمان وجنودهم ،فهل من معتبر قبل أن تحق الكلمة .
وأهم ما يلاحظ من دعوة موسى (ع) أمور منها :-
1- بدأ موسى (ع) بقتل أحد زبانية فرعون وهذا الموقف في غاية الشدة فالقتل والقتال عادة يكون آخر وسيلة للدعوة ولنشر كلمة لا إله إلا الله فما الذي جعله هنا أول خطوة ؟! والحقيقة هناك عدة أسباب منها:
أ) إن موسى كان في مواجهة طاغية متسلط على رقاب الناس يقتل ويسلب وينهب ويستضعف أهل الأرض دونما رادع ، فكان عمل موسى المبارك بقتل هذا الجندي الشيطاني طعنة نجلاء لفرعون وحزبه وجنوده ورادعاً عظيماً لهم .
ب) كان لهذا العمل أثر عظيم في تشجيع بني إسرائيل وتثويرهم على فرعون وجنوده وتهيئتهم للثورة المستقبلية التي قام بها موسى (ع) بعد عودته.
ج) كان لهذه العملية أهمية في إظهار شخصية موسى (ع) كثائر على ظلم فرعون وجنوده وتعريف بني إسرائيل أهمية هذا القائد العظيم الذي سيقوم بتخليصهم من فرعون وجنوده فيما بعد .
د) كان لهذه العملية أهمية في دفع تهمة موالاة فرعون لعنه الله عن موسى (ع) والتي تلبس بها عليه السلام لأنه كان ربيباً لفرعون ويعيش في قصره .
2- بعد دعوة موسى من مدين اتخذت الدعوة الى الحق شكلاً آخر هذه المرة باللين لعل فرعون أو أحد أعوانه يتذكر أو جنوده أو يخشى الله سبحانه ويدين بدين يعقوب (ع) ويوسف (ع) الذي كان عزيزاً ووزيراً لملكهم السابق والى هذه الفترة لم يأتي موسى بالشريعة الناسخة لشريعة يعقوب (ع) وإسحاق وإبراهيم (ع) وهي الحنفية ،مع إنها كانت محرفة ولا يُعمل بها إلا بحسب أهواء وتخرصات علماء دين إسرائيل الشيطانية .
3- كانت هناك عقوبات إلهية وآيات ربانية رافقت دعوة موسى (ع) في مصر لعل فرعون وجنوده أو المتكبرين من بني إسرائيل مثل قارون يؤمن ومن هذه العقوبات هي إن ماءهم صار دماً وامتلأت أرضهم بالضفادع وكانوا يتوسلون بموسى (ع) ليدعوا الله فيرفع عنهم العذاب ومع ذلك لم يؤمن لموسى إلا ذرية من قومه ويا للأسف ويا للحسرة على العباد .
4- في نهاية الدعوة كانت هناك هجرة موسى (ع) والذين آمنوا معه وخروجهم من مصر خائفين من فرعون وملأه وحزبه وجنوده أن يتسلطوا عليهم ويؤذوهم ويقتلوهم فلما تراءت الفئتان ظهر هذا الخوف المستشري في جماعة بني إسرائيل المؤمنة إيماناً ضعيفاً متزلزلاً . فقالوا إنا لمدركون من فرعون وجنوده ولكن موسى (ع) زجرهم ونبههم أنهم مهاجرون الى الله الواحد القهار قال كلا إن معي ربي سيهدين فنجا جماعة إسرائيل إكراماً لموسى (ع) وألف عين لأجل عين تكرم ُ وأُغرق فرعون وجنوده فبعداً لهم .
من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم )
دعوة محمد (ص) دعوة شمولية عامة فكأن فيها ما في دعوات جميع الأنبياء وزيادة وهذا المعنى ورد في الحديث ، فما في التوراة والإنجيل والزبور كله في القرآن قال تعالى ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) (الشورى:13)
فنجد الرسول (ص) وقف يقارع علماء ثلاث ديانات إلهية محرفة هي الحنفية والمسيحية واليهودية ومن الواضح أن الوقوف بوجه عالم إلهي منحرف سواء في العقيدة أو في التشريع وفق هواه أصعب بكثير من الوقوف بوجه وثني أو ملحد لا يؤمن بوجود الله وذلك لان العالم الإلهي الضال يتأول كلام الله وفق هواه ويرسم العقائد الإلهية وفق هواه ويضع الحجج والمغالطات ليثبت أن باطله حق فصاحب الفتنة ملقى حجته كما قال (ص) ( كل مفتتن ملقى حجته إلى انقضاء مدته فإذا انقضت أحرقته فتنته في النار ) اليعقوبي ج1 ص82 . ومن هنا أقول لو لم ينهض محمد (ص) بالدعوة الإسلامية لما استطاع نبي غيره النهوض بها فتحمل بأبي وأمي ما لم يتحمله بشر غيره وقام بالدعوة يقارع علماء الضلالة والطواغيت المتسلطين على الناس ، مرة بعلمه الذي لم يتحمله غيره سوى علي (ع) بابه كما وصفه هو ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ومرة أخرى يقارعهم بالقوة التي استمدها من توكله على الله الذي لم يعرف له مثيل ، وقف في الطائف ممتلئ بالألم على أحجار أدمت بدنه الشريف يناجي ربه بكلمات لا تزال ترتعش قلوب المؤمنين عند سماعها وتفيض أعينهم من الدمع ( إلهي إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إلى من تكلني يا رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى عدو ملكته أمري أم إلى بعيد فيتجهمني إن لم تكن غضبت علي فلا أبالي … ) محمد (ص) لا يبالي عندما يغري هؤلاء السفهاء صبيانهم ليرموه بالحجارة وتسيل من بدنه الدماء ويهان في سبيل الله ولا يبالي إن كذبه الناس ولكنه يتألم عندما لا يؤمنون لأنه يرى جهنم مستقرةً في نهاية الطريق الذي يسلكونه ، وهكذا نهض محمد (ص) مرة يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومرة يجادل بالتي هي أحسن ومرة يقاتل الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم ، ثلاثة وعشرين سنة لم يعرف فيها رسول الله (ص) راحة ولا هوادة ؛ مواعظ وجدال وقتال ودعوة إلى الله حتى النفس الأخير وفي أخر أيامه يخرج متكئاً على علي (ع) والعباس (ع) ليحث الناس على القتال والخروج مع أسامة بن زيد ، وفي نفس الوقت طاعة لربه وعبادة بالغ فيها حتى خاطبه الجليل ( طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طـه 1-2) وكرم وزهد في الدنيا حتى قال (ص) للمسلمين (( والذي نفسي بيده لو كان لي مثل شجر تهامة نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني كذوبا ولا جبانا ولا بخيلا )) ولم يأخذ من أموال الغنائم على كثرتها إلا القليل والكفاف حتى اشتكت حفصة وعائشة لضيق المعيشة فنزلت آيات الاستبدال المعروفة في القرآن وياليت لنا اليوم مسلمين يقتدون ولو بمعشار سيرة محمد (ص) إذن لظهر الإسلام على الدين كله .
ودعوة الرسول محمد (ص) فيها كل ما في دعوات الأنبياء السابقين فالدعوة بلين ورحمة ثم الهجوم بشدة وقسوة ، تكسير الأصنام قتل أعداء الله توعدهم بالأذى الدنيوي والأخروي ،كان الرسول (ص) في غاية اللين والرحمة والرقة مع المؤمنين وفي غاية الشدة والغلظة والقسوة مع الكافرين ، وهذا الميزان الحق الإلهي لا يمكن أن تحتمل تناقضاته الظاهرية إلا نفس عظيمة كنفس محمد (ص) ، نفس تحمل الجنة في يد والنار في اليد الأخرى لتعرضها على الناس فتبشر المؤمنين وتنذر وتزجر وتهدد الكافرين ( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) (الإسراء:105) وقال تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) (الكهف 1-2)
وأهم ما امتازت به دعوة الرسول (ص) هي أنها خاتمة الرسالات الإلهية وان التبشير والإنذار والوعد والوعيد الذي جاء به المرسلون آن وقت تنفيذه وإن المنفذ هو من ذرية الرسول (ص) وهو الأمام المهدي (ع) وبالتالي فقد اقترب الوعد الحق الذي وعده الله سبحانه وتعالى لجميع الأنبياء والمرسلين واقترب يوم الوعد المعلوم الذي وُعد به إبليس لعنه الله وانه يوم نهايته ، قال تعالى ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (النحل:1) وقال تعالى (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:1) وقال تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (القمر 1-2) وأخيراً أقول أن في دعوات المرسلين الكثير الكثير الذي يستفاده منها المؤمن ليصبح ولياً من أولياء الإمام المهدي (ع) ولا يمسي عدواً من أعداءه ، وفي دعوات المرسلين حق لابد للمؤمن الذي يريد نصرة الإمام المهدي (ع) أن يخوض هيجاءه فمن عناء وبلاء وجهد وجهاد وقتل وقتال والآم ربما تتجاوز البدن إلى النفس والروح ، إلى سخرية وتهكم واستهزاء ، الى الخذلان وقلة الناصر ، الآم والآم والآم .
( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)(البقرة: 214) .
من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة عيسى (ع)
الحقيقة إن دعوة عيسى (ع) هي من أعقد وأصعب أنواع الدعوة إلى الله سبحانه وذلك لأنها كانت في مجتمع المفروض انه مجتمع أيمان لم تتلوث عقائده بشرك وثني بين كما إن عيسى (ع) كانت عليه مواجهة علماء وأحبار بني إسرائيل المتمرسين بالكلام والجدل في العقائد وغيرها من الأمور الدينية ولهذا امتازت دعوة عيسى بأمور منها :-
1- الزهد في الدنيا : وكان ابرز مصداق لهذا الزهد هو عيسى (ع) وحواريه الإثنا عشر وكان هذا الزهد الذي بالغ عيسى (ع) في إظهاره إلى الناس علاجاً لحالة الترف المستشرية في علماء بني إسرائيل الذين أنِسوا الحياة تحت سلطة الكفار الرومان وأمسوا كالحيوانات في المعالف لا يهمهم إلا التقمم والإكتراش وبهذا اظهر عيسى(ع) وحواريه لبني إسرائيل واليهود بل وللناس جميعا ما يجب أن يكون عليه حال العالم الرباني العامل المخلص لله من الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة وخصوصا في المجتمعات الإنسانية التي أنهكها التسلط الطاغوتي ولم يبق فيها للفقراء رغيف يقتاتون به بكرامة كما ولم يبق لهم منهج فكري سليم يستضيئون به بعد أن أغرقهم في الفساد الأخلاقي والاجتماعي . ومن هنا كان زهد عيسى وحواريه فضيحة أخزت علماء بني إسرائيل وأظهرت للناس الصراط المستقيم والمنهج القويم الذي يجب أن يسلكه العالم الرباني والقائد الإلهي ليكون نورا يستضيء به الناس ويقتدون به ومخلصاً لهم من سلطة الطاغوت وقائداً الى الله الواحد القهار .
2- الإخلاص في عبادة الله سبحانه : اليهود لم يكونوا يعبدون الأصنام عندما بعث عيسى ولكنهم كانوا يدفعون الجزية لقيصر وكانوا يتابعون علماءهم في كل ما يشرعون لهم ويقلدونهم تقليداً أعمى ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31) وهذه الأعمال هي شرك بالله سبحانه وتعالى فهم لم يكتفوا بترك الجهاد ورفض تواجد قوات الرومان الكافرة على الأرض المقدسة أرض الموحدين بل عملوا على تقوية دولة المحتل والطاغوت وتثبيت سلطانه بدفع الجزية لقيصر الروم ليمسوا بهذا العمل عبدة طاغوت لا موحدين يعبدون الله وان ادعوا ذلك ثم إنهم تابعوا علماءهم عندما خالفوا شريعة الأنبياء والأوصياء وهذا العمل عبادة للعلماء الضالين من دون الله سبحانه لان العلماء الضالين يضعون رأيهم مقابل تشريع الله سبحانه ويطالبون الناس بإتباعهم ويوهمون الناس أن طاعتهم هي طاعة الله بينما في مثل هذه الحالة تكون طاعتهم طاعة للشيطان لعنه الله وأخزاه ولهذا انبرى عيسى (ع) يعلم الناس ويبين لهم هذه الحقائق الإلهية ويدعوهم للإخلاص في عبادة الله سبحانه وتعالى مرة وللكفر بالطاغوت ومحاربته وهدم أركان دولته الاقتصادية والعسكرية والإعلامية مرة أخرى ، يدعو عيسى (ع) الناس للتمرد على علماء بني إسرائيل الذين نصّبوا أنفسهم للتشريع مقابل الله سبحانه وتعالى ودعوا الناس لطاعتهم واقتفاء آثارهم فأضلوا الناس بعد أن كانوا هم أنفسهم ضالين حيث جعلوا أنفسهم أرباباً تُعبد من دون الله سبحانه وتعالى .
3- العدل والرحمة : بدون عدل ورحمة تمسي الحياة مظلمة ليس فيها إلا الحيف والجور والقسوة والألم ، والطاغوت بلا عدل ولا رحمة فبالجور والغلظة والقسوة يبقى فرعون ونمرود وقيصر وأمثالهم على كرسي الحكم ويسيطرون على دفة القيادة الشيطانية ليقودوا أتباعهم ومن سار في ركبهم إلى هاوية جهنم ، ومن يتوقع من طاغية شيئاً من الرحمة والعدل يكون كمن يريد أن يشم من جيفة أو نجاسة ريحاً طيبة ولهذا كان السلاح القوي بيد الأنبياء (ع) هو العدل والرحمة وهكذا انطلق عيسى (ع) ينشر ويدعو للعدل والرحمة في المجتمع ، العدل الذي ضيعه علماء بني إسرائيل عندما استأثروا بأموال الصدقات واخذوا يشرعون وفق أهواءهم وتخرصاتهم العقلية الخرقاء والرحمة التي لم يعرفها الناس في ظل الطاغوت ، وشملت رحمة عيسى (ع) حتى جباة الضرائب الذين يعملون لقيصر بشكل مباشر فحاول استنقاذهم وتخليصهم من النهاية السوداء المظلمة التي تنتظرهم إذا استمروا يسيرون في ركب قيصر .
من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة موسى
( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (القصص:14)
ها نحن ندخل مع موسى (ع) ، بعد أن آتاه الله الحكمة والعلم ، المدينة ؛ عاصمة فرعون التي ملأها بالفساد والطغيان وقتل المؤمنين والاعتداء على الأعراض وتسخير المستضعفين لخدمة آلته الإجرامية الضخمة ، وها هو موسى يقترب من رجلين أحدهما مؤمن إسرائيلي والآخر رجس من جنود فرعون يريد تسخيره وإذلاله والإسرائيلي يأبى الذل والمهانة التي ضاق بها ذرعاً معظم بني إسرائيل ويبادر موسى (ع) فيقتل اللعين ويصفه من عمل الشيطان وصنيعته وكما إن الشيطان عدو لله مضل لعباد الله بين لكل صاحب فطرة سليمة ،كذلك هذا اللعين الفرعوني ، وتبدأ معركة موسى (ع) مع فرعون وحزبه الشيطاني اللعين ، معركة غير متكافئة بالقياسات المادية .
فيخرج موسى (ع) من المدينة خائفاً يترقب متوسلاً بالله أن ينجيه من القوم الظالمين لا طلباً للحياة المادية التي هي سجن لأمثال موسى (ع) بل ليتسنى له حمل راية ( لا إله إلا الله ) .
وموسى هنا لم يحمل فأساً ليكسر صنم يمثل عقائد القوم الضالين بل حمل عليهم مباشرة وقتل أحدهم وحاول قتل الآخر وهذه الخطوة أكثر تقدماً من سابقتها ، وبعد غيبة عشر سنوات قضاها موسى (ع) في أحضان نبي عظيم هو شعيب (ع) عاد موسى (ع) إلى مصر وهذه المرة يحمل رسالة إلى الطاغية فرعون ، رسالة حملها وهو في طريق العودة وحمل معها ( لا قوة إلا بالله ) قال له جبار السماوات والأرض ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ) (طـه:17) وسبحانه وتعالى اعلم بما في يمين موسى ، عصا بحسب قياسات المحجوبين بالمادة ، لا يمكن إن تكون سلاحاً يقاتل به موسى (ع) قوات فرعون المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة في حينها ولكن الله سبحانه وتعالى جعلها حية تسعى بقوته التي قامت بها السماوات والأرض وجعل يد موسى بيضاء من غير سوء آية أخرى . ومع إن هذه الآيات عظيمة ولكن سلاح موسى لم يكن العصا أو اليد البيضاء المعجزة بل إن سلاح موسى القوي الذي لا يقهر هو ( لا قوة إلا بالله ) . ودخل موسى على الطاغية فرعون وهو يحمل في صدره ذلك المعنى العظيم ( لا قوة إلا بالله ) ذلك المعنى الذي صير فرعون وهامان وجنودهما في عين موسى (ع) أخس من الذباب بل لم يكونوا في الحقيقة شيئاً مذكوراً . وهتف موسى (ع) وهارون (ع) في مجلس فرعون ( جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (طـه 47-48) وأخذ الطاغية يكابر ويجادل : من ربكما ؟ … ما بال القرون الأولى ؟ … ثم اعرض اللعين ( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً) (طـه 57-58) وتكبر فرعون وجنوده وحق عليهم العذاب فأُغرِقوا في بحر آثامهم ليكونوا عبرة لفراعنة هذا الزمان وجنودهم ،فهل من معتبر قبل أن تحق الكلمة .
وأهم ما يلاحظ من دعوة موسى (ع) أمور منها :-
1- بدأ موسى (ع) بقتل أحد زبانية فرعون وهذا الموقف في غاية الشدة فالقتل والقتال عادة يكون آخر وسيلة للدعوة ولنشر كلمة لا إله إلا الله فما الذي جعله هنا أول خطوة ؟! والحقيقة هناك عدة أسباب منها:
أ) إن موسى كان في مواجهة طاغية متسلط على رقاب الناس يقتل ويسلب وينهب ويستضعف أهل الأرض دونما رادع ، فكان عمل موسى المبارك بقتل هذا الجندي الشيطاني طعنة نجلاء لفرعون وحزبه وجنوده ورادعاً عظيماً لهم .
ب) كان لهذا العمل أثر عظيم في تشجيع بني إسرائيل وتثويرهم على فرعون وجنوده وتهيئتهم للثورة المستقبلية التي قام بها موسى (ع) بعد عودته.
ج) كان لهذه العملية أهمية في إظهار شخصية موسى (ع) كثائر على ظلم فرعون وجنوده وتعريف بني إسرائيل أهمية هذا القائد العظيم الذي سيقوم بتخليصهم من فرعون وجنوده فيما بعد .
د) كان لهذه العملية أهمية في دفع تهمة موالاة فرعون لعنه الله عن موسى (ع) والتي تلبس بها عليه السلام لأنه كان ربيباً لفرعون ويعيش في قصره .
2- بعد دعوة موسى من مدين اتخذت الدعوة الى الحق شكلاً آخر هذه المرة باللين لعل فرعون أو أحد أعوانه يتذكر أو جنوده أو يخشى الله سبحانه ويدين بدين يعقوب (ع) ويوسف (ع) الذي كان عزيزاً ووزيراً لملكهم السابق والى هذه الفترة لم يأتي موسى بالشريعة الناسخة لشريعة يعقوب (ع) وإسحاق وإبراهيم (ع) وهي الحنفية ،مع إنها كانت محرفة ولا يُعمل بها إلا بحسب أهواء وتخرصات علماء دين إسرائيل الشيطانية .
3- كانت هناك عقوبات إلهية وآيات ربانية رافقت دعوة موسى (ع) في مصر لعل فرعون وجنوده أو المتكبرين من بني إسرائيل مثل قارون يؤمن ومن هذه العقوبات هي إن ماءهم صار دماً وامتلأت أرضهم بالضفادع وكانوا يتوسلون بموسى (ع) ليدعوا الله فيرفع عنهم العذاب ومع ذلك لم يؤمن لموسى إلا ذرية من قومه ويا للأسف ويا للحسرة على العباد .
4- في نهاية الدعوة كانت هناك هجرة موسى (ع) والذين آمنوا معه وخروجهم من مصر خائفين من فرعون وملأه وحزبه وجنوده أن يتسلطوا عليهم ويؤذوهم ويقتلوهم فلما تراءت الفئتان ظهر هذا الخوف المستشري في جماعة بني إسرائيل المؤمنة إيماناً ضعيفاً متزلزلاً . فقالوا إنا لمدركون من فرعون وجنوده ولكن موسى (ع) زجرهم ونبههم أنهم مهاجرون الى الله الواحد القهار قال كلا إن معي ربي سيهدين فنجا جماعة إسرائيل إكراماً لموسى (ع) وألف عين لأجل عين تكرم ُ وأُغرق فرعون وجنوده فبعداً لهم .
من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن