المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إضاءات من دعوات المرسلين ج1



الفرزدق
06-15-2008, 10:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم )


دعوة محمد (ص) دعوة شمولية عامة فكأن فيها ما في دعوات جميع الأنبياء وزيادة وهذا المعنى ورد في الحديث ، فما في التوراة والإنجيل والزبور كله في القرآن قال تعالى ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) (الشورى:13)
فنجد الرسول (ص) وقف يقارع علماء ثلاث ديانات إلهية محرفة هي الحنفية والمسيحية واليهودية ومن الواضح أن الوقوف بوجه عالم إلهي منحرف سواء في العقيدة أو في التشريع وفق هواه أصعب بكثير من الوقوف بوجه وثني أو ملحد لا يؤمن بوجود الله وذلك لان العالم الإلهي الضال يتأول كلام الله وفق هواه ويرسم العقائد الإلهية وفق هواه ويضع الحجج والمغالطات ليثبت أن باطله حق فصاحب الفتنة ملقى حجته كما قال (ص) ( كل مفتتن ملقى حجته إلى انقضاء مدته فإذا انقضت أحرقته فتنته في النار ) اليعقوبي ج1 ص82 . ومن هنا أقول لو لم ينهض محمد (ص) بالدعوة الإسلامية لما استطاع نبي غيره النهوض بها فتحمل بأبي وأمي ما لم يتحمله بشر غيره وقام بالدعوة يقارع علماء الضلالة والطواغيت المتسلطين على الناس ، مرة بعلمه الذي لم يتحمله غيره سوى علي (ع) بابه كما وصفه هو ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ومرة أخرى يقارعهم بالقوة التي استمدها من توكله على الله الذي لم يعرف له مثيل ، وقف في الطائف ممتلئ بالألم على أحجار أدمت بدنه الشريف يناجي ربه بكلمات لا تزال ترتعش قلوب المؤمنين عند سماعها وتفيض أعينهم من الدمع ( إلهي إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إلى من تكلني يا رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى عدو ملكته أمري أم إلى بعيد فيتجهمني إن لم تكن غضبت علي فلا أبالي … ) محمد (ص) لا يبالي عندما يغري هؤلاء السفهاء صبيانهم ليرموه بالحجارة وتسيل من بدنه الدماء ويهان في سبيل الله ولا يبالي إن كذبه الناس ولكنه يتألم عندما لا يؤمنون لأنه يرى جهنم مستقرةً في نهاية الطريق الذي يسلكونه ، وهكذا نهض محمد (ص) مرة يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومرة يجادل بالتي هي أحسن ومرة يقاتل الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم ، ثلاثة وعشرين سنة لم يعرف فيها رسول الله (ص) راحة ولا هوادة ؛ مواعظ وجدال وقتال ودعوة إلى الله حتى النفس الأخير وفي أخر أيامه يخرج متكئاً على علي (ع) والعباس (ع) ليحث الناس على القتال والخروج مع أسامة بن زيد ، وفي نفس الوقت طاعة لربه وعبادة بالغ فيها حتى خاطبه الجليل ( طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طـه 1-2) وكرم وزهد في الدنيا حتى قال (ص) للمسلمين (( والذي نفسي بيده لو كان لي مثل شجر تهامة نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني كذوبا ولا جبانا ولا بخيلا )) ولم يأخذ من أموال الغنائم على كثرتها إلا القليل والكفاف حتى اشتكت حفصة وعائشة لضيق المعيشة فنزلت آيات الاستبدال المعروفة في القرآن وياليت لنا اليوم مسلمين يقتدون ولو بمعشار سيرة محمد (ص) إذن لظهر الإسلام على الدين كله .
ودعوة الرسول محمد (ص) فيها كل ما في دعوات الأنبياء السابقين فالدعوة بلين ورحمة ثم الهجوم بشدة وقسوة ، تكسير الأصنام قتل أعداء الله توعدهم بالأذى الدنيوي والأخروي ،كان الرسول (ص) في غاية اللين والرحمة والرقة مع المؤمنين وفي غاية الشدة والغلظة والقسوة مع الكافرين ، وهذا الميزان الحق الإلهي لا يمكن أن تحتمل تناقضاته الظاهرية إلا نفس عظيمة كنفس محمد (ص) ، نفس تحمل الجنة في يد والنار في اليد الأخرى لتعرضها على الناس فتبشر المؤمنين وتنذر وتزجر وتهدد الكافرين ( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) (الإسراء:105) وقال تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) (الكهف 1-2)
وأهم ما امتازت به دعوة الرسول (ص) هي أنها خاتمة الرسالات الإلهية وان التبشير والإنذار والوعد والوعيد الذي جاء به المرسلون آن وقت تنفيذه وإن المنفذ هو من ذرية الرسول (ص) وهو الأمام المهدي (ع) وبالتالي فقد اقترب الوعد الحق الذي وعده الله سبحانه وتعالى لجميع الأنبياء والمرسلين واقترب يوم الوعد المعلوم الذي وُعد به إبليس لعنه الله وانه يوم نهايته ، قال تعالى ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (النحل:1) وقال تعالى (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:1) وقال تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (القمر 1-2) وأخيراً أقول أن في دعوات المرسلين الكثير الكثير الذي يستفاده منها المؤمن ليصبح ولياً من أولياء الإمام المهدي (ع) ولا يمسي عدواً من أعداءه ، وفي دعوات المرسلين حق لابد للمؤمن الذي يريد نصرة الإمام المهدي (ع) أن يخوض هيجاءه فمن عناء وبلاء وجهد وجهاد وقتل وقتال والآم ربما تتجاوز البدن إلى النفس والروح ، إلى سخرية وتهكم واستهزاء ، الى الخذلان وقلة الناصر ، الآم والآم والآم .
( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)(البقرة: 214) .

من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة عيسى (ع)


الحقيقة إن دعوة عيسى (ع) هي من أعقد وأصعب أنواع الدعوة إلى الله سبحانه وذلك لأنها كانت في مجتمع المفروض انه مجتمع أيمان لم تتلوث عقائده بشرك وثني بين كما إن عيسى (ع) كانت عليه مواجهة علماء وأحبار بني إسرائيل المتمرسين بالكلام والجدل في العقائد وغيرها من الأمور الدينية ولهذا امتازت دعوة عيسى بأمور منها :-
1- الزهد في الدنيا : وكان ابرز مصداق لهذا الزهد هو عيسى (ع) وحواريه الإثنا عشر وكان هذا الزهد الذي بالغ عيسى (ع) في إظهاره إلى الناس علاجاً لحالة الترف المستشرية في علماء بني إسرائيل الذين أنِسوا الحياة تحت سلطة الكفار الرومان وأمسوا كالحيوانات في المعالف لا يهمهم إلا التقمم والإكتراش وبهذا اظهر عيسى(ع) وحواريه لبني إسرائيل واليهود بل وللناس جميعا ما يجب أن يكون عليه حال العالم الرباني العامل المخلص لله من الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة وخصوصا في المجتمعات الإنسانية التي أنهكها التسلط الطاغوتي ولم يبق فيها للفقراء رغيف يقتاتون به بكرامة كما ولم يبق لهم منهج فكري سليم يستضيئون به بعد أن أغرقهم في الفساد الأخلاقي والاجتماعي . ومن هنا كان زهد عيسى وحواريه فضيحة أخزت علماء بني إسرائيل وأظهرت للناس الصراط المستقيم والمنهج القويم الذي يجب أن يسلكه العالم الرباني والقائد الإلهي ليكون نورا يستضيء به الناس ويقتدون به ومخلصاً لهم من سلطة الطاغوت وقائداً الى الله الواحد القهار .
2- الإخلاص في عبادة الله سبحانه : اليهود لم يكونوا يعبدون الأصنام عندما بعث عيسى ولكنهم كانوا يدفعون الجزية لقيصر وكانوا يتابعون علماءهم في كل ما يشرعون لهم ويقلدونهم تقليداً أعمى ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31) وهذه الأعمال هي شرك بالله سبحانه وتعالى فهم لم يكتفوا بترك الجهاد ورفض تواجد قوات الرومان الكافرة على الأرض المقدسة أرض الموحدين بل عملوا على تقوية دولة المحتل والطاغوت وتثبيت سلطانه بدفع الجزية لقيصر الروم ليمسوا بهذا العمل عبدة طاغوت لا موحدين يعبدون الله وان ادعوا ذلك ثم إنهم تابعوا علماءهم عندما خالفوا شريعة الأنبياء والأوصياء وهذا العمل عبادة للعلماء الضالين من دون الله سبحانه لان العلماء الضالين يضعون رأيهم مقابل تشريع الله سبحانه ويطالبون الناس بإتباعهم ويوهمون الناس أن طاعتهم هي طاعة الله بينما في مثل هذه الحالة تكون طاعتهم طاعة للشيطان لعنه الله وأخزاه ولهذا انبرى عيسى (ع) يعلم الناس ويبين لهم هذه الحقائق الإلهية ويدعوهم للإخلاص في عبادة الله سبحانه وتعالى مرة وللكفر بالطاغوت ومحاربته وهدم أركان دولته الاقتصادية والعسكرية والإعلامية مرة أخرى ، يدعو عيسى (ع) الناس للتمرد على علماء بني إسرائيل الذين نصّبوا أنفسهم للتشريع مقابل الله سبحانه وتعالى ودعوا الناس لطاعتهم واقتفاء آثارهم فأضلوا الناس بعد أن كانوا هم أنفسهم ضالين حيث جعلوا أنفسهم أرباباً تُعبد من دون الله سبحانه وتعالى .
3- العدل والرحمة : بدون عدل ورحمة تمسي الحياة مظلمة ليس فيها إلا الحيف والجور والقسوة والألم ، والطاغوت بلا عدل ولا رحمة فبالجور والغلظة والقسوة يبقى فرعون ونمرود وقيصر وأمثالهم على كرسي الحكم ويسيطرون على دفة القيادة الشيطانية ليقودوا أتباعهم ومن سار في ركبهم إلى هاوية جهنم ، ومن يتوقع من طاغية شيئاً من الرحمة والعدل يكون كمن يريد أن يشم من جيفة أو نجاسة ريحاً طيبة ولهذا كان السلاح القوي بيد الأنبياء (ع) هو العدل والرحمة وهكذا انطلق عيسى (ع) ينشر ويدعو للعدل والرحمة في المجتمع ، العدل الذي ضيعه علماء بني إسرائيل عندما استأثروا بأموال الصدقات واخذوا يشرعون وفق أهواءهم وتخرصاتهم العقلية الخرقاء والرحمة التي لم يعرفها الناس في ظل الطاغوت ، وشملت رحمة عيسى (ع) حتى جباة الضرائب الذين يعملون لقيصر بشكل مباشر فحاول استنقاذهم وتخليصهم من النهاية السوداء المظلمة التي تنتظرهم إذا استمروا يسيرون في ركب قيصر .

من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة موسى

( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (القصص:14)
ها نحن ندخل مع موسى (ع) ، بعد أن آتاه الله الحكمة والعلم ، المدينة ؛ عاصمة فرعون التي ملأها بالفساد والطغيان وقتل المؤمنين والاعتداء على الأعراض وتسخير المستضعفين لخدمة آلته الإجرامية الضخمة ، وها هو موسى يقترب من رجلين أحدهما مؤمن إسرائيلي والآخر رجس من جنود فرعون يريد تسخيره وإذلاله والإسرائيلي يأبى الذل والمهانة التي ضاق بها ذرعاً معظم بني إسرائيل ويبادر موسى (ع) فيقتل اللعين ويصفه من عمل الشيطان وصنيعته وكما إن الشيطان عدو لله مضل لعباد الله بين لكل صاحب فطرة سليمة ،كذلك هذا اللعين الفرعوني ، وتبدأ معركة موسى (ع) مع فرعون وحزبه الشيطاني اللعين ، معركة غير متكافئة بالقياسات المادية .
فيخرج موسى (ع) من المدينة خائفاً يترقب متوسلاً بالله أن ينجيه من القوم الظالمين لا طلباً للحياة المادية التي هي سجن لأمثال موسى (ع) بل ليتسنى له حمل راية ( لا إله إلا الله ) .
وموسى هنا لم يحمل فأساً ليكسر صنم يمثل عقائد القوم الضالين بل حمل عليهم مباشرة وقتل أحدهم وحاول قتل الآخر وهذه الخطوة أكثر تقدماً من سابقتها ، وبعد غيبة عشر سنوات قضاها موسى (ع) في أحضان نبي عظيم هو شعيب (ع) عاد موسى (ع) إلى مصر وهذه المرة يحمل رسالة إلى الطاغية فرعون ، رسالة حملها وهو في طريق العودة وحمل معها ( لا قوة إلا بالله ) قال له جبار السماوات والأرض ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ) (طـه:17) وسبحانه وتعالى اعلم بما في يمين موسى ، عصا بحسب قياسات المحجوبين بالمادة ، لا يمكن إن تكون سلاحاً يقاتل به موسى (ع) قوات فرعون المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة في حينها ولكن الله سبحانه وتعالى جعلها حية تسعى بقوته التي قامت بها السماوات والأرض وجعل يد موسى بيضاء من غير سوء آية أخرى . ومع إن هذه الآيات عظيمة ولكن سلاح موسى لم يكن العصا أو اليد البيضاء المعجزة بل إن سلاح موسى القوي الذي لا يقهر هو ( لا قوة إلا بالله ) . ودخل موسى على الطاغية فرعون وهو يحمل في صدره ذلك المعنى العظيم ( لا قوة إلا بالله ) ذلك المعنى الذي صير فرعون وهامان وجنودهما في عين موسى (ع) أخس من الذباب بل لم يكونوا في الحقيقة شيئاً مذكوراً . وهتف موسى (ع) وهارون (ع) في مجلس فرعون ( جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (طـه 47-48) وأخذ الطاغية يكابر ويجادل : من ربكما ؟ … ما بال القرون الأولى ؟ … ثم اعرض اللعين ( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً) (طـه 57-58) وتكبر فرعون وجنوده وحق عليهم العذاب فأُغرِقوا في بحر آثامهم ليكونوا عبرة لفراعنة هذا الزمان وجنودهم ،فهل من معتبر قبل أن تحق الكلمة .
وأهم ما يلاحظ من دعوة موسى (ع) أمور منها :-
1- بدأ موسى (ع) بقتل أحد زبانية فرعون وهذا الموقف في غاية الشدة فالقتل والقتال عادة يكون آخر وسيلة للدعوة ولنشر كلمة لا إله إلا الله فما الذي جعله هنا أول خطوة ؟! والحقيقة هناك عدة أسباب منها:
أ) إن موسى كان في مواجهة طاغية متسلط على رقاب الناس يقتل ويسلب وينهب ويستضعف أهل الأرض دونما رادع ، فكان عمل موسى المبارك بقتل هذا الجندي الشيطاني طعنة نجلاء لفرعون وحزبه وجنوده ورادعاً عظيماً لهم .
ب) كان لهذا العمل أثر عظيم في تشجيع بني إسرائيل وتثويرهم على فرعون وجنوده وتهيئتهم للثورة المستقبلية التي قام بها موسى (ع) بعد عودته.
ج) كان لهذه العملية أهمية في إظهار شخصية موسى (ع) كثائر على ظلم فرعون وجنوده وتعريف بني إسرائيل أهمية هذا القائد العظيم الذي سيقوم بتخليصهم من فرعون وجنوده فيما بعد .
د) كان لهذه العملية أهمية في دفع تهمة موالاة فرعون لعنه الله عن موسى (ع) والتي تلبس بها عليه السلام لأنه كان ربيباً لفرعون ويعيش في قصره .
2- بعد دعوة موسى من مدين اتخذت الدعوة الى الحق شكلاً آخر هذه المرة باللين لعل فرعون أو أحد أعوانه يتذكر أو جنوده أو يخشى الله سبحانه ويدين بدين يعقوب (ع) ويوسف (ع) الذي كان عزيزاً ووزيراً لملكهم السابق والى هذه الفترة لم يأتي موسى بالشريعة الناسخة لشريعة يعقوب (ع) وإسحاق وإبراهيم (ع) وهي الحنفية ،مع إنها كانت محرفة ولا يُعمل بها إلا بحسب أهواء وتخرصات علماء دين إسرائيل الشيطانية .
3- كانت هناك عقوبات إلهية وآيات ربانية رافقت دعوة موسى (ع) في مصر لعل فرعون وجنوده أو المتكبرين من بني إسرائيل مثل قارون يؤمن ومن هذه العقوبات هي إن ماءهم صار دماً وامتلأت أرضهم بالضفادع وكانوا يتوسلون بموسى (ع) ليدعوا الله فيرفع عنهم العذاب ومع ذلك لم يؤمن لموسى إلا ذرية من قومه ويا للأسف ويا للحسرة على العباد .
4- في نهاية الدعوة كانت هناك هجرة موسى (ع) والذين آمنوا معه وخروجهم من مصر خائفين من فرعون وملأه وحزبه وجنوده أن يتسلطوا عليهم ويؤذوهم ويقتلوهم فلما تراءت الفئتان ظهر هذا الخوف المستشري في جماعة بني إسرائيل المؤمنة إيماناً ضعيفاً متزلزلاً . فقالوا إنا لمدركون من فرعون وجنوده ولكن موسى (ع) زجرهم ونبههم أنهم مهاجرون الى الله الواحد القهار قال كلا إن معي ربي سيهدين فنجا جماعة إسرائيل إكراماً لموسى (ع) وألف عين لأجل عين تكرم ُ وأُغرق فرعون وجنوده فبعداً لهم .

من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن

جبار
06-15-2008, 10:21 PM
هل احمد الحسن هو مدعي اليمانية ؟

الفرزدق
06-15-2008, 10:23 PM
[COLOR="Green"][SIZE="5"][FONT="Arial Black"][B]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءة من دعوة إبراهيم ونوح

لم يتحدث القرآن عن معجزة جاء بها نوح أو إبراهيم (ع) لإثبات صدقهما لان المعجزة تأييد لدعوة الأنبياء وليست إثبات لصحة الدعوة فدعوتهم عليهم السلام للعودة الى الفطرة فطرة الله لا تحتاج إلى دليل لأنها الفطرة التي فطر الناس عليها وهي الحق وعبادة الله وحده وتسبيحه وتقديسه والتحلي بالأخلاق الكريمة التي فطر الإنسان على حبها صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة فالفراش ينقض على النور ولكن عندما تخرب مجساته البصرية يركن إلى الظلام وهكذا الإنسان فالأنبياء والمرسلين يقومون بحجة الله البالغة ويرفعون الحجب عن بصيرة الإنسان ثم يتركونه يختار أما يفتح عينيه ويتجه إلى النور وأما يغمض عينيه ويسدل على نفسه الحجاب ويتقوقع على نفسه في ظلمات بعضها فوق بعض ( جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً ) (نوح: 7) .
وأعظم دليل على صدق الأنبياء هو سيرتهم المباركة وأخلاقهم الطيبة وكل إناء بالذي فيه ينضح .
ومع هذه السيرة الكريمة والمعجزات العظيمة التي جاء بها الأنبياء لم يعجز أهل الباطل عن المعارضة بالمغالطة والسفسطة الشيطانية وخصوصاً علماء الضلالة بعد أن صبغوا الناس بصبغتهم وهي تلك الصبغة الباطلة التي عارضوا بها صبغة الله سبحانه وهكذا صنعوا لهم أرضية خصبة في المجتمع الإنساني لتقبل منهم كل شيء وتتابعهم في كل شيء فزهد الأنبياء جنون ومعجزاتهم سحر وحكمتهم شعر .

من كتاب / إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
إضاءات من دعوة يوسف (ع)

يوسف (ع) نبي مرسل الى بني إسرائيل وغيرهم وقد اقر رسالته وآمن به بعض أهل مصر ومنهم بعض أفراد العائلة الحاكمة وهذا مؤمن آل فرعون يذكر فرعون مصر وملأه في زمن رسالة موسى (ع) بيوسف (ع) ورسالته (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) (غافر:34) .
وهاهو يوسف (ع) يصدع بدعوته في أصعب الظروف وهو في السجن (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف:39) بل ويتعرض لدين الملك بشدة دون أن يكون للسجن وإحاطة زبانية فرعون به أي تأثير يجعل يوسف (ع) على الأقل لينا أو مداهنا في تحطيم الأصنام البشرية التي ألهها المصريون بل هاهو يحمل فأسه ويحطم الأصنام البشرية كما حطم جده إبراهيم (ع) أصنام الحجارة (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:40) .
والحقيقة إن الله سبحانه وتعالى لم يتعرض في القرآن لدعوة يوسف (ع) كنبي مرسل داعي الى التوحيد ويطلب من قومه الإيمان به كما تعرض لباقي دعوات الأنبياء بل إن هذه الجهة تكاد تكون غير ملحوظة في سرد مسيرة يوسف (ع) إلا بقدر قليل يبين رسالة يوسف (ع) من الله وإنها رسالة إبراهيمية . فلانجد في القرآن كيف إن يوسف (ع) دعى قومه وكيف جادلهم وماذا ردوا عليه وما هو حال المؤمنين بيوسف (ع) وماهو وماهو أسئلة كثيرة ربما تجد أجوبتها في القرآن إذا كان الأمر يتعلق بالأنبياء المذكورين في القرآن غير يوسف (ع) ومع إن سورة طويلة في القرآن اختصت في سرد مسيرة النبي المرسل يوسف (ع) .
فلماذا ترك القرآن التعرض لتفاصيل رسالة يوسف (ع) كما تعرض لتفاصيل رسالات الأنبياء (ع) ؟ .
والجواب إن سرد القصص في القرآن يراد منه أن يتعض الناس ولا يعيدوا الكرة مرة بعد أخرى ، فموسى (ع) تذكر قصته في القرآن أكثر من مرة وكل مرة يراد منها إعطاء صورة للقارئ تختلف عن سابقتها وبهذا تكتمل عنده الصورة بل ويصبح يعرف موسى (ع) إذا رآه من الأمام أو الجانب أو الخلف والهدف القرآني ليس موسى بن عمران(ع ) بعينه بل الذي يأتي ويمثل موسى (ع) وفي قصة يوسف (ع) فأن الهدف هو النبوة بل بالخصوص الرؤيا وكونها طريق لوحي الله سبحانه وتعالى فالمراد لفت الانتباه الى علاقة الرؤيا بيوسف الآتي ، يوسف آل محمد ( المهدي) بل وان الملأ ( العلماء غير العاملين ) سيقولون عنها أَضْغَاثُ أَحْلامٍ كما إن ملأ فرعون (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ) (يوسف:44)

إضاءة من رؤيا يوسف (ع)

(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف:4) .
الأحد عشر كوكباً إخوة يوسف (ع) والشمس يعقوب والقمر أم يوسف راحيل . رآهم يوسف في الرؤيا ساجدين له فما هو هذا السجود وكيف وقع وهل يصح السجود لغير الله ، وإذا كان لا يصح فما معنى سجودنا للكعبة وهي حجارة وما معنى سجود الملائكة لآدم وهو إنسان مخلوق وما معنى سجود إخوة يوسف ويعقوب وهو نبي ، وأم يوسف ليوسف (ع) . ؟!.
المرتكز في الأذهان عن السجود هو وضع الجبهة على الأرض أو الانحناء ووضعها على شيء منخفض عنها والمراد منه هو بيان الخضوع والتذلل والطاعة للمسجود له ، وربما كان السجود بالإيماء له بالرأس أو حتى برموش العين كما هو حال العاجز عنه بالصلاة .
والحقيقة أن الإنسان الخاضع الذليل لله والمطيع لأمر الله ساجد في كل أحواله نائماً وقائماً وقاعداً وماشياً.
والإنسان الذي لا يخضع لله ولا يتذلل لله ولا يطيع أمر الله ليس بساجد وان وضع جبهته على الأرض . فالسجود الحقيقي إذن هو الطاعة وامتثال الأمر الإلهي وربما تم دون وضع الجبهة على الأرض وربما لا يتم بوضع الجبهة على الأرض .
فإبليس لم يرفض السجود لله (بل له سجدة ستة آلاف عام) ، ولكنه رفض أن تكون قبلته في السجود لله آدم (ع) فهو في حقيقة أمره متكبر على الله وليس بخاضع ولا متذلل ولا مطيع لأمر الله . وهو من الساجدين لله الذين حق عليهم العذاب ، لأنه لم يتخذ القبلة التي أمره الله أن يتخذها (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18)
فهؤلاء الذين حق عليهم العذاب يوصفون بأنهم يسجدون لله ، ولكنه ليس سجوداً حقيقياً ، لأنهم لم يطيعوا الله في السجود له سبحانه من حيث يريد والى القبلة التي أمرهم بها . وباختصار فإن المطيع لأمر أحد طاعة مطلقة فهو عبد ساجد لهذا المطاع ، ولذا قال تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) (التوبة:31) أي عبدوا علماءهم غير العاملين ، لأنهم احلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم
وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل :( (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) ، فقال : أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون) - الكافي - الشيخ الكليني ج 2 ص 398 :
وعن أبي عبد الله (ع) : (من أطاع رجلا في معصية فقد عبده) . الكافي ج 2 ص 398 .
فمن يعص الله فهو ليس عابد ولا ساجد لله بقدر تلك المعصية ، فإذا كانت المعصية متعلقة بالقبلة التي يتوجه إليها حال سجوده وطاعته (أي انه اتخذ قبلة غير القبلة التي أمره الله بها) فإنه في كل عمله عاص وليس عابداً ولا ساجداً لله (ولاتزيده سرعة السير إلا بعداً) قال تعالى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115) فهكذا إنسان تولى الشر والشيطان والظلمة ، ليس على جادة الطريق التي توصل الى الهدف . بل مستدبراً القبلة التي توصله إلى الله فتكون سرعة سيره (سجوده وعبادته وطاعته المدعاة) سبباً في إيصاله إلى هاوية الجحيم لأن كل أعماله (سجوده ، عبادته ، طاعته) يستقبل بها قبلة لم يأمره الله بها بل نهاه الله عن استقبالها فيكون سجوده عبادته طاعته ، كلها مبنية على المعصية والذنب فتكون معاصي وذنوب .
فلا صام ولا صلى بل أذنب وعصى (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) (القيامة:13-35) ، أي أن الأَولى هو التصديق بولي الله وحجته وخليفته سبحانه (الرسول سواء كان نبياً أو وصياً) والصلاة معه وهي الولاية لولي الله لأنها ولاية الله والسجود لولي الله ، أي طاعته لأنه سجود لله وطاعة لله ودون الخضوع لولي الله لا تنفع الأعمال الظاهرية ، عَنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَقَالَ (ع) : ( هَكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ وَ مَوَدَّتَهُمْ وَ يَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) الكافي ج :1 ص : 392
، ولم ينفع كفار قريش (الأحناف المنحرفين) حجهم بيت الله ، ومع انهم كانوا يلبون ، فإن تلبيتهم عند الله لم تعد التصفيق والتصفير لأنها هكذا كانت تسمعها الملائكة وهكذا ترفع (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنفال:35) وكذلك من يصلي ولم يتخذ القبلة التي أمره الله بها فلا تعدوا صلاته التصفيق والتصفير ، وحجه كذلك عند الله (مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) .
فإذا علمنا أن الله لم ينظر إلى الأجسام منذ خلقها ، فلا يكون سجود الأجسام إلا مرشد ودليل يدل على الحقيقة ويشير إليها . وهذه الحقيقة هي الطاعة وامتثال الأمر الصادر من الله سبحانه وتعالى فإذا كان لسجود الأجسام قبلة وهي الكعبة فلا بد أن يكون لسجود الأرواح قبلة وقبلة الأرواح هو ولي الله (حجة الله على خلقه) فبطاعته يطاع الله وبمعصيته يعصى الله ولذلك كان الأمر للملائكة (الأرواح) هو السجود لآدم (الإنسان الكامل) .
والإسلام والسجود واحد ، فالإسلام هو التسليم والتسليم هو الطاعة المطلقة فالمسلم هو المسَّلِم لله سبحانه وتعالى ، وهذا التسليم (السجود) لابد له من قبلة فقبلته هو ولي الله (حجته على خلقه) ، فليس بمسلم حقيقي من أعرض عن قبلة التسليم التي فرضها الله وهي (حجة الله) المتمثلة بخليفة الله في أرضه .
روى الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله بإسناده إلى الفضل بن شاذان عن داود بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام :( أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل وأنتم الزكاة وأنتم الحج ؟ فقال : يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل ، ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله قال الله تعالى : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) ونحن الآيات ونحن البينات ، وعدونا في كتاب الله عز وجل : الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير ، يا داود إن الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أمناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض ، وجعل لنا أضدادا وأعداء ، فسمانا في كتابه وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلى عباده المتقين ) . - بحار الأنوار ج 24 ص 303 .
قال تعالى (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:115) ، وليس لله وجه كالوجوه ومن أعتقد هذا فهو مجسم كافر ككفر كفار قريش بل أشد كفراً .
فالوجه هو ما يواجه به ، ووجه الحقيقة والكنه سبحانه وتعالى (هو) الذي واجه به محمد (ص) هو الذات المقدسة (الله) سبحانه وتعالى ، أما وجه الذات المقدسة أو (الله) الذي واجه به خلقه فهم حجج الله (ع) فهم وجه الله وهم الأسماء الحسنى التي واجه بهم الله الخلق فبمعرفتهم يعرف الله سبحانه وتعالى . وكمثال فأنت تعرف الناس بوجوههم فتقول هذا فلان وهذا فلان إذا نظرت في وجوههم . وكذا الله سبحانه وتعالى فأنت إذا نظرت إلى وجهه سبحانه وتعالى (أي الأنبياء والأوصياء والمرسلين) تعرفه سبحانه وتعالى . قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح:10) واليد التي وضعت فوق أيدي المبايعين هي يد محمد (ص) ومع ذلك قال تعالى عنها (يَدُ اللَّهِ) لأن محمد (ص) هو الله في الخلق .
فأينما تتجهون فإن قبلتكم إلى الله هي وجه الله (ولي الله وحجته على خلقه) لأن روحه لا تقيد بقيد الأجسام فهي موجودة ومحيطة بكم من كل الجهات شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً ، بل لو تفقهون هذه الكلمات لعرفتم الحقيقة ، فآل محمد (ع) هم الطعام الذي تأكلون والماء الذي تشربون والهواء الذي تتنفسون ، قال عيسى (ع): (أنا خبز الحياة) ، وآل محمد هم موسى وهامان وهم إبراهيم ونمرود وهم نار إبراهيم وهم بردها وسلامها . فقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، وآل محمد هم الرحمن في الخلق وهم صنائع الله والخلق صنائع لهم ، وخلقهم الله ومنهم (ع) خلق الخلق (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 14) ، إذن فهو أحسن الخالقين وغيره خالقون ، ولكنه خالق مطلق لا يحتاج إلى غيره وهم يحتاجون إليه سبحانه ، فعيسى (ع) يخلق ولكنه فقير إلى الله (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:49) وكذلك محمد وال محمد (ع) فإصبعي الرحمن هما الشيطان والملَك ، وقلب الإنسان بينهما ، فالشيطان يوسوس ويضل ، والملَك يرشد ويهدي ، والشياطين والملائكة موجودون ومتقومون بآل محمد ، وآل محمد موجودون ومتقومون بمحمد (ص) ، ومحمد (ص) موجود ومتقوم بالله ، وأيضاً الكل موجودون ومتقومون بالله . فأينما تولوا وجوهكم فثَمَ آل محمد (ع) لأنهم وجه الله (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) .
إذا تبين هذا نعود إلى سجود يعقوب وأم وإخوة يوسف الى يوسف (ع) .
فيوسف (ع) يرى في المنام ( أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) وتحققت الرؤيا في هذا العالم الجسماني هكذا (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100).
فيوسف (ع) بعد أن رفع أبويه على العرش سجدوا له وتحققت الرؤيا أي أن يوسف (ع) بعد أن بين مقام والديه وكونهما أصحاب الحق بالملك الإلهي والعرش الرباني خروا له سجدا إعظاماً لمقامه واعترافاً بأن يوسف (ع) هو خليفة الله وحجته على عباده فالسجود ليوسف (ع) كونه قبلة إلى الله فبه يعرف الله والسجود ليوسف (ع) أي طاعة يوسف والإئتمار بأمره هو طاعة الله قَالَ الصادق (ع) : (كَانَ سُجُودُهُمْ ذَلِكَ عِبَادَةً لِلَّهِ ) .
ويجدر الالتفات إلى أن يعقوب (ع) نبي ولم يسجد ولم ينصاع لطاعة ليوسف (ع) إلا بأمر الله كما أن الملائكة سجدوا لآدم وانصاعوا لطاعته بأمر الله وكما انصاع أبو طالب (ع) لطاعة ابن أخيه وربيبه محمد (ص) لما بعث مع أن أبو طالب (ع) وصي من أوصياء إبراهيم (ع) وكان الحجة من الله على محمد (ص) قبل أن يبعث وكما سجد يحيى (ع) وهو في بطن أمه إلى عيسى (ع) وهو في بطن أمه وليس في هذا شرك كما يتوهم من يجهل الحقيقة لأننا نسجد إلى الكعبة وهي حجر لأن الله أمرنا بذلك فماذا تريدون أن يفعل الملائكة إذ أمرهم الله أن يسجدوا لآدم ويجعلوه قبلتهم إلى الله وآدم نبي وهو الطريق لمعرفة الله وكذا ماذا تريدون من يعقوب (ع) أن يفعل إذ أمره الله أن يسجد ليوسف (ع) ويجعله قبلته إلى الله هل تريدون من يعقوب (ع) وهو نبي أن يعصي أمر الله ويخضع لثلة من الأعراب العجاف ( الوهابيين وأشباههم ) الذين لم يفقهوا آية من كتاب الله وهم يصرخون هذا شرك هذا شرك فأين انتم من تسليم أصحاب رسول الله لما بدل الله القبلة فبمجرد أن أدار رسول الله وجهه داروا وجوههم معه قال الباقر (ع) : ( وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله لما كان بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو البيت المقدس في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يتمكن استقبل البيت المقدس كيف كان فكان رسول الله صلى الله عليه واله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاثة عشر سنة فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا ، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون : والله ما درى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدانا ونسكنا ، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه واله لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرائيل عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : يا جبرائيل لوددت لو صرفني الله تعالى عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم ، فقال جبرائيل : فاسأل ربك أن يحولك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك فلما أستتم دعاءه صعد جبرائيل ثم عاد من ساعته فقال : اقرأ يا محمد : " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " الآيات فقالت اليهود عند ذلك : " ماوليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " فأجابهم الله أحسن جواب فقال : " قل لله المشرق والمغرب " وهو يملكهما ، وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر " يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " هو مصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم فقال أبو محمد عليه السلام وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشر سنة ثم تركهتا الآن أفحقاً كان ما كنت عليه فقد تركته إلى باطل فإنما يخالف الحق الباطل ، أو باطلا كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة ؟ فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله : بل ذلك كان حقا وهذا حق يقول الله : قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ، وإن عرف صلاحكم في غير هما أمركم به ، فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده إلى مصالحكم فقال رسول الله صلى الله عليه واله : لقد تركتم العمل في يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده أفتركتم الحق إلى باطل أو الباطل إلى حق أو الباطل إلى باطل أو الحق إلي حق قولوا كيف شئتم . فهو قول محمد - صلى الله عليه واله - وجوابه لكم قالوا : بل ترك العمل في السبت . حق والعمل بعده حق ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقته حق فقالوا : يا محمد أ فبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ما بداله عن ذلك فإنه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ، ولا يستحدث رأيا يخالف المتقدم ، جل عن ذلك ، ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مراده ، وليس يبدؤ وإلا لما كان هذا وصفه ، وهو عز وجل متعال عن هذه الصفات علوا كبيرا . ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه واله : أيها اليهود أخبروني عن الله ، أليس يمرض ثم يصح ، ويصح ثم يمرض ؟ أبدا له في ذلك ؟ أليس يحيى ويميت ؟ أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ فقالوا : لا ، قال : فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس ، وما بدا له في الأول ، ثم قال : أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف في أثر الشتاء ؟ أبداله في كل واحد من ذلك ؟ قالوا : لا ، قال رسول الله صلى الله عليه واله : فكذلك لم يبدله في القبلة ، قال : ثم قال : أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر ؟ فبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء ؟ قالوا : لا ، قال رسول الله صلى الله عليه واله : فكذلك الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ، ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر ، وإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه ، وأنزل الله : " ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله " يعني إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه . ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله : يا عباد الله أنتم كالمرضى ، والله رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ، ألا فسلمو الله أمره تكونوا منا الفائزين فقيل : يا ابن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى ؟ فقال : لما قال الله عز وجل : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " وهي بيت المقدس – إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " إلا لنعلم ذلك منه وجودا بعد أن علمناه سيوجد ، وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبع محمد صلى الله عليه واله من مخالفيه بإتباع القبلة التي كرهها ، ومحمد صلى الله عليه واله يأمر بها ، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمدا فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه . ثم قال : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله إنما كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلا على من يهدي الله فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلى طاعته في مخالفة هواه ) . بحار الأنوار ج 4 ص 105-107.
من كتاب إضاءات من دعوات المرسلين
للسيد أحمد الحسن