المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخليج الفارسي ............نضال نعيسة



زوربا
06-14-2008, 06:16 PM
http://www.arabtimes.com/portal/authors/images.jpg

من قلم : نضال نعيسة

عرب تايمز

كاتب وصحفي عربي من سوريا


Email: SAMI3X2000@YAHOO.COM



أثارت الكلمة التي ألقاها الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي في نهاية مؤتمر القمة العربي الذي عقد في أواخر آذار/ مارس 2008، والتي أشار فيها إلى الأصول الإيرانية لشعوب الخليج الفارسي، شجوناً كامنة، وموجة عارمة من ردود الأفعال المستنكرة، والمؤيدة لتلك الإشارة "الاستفزازية" العابرة. وبغض النظر عن البواعث، والتضمينات المختلفة لتلك الإشارة وتفاعلاتها السياسية والإعلامية، والمواقف المتباينة منها، سلباً أو إيجاباً، فإنها، في الواقع، لا تخلو من حقائق هامة بقدر ما هي مؤلمة وجارحة، وتلامس مسكوتات طال التعتيم عليها ومداراتها.

ويحاول العرب، اليوم، الذين لم تكن لهم أية هوية أو رسالة حضارية ما مؤثرة، عبر التاريخ، بقدر ما كانت هويتهم وسلوكهم مدمراً للكثير من القيم والمفاهيم التي أعطبت عقل الإنسان "العربي" عبر انشغالاتها السفسطائية الدونية والإشكالية، نقول يحاولون التمظهر بأنهم سليلو حضارات راقية وعظيمة، وبأنهم أنداد حضاريون لحضارات عظيمة وخارقة كاليونانية والفارسية والرومانية والغربية الحديثة. وبأن لهم حضارة وتاريخ مشرف يعول عليه، وكان لهم إسهامات في ما وصلت إليه المدنية الإنسانية الحديثة من رقي وتمدن وشأن عظيم.

وتحقيقاً لتلك الغاية يسوقون الكثير من الخرابيط والأوهام والأكاذيب والتلفيقات غير المسنودة لا علمياً ولا مادياً، يؤازرهم في ذلك رهط من الكتبة المسترزقين الذين يحاولون رسم صورة مغايرة لواقع العرب الحضاري وتاريخهم الأسود الخزي.

ولنعترف بادئ ذي بدء أنه لم تقم حضارة يعول عليها، يوماً، في محيط ما يعرف بشبه الجزيرة العربية على الإطلاق. فلا وجود، البتة، لأية أوابد تاريخية وحضارية في طول الجزيرة العربية وعرضها كما نرى في بلدان أخرى قريبة، كالمسارح الرومانية الرائعة مثلاً، أو حدائق بابل وإهرامات الجيزة، على سبيل المثال لا الحصر، ولم يكن لعجائب الدنيا السبعة The Seven Wonders أي نصيب تاريخياً في أي مكان من جزيرة العرب أو حضارتهم التي يطنطنون بها ليل نهار، وبمناسبة أو من غير مناسبة.

وهذا ما ينسف أية فكرة عن وجود أي شكل من أشكال الحضارة هناك. ةللحقيقة والتاريخ، نقول، ربما كانت هناك أنماط متفرقة من أنشطة سكانية رعوية وقبلية وتبادلات مشاعية وبدائية مختلفة وبسيطة، غير أنها لم ترتق يوماً لتكوّن نواة لتشكل حضاري إنساني شامل بالمفهوم الحرفي للكلمة. وعندما قامت ما يسمى بالحضارة الإسلامية فلقد كانت، تماماً، خارج حدود تلك البيئة الصحراوية القاحلة غير الصالحة، حتى اليوم، للحياة البشرية. وظهر العرب دائماً، قديماً وحديثاً، كأقوام متناحرة ومشتتة ولا رابط يربط بينها، وخارج كل السياقات التاريخية المتعارف عليها، وعن التفاعل الحضاري الإيجابي السليم.

ولو نظرنا إلى الضفة الأخرى من الخليج الفارسي، بلاد فارس قديماً، وتحديداً إلى ما يسمى اليوم بإيران، لوجدنا أن سبل الحضارة لم تنقطع يوماً عن هذه الأرض وتمتد الحضارة الفارسية لأكثر من ألفي عام وكانت تسمى بعرش الطاووس وكان الشاه محمد رضا بهلوي آخر أباطرته الذي أطاح به الإمام آية الله روح الله الموسوي الخميني ذات صبيحة من شباط فبراير 1979 قدمت خلاله هذه الحضارة للبشرية معالم وأوابد حضارية وتراث أدبي وفني وموسيقى ثري سيبقى على مر الزمان. وما انفكت الحضارة عنها يوماً، لا بل كانت تمد وتهب ما سمي بالحضارة العربية بكل أسباب القوة والبقاء من علماء وفكر وفلسفة. فقد كان علماؤها وفلاسفتها وحتى أئمتها ورواة أحاديثها ومفسريها ونابغة العربية الأكبر سيبويه مثلاً، هم العصب والعمود الفقري لما أطلق عليه زوراً وبهتاناً وديماغوجياً بالحضارة العربية.

وتثار اليوم معركة حامية الوطيس لنسبة ذاك الممر أو الخليج المائي الذي يفصل إيران عن شبه الجزيرة العربية Arab Peninsula. وحلاً لذاك الخلاف والإشكالية يقترح بعض المتفائلين والطوباويين تسميته بالخليج الإسلامي، كحل وسط وتصالحي يصب في مصلحة العرب، بكل ما فيه من ظلم وإجحاف ونكران تاريخي وهروبا من استحقاق حضاري وجغرافي. فلو أخذنا التركيبة السكانية، مثلاً، كأحد عوامل الاستنساب المنطقية تلك لرجحت، وبكل أسف، الكفة لصالح "المجوس الفرس" أو ما يسموا بالإيرانيين في القاموس السياسي الحديث، حتى ولو كانت هذه النتيجة مصدر خيبة أمل لكل العروبيين. فـ"الفرس" يذرعون ضفتي الخليج تاريخياً بالسكان وهم وراء ازدهاره التاريخي. وهم عماد ما يسمى بالنهضة العمرانية والتجارية الخليجية، التي تقوم اليوم، وتحديداً على أيدي الهنود والباكستانيين والإيرانيين، وبقية الجنسيات، ويقتصر فيها دور العنصر العربي على احتلال المناصب الشكلية الرفيعة وشغر الواجهات الإعلامية والظهور أمام الكاميرات فيما الشارع الحقيقي كله غير عربي.

وباتت هذه التركيبة السكانية تنذر بالكثير من عوامل الانفجار الاجتماعي والديمغرافي في تلك البلدان، ولا يشكل "العرب" إلا ما مجموعة 15% من عدد السكان في بعض الدول الخليجية حسب إحصائيات رسمية ومعتمدة، وأصبح العنصر "العربي" عنصراً أقلاوياً يعاني الغربة والفراغ والتهميش الاجتماعي، وليس ببعيد ذاك اليوم الذي ستفرض القوانين، ومن أصدقاء الخليجيين بالذات، والتي تصب في صالح توطين الجيل الثالث أو الرابع من أولئك المهاجرين الإيرانيين والهنود والباكستانيين وغيرهم.

ولو قارنا اليوم وضع بلاد فارس، "إيران"، مع وضع الدول الخليجية سياسياً، فلن تكون النتيجة إلا أكثر خيبة للعروبيين ومن لف لفهم من الراقصين على أنغام عروبتهم الجوفاء. فإيران استغلت ثروتها وإمكانياتها لتصبح دولة قوية في النادي النووي الدولي وتقارع أمريكا وأوروبا، فيما تبدو الدول الخليجية كأجرام صغيرة تدور في الفلك الأمريكي وغيره وترهن ثروتها ووجودها وأمنها بأيدي "الكفار واليهود والصليبيين" حسب الخطاب الرسمي لوزارات الأوقاف التي تمولها الحكومات الخليجية، وبددت هذه المشيخات ثرواتها على كل ما هو فارغ وشكلي غير جدوى وصوري. وتهيمن إيران على سياسات المنطقة، ولها نفوذ واسع على الأقليات الشيعية المضطهدة والمهمّشة في الدول الخليجية.

وهذا ما حدا بالرئيس مبارك لإطلاق تصريجه الشهير عن ميول الشيعة العرب لإيران، والتحذير الأكثر خطورة عن تبلور هلال شيعي الذي أطلقه الملك عبد الله الثاني وضرورة التصدي له. وصواريخ وأساطيل وقوة إيران في "الخليج الفارسي"، وعذراً لدقة المصطلح"، ليست معادلة أو رقماً سهلاً يمكن تجاوزه من أي متابع استراتيجي. وعلى النقيض من ذلك تظهر دويلات ومشيخات الخليج كمحميات أمريكية ومهبطاً ومحطة استراحة واستجمام وتزود بالمعنويات للزوار والجنرالات الغربيين (الغربيون عموماً لا يحتاجون لفيزا لزيارة دول الخليج ولا يخضعون لنظام الكفيل العنصري ويدخلونها بسلام آمنين مطمئنين)، فيما تفرض شروط تعجيزية وإذلالية على زيارة وإقامة العرب المسلمين الفقراء الجياع المساكين ويخضعون لنظام "القنانة" العصري أوالكفيل العنصري.

ويستعمل الإعلام والخطاب الغربي ومنظريه وكتابه وأدبياته، رسمياً، وعفوياً، لفظة الخليج الفارسي The Persian Gulf للإشارة أو حين التحدث عن هذا الموضع الجغرافي دون اعتبار لما يتركه ذلك من سخط ومضض وإحراج في نفوس "عرب الخليج". وقد سمعت بإذني هاتين، اللتين ثقبتهما فتاوى شيوخ الإسلام المجاهدين الذين ترعاهم دول الخليج، كوندي رايس ورامسفيلد وبوش وريغان وكلينتون وبلير وشميدت وثاتشر وغيرهم كثيرين من عتاة الغربيين وأحباب العروبيين، وهم يطلقون عليه اسم الخليج الفارسي في تصريحات صحفية أحياناً، غير آبهين، بوجود مسؤولين عرب وخليجيين.

وبالعودة إلى تصريحات القذافي المثيرة و"الاستفزازية" طبقاً للخليجيين، إذ يمكن، عندها، إطلاق أية تسمية أخرى على هذا الخليج كالخليج الهندي، أو الباكستاني، أو الأمريكي، وربما الفارسي أو الإيراني وهو المرجح والأصح تاريخياً ومنطقياً، فأما العربي فلا وألف لا، و"بعيدة عن شواربهم". فهناك كثير من الأشياء لا يستطيع البترودولار وشيوخه المترهلين أن يشتروها. ولأن في إطلاق تسمية الخليج العربي، في واقع الحال، الكثير من الغبن والتجني، والقفز فوق حقائق الجغرافيا والمنطق والتاريخ.


http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?ArticleID=6719

فاتن
02-25-2010, 01:06 PM
ما يسمى بعرب الخليج يحاولون تغيير المسمى التاريخي للخليج عن طريق التهريج الاعلامي وبفضح احقادهم العنصرية على كل ماهو فارسي

بركان
02-26-2010, 08:26 AM
من قلم : نضال محمد نعيسة


تاريخ وحضارة تندى لها الجباه

http://www.arabtimes.com/portal/authors/566.jpg

20 February 2010

كاتب عربي من سوريا - عرب تايمز


حين أقرأ بعضاً أو كلاً من هذا التاريخ الذي يستهوي البعض ويتغزل به بعض المستثقفين والمطبوخين في "مراجل" طويلي العمر، ووزراؤهم ويسمونه هوية وحضارة ترفع الرأس، في نفس هذا الوقت يالذات، ينتابني شعور بالخزي والعار والشنار كلما عدت إلى تلك السيـّر المؤلمة الظلماء. أود أن أتقيأ ذاتي، وتاريخي وأتخلص من كل تلك الآلام والاحتقانات، أود أن أبصق على هذا التاريخ كما أبصق على عاهرة لم تترك أحداً على قارعة الطريق إلا ونال منها وطراً وابتغاء وزرع فيها من عهره وشبقه تذكار. أود أن أبكي لكني أضحك بمهانة وانكسار.

إذ لا أدري كيف يتغزل المتغزلون بتاريخ قام على السيف والدماء والاستخفاف بعقل الإنسان، والإعجاب ببضع شراذم من القتلة والسفاحين والقتلة الكبار ويسمون ذلك حضارة؟ قلنا تكرراً لا مبرر لأي قتل وسفك للدماء وجز للرقاب تحت أي اعتبار وإلا لتساوى هذا المنطق مع منطق جماعات تورا بورا ووعاظ القتل ومنطق جورج بوش وبلير وأولمرت وبيريز وأفيغدور ليبرمان، فلكل من هؤلاء منطقه وأسبابه وتبريراته للقتل وسفك الدماء، ولكنهم جميعًاً زملاء ورفاق وأخوة في عشق القتل وتنشق رائحة الدماء وتبرير الإجرام. قلقد افتتحت الخلافة الراشدة، مثلاً، والتي يعتبرها البعض العصر الذهبي في التاريخ "إياه" عهدها الميمون "الذهبي" بمذبحة، ومجزرة علنية وعملية تطهير ثقافي وديني كبرى، تسمى في توصيف وعلم اليوم الجنائي جرائم ضد الإنسانية وإبادات جماعية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناس الأبرياء، الذين رفضوا الدين الجديد، وهذا حقهم الطبيعي حسب القرآن، ولم يقتنعوا بكل تلك السرديات القصصية والروائية كثيراً لأنهم قالوا لمحمد سابقاً ما هو إلا أساطير الأولين، حسب ما جاء في القرآن. والله، على حد علمنا هو من ينصر دينه ولا يستقوي بأحد وليس بحاجة لأحد كي يساعده و"يأخذ بيده"، وينصره على المشركين والكفار وهو القوي الجبار العظيم (أي استخفاف ومسخ للعقل في هذا، إذا كان الله بحاجة لبدوي كي ينصره فهو حتماً ليس بإله) ولكن هيهات هيهات. نعتقد أن القضية، بهذه الأبعاد الدموية العنفية المنفلتة التبريرية والخارجة عن القانون، تدخل في الإطار والحيز القانوني والقضائي والأخلاقي ولم تعد قضية لا ثقافية ولا فكرية ولا دينية ولا إيمانية ولا حيوية منطقية، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "أفأنت تكرههم على ذلك؟".

من حقنا الاستخفاف وازدراء قتلة وسيافين وسفاكي وسباة وغزاة بغاة زناة جفاة طغاة حلالي دماء ارتكبوا مجازر بدم بارد ومن دون أي ضمير أو أي أخلاق. من أين ليد تنهال بوحشية على رقبة بريئة أي قدسية أو احترام واعتبار؟ من حقي عدم احترام، وازدراء تاريخ دموي قائم على القتل والإقصاء والإخصاء، فكما ازدري وأستخف بهتلر وموسوليني وبوش وهولاكو سأزدري وأستخف بأي سفاح عربي وقاتل وسفاك دماء وأطالب بمحاكمته أمام الله والناس وفي لاهاي، إنها وحدة المعايير التي لا تقبل الجدل أو الكلام. لماذا قتل عشرات الآلاف من الناس في الغزو البدوي الذي يسمى فتوحات وتسمى تلك المجازر مواقع خالدة كحطين واليرموك والقادسية وعمورية يتغنى بها الشعراء وتدرس للطلاب وتسمم بها عقولهم الغضة والطرية وحين يكبرون يحاولون تقليدها كما فعل صدام بقادسياته ضد الكويت وإيران، ومن ثم يعدم على فعلته الشنعاء؟

من المسؤول عن صناعة المجرمين والطغاة ها هنا؟ أليست نفس الثقافة التي يقيمون لها المهرجانات وتتنقل في عواصمهم المقفرة الحزينة الظلماء؟ وبحساب من زهقت تلك الأرواح؟ هل من اجل الله الذي يهب الناس الحياة ثم يطلب من "كم" بدوي أن يذهبوا ويستبيحوها إن لم تؤمن به؟ إذا كانت كل تلك الدماء والأرواح التي لا تعني شيئاً يستحق الذكر لوزراء الثقافة العرب، وبعض من مستثقفيهم، ويمجدون هذه الجرائم فهي تعني لنا الكثير وتدخل في خانة القداسة العمياء، فحق الحياة والروح البشرية مقدس قداسة مطلقة لا يعلمها أولئك البدو الغزاة، وهي ليست ملكاً لأي كان يتصرف بها أو يزهقها لمجرد هلوسات ومزاعم ورغبويات وعقد وأمراض نفسية وشمولية تسلطية ما أنزل الله بها من سلطان.

إن تبرير القتل هو جريمة بحد ذاته؟ نستنكر وندين جريمة قتل أي إنسان، حتى ولو كان كافراً ورفض الدخول في الإسلام، لأن القرآن علمنا أن حسابه وعقابه على الله وهذه حكمته، تعالى، في خلق الكفار والأشرار والمؤمنين والودعاء، ولأن الله يقول في كتابه العزيز ما أنت عليهم بمسيطر؟ فلماذا يتم قتلهم، لولا نزع الإجرام، إذا كان الله يريد ذلك وهو الذي خلق هذا التنوع في الحياة؟ ثم يأتي من يمجد هذا بعد ذلك ويسميه بالفتوحات التي ويحتفي بها مع وزراء ثقافة الطلقاء؟ لقد اعتذر الجميع في العالم عن جرائم سابقة ارتكبت ضد الإنسانية إلا الثقافة والحضارة البدوية التي ترفض الاعتذار وتعتقد أن كل ما ارتكب من مجازر وزهق للأرواح وسفك للدماء هو حق شرعي مبرر ومقدس من السماء، وهي بذلك ترفض التصالح والأنسنة والاندماج في عالم الإنسان الذي نبذ كل ذلك الشذوذ التاريخي والموبقات والانحرافات.

إن جوهر وكنه أية حضارة وأي تراث هو ما يتحواه من مضامين إنسانية وأخلاقية وما يقدمه من تجارب سامية ومثل ومبادئ عليا تقدس الإنسان وتضعه في مراتب عليا لا مراتب القطيع وفكر الجماعة التي بها يتغزلون، وكانت تلك القداسة للفرد هي السبب في تفوق الحضارة الغربية الخارق وبهذا الشكل الذي يشعرون أمامه بالصغر والتواضع وبأنهم من عصر آخر لذا يحاولون تهديمها وتقويضها وشتمها ولعنها وتصغيرها والاستخفاف بها. وأهمية واحترام ومكانة أية حضارة هو بما تعود به تلك "الحضارة" بالنفع على بني الإنسان، وما تخلفه من خير ورفاه وازدهار ووفرة وسعادة وحرية وطفرة ووفرة في الفنون والإبداعات. فماذا عن مليار ونصف يتصدرون، عبر التاريخ، قوائم البؤس والفقر والجهل والمرض والأمية والديكتاتورية والقمع والسلب والنهب والمهانة والإذلال؟ "بحساب من هؤلاء؟ هل علينا شكر تلك "الحضارة" والتغزل بها، أم الواجب الأخلاقي يقتضي وضع النقاط على الحروف، وتسليط الضوء على جوانب التعتيم والظلام؟

لم ينته مسلسل الدم والقتل عند هذه المجزرة المروعة والهولوكوست الديني الكبير الذي أطلقوا عليه حروب الردة، أي أنهم يريدون أن يدخلوا الناس في الإسلام قسراً وبالقوة، وهذا ما حصل بالفعل، مخالفين جوهر القرآن، "أفأنت تكرههم على ذلك"، و"لا إكراه في الدين"، و"لو شاء ربك لآمن من في الأرض"...إلخ، نعم استمر مسلسل الدم فنحن في مسلسل دموي طويل Soap Opera لا ينتهي حيث قتل بعدها ثلاثة خلفاء ممن يسمونهم بالعصر الذهبي والعصر الراشدي قتلاً وذبحاً كالنعاج الواحد تلو الآخر. هل يحتاج هذا القول إلى برهان، وهل هو تجن على الوقائع والحقائق والفبركة؟ ألا يدرس للطلاب في المدارس منذ نعومة أظفارهم وتشوه به عقولهم الغضة إذ لا يفهم هذا الصغير سبب كل هذا الحقد والدم والخراب فيتحول إلى قاتل بالفطرة والغريزة؟ وبعدها ينتقل مسلسل الدم إلى دمشق والقاهرة وبغداد وغرناطة كما يقولون، وكل مكان وصلت إليه جحافلهم لتنقطع عنها سبل الحضارة والحياة والإبداع ولتدخل في نفق الصراعات والإشكاليات والتلعين والتخوين والتأثيم والافتراء، وليسرقوا حضارات الغير وينسبوها لأنفسهم؟ ألم تحصل مجازر مروعة ذهب ضحيتها زهرات آل بيت النبي نفسه، وليس أي أناس آخرين، هل هؤلاء كفار وأعاجم وروم وفرس مجوس، وكان ذلك قبل أن يستوي الطليق ابن الطليق معاوية على العرش الأموي في الشام؟ من أين لهذا البدوي الطليق الحق في غزو الشام الحضارية وانتهاك حرمتها وقدسيتها والتربع على عرشها لولا أنها جريمة ضد الإنسانية وغزو واحتلال ؟ ماذا يختلف احتلال هذا الطليق لدمشق عن احتلال بوش لبغداد، ونابليون لمصر، وهتلر لأوروبا؟ هل ما زلنا تعتقد أن القضية ثقافية وفكرية أم أنها محض جنائية وأخلاقية وقانونية؟

من أين لهم بالمعمار والفن الإسلامي والرياضيات والطب وهم الذين عاشوا في الخيام وبيوت الشعر والطين وسعف النخيل، ويتداوون بالحجامة وبول البعير وياكلون آلهة التمر حين يجوعون والتي كانوا يصنعونها ويسجدون، لها هذه ثقافتهم وهذا تراثهم العريقالذي به يفاخرون؟ من أين هطلت عليهم علوم الدنيا فجأة هكذا ولماذا لم تكن موجودة في ما يسمى بجزيرة العرب، ولكن حين ذهبوا لفارس والشام وبغداد ورؤوا ما كان عليه الناس من تحضر ورفه، فنسبوا كل ذلك لأنفسهم؟ لماذا كل علمائهم من الفرس وخراسان والشام ومصر الفرعونية التي كانت قد بنت الأهرامات قبل مجيئهم من بيوت الشعر بآلاف السنوات؟ أشعر بغصة وألم حين يأتي الطليق ابن الطليق معاوية بن أبي سفيان ليحارب بكل صلف وعنجهية واستحقار مدينة العلم كما سماه الرسول، وكما قال عنه الرسول في موضع آخر علي مني وأنا منه، أي أن من حارب علياً حارب محمداً أي حارب الله، ثم ينسون كل ذلك ويقولون أن أسس الدولة العربية الأولى في التاريخ على أنقاض "الشوام" المسلوبة إرادتهم والمحتلة أرضهم، والمنتهكة حقوقهم؟ لماذا لم يؤسس حضارته في ديار الإسلام؟ من يستخف بالعقل نحن أم هم؟ من يبرر الجريمة وانتهاك القانون وتأبيد الإجرام؟ أم أن عادة لي الحقائق وتزوير التاريخ والحقيقة هي عادة متأصلة كما فعل الأسلاف البدو الغزاة الجفاة الحفاة البغاة الزناة، وزوروا تاريخاً من ألفه إلى يائه وحاولوا فرضه، وفق سرديتهم على الناس والعباد؟ هل نعرج على ذبح الحسين في مسلسل الدم الذي يتباهون به، ويعتبرونه ثقافة ويقيمون لها المهرجانات ويتفاخر بها وزير ثقافة طالباني على الملأ ويدعو للحفاظ عليها ويسميها ثوابت وخوالد ومقدسات؟ هل نسكت على جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الفتك وذبح آل البيت، وجرائم العباسيين وسفاحيهم الكبار وجرائم انتقال السلطة من خليفة لآخر؟ من المسؤول عن حرق أعظم مكتبة في التاريخ في الإسكندرية؟ أليست هذه جريمة ضد الإنسانية يتغزل فيها الناس بعمر بن العاص ويسمونه فاتحاً ويسمون أسماء الشوارع والمدارس باسمه ويطلبون من الصغار تقديسه والإنشاد له مع تناسي تلك الجريمة المروعة والأرواح التي زهقت عند غزو مصر؟ أين المضامين الإنسانية والأخلاقية في هذا كله؟ هل كان الروم أشد ظلما وعنجهية من هؤلاء الذين فرضوا الجزية على كل من لا يطيعهم؟ من الأشد ظلماً وديكتاتوريظ اللهم إلا إذا كان تقديس السلوكيات الهمجية ديدن البعض وهدفهم الأسمى؟

من أطلق اسم السفاح على أبو العباس السفاح؟ وكيف يكون سفاحاً وقاتلاً وخارجاً عن القانون خليفة في "العصر العباسي" الذي يعتبرونه أوج ما يسمى بالحضارة العربية والإسلامية ؟ من قصف المدينة والكعبة بالمنجنيق، إسرائيل وأمريكا والفرس أم البدو الغزاة أنفسهم في صراعاتهم العبثية الهوجاء؟ من ارتكب مذبحة البرامكة؟ ومن أخمد ثورة الزنج أول ثورة طبقية في الإسلام قامت ضد ممارسة العبودية والظلم والعنصرية ضد "السود" واستعبادهم واسترقاقهم بشكل حيواني مهين؟ ومن ومن ومن؟ لماذا لا توجد نصوص صريحة تدين العبودية والاسترقاق في الثقافة التي يتغنى بها وزراء الثقافة الطالبان ولا ينبسون ببنت شفة حول العبودية التي تشرعنها ثقافتهم؟ إذا كانت تروق تلك الهوية وتلك الأفعال الشنعاء للبعض فإنها بصدق، ووفق معايير اليوم الحضارية والإنسانية، مدعاة للخجل منها والشعور بالعار والخزي والشنار، ولا يشرف التباهي بثقافة قامت على سبي عقل الإنساني واحتقاره والاستخفاف به ومسخه وقهره من أجل فرض ثقافة الطلقاء على هذه الشعوب المنكوبة عبر ألف وأربعمائة عام. لقد كان كل هذا التذرر والانحلال والتقسيم والتشرذم بسبب المحاولة المستمرة منذ 1400 عام لفرض وجهة نظر الطلقاء على هذه الشعوب التي ترفض وجهة نظرهم ولها الحق كامل الحق في تبني رؤية ووجهة نظر لما حصل في ذلك التاريخ الدموي الذي يسمى حضارة وهوية عربية وإسلامية؟

ما يعتقده البعض مصدر زهو ومباهاة وافتخار في الغزو والقتل واستباحة الدماء واحتلال أراضي الغير وتطويعهم بالسيف البتار وإيجاد المبررات لكل ذاك التراث من القتل والإجرام، ما هو، في الحقيقة، وفي نفس الوقت، إلا مصدر شعور بالحرج والخجل والعار، من قبل كل من يقدس الفرد الإنسان، ويقدس حق الحياة، ولا يمكن أن يجد أي مبرر للقتل وسفك الدماء