المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة جديدة في رواية السمري



النهضة اليمانية
06-12-2008, 12:42 AM
قراءة جديدة
في
رواية السمري
رداً على مدعي العلم
كاظم الحائري

إصدارات
أنصار الإمام المهدي
(مكن الله له في الأرض)




إليك
يا سيد الوصيين
وأفضل الخلق أجمعين
من الأولين والآخرين
إليك
يا أول ويا آخر ويا ظاهر ويا باطن
إليك
يا أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب
راجياً رضاكم ومغفرتكم

عبدك وابن عبدك وابن أمتك
ضياء





بسم الله الرحمن الرحيم
أول ما ينطق به وآخره هو الحمد لله على منه وكثير إحسانه ، والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد واله الطاهرين الأئمة والمهديين
فكرة هذا الكتاب تكونت على اثر لقاء بسيدي ومولاي احمد الحسن منَّ الله به عليَّ ، فسألته عن رواية السمري فقال اعطني الكتاب فأعطيته فنظر فيه وقال أعطيك حله فقلت نعم فقال إما أن يتنازلوا عن المنطق والأصول وأما أن يتنازلوا عن الرواية .
فقلت له كيف فقال القضية هنا غير مسورة فهي بقوة الجزئية ثم التفت :
وقال اكتب بها كتيب أو احد الإخوة يكتب بها كتيب عسى أن ينتفع به الناس ، فاتكلت على الله واستحضرت ما عرفته من السيد احمد الحسن وصي الإمام المهدي (ع) ، ثم إني لما رأيت ما تفوه به كاظم الحائري من جهل وتجهيل للناس اشتدت الهمة لدي فأحب أولا أن انقل للقارئ كلام من تحير ( وهو الحائري ) في مسالة بسيطة ولم يستطع شق الغبار فيها ، وأقول له ولأمثاله كيف بك في العاصفة وقت اشتدادها ، والصبح لناظره قريب إن شاء الله تعالى ، وفي الختام أقول لعنة الله وملائكته ورسله وأنبياءه والناس أجمعين على من يدعي النيابة العامة والخاصة كاذبا على إمامنا (ع) .
وأنا هنا لا انوي الرد على فتواه بل سيصدر قريبا إن شاء الله كتاب فيها ، ولكن لأكشف الجهل الذي هم فيه ، وهم يدعون ما يدعون من علميه واعلميه و ... و ... و ... . سأتناولها الآن من حيث الرواية لا من حيث فهمه لها فأرجو الله أن ينفع الناس به واسأل سيدي ومولاي ومعتمدي ورجائي أن يعفو عني ويتجاوز عن سيئاتي . والحمد لله وحده
السؤال وجواب كاظم الحائري
إلى مكتب المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري
سلام عيكم ورحمة الله وبركاته
لدينا سؤال نطرحه عليكم وهو :
ظهر في العراق شخص يسمى ( احمد الحسن ) من أهالي البصرة يدعي انه ابن الإمام المهدي (ع) ورسوله إلى الناس ويأخذ البيعة للإمام (ع) ، وليله على دعواه لقاءه بالإمام (ع) وإحياء الموتى وفلق القمر ، وشعاره النجمة الإسرائيلية واتبعه بعض الناس فما ردكم عليه ؟
علماً انه يعو كل العلماء للمباهلة ومنهم جناب السيد
جمع من مقلديكم 1/ رجب / 1426 هـ
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ثبت بالقطع واليقين إن الإمام (ع) أناب عنه السفراء الأربعة الأول عثمان بن سعيد العمري ، الثاني محمد بن عثمان العمري ، الثالث أبو القاسم الحسين ابن روح ، الرابع علي بن محمد السمري (رضوان الله عليهم) وقبل وفاة السمري بستة أيام خرج كتاب بخط الإمام (ع) وإمضاءه يقول فيه :
( أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت لست ، وقد وقعت الغيبة التامة فلا توص إلى أحد من بعدك ، ولا ظهور تقع الصيحة ويظهر السفياني ... وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة فمن ادعى المشاهدة قبل الصيحة وظهور السفياني فكذبوه ... ))
أيها المؤمنون الكرام إن إمامكم المهدي (ع) يأمركم بتكذيب من يعي النيابة الخاصة عنه
فلعنة الله وملائكته ورسله وأنبياءه والناس أجمعين على من يدعي النيابة الخاصة كاذبا على إمامنا (ع) ، وأما من جهة الأحكام الشرعية فلا يجوز السلام عليه ولا البيع والشراء منه ، وقد أهدر سماحة السيد دام ضلالة دم كل من يدعي النيابة الخاصة النيابة في زماننا ( زمان الغيبة الكبرى ) وليعلم أبنائنا إن هذه الادعاءات ستلحقها أخرى لان العدو الغادر يكيد للإسلام وأهله ، ويمكر بهم ، فلا تغفلوا عن حيله وحبائله وتمسكوا بالنائب العام الذي نصبه المولى أرواحنا فداه وهو الفقيه الجامع للشرائط هدانا الله وإياكم وحفظ ديننا واعز مذهبنا وعجل فرج إمامنا وجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه
والسلام عليكم وعلى عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته .

{بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين مالك الملك مجري الفلك مسخر الرياح فالق الإصباح ديّان الدين رب العالمين الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمّارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الأئمة والمهديين ، الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ، ويغرق من تركها . المتقدم لهم مارق ، والمتأخر عنهم زاهق ، واللازم لهم لاحق .
لو انصف الإنسان نفسه ، وطلب ربه ، لم يلتجأ إلى المتشابه غير الواضح ليدفع به المحكم الواضح .
ولو انصف الإنسان غيره لم يظلم أحداً قط ، فضلاً عن ظلم آل محمد (ع) . أما حالة الذين تملكهم الزيغ فيتبعون ما تشابه ليظلوا الناس ، والحق في هذا هو أن يرجع الناس في المتشابه وجميع المسائل غير الواضحة إلى المعصومين (ع) الأئمة والمهديين (ع) كما قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران:7) .
إتباع المتشابه هذا في الذين في قلبهم زيغ كما عبر القرآن الكريم ، أما الذي ليس له دين أساساً فيتخذ الكذب وسيلة لبلوغ غايات وفوائد ، كالرئاسة الدينية أو الدنيوية .
واليوم وفي هذا الكتيب نعرض إلى مسألة خطيرة ، لطالما تمسك بها مريدي الباطل على الرغم من اتضاح ذلك الباطل لبعض الناس ، إلا أنهم يستغلون من يحسنون بهم الظن ، فيدخلونهم في باب غوايتهم وهم لا يشعرون ، فلابد للإنسان أن ينظر في أي طريق يسير أبالحق هو متمسك أم بالباطل ، وأي دليل يملك ، فقديماً رسم لنا الإمام الصادق (ع) منهجاً مستقيماً كي يسير الشيعي عليه حيث قال :-
(العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعدا) .
فتأكد عزيزي القارئ وارجع إلى نفسك وحاسبها دائماً أبداً ، فان تفكر ساعة خير من عبادة ألف سنة كما ورد عن رسول الله (ص) ، وانظر لدربك الذي أنت عليه اليوم فلربما تكون في الخط المواجه والمقابل لمهدي آل محمد (ع) . بل ومن القائلين له (ارجع يابن فاطمة) فقد ورد عنهم (ع) أن هذه المقولة توجه للإمام من الناس عامة بعد أن ينطق بها كبراء القوم خاصة فيصدق قول الله :-
(وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا) (الأحزاب:67) .
واعلم إن الذي ورد عن أهل البيت (ع) أن الجميع (أي المجتمع بأكمله) يتأول على الإمام المهدي (ع) القرآن بعد ظهوره ، وهم بهذا يتبعون علمائهم ، فالعلماء غير العاملين هم أول من يتأول القرآن الكريم على الإمام المهدي (ع) : ( كلٌ يتأولُ عليهِ القرآن ) .
وما كان ذلك إلا لاستخفاف مجموعةٌ من كبراء القوم للناس وتجريدهم من عقيدتهم الحقة ، أو قل إبعادهم عن مصدر ثبات الإنسان ، فان الله تعالى قال في كتابه الكريم ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) (إبراهيم:27) .
ومن هنا جاءت تسمية رسول الله (ص) لكتاب الله وسنته وال بيته (ع) بالثقلين أي هما المثبت كركيزتين أساسيتين يدور حولها الإنسان .
ولذا فان الجانب المقابل للجانب الإلهي ، (أي جانب الحكم الطاغوتي) يتركز اهتمامه وينصب في إبعاد الناس عن هذين الثقلين ، فإذا أبعدهم استخفهم ، وذلك تجريدهم من الثقل الذي يثبت الإنسان ، وفي هذا ورد التعبير القرآني حكاية عن فرعون موسى يقول : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف:54) أي جردهم من عناصر الثقل ، فإذا جردهم من الركائز والثوابت تيسر له سوقهم كالبهائم فيطيعوه ، ولهذا جاءت الطاعة في الآية الكريمة كنتيجة لذلك الاستخفاف . واعلم إن طرق الشيطان وجـنده غير واضحة المسلك لأكثر الناس ، فان للشيطان طرق متعددة ، فيتخذ الشيطان لكل إنسان طريقاً يسلكه لاصطياده ، وطريق الشيطان خطوات متدرجة ، لذا تجد التعبير القرآني يقول بهذا الصدد : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (البقرة: 208) . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) (النور: 21) .
وأنت هنا مدعو إلى مطالعة جديدة ، وبناء حكم عقائدي بين متخاصمين في هذه الرواية ، بين أنصار الإمام المهدي (ع) الذين ما فتئوا يقدمون الدليل تلو الدليل ، وبين كاظم الحائري ومن تبعه في الاستدلال برواية السمري ، فقالوا إن كل من ادعى انه مرسل من قِبَل الإمام المهدي (ع) فهو كذاب .
وبعد هذا البيان فلنطالع مناقشة هذا التوقيع الشريف ، مناقشة علمية نقف على أسرار المراد من الحديث الشريف ، وكيفية التوجيه له . ومن ثمَّ يكون للقارئ الكريم حرية تبني أي رأي يختاره .
فان على كل إنسان بناء معتقده في هذه المسألة ، ولكن بعد أن يطلع على الأقوال ومن منها يتطابق مع منهج آل البيت (ع) ومن منها يقع في تناقضات لا حصر لها . وإلا فلا يمكن أن يكون سليم الرأي قبل الإطلاع . أما بعد المطالعة فله الحق أن يتبنى ويعتقد .
قال تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18) .
وقال تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) (الصافات:24) .
اللهم كتبت هذا انتصارا لدينك فاجعله خالصاً لوجهك . والحمد لله وحده ، وحده ، وحده . نصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحي ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي قدير



نص رواية السمري
بسم الله الرحمن الرحيم
يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا .
وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " .



مـع تـوقـيع السـمَّـري
فـي
قـراءة جـديــدة

والمناقشة لهذا التوقيع الشريف من عدة وجوه وكلها تبطل ما ذهب إليه القوم من الاستدلال بعدم رؤية الإمام المهدي (ع) ، أو عدم الأخذ بالأخبار الواردة عنه (ع) ، أو عدم تصديق أي رسول من قبله إلى الناس .
ولا أقول إن هذه الاستدلالات تبطل الرواية ، اللهم إلا أن يكون الرفض من خلال ما ذهبوا إليه من (قواعد عقلية) ما انزل الله بها من سلطان كمسألة السند وما يلحقه ، ومسالة التساقط ، وغير ذلك مما لا مجال الآن للخوض في تفاصيله ، وكان هذا الاستدلال من باب (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) كما ورد عن الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) .
واعلم أخي القارئ إن الاختلاف حول هذا الحديث وقع بالتحديد في معنى (المشاهدة) في هذا التوقيع الشريف ، أي من المشمول بوصف الإمام المهدي (ع) بأنه (كذاب مفتري) .
ونأخذ من استدل بهذا الحديث على تكذيب اللقاء بالإمام المهدي (ع) وانقسم أتباع هذا التبني إلى ثلاثة أقسام :- فقال قوم إن كل من قال انه رأى الإمام المهدي (ع) هو كذاب مفتري وقال القسم الثاني إن كل من نقل الأخبار عن الإمام المهدي (ع) هو المعني بهذا الحديث ، وقال القسم الثالث إن هذا التكذيب الموجود في التوقيع يشمل من يدعي النيابة عن الإمام المهدي (ع) فقط ، على بيان سيأتي تفصيله في المبحث الثاني من هذا الكتيب .
وفي هذه الرواية الكثير من المناقشات سنقتصر على بعضها ، ومن هذه المناقشات اخترنا ثلاث مباحث هي :-

1- المناقشة في سند الرواية .
2- المناقشة في معارضة الروايات لها .
3- المناقشة في متن الرواية .


المبحث الأول :-
الـمـنـاقــشـة في ســنـد الـروايــة

ويدور الكلام حول هذه النقطة في عدة مسائل نختار منها مسألتين : -
1- إن الرواية غير تامة السند :
أما لكونها مرسلة :- كما ورد عن بعضهم ، والرواية المرسلة لا يعمل بها بأي حال من الأحوال . ومن القائلين بالإرسال : السيد الكاظمي صاحب (بشارة الإسلام) فقد علق (رحمه الله) على هذا التوقيع بعد سرده قائلاً :
( إن التوقيع خبر واحد مرسل )
والعلامة المجلسي يرى فيه الإرسال أيضاً وذكر هذا في (بحار الأنوار) حيث قال بعد إيراده للحديث الشريف :
( أنه خبر واحد مرسل )
وهما من أفاضل العلماء العاملين . هذا من الجهة الأولى .
وأما لكون الرواية ضعيفة السند :- فقد قال جماعة إن التوقيع خارج عن دائرة الإرسال ولكن الرواية ضعيفة السند ، ومن هذه الجماعة السيد محمد الصدر في موسوعته المهدية حيث نراه قائلاً فيها : (وأما كونه خبراً مرسلاً فهو غير صحيح) إلا انه مع ذلك يبقى الإشكال قائما بضعف السند فهذا الخبر (لم يكن كافياً لإثبات الحكم الشرعي) كما قال عنها السيد محمد الصدر نتيجة لضعف الرواية . فقد وقع في سند هذا التوقيع (وهو سند منفرد) : (احمد بن الحسن المكتب) كما نص عليه السيد الخوئي في : (معجم رجال الحديث) ، أو كما اسماه الشيخ الطبرسي في أعلام الورى بـ(الحسن بن احمد المكتب) ، والرجل مجهول الحال لم تذكره كتب الحديث أساساً ، فقد ذكره الشيخ (عليه الرحمة) بسند الحديث في كتاب الغيبة :
( وأخبرنا جماعة ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، قال : حدثني أبو محمد أحمد بن الحسن المكتب ، قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري – ثم ساق التوقيع الشريف – ... ) .
و أُأُكد انه غير موجود في كتب الرجال أساساً ( ) ، فضلا عن ضعفه ، وهي درجه ابلغ من درجة التضعيف عندهم ، وبهذا فالرواية وراويها غير معمول بها من ناحية ضعف السند الذي ساروا عليه أما بالإرسال وأما بمجهولية رجالها التي ألزموا أنفسهم بها ، فكيف جاز لمدعي العلم الاعتماد عليها وعلى (علم) رجال الحديث في آن واحدة ، أليس هذا من أوضح التناقضات .
وإلا فان ساروا بمعتقدهم – المعرفة السندية للرجال – اسقطوا الرواية عن الاحتجاج ، ولم يستدلوا بها كما فعلوا . وان اسقطوا معرفة رجال الحديث سلمنا معهم بصحة الرواية دون فهمهم لها ، فيدور النقاش فيها في النقاط التالية حول معرفة دلالة هذه الرواية ، فانتبه لهذا . والى هنا نصل إلى مرحلة تكفي لتسقيط الرواية عن القيام والاستدلال من ناحية السند ومخالفتهم لقواعدهم العقلية حين استدلوا بها .
2- إن الرواية (على الرغم من ضعف السند الذي مر علينا في أولا) هي خبر واحد ، ولا يمكن تحصيل العلم من خبر الواحد الثقة ، فضلا عن المرسلة أو المجهولة . وهذا الديدن هو ما سارت عليه المدرسة الأصولية من بدء تأسيسها إلى يومنا هذا ، بل غاية ما يُُوصلْ إليه خبر الآحاد في نظرهم هي الإفادة الظنية وهو في العقيدة لا يسمن ولا يغني عندهم ، بل غاية ما يمكن هو العمل به في الفقه ، لانه يفيد عملا ولا يفيد علماً (أي يقين) والعقائد لابد فيها من اليقين .
فخبر الآحاد صحيح السند يؤدي عند المدرسة الأصولية بالإجماع إلى الظن الذي يمكن الاستدلال به في الفقه دون الاستدلال والاعتماد عليه في العقيدة ، فراجع كلامهم حول هذه النقطة في مصادرهم الأصولية والكلامية .
وبهذا تسقط حجية رواية السمري عن الاستدلال لعدم حجيتها في نظر هؤلاء من ناحية السند حسب قواعدهم العقلية التي وضعوها للاستدلال .




يتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبع

النهضة اليمانية
06-12-2008, 12:44 AM
المبحث الثاني :-
الـمـنـاقــشـة في معارضة الروايات لروايـة السمري

والحق إن المفسر إذا فسر لفظ (المشاهدة) في الرواية برؤية الإمام المهدي (ع) مطلقا فان هذا التفسير يؤدي إلى تفسيق وتكذيب الكثرة الكاثرة من صالح العلماء السابقين (عليهم الرحمة) وعددهم يفوق عدد التواتر ، وتكذيب عدد أكثر من عدد التواتر بكثير من عامة الناس الذين تشرفوا برؤية الإمام المهدي (ع) والنقل عنه (ع) ، فان كان التواتر يحصل بوجود عدد يخبر عن أمر ما ، يمتنع عليه التواطؤ على الكذب أو الوقوع باللبس والاشتباه ( ) ، فان قضية الذين رأوا الإمام المهدي (ع) ، من هذا القبيل بل يفوقه بكثير ، فلا يمكن التسليم بهذا التفسير للرواية ، فالخبر القطعي هو رؤيةُ الامام (ع) ومشاهدته ، فلا يمكن حمل أو تفسير (المشاهدة) في التوقيع بنفي رؤية الإمام (ع) فإنه يستلزم تكذيب كل الذين تشرفوا بلقاء الإمام المهدي (ع) ومنهم العلماء الأتقياء الذين لا يمكن صدور الكذب منهم . كما فسر بعضهم هذا التوقيع الشريف .
*****
ولهذا السبب أعرض بعض العلماء عن هذا الاحتمال ، واختار أن يكون معنى (المشاهدة) في الحديث الشريف إنها تعني نقل الأخبار عن الإمام المهدي (ع) . أي رؤية الإمام (ع) بالإضافة إلى نقل الأخبار عنه (ع) . وبهذا يصبح كل من تشرف بلقاء الإمام المهدي (ع) ونقل الأخبار عنه فهو كذاب مفتري .
وهذا الوجه باطل أيضاً ، لعدم وجود ما يعضد هذا القول من ناحية الحديث الشريف ، ودلالة الألفاظ لا تساعد على ذلك ، فـ((المشاهدة)) في الحديث مطلقة ولا يوجد فيها أي دليل على ما ذهبوا إليه ، بل هي بعيدةٌ عما حددوه ، ولا اقل من وجود احتمال الفهم المغاير لهذا المعنى ، وعليه تسقط الرواية من الاستدلال كما ألزموا أنفسهم بقولهم ( إن دخل الاحتمال بطل الاستدلال ) .
كما إن هذا الفهم باطل من جهة أخرى ، وهو تعارضه مع الكثرة الكاثرة من الإخبارات التي نقل فيها ثقات الشيعة الإمامية عن الإمام المهدي (ع) أموراً كثيرة ، وقد قطع العلماء الأوائل بصدورها عن الإمام المهدي ومن جملة هذه الحوادث والأمور ما يأتي :-
1- حادثة البحرين وننقل عن السيد الصدر جانبا منها (... في روايةٍ ارويها عن أبـي (دام طله) ... فلما كانت الليلة الأخيرة ، اقبل شخص وعرفه بنفسه انه هو المهدي المنتظر،وقد جاء إجابة لطلبه . وسأله عن حاجته ، فاخبره الرجل بان قواعده الشعبية ومواليه في اشد التلهف والانتظار إلى ظهوره وقيام نوره . فأوعز إليه المهدي (ع) أن يبكر في غد إلى مكان عام عينه له، ويأخذ معه عددا من ... ) .
فهل ترى عزيزي القارئ إن هذا السيد محمد الصدر يكذب في روايته عن أبيه (أستغفر الله) .
ثم أليس هذا الرجل (البحريني) رسول للإمام المهدي (ع) ؟ !!! .
وهل هذا الرسالة التي يحملها عن الإمام تشمل الناس أم إن أمره (ع) بجمع الناس في مكان عام عبثاً ولعباً (وحاشاه) ؟ !!! .
وهل الناس إذا لم يجيبوا هذا الرسول يكونوا عاصين ومخالفين لأمر الإمام (ع) ، ويستحقوا بهذه المعصية النار أم لا ؟ !!! .
و ... و ... و ... .
أسئلةٌ تُسأل لانقلاب الموازين .

2- ومن هذه الحوادث حادثة الرمانة ونختار منها ما يخص المقام فقط ( ... فقال الإمام (ع) : يا محمد بن عيسى ! أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك ، فقال : إن كنت هو فأنت تعلم قصتي ... فقال صلوات الله عليه : يا محمد بن عيسى إن الوزير (لعنه الله) في داره شجرة رمان فإذا مضيتم غدا إلى الوالي ، فقل له : جئتك بالجواب ولكني ... ) ، ويشرح الإمام له كيف يخرج الشيعة من ذلك المأزق . أليس هذا رسول للإمام المهدي يحمل رسالة شريفة لاستنقاذ امة ، أم إن الناس لا يؤمنون بمن يسعى لإنقاذهم إلا بعد وقوع العذاب ، فإذا وقع العذاب أو السيف صدقوا من غير أن يطلبوا أي دليل !!! .
إنا لله وإنا إليه راجعون اعني واخص بهذه الكلمات شيعة اليوم بتكذيبهم لرسول ووصي الإمام المهدي (ع) السيد احمد الحسن (ع) . ولا أريد شخصيات الرواية بهذا الكلام .
3- الأخبار الكثيرة الواردة عن السيد ابن طاووس (عليه الرحمة) وهي موجود في كتب الحديث والأدعية مطلقاً .
4- حادثة بناء مسجد جمكران وإخبار الإمام وتحديده المكان الذي يقام فيه هذا المسجد ثم تعليمه ذلك الرجل كيفية الصلاة في هذا المسجد ، فراجع .
5- الصلوات التي نقلها الكثير من العلماء في عهد الغيبة الكبرى ومنها ما أورده الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان الموجود في كل بيت شيعي تقريباً ، فراجع .
6- الحديث الوارد عن الإمام الصادق (ع) :
(للقائم غيبتان : أحداهما قصيرة والأخرى طويلة ، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه) . والكثير غير هذا من الأخبار التي تسالم على قبولها العلماء الأوائل ونقلوها في كتبهم ، فراجعها في مضانها .
ومن هذا يتبين بطلان تفسير المشاهدة في التوقيع الشريف برؤية الإمام المهدي (ع) والنقل عنه (وهو القول الثاني) . فليس كل من رأى الإمام المهدي (ع) ونقل عنه هو كذاب مفتر . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
*****
والقسم الثالث : هم الذين تبين لهم هذا البطلان ، فأرادوا أن يقيدوا الحديث أكثر من ذلك فقالوا إن الإمام (ع) كان يقصد بـ((كاذب المفتر)) ، هو الذي يدعي (المشاهدة) أي (النيابة عن المعصوم) .
وهذا القول باطل أيضاً ، لِمَا تقدم في ثانيا :- بأنه لا دلالة على هذا القول ، والحديث الشريف لا يوحي بذلك لا من قريب ولا من بعيد ، فارجع إليه واقرأه من جديد لتتحقق من ذلك .
ثم إن وجود الرسل والنواب عن الإمام المهدي (ع) أمر حاصل ومتحقق ، ولا اقل من وجود الاحتمال المخالف لهذا الفهم كما قدمنا فهو كفيلٌ بتسقيط استدلالهم بهذا التوقيع ، هذا أولا .
*****
وأما ثانياً : فان هذا القول يستلزم الطعن بالقرآن الكريم فالقرآن الكريم يثبت إن الرسل من آل بيت العصمة وبالتالي من الله مستمر لكل أمة (أي كل جيل) لأحظ عزيزي القارئ قوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ)(يونس:47) وهي آية صريحة بان باب إرسال الرسل منهم (ع) مستمر وبهذا المضمون جاءت الكثير من روايات أهل البيت (ع) ومن هذه الأحاديث ما جاء في تفسير هذه الآية :
عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال : سألته عن تفسير هذه الآية : ( لكل امة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) قال : تفسيرها بالباطن أن لكل قرن من هذه الأمة رسولا من آل محمد (ع) يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول ، وهم الأولياء وهم الرسل ، وأما قوله : ( فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط ) قال : معناه أن الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله ) ، وفي هذا الشأن روايات أخرى أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة .
*****
وثالثاً : إن قولهم هذا (أي هذا الاحتمال) مُعارض لما ورد عن آل بيت العصمة (ع) ، بل ومُعارض لإحداث مهمة جداً ستقع قد تسالم عليها الشيعة الإمامية وفيها يكون رسوب اغلب الناس وسقوطهم في الهاوية لأنهم أطاعوا علماء السوء فأردوهم ، وهذه الأحداث هي إرسال الإمام المهدي رسول إلى أهل مكة (محمد ذو النفس الزكية) وسيجمع الناس على تكذيبه والوقوف بوجهه ومن ثمَّ قتله .
فهل باستطاعة أحد أن ينكر أن محمد ذو النفس الزكية من رسل الإمام المهدي (ع) ؟!!!.
كما إن هذا التفسير للحديث (أي تفسير التوقيع) بمن يأتي من الإمام (ع) كنائب خاص ووصفه بأنه كذاب مفتري مُعارض أيضاً لِأخبار اليماني الموعود .
فهل باستطاعة أحد أن ينكر (اليماني الموعود ) ، وخروجه قبل الإمام المهدي (ع) داعياً للإمام (ع) ؟ !!! . فلنأتي لصفة اليماني ، وهل هو مسدد من قبل الإمام المهدي بالاتصال مباشرة ؟ أم لا ؟ ( ) .
فصفة اليماني في روايات أهل البيت (ع) هي :- ما ورد في الرواية عن الإمام الباقر(ع) :
( وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حَرَمَ بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم )
وللوقوف على أسرار الحديث نختار منها نقاط نقف عندها :-
النقطة الأولى :- (ليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني) وهذا يعني إن هذه الراية هي الراية المعصومة . وإلا فلابد للإمام (ع) من وجود راية تهدي الناس ، وبهذا إما أن تكون راية اليماني هي راية الإمام وبهذا تكون راية واحدة ، وإما أن تكون راية الإمام هي الأهدى بلا شبهة ولا نقاش . ونص الرواية هنا يقول إن راية اليماني هي أهدى الرايات ، ولا يمكن حل هذا التناقض إلا بكون راية اليماني الموعود هي راية الإمام المهدي (ع) . وسيتضح شيء من هذه الحقيقة في الكلام القادم في (المبحث الثالث) فتابع .
النقطة الثانية :- (يدعوا إلى صاحبكم) أي انه يدعوا دعوة صادقة وخالصة للإمام المهدي (ع) ، دون أن تمازجها أي دعوة أخرى شخصية أو شيطانية .
النقطة الثالثة :- (يدعو إلى الحق والى صراط مستقيم) أي يدعو إلى الإمام المهدي (ع) لأنه هو الحق ، وتكون دعوته هي اقصر الطرق إلى الله (صراط مستقيم) ، وهو بهذا مبتعد عن الباطل وشائبته .
النقطة الرابعة :- (الملتوي عليه من أهل النار) وهو بهذا صاحب ولاية إلهية ، ولهذا أوجب الأئمة (ع) على الناس البيعة له (فانهض إليه) أو كما في حديث آخر (فأتوه ولو حبوا على الثلج) . أي إنه صاحب بيعة الإمام المهدي (ع) أو (أول المؤمنين) على حد تعبير وصية رسول الله (ص) ( ... فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله و احمد والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين ) ، أو تسميته بـ(المولى الذي وليَّ البيعة) على حد تعبير الرواية :-
(يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه ، فيقول : كم أنتم ههنا ؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلا ، فيقول : كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون : والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه ، ثم يأتيهم من القابلة ويقول : أشيروا إلى رؤسائكم أو خياركم عشرة ، فيشيرون له إليهم ، فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ، ويعدهم الليلة التي تليها)
وبهذا تكون هذه الشخصية (شخصية المولى الذي ولي البيعة) منحصرة في اليماني دون غيره ، لأنه صاحب الدعوة الحقة دون بقية الخلق ، وصاحب أهدى الرايات ، ولو افترقا (اليماني عن المولى وأول المؤمنين) لأصبح المولى الذي يلي أمر الإمام (ع) تابع لليماني ، وإلا فهو من أهل النار (لان الملتوي على اليماني من أهل النار) ، وهذا مخالف للرواية الشريفة ، لأنها تقول هو النائب الخاص للإمام (ع) ، وهو من يهيئ القاعدة ويجمع للإمام أنصاره ، والى هنا يتضح لدينا اتحاد الشخصيتين ، ومنه يتضح اتصال الإمام المهدي (ع) باليماني الموعود من جهة ثانية بأكثر من دليل .
ثم لو لم يرغب القارئ الكريم بهذا لكفته الرواية السابقة دون تحديد هوية هذا المولى ، حيث يكون هذا الشخص هو الواسطة بين الإمام المهدي (ع) وبين قواعده الشعبية فيكون نائبه الخاص لهم بحيث يتسنى له الاتصال معه (ع) في أي زمن من الأزمنة .
وعلى هذا لا يمكن أن تقوم الرواية للاستدلال ضمن دائرة حساباتهم


المبحث الثالـــث :-
الـمـنـاقــشـة في مـتـن الـروايــة

وننتقل بعد هذا كله إلى مناقشة رواية السمري من جانب ثالث ، وهو المناقشة في متن الرواية التي كثر النـزاع والاختصام فيها ، ولكي نعرف مراد الإمام المهدي (ع) من هذا التوقيع لابد من النظر إلى متـنه ، ويمكن المناقشة في هذا المبحث من عدة جهات منها :-
1- هل إن هذه الرواية مشمولة بقانون (لوح المحو والإثبات) ، أم هي من (أم الكتاب) ؟ !!! .
والجواب قطعاً إنها تقع في دائرة المحو والإثبات القابل للبداء , فإذا كان السفياني يقع ضمن حيز دائرة البداء كما ورد عنهم (ع) فرواية السمري اقل أهمية واقل بعدا في أحداث عصر الظهور بل إن رواية السمري واحدة كما مر وبسند واحد أيضاً وفي السفياني الكثير من الروايات ، بل إن السفياني والصيحة والخسف من المحتوم ومع ذلك فأهل البيت يقولون بإمكانية وقوع البداء به ، وانقل لك يا قارئي هذه الفقرة من كتاب الشيخ ناظم العقيلي (حفظه الله)
( فأقول لكم : إن اكبر الباحثين في قضية الإمام المهدي (ع) من علماء الشيعة أكدوا على إن العلامات الحتمية للإمام المهدي (ع) ومنها الصيحة والسفياني قابلة للبداء ، ولا يتوقف عليها قيام الإمام (ع) . فربما يقوم الإمام (ع) ولا يتحقق كل أو بعض هذه العلامات الحتمية لتعلق البداء فيها .
فإذا حدث البداء في الصيحة والسفياني ، ولم يحدث البداء في صاحب النفس الزكية ، وجاءنا ذو النفس الزكية بالرسالة من الإمام المهدي (ع) ، ونحن ملتزمون بان كل من ادعى مشاهدة الإمام (ع) قبل الصيحة والسفياني فهو كذاب مفتر ، ففي هذه الحالة سوف نكذب ذي النفس الزكية ولا نقبل رسالته عن الإمام المهدي (ع) وربما نشارك في قتله لأننا نراه منحرفاً عن الدين لأنه ادعى مشاهدة الإمام المهدي (ع) قبل الصيحة والسفياني . وهذا أشكال محكم لا مفر لكم منه إلا بالتنازل عن رأيكم في تكذيب كل من ادعى مشاهدة الإمام المهدي (ع) ... ) .
وهذا ما أكدته الروايات ومنها ما ورد عن الجعفري قال : " كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (ع) :
(فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم فقلت لأبي جعفر (ع) هل يبدو لله في المحتوم ؟ . قال : نعم ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم ، فقال : إن القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد)
2- لاحظ عزيزي القارئ متن رواية السمري وأسألك : هل اتفق العلماء على المعنى المراد منها ؟ !!! .
والجواب هو بالنفي فان كل من تناولها ، تناولها من جهة ما يفهمه هو ، ولذا فقد تعدد هذا الفهم لهذا التوقيع الشريف - وقد تقدم بعض توجيهاتهم وتفسيراتهم له – فإذا عرفنا هذا وعلمنا إن هذا الحديث من متشابه كلام أهل البيت (ع) وجب علينا الرجوع إليهم (ع) للحكم الفصل به ، ولا يتسنى لأحد أن يحكم متشابه حديثهم (ع) إلا هم (ع) خاصة ، وفي هذا قال السيد احمد الحسن (ع) :
(والآن أسال هل إن رواية علي بن محمد السمري محكمة أم متشابهة ؟ . فإن قلت محكمة بَيِّنَةِ المعنى .
أقول لقد صنف كثير من العلماء معاني كثيرة في فهمها ... ) .
وللمزيد نضيف بعض من هذه الآراء على الآراء المتقدمة منها :-
ما خطه الشهيد محمد الصدر (عليه الرحمة) في الموسوعة المهدية قال إن هذا التوقيع لا يشمل من ادعى روية الإمام المهدي وان كان بشكل غير قطعي ، كما انه لا يشمل من نقل أخباراً عنه (ع) بل ولا يشمل من ادعى النيابة والسفارة عن الإمام المهدي (ع) فليس كل من رأى أول نقل أو أرسل من الإمام المهدي (ع) هو كذاب مفتري بل ينحصر التكذيب لمن ادعى النيابة الخاصة للإمام المهدي (ع) مع كونه ينقل أموراً باطلة ومخالفة للإسلام ومبادئه فأنصت لمقالة السيد الشهيد الصدر حيث قال :-
( ... إذن مدعي المشاهدة كاذب مزور في خصوص ما إذا كان منحرفاً ينقل أمور باطلة عن الإمام المهدي (ع) . وأما فيما سوى ذلك فلا يكون التوقيع الشريف دالاً على بطلانه . سواء نقل الفرد عن المهدي أمور صحيحة بحسب القواعد الإسلامية أو محتملة الصحة على اقل تقدير ، أو لم ينقل شيئاً على الإطلاق ) انتهى كلامه (رحمه الله )
وقال رحمه الله في موضع آخر:
( إذن فقد تحصل من كل ذلك أن الأشكال الذي ذكروه غير وارد على التوقيع ولا على أخبار المشاهدة وانه بالإمكان الأخذ به وبأخبار المشاهدة ولا يجب تكذيبها ، إلا ما كان قائماً على الانحراف والخروج عن الحق …) انتهى كلامه . وأما مناسبة هذه الأطروحة، مع أطروحة خفاء الشخص، فلعدم اختفائه الشخصي عن خاصته ، وان كان مختفيا عن سائر الناس. ومن الواضح إن خاصته غير مختفين عن الناس، فيكونون هم همزة الوصل بين الناس وبينه، في نقل أخبارهم إليه ، ونقل أخباره إليهم إذا لزم الأمر.

فإذا كانت رواية السمري من المتشابهات التي لم يقف العلماء على تحديد المراد منها على وجه الدقة وكل شخص منهم يعطي رأياً مغايراً لما عليه الآخر وبقيت الساحة (أي ساحة هذه الرواية) قابلة للانطباق على أكثر من فهم ، كيف جاز لهم بناء حكم عقائدي عليها ، أو الاستدلال بها . أسألوهم إن كانوا يعرفون .
*****
3- ومن ضمن الإشارات التي أشار لها السيد احمد الحسن (ع) لإخراج الناس من الحيرة التي أوقعهم بها (علماء الدين غير العاملين)
قال السيد بعد كلام في الرواية : ( ... وإذا لم تكتف بهذا أقول من باب ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم : إن القاعدة العقلية التي يقرها القوم في المنطق والأصول هي : (إن القضية المهملة بقوة الجزئية) ، والقضية الموجودة في رواية السمري وهي :
(فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر)
قضية مهملة فهي بقوة الجزئية ، أي تكون هكذا : (فبعض من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر) ، ولا توجد قرينة خارجية تفيد كليتها بل توجد قرينة خارجية دالة على جزئيتها ، وهي الروايات الدالة على إرسال الإمام المهدي (ع) من يمثله في فترة ما قبل القيام ومنها الرواية التي مرت ورواية اليماني وغيرها كثير) .
فرواية السمري (رحمه الله) من القضايا التي لا يحتج بها إلا مخالف لمعتقده ، فهم يؤمنون بشيء ، ويقولون بخلاف ذلك المعتقد . فقضية رواية السمري من القضايا المهملة – حسب اصطلاحهم – والقضية المهملة لا يمكن الاستدلال بها هنا ، لأنها تعمل عمل الجزئية .

واليك شرح هذا الكلام :-

فقد قسم علماء المنطق القضايا (أي الكلام) إلى :-
أ‌- مسورة كلية . أي أن تجعل للكلام سور تحدده به . وهي على نوعين : نفي أو إثبات ، أي انك تقول في الإثبات (كل من شرب الماء فقد روي) وبهذا يتضح إن (سور الموجبة الكلية (كل) : كل ، جميع ، عامة ، كافة ، ألف ولام الاستغراق إلى غيرها من الألفاظ التي تدل على ثبوت المحمول لجميع أفراد الموضوع) . وكذا الأمر يكون في السلب .
ب‌- مسورة جزئية . وهي أيضاً نفي واثبات . أي أن تشير في الكلام إلى ما يدل على إن الكلام يدل على الجزئية ، في النفي والإثبات . فمثلا تقول في الإثبات (بعض من شرب قدح ماء روي) .
وقال المظفر في هذا : (وسور الموجبة الجزئية : هي: بعض ، واحد ، كثير ، قليل ، ربَّما ، وقَلَّما إلى غير ذلك من الكلمات الدالة على ذلك في جميع اللغات) .
ت‌- وهناك قسم من القضايا يسمى (المهملة) أي أن المتكلم أهمل فيها السور فلم يحدد الكلام لا بـ(كل) ولا بـ(جزء) . وبالتالي فهي تعمل عمل القضية الجزئية المارة ، ومثاله (من شرب الماء روي) ، فهي مهملة (غير محددة) تعمل عمل الجزئية أي كأنك قلت (بعض من شرب الماء روي) قال المظفر :
(وأمّا المهملة فهي رغم حكايتها عن المصاديق العينيَّة الواقعة في الخارج، إلا أنَّه لا قيمة لها ، لأنَّه لا يُدرى أكلِّية هي أم جزئيَّة ، فهي على أيِّ حال تعادل المحصورة الجزئية) .
وأنت كما ترى إن هذه القضية (رواية السمري) من القضايا المهملة التي لم تحد بسور :- (فمن أدعى المشاهدة ... فهو كذاب مفتر ) ، فهي لم تحدد بكل أو بعض أو ما شاكل ، فتكون من القضايا المهملة ، التي تعمل عمل الجزئية ، وهذا لا خلاف ولا شبهة فيه ، في إن بعض من ادعى المشاهدة هو كذاب مفتر ، إلا إن هذا في (البعض) لا في (الكل) ، وكما سمعت إن الروايات دالة على المشاهدة . والحمد لله وحده .
*****
4- كما إن هناك توجيها غير ما عرفه العلماء المتقدم ذكرهم وهو ما قال به المحقق النهاوندي في كتابه (العبقري الحسان) وهو خير ما وصل إليه العلماء حيث اقترب من كبد الحقيقة ، فقد أوجد المحقق النهاوندي مفهوماً جديداً للظهور والمشاهدة فقال إن الظهور والمشاهدة في الحديث الشريف هو ظهور الإمام (ع) التام فإذا كان كذلك فلا تعارض بين التوقيع والروايات الواردة في المشاهدة والنيابة ، قال :
( لا معارضة بين توقيع السمري وقصص اللقاءات من يحتاج إلى الجمع ، لان التوقيع الشريف بصدد منع دعوى الظهور ، الظهور العلني للإمام ، وذكر المشاهدة في التوقيع بمعنى الظهور والحظور كما في الآية (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) والقرينة على المعنى أمران
الأول قوله (ع) : فلا ظهور إلا بعد الهرج والمرج ، والفتنة والفساد .
والثاني قوله (ع) إلا من ادعى المشاهدة – أي الظهور ، ظهور الإمام (ع) – قبل خروج السفياني والصيحة من علامات الظهور ، وعلى هذا لا تعارض أبداً بين التوقيع الشريف وبين الحكايات …) انتهى كلامه .
*****
5- في ضوء الفهم السابق إلا إنا نتقدم خطوات إلى الإمام لنلاحظ شيئاً جديداً ، فنقول :-
إن التوقيع الشريف لم يتكلم عن مفهوم واحد بل انقسم الكلام فيه إلى مفردتين ، ومفهومين منفصلين ، هما ( الظهور ، المشاهدة ) كل واحد منهما يشير إلى مفهوم محدد ومرحلة ستمر بها الأمة ، ولكل منهما ضوابطه ، ولا يمكن فهم الحديث إلا من خلال فهم هذين المفهومين :-
أ‌- الظهور :- قال التوقيع الشريف : ( فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ) وحدد له علائم ثلاث هي : (وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا) .
ب‌- المشاهدة :- (وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة) أما في المشاهدة فقد حدد الإمام (ع) علائم خاصة بها فقال : (قبل خروج السفياني والصيحة) .
واعلم :-
إن الإمام (ع) لو أراد اتحاد المفهومين (للظهور والمشاهدة) لعبر عن ذلك بتعبير واحد ولقال :-
(فلا ظهور إلا بعد إذن الله ... وسيأتي شيعتي من يدعي الظهور ... )
أو قال مثلاً :-
(فلا مشاهدة إلا بعد إذن الله...وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة...)
وهم سادة البلاغة وقد جاء عنهم ما مضمونه : (أعربوا كلامنا فنحن قوم بلغاء) وأسياد المتكلمين ، فالإمام في هذا المورد يقصد المفارقة من خلال هذا التعبير بين هذين اللفظين وستتضح هذا الحقيقة من خلال الأسطر القادمة وذلك عبر شرحهما وبيان المراد منهما .
وللوقوف على الفهم الصحيح للحديث نأتي لفهم المفردتين (الظهور ، والمشاهدة) ونبدأ بالمشاهدة لتعلق الظهور بها :-


يتــــــــــــــــــــــــــــــــــبع

النهضة اليمانية
06-12-2008, 12:45 AM
المشاهدة :-

والمشاهدة في التوقيع الشريف هي للإمام المهدي (ع) حصراً دون غيره بلا خلاف في هذا . وإلا لما وقع اختلاف – وقد سبق أن أتضح هذا الأمر في مقدمة هذا البحث .
ومشاهدة الإمام (ع) ( المشاهدة ) : تنقسم إلى قسمين :-
أ‌- إما أن تكون المشاهدة مشاهدة خاصة لفرد محدد .
ب‌- أو تكون المشاهدة عامة للجميع أي إن جميع الخلق يتسنى لهم فيها رؤية الإمام المهدي (ع) .
وقد تبين فيما سبق إ ن المتحصل هي رؤية الإمام (ع) على نحو الأشخاص والأفراد ويستند هذا الاعتقاد إلى أحاديث أهل البيت (ع) والحوادث التاريخية والواقع الملموس لمجموعة كبيرة جداً من الناس ، كلهم مجمعين على أن القسم الأول (المشاهدة الشخصية) غير ممنوعة وهي غير مشمولة بتكذيب الإمام المهدي (ع) بهذا التوقيع ، وقد مر سابقا بيان بعضها ، ولا يمكن لأحد بعد ما تقدم إنكارها .
فالتوقيع الشريف يُكذِّب ويشمل القسم الثاني من التقسيم السابق ، بل ليس باستطاعة أي احد إنكار هذه الحقيقة (حقيقة وجود المشاهدة الفردية بكل أقسامها على ما سبق) ، فينحصر شمول التوقيع ودورانه في القسم الثاني أي امتناع (المشاهدة العامة) ، أو قل بعبارة أخرى ارتفاع وانتهاء الغيبة الكبرى بشكل كامل و تام .
فان المشاهدة إذا كانت عامة وتحمل مفهوم (إذا رأته عين رأته ألف عين) كما سبق في قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) من قول المحقق النهاوندي فان الهلال إذا أشرق على الوجود رأته العيون السليمة ، وبالتالي فان من قال بالمشاهد في الحديث الشريف على هذا النحو قبل الصيحة والسفياني يكون مشمولا بمقولة الإمام المهدي (ع) : (هو كذّاب مفتر) .
والى هنا أتضح لنا فهم جديد لرواية السمري (عليه الرحمة) وأتضح مع هذا الفهم بطلان قول كل من استدل بهذا التوقيع الشريف ومنه نعرف مدى ابتعادهم عن جادة الصواب ودرجة تضليلهم لمن وثق بهم فأفتوا بفتوى مخالفة للمعتقد الإسلامي بل أفتوا بمسايرة الشيطان (لع) وتكذيب الإمام المهدي (ع) وذلك بتكذيب كل رسول للإمام المهدي حتى وان كان اليماني الموعود أو محمد ذو النفس الزكية الذي على اثر فتواهم وفتوى أشباههم يقتل بين الركن والمقام فيشتد غضب الله تعالى عليهم فيأذن لوليه بالقيام وسيأتي بعض التفصيل في السطور القادمة فانتبه .
فإذا فهمنا هذا كله وعرفنا ما هو المقصود من المشاهدة بقي علينا معرفة ما هي المفردة الأولى (الظهور)

الظهور

سبق وان قلنا انه لا خلاف بان الإمام (ع) لا يمكن مشاهدته كمشاهدة تنفي الغيبة التامة (أو الكبرى كما يعبرون) إلا بعد الصيحة والسفياني – هذا في غير قانون البداء - أما قبل هذا فالإمام مستمر في غيبته عن العامة ولكنه يلتقي بالخاصة وهذا ما أشارت إليه الروايات الصادرة منهم (ع) ومنها ما رواه الشيخ النعماني عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله يقول
{إن لصاحب هذا الأمر غيبتين أحدهما تطول حتى يقول بعضهم مات ويقول بعضهم قتل ، ويقول بعضهم ذهب ، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع على موضعه أحداً من ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره} .
فهذا المولى الذي يلي أمر الإمام (ع) هو أول المؤمنين به ، كما نصت على ذلك الوصية من رسول الله (ص) . وسيأتينا بعض الروايات وفيها بيان من هو الذي يتولى الأمور طوال غيبة الإمام (ع) في أيام الظهور المقدس . والروايات تجيب بان من يتولى ذلك ويدير شؤون الإمام المهدي (ع) وينجز أموره في المجتمع يده اليمين ، أو قل يمانيه .
ولأن هذا الطرح جديد على الأمة ولم تعتد عليه من قبل ستواجهه بالرفض والعصيان وهذا هو الاختبار الحق وهو الظهور الذي عبر عنه توقيع السمري . مع إن أهل البيت (ع) أكدوا في أكثر من موضع على هذه المسالة ، وهاك عزيزي هذا النص الصريح بان الأمة تعادي الإمام المهدي (ع) أول ظهوره لا لشيء سوى إتباع الناس لعلماء السوء غير العاملين في معاداتهم للمهدي الأول (ع) ، عن أبى خالد الكابلي ، قال :
(( لما مضى علي بن الحسين (ع) دخلت على محمد بن على الباقر (ع) ، فقلت له : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ، ووحشتي من الناس قال : صدقت يا أبا خالد فتريد ماذا ؟ قلت : جعلت فداك لقد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطريق لأخذت بيده ، قال : فتريد ما ذا يا أبا خالد ؟ قلت : أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه ، فقال : سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثا به أحدا ، ولو كنت محدثا به أحدا لحدثتك ، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة))
ولم يميز الأستاذ علي اكبر الغفاري (محقق الكتاب) هذه الحقيقة وظن إن الحديث يتكلم عن الإمام المهدي (ع) وفي نهاية الحديث الشريف علق قائلاً :
(في قوله " حرصوا على أن يقطعوه - الخ " قدح عظيم لهم .
والخبر يدل على أنه (ع) علم من عند الله تعالى أن الناس لا ينتظرون دولة القائم (ع) ، بل أكثرهم يبغضون شخصه فضلا عن دولته وسلطانه حتى أن في بنى فاطمة (ع) جماعة لو عرفوه باسمه وصفته وخصوصياته لقتلوه إربا : إربا لو وجدوه .
فلذا قال : يا أبا خالد سألتني عن سؤال مجهد يعنى سؤال أوقعني في المشقة والتعب ، والظاهر أن الكابلي سأل عن خصوصيات أخرى له (ع) غير ما عرفه من طريق آبائه (ع) من وقت ميلاده وزمان ظهوره وخروجه وقيامه) .
ولنا هذه الملاحظات :-
1- هل يعقل إن الشيعة كلهم يرتدون عن التشيع ، فلا يبقَ منهم مريد للإمام ودولته (ع) ؟ . والجواب بالنفي حتما ولكن سيكون في عصر الظهور فتنة يخرج الناس بها عن الولاية الإلهية وما ذلك إلا لأن كبار علماء التشيع سيطعنون بالإمام المهدي (ع) ويقولون له : (ارجع يابن فاطمة من حيث أتيت لا حاجة لنا بك فالدين بخير) كما اخرج علماء الشيعة الكبار (أمثال علي بن حمزة البطائني) أتباع المذهب الجعفري عن خط الولاية وجعلوهم يعادون الإمام الرضا (ع) ( ) . فالعلماء غير العاملين سبب تفرق الأمة وسبب خروج الناس عن الولاية قال علي بن أبي طالب (ع) لمالك بن ضمرة :
( كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا - وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض - . فقلت : يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير ؟ . قال : الخير كله عند ذلك يا مالك ، عند ذلك يقوم قائما فيقدم سبعين رجلا يكذبون على الله وعلى رسوله فيقتلهم ، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) .
يتضح من الحديث إن هؤلاء (الذين يقولون هذا حكم الله وحكم الرسول أي يكذبون على الله ورسوله) العلماء غير العاملين هم سبب تفرق الأمة لذا عندما يقتلهم الإمام (ع) ستجتمع الأمة .
2- ظن المحقق (علي اكبر الغفاري وهو من كبار المحققين) إن أبا خالد سأل عن الإمام المهدي (ع) والحق إن اسم الإمام المهدي (ع) من الأسماء المعروفة في كل الفترات التاريخية ، وغير خفي على أبي خالد الكابلي . ولكنه سأل عن اسم المهدي الأول (والكلام في هذه النقطة طويل فصلنا القول فيه في كتاب (المهدي والمهديين في القرآن والسنة) فان شئت الاستزادة فراجع .
3- قال محقق الكتاب (الأستاذ الغفاري) :
(أن الناس لا ينتظرون دولة القائم (ع) ، بل أكثرهم يبغضون شخصه فضلا عن دولته وسلطانه حتى أن في بنى فاطمة (ع) جماعة لو عرفوه باسمه وصفته وخصوصياته لقتلوه إربا ، إربا لو وجدوه ) .
الشيعة بإجمعها لا يقولون نحن لا نريد الإمام المهدي (ع) لكنهم يريدون أن يأتيهم من حيث هم يريدون لا من حيث يريد الله ، فإذا جاء أمر الإمام المهدي (ع) عن طريق وصيه ورسوله إلى الناس كافة كذبوا به ولم ينصروه وهذا هو مقصود الإمام الباقر (ع) في حديثه لأبي خالد الكابلي ، لا كما توهم الأستاذ الغفاري من إنهم لا يريدون دولة وحكومة الإمام المهدي (ع) .
4- الحديث ركز على نقطة مهمة جداً أرجو الانتباه لها قال ( لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة ، بضعة ) فأعداء الإمام المهدي (ع) أو قل أعداء وصي الإمام المهدي (كما سبق) هم : علماء الشيعة الكبار (أو قل السبعين الكذابة في الحديث السابق) لذا ورد إن أشد أعداء الإمام المهدي : (هم مقلدة الفقهاء أهل الاجتهاد) والتفصيل في الكتاب المذكور أنفاً .

فشخصية اليماني الموعود هي الفاتح لباب ظهور الإمام المهدي ، وهو مصداق المفهوم الأول (أي الظهور) في التوقيع الشريف ، أما مفهوم (المشاهدة) فهي منحصرة في الإمام المهدي (ع)
وبهذا أتضح لنا المفهوم الأول والثاني ، واكتملت الصورة الأولى الواقعية التي جاء بها السيد احمد الحسن (ع) ، وبه تحل المشكلة التي رافقت الكثير من الباحثين ولم يتوصلوا إلى الحل النهائي لهذه المسالة (التي لم يحن وقتها عندئذ)( ) . فلا خلاف ولا شبهة في هذه المسألة فكل من ادعى إن الإمام المهدي (ع) خرج وانتهت غيبته بصورة نهائية قبل الصيحة والسفياني فهو كذاب مفتري كما سبق ، لكن التعليل هو امتناع ذلك لان الإمام المهدي (ع) يكون مسبوقاً بوصية ورسوله إلى الناس كافة ، فهو الذي يقود حركة الظهور التي ربطها الحديث بمشيئة الله سبحانه ، وهو الذي يتولى أمر البيعة للإمام المهدي (ع) كما جاء عن الإمام الباقر (ع) أنه قال : (حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه)
فانتبه لعبارات الإمام الباقر (ع) التالية :-
(قبل خروجه) ، (المولى) ، (كان معه)
فالمسألة قبل خروج الإمام وهذا هو التمهيد لقضية الإمام المهدي (ع) بوصيه (ع) وهو ذلك (المولى الذي ولـِّيَ البيعة) الذي سبق وأشرنا إليه .
وأما عبارة الإمام (ع) (الذي كان معه) فلكي تبين لك إن هذه الشخصية كان لها بعدا زمنياً أعمق من هذه الحادثة أو هذا التوجيه ، وهذا التوجيه هو الذي يفسر لنا الحديث الوارد عن أمير المؤمنين (ع) وهو على المنبر - :
(يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون ، مشرب بالحمرة ، مبدح البطن عريض الفخذين ، عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان : شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي (ص) ، له اسمان : اسم يخفى واسم يعلن ، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد ، فإذا هز رأيته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ، ووضع يده على رؤوس العباد ، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد وأعطاه الله قوة أربعين رجلا ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وفي قبره وهم يتزاورون في قبورهم ، ويتباشرون بقيام القائم عليه السلام .) .
وفي الحديث رموز كثيرة .
والاسم هنا هو رمز الشخص ، فالإمام المهدي (ع) (محمد وهو الاسم الذي يعلن) يخرج إلى الناس بوساطة وصيه (احمد وهو الاسم الذي يخفى) ، أي يكون متنقلا بينهم ويدبر شانهم بوصيه ، لهذا ورد في الحديث عن الإمام الباقر (ع) :
(للقائم اسمان اسم يخفى واسم يعلن فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد ) .وهذا هو الظهور المقصود في التوقيع الشريف .
أي إن للقائم (ع) شخصية تـمثله ، وان كانت غير معروفة من قبل انتبه لعبارة الإمام الباقر (ع) قال : (اسم يخفى) ، وهذا الاسم (الشخص) هو احمد ، وهو اسم أول المهديين (ضمن وصية رسول الله- ص-)( ) ( ) : (له ثلاث أسامي : اسم كاسمي واسم أبي : عبد الله ، واحمد ، والاسم الثالث المهدي ، وهو أول المؤمنين) .
وهذا الاسم المخفي (أي اسم وصي الإمام المهدي (ع) وهو المهدي الأول ... ) هو الاسم المنهي عن ذكره في روايات أهل البيت (ع) إلى أن يصل الأمر إلى قولهم (ع) : (كافر من سماه باسمه) وهذا هو الاسم المخفي .
ومحمد بن الحسن العسكري هو الاسم المعلن وهو المقصود من حديث أهل البيت (ع) (إن المهدي لا يرى بجسمه ولا يسمى باسمه) ، أي انه يُرى بغير جسمه ، فيظهر للناس بوصيه ، ويُسمى بغير اسمه فلا يسمى الإمام المهدي إلا عبر وصيه (أي باب مدينة الكمالات الإلهية) فلا يسمى باسمه بل يسمى بالاسم المخفي (احمد) وهو اسم وصيه واليماني الموعود ، لا من باب الحلول ، ولكن من باب ذوبان شخصية المهدي الأول بالإمام المهدي (ع) واختفائها فيه (ع) ، وبهذا يتضح مفهوم (الظهور)

بين الظهور والمشاهدة

فالظهور غير المشاهدة ولكل منهما مرافقاته فلو انتبهتَ لهذا التوقيع الشريف لوجدت إن الحديث عن الظهور مقرون بأذن الله ، وأيضاً له علائم حددها التوقيع الشريف ( فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا) . ولم يتطرق الحديث من قريب ولا بعيد بارتباطها بخروج السفياني أو الصيحة ، والحمد لله وحده .
أما بالنسبة إلى المشاهدة فان ارتباطها كان بعلامتين هما (قبل خروج : السفياني ، والصيحة) .
فلو كانت هذه أول حركة الإمام المهدي (ع) وظهوره مرتبط بهذه الآية (أي آية السفياني والصيحة) ، لوقعنا بتناقض كبير وواضح .
فكيف يمكن لعاقل أن يصدق إن الصيحة والسفياني لا تـُعدان تنبيه وآية من الآيات الإلهية الواضحة التي يمكن أن يستدل بهما المؤمن على إمامه الإمام المهدي المنتظر (ع) فالثابت إن الإمام المهدي (ع) يخرج في حيرة من الناس بحيث لا تميز الرايات أي من أي والحديث الشريف يقول
(يا مفضل إن القائم يظهر في شبهة ليستبين) ؟ !!! .
أي إن هذه الشبهة مستحوذة ومسيطرة على العقول لعدم وجود البينة الواضحة الجلية ، ولذا سميت شبهة ، وبهذا كيف يمكن أن تكون الصيحة غير كاشفة عن حركة المهدي (ع) حتى يصفه الإمام الصادق (ع) بأنه يخرج (في شبهة) حتى إن هذه الشبهة تمنع الناس من الالتحاق بركب الإمام المهدي (ع) فلا يلتحق به إلا نفر يسير (313) فرد وحتى مع إكتمال الحلقة (10000) (العشرة آلاف) .
فلابد من التفرقة بين الظهور وبين المشاهدة . فالظهور هي حركة التمهيد التي يكون فيها الاختبار فيكون مرافق الظهور الشبهة ، فالظهور هو الموصوف في الرواية السابقة (يظهر في شبهة ليستبين) ، وقال (ليستبين) أي يختبر أنصاره وإخلاصهم لمولاهم فيتضح من عرف الحق من خلال الغيب قال تعالى :
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة:2-3)
فيكونوا أول الناهضين له والمجيبين لدعوته هم من آمن به قبل خروجه ، فينهضون له من أول صوت يدعو له فـ(ليستبين) حال هذه الثلة القليلة المؤمنة .
فبتدبر الروايات يتضح الاختبار والابتلاء الإلهي في زمن الظهور وهو المذكور فيها ( والحاصل بشخصية المهدي الأول ) ، ويتضح إن رواية السمري هي دليل يثبت صدق قضية وصي الإمام المهدي (ع) وتندرج هذه الرواية ضمن أدلة السيد احمد الحسن (ع) التي تبيّن صحة رسالته في حديث أهل البيت (ع) ، لا أن تكون حجة عليه كما توهم من لا علم له بالحديث الشريف .



الخاتمة
من خلال هذه القراءة السريعة لرواية السمري أتضح لنا عدة نقاط أهمها مخالفة كاظم الحائري والسيستاني ( ومن سار على دربهم ) لأهم مبادئهم وهي (قواعدهم العقلية) :-
1. فخالفوا قواعدهم العقلية واعتمدوا على رواية واحدة واستدلوا بها على أمر عقائدي ، وقواعدهم العقلية تقول بان المعتقد لا يمكن بناءه إلا من خلال الحديث المتواتر أو المشهور (الذي روي بأكثر من ثلاثة أسانيد) .
2. ثم مخالفتهم لقواعدهم العقلية من حيث رجال الحديث فكيف لهم الاستدلال برواية ضعيفة السند بل مجهولة السند ولا يُعرف رواتها فيما يسمونه (بعلم رجال الحديث) ، فهل من عاقل يفكر بالأمر ويطلب الدليل الذي يقدمه غداً بين يدي ربه ، وينقذ نفسه من الهلكة ، ويكشف هذه المتناقضات التي يعيشها القوم .
3. ثم مخالفتهم لقواعدهم العقلية حيث استدلوا وقطعوا وأفتوا على ضوء هذه الرواية (حتى إن مكتب كاظم الحائري أفتى بسفك الدم باسم الحائري على اثر هذه الرواية ، ثم انسحب الحائري منها حين وصله الأنصار) ، والرواية غير بينة المعنى ومن متشابهات حديثهم (ع) ، ولذا لم يقطع العلماء بها . بينما قواعدهم العقلية تحرم عليهم ذلك وتقول : (إذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال) فانظر يا قارئ هذه السطور وتعجب من متناقضات القوم .
4. ثم مخالفتهم لقواعدهم العقلية من حيث اخذوا بهذه الرواية وتركوا عشرات الروايات التي تشير إلى خلاف هذه الرواية وقواعدهم العقلية تقول ( الأخذ بأقوى الأحاديث واشهرها ، وتأويل أو طرح المناقض لها )
5. ثم مخالفتهم لقواعدهم العقلية القائلة ( جمع الأدلة خير من طرحها ) وهم كما ترى طرحوا المتواتر (كما سبق) واخذوا بالمتشابه الأندر الأضعف ، والحق إن هذا مما يندى له الجبين .
6. يستلزم تفسيرهم الحديث الشريف مخالفة وتكذيب القرآن الكريم بقوله تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (يونس47) وقد مر بيان ذلك فيما سبق .
7. يستلزم تفسيرهم الحديث الشريف مخالفة وتكذيب الكثرة الكاثرة من صالح علمائنا السابقين ، الذين تشرفوا بلقاء الإمام المهدي (ع) وتشرفوا بالنقل عنه ، وكما مر علينا فيما سبق .
8. يتضح مما سبق إنهم لم يعرفوا الحديث ، ولم يقفوا على معنى ومراد الإمام المهدي (ع) في هذا التوقيع الشريف .فتخبطوا العشواء مع إشراقة الصباح .
9. إن من غير الممكن الوقوف على الحياد في هذه المسألة الخطيرة ( مسألة تكذيب أو عدم نصرة ومؤازرة الذين تشرفوا بلقاء الإمام المهدي أو الذين نقلوا عنه أو رسل الإمام المهدي (ع) ... ) .
10. لابد لكل إنسان أن يبني معتقداً ويحصل العلم من القرآن وسنة آل البيت (ع) بنفسه بعد أن أجمعت الطائفة الإمامية على حرمة التقليد في المسائل الاعتقادية .


والحمد لله وحده وحده وحده