المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أضواء على الأزمة المفتعلة



ابوقاسم المنامي
07-30-2004, 11:02 PM
أضواء على الأزمة المفتعلة

[463]

في مطلع التسعينات أثار بعض المغرضين، أزمة حادة إستهدفوا بها سماحة السيد فضل الله، وكانت الأزمة تقوم على أساس أن السيد حفظه الله تحدى المشاعر الشيعية فيما يتعلق بفاطمة الزهراء عليها السلام.

وقد أثار الأزمة بعض المشبوهين الذين كشفت التجارب فيما بعد أنهم يعملون ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، وضد قائدها السيد الخامنئي ولي أمر المسلمين، وقد لاحق بعضهم القضاء الاسلامي في ايران فاضطروا الى الهروب. كما أن بعضهم الآخر ترك ايران وأخذ يتحدث علناً في الصحافة بما يسيء الى الثورة وقائدها.

لقد إستغل هؤلاء مشاعر الناس البسطاء وشوهوا آراء السيد فضل الله، وحرّفوا أقواله في عملية تزوير مخالفة للشرع والأخلاق والأمانة العلمية.

والحملة المغرضة على آية الله العظمى السيد فضل الله، تشبه الى حد بعيد تلك الحملة الظالمة التي تعرض لها السيد محسن الأمين العاملي قدس سره، عندما أراد إصلاح الشعائر الحسينية، أعلن حرمة بعض مظاهرها، فقام عليه خصومه وحساده ووصفوه بالخارج عن التشيع، وغير ذلك من الأوصاف، وهو الذي دافع طوال حياته عن التشيع، وقدّم له الخدمات الجليلة التي لا تزال نتائجها ممتدة في عالم التشيع الى الآن.

لكن المغرضين شنّوا عليه حملة شعواء ظالمة، لم تستند الى عقل أو دين أو

[464]

حق، كانت باطلة في مرتكزاتها ومنطلقاتها وأهدافها وأغراضها، فلم تستمر طويلاً، ومضت الأيام حتى برّهن الزمان على أفضلية السيد محسن الأمين على خصومه، وأثبت أن أعداءه أثاروا زوبعة في فنجان.. ورسموا احلامهم على رمال متحركة، سرعان ما أزالتها الرياح.

كتب المرحوم الاستاذ جعفر الخليلي عن تلك الفترة بتفصيل جميل، وتحدث عن الأساليب التي إتخذها خصوم السيد الأمين لإسقاطه جماهيرياً ومن ذلك أنهم أطلقوا على المؤيدين له إسم (الأمويين) في مقابل (العلويين) الذي يقفون ضده. ونختار مقطعاً مما كتبه والذي يتحدث فيه عن نهاية المعركة التي كانت لصالح السيد الأمين قدس سره:

(وجاءت الأخبار تنبئ أن السيد محسن قادم الى العراق، فاختلف أنصاره في أمر هذا القدوم، فمنهم من رجحه، ومنهم من لم يرجحه، ذلك لأن الفتنة فتنة «الأمويين» و «العلويين» لم تكن قد خمدت بعد تماماً. وأن رد الفعل وإن كان قد بدا أخف من السابق ولكنه لم يكن بحيث يستهان به او تتجاهل عواقبه، وقد كتب البعض الى السيد محسن ينصحه بتأجيل قدومه الى وقت أنسب وذلك خشية أن يلقى ما لا يليق به من الاعراض والتنديد والتحرش، بصفته البطل الأول في تلك الدعوة التي مست السواد في الصميم، ولكن السيد محسن كان جريئا وكان غير هياب، فتحرك من دمشق..ولست أدري كيف إنقلب الوضع

[465]

مرة واحدة وكيف دبت في النفوس روح جديدة ! فاذا بالجماهير كلها تتحرك، وتستعد لاستقباله، وجاءت إشارة «السيد أبي الحسن» بوجوب التهيؤ لاستقبال السيد محسن ملهبة لشعور الناس، فاذا به يستقبل استقبالا لم تشهد النجف نظيرا له في كل المناسبات الماضية. واذا بالسرادق الكبير ـ وهو أكبر ما تملك النجف ـ يقام خارج المدينة... فلم يبق عالم او تاجر أو وجيه أو وضيع، دون أن يخرج الى استقباله على نحو من الجلال الذي لا يوصف... وإذا «بكلو الحبيب» وهو من الزعماء ومن وجوه الطبقة التي يسمونها «بالمشاهدة» والمعروفة باستخدامها السلاح في حل مشاكلها، إذا «بكلو الحبيب» الذي كان أكبر دعامة للسيد صالح الحلي وأكبر خصوم السيد محسن الأمين، إذا به يدنو من السيد محسن، ويأخذ يده وينهال عليها بالتقبيل، مرة بعد اخرى، وهو يقول ويردد هذا المضمون «لعن الله من غشني فصورك لي أموياً فها هو ذا وجهك النوراني يشع بالايمان فاغفر لي سوء ظني واعف عني، فانما الذنب ذنب أولئك المغرضين المارقين الذين شوهوا الحقائق وقالوا عنك ما قالو»... )(1).

لقد رفع أولئك المحاربون راية الاستسلام أمام السيد محسن الأمين، والذي دفعهم الى ذلك، هو أن معركتهم لم تكن قائمة على مبدأ صحيح، ولم يتجمعوا على حق، وكان معظمهم قد سار وراء الموجة معصوب العينين، فقد ملأ أقطاب الفتنة عقولهم بالأكاذيب. لكن الأكاذيب لا يمكن أن تظل هي الحاكمة فما هي إلا غمامة تقشعها شمس الحقيقة الساطعة.

دوافع الأزمة:

ما هو السبب أو الأسباب التي جعلت هذه الأزمة تستعر ضد آية الله السيد

_______________________

(1) جعفر الخليلي، هكذا عرفتهم الجزء الأول، ص215 ـ 216.

[466]

فضل الله، لا سيما وأنها كانت تسير بشكل مخطط ومنظم، ولم تصدر بشكل عشوائي.

في تقديرنا أن التأمل في تاريخ إنطلاق هذه الازمة يلقي الضوء على بعض دوافعها. فلقد بدأت لأول مرة عام 1991م، وكان محركها شخص كان يعمل ضابطاً في الشرطة الكويتية، حيث وزع شريطاً صوتياً لسماحة السيد فضل الله في جلسة صغيرة، وقد أجاب سماحته على سؤال وجه اليه حول صحة رواية كسر ضلع الزهراء عليها السلام وإسقاط جنينها، إثر هجوم عمر بن الخطاب على الدار لأخذ البيعة لأبي بكر. وقد اجاب السيد بأن الرواية عنده موضع دراسة وهو لم يقطع برأي حولها.

لقد إستغل هذا الشخص هذا التسجيل الصوتي، ووزعه على نطاق واسع في مدينة قم المقدسة على وجه التحديد، وكان معه من راح يردد أن السيد فضل الله يقول أن عمر بن الخطاب لم يكسر ضلع الزهراء ولم يسقط جنينها، فهو عدو للزهراء، وهو ليس شيعي، وغير ذلك من الكلام الذي يتنافى مع لغة العقل والمنطق والحوار العلمي.

كانت هذه الحركة وكما أشرنا تستند الى جماعة منظمة تهدف الى إثارة الأزمة ضد السيد على نطاق واسع، فبعد هذه البداية بأسابيع أصدر أحدهم كتاباً يكيل فيه التهم للسيد فضل الله، والكتاب هذا يذكّرنا بما كتبه ذلك الرجل في هجومه على السيد محسن الأمين، والذي ضمنه أقوال لا تستحق النقاش، لكن السيد الأمين قدس سره، رد عليه ردأً علمياً أظهر فيه بعد صاحبه عن المنطق العلمي، والبحث الموضوعي كل البعد، فقد كان عبارة عن تهم إنفعالية لا تصمد أمام لغة الدليل والحوار العلمي.

كان هذا الكتاب ضد السيد فضل الله، قد هيء قبل فترة من إعلان الأزمة، وعندما تم إعلانها، صدر الكتاب في مدينة قم المقدسة، وقد تضمن آراء غريبة،

[467]

إعتبرها مؤلفه على أنها مؤاخذات علمية ضد السيد فضل الله. فمنها على سبيل المثال أنه يأخذ على السيد فضل الله قوله:

(وكان الامام الصادق يحدّث بعض حديثه ويفتي ببعض فتاواه ويقول إنه من مصحف جدتي الزهراء).

فيعترض الكاتب إعتراضاً حاداً ويعتبر هذا الكلام تحريفاً، لأن إسم المصحف هو مصحف فاطمة!.

ومنها أيضاً إعتراض الكاتب على السيد فضل الله وصفه للزهراء عليها السلام بأنها إنسانة وأنثى!.

وعلى هذه الشاكلة كتب هذا الرجل كتابه، وبإمكان القارئ أن يتصور معنى الحملة والاشكالات المزعومة على سماحة السيد فضل الله.

وقد فرّ هذا المسكين من الجمهورية الاسلامية بعد إصدار كتابه بأسابيع، لأنه كان ملاحقاً من قبل القضاء الاسلامي. والجدير بالذكر أن التهمة التي لاحقه القضاء الاسلامي عليها، كان لها جذور وبدايات منذ كان في النجف الاشرف. ولا أريد الحديث هنا عن هذا الموضوع.

كما فرّ أيضاً الضابط الكويتي الذي كان يموّل الحملة مالياً وأقام خارج الجمهورية الاسلامية ليمارس نشاطه المعادي من هناك، بعد أن أغدق الأموال بسخاء على كل من يتعاون معه ضد السيد فضل الله.

أما دوافع هذه الأزمة المفتعلة فيمكن حصرها بما يلي:

أولاً: العداء للحركة الاسلامية ولخط الامام الشهيد الصدر.

ثانياً: الخوف من المرجعية الحركية الواعية.

ثالثاً: الموقف العدائي من الثورة الاسلامية في ايران.

[468]

هذه هي أهم وأبرز دوافع الأزمة التي أكلت من الجسم الشيعي، وشغلت أوساطه عن التحديات الكبيرة التي يواجهها، وعن مسوؤليات علماء ومراجع الدين ودورهم الحقيقي في معركة الاسلام الحقيقية ضد أعدائه.

وسنتحدث بإختصار عن كل عامل من هذه العوامل:

أولاً: العداء للحركة الاسلامية ولخط الامام الشهيد الصدر:

قبل أن تتجه الحراب الى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، كان أصحابها يحاولون غرزها في قلب الحركة الاسلامية التي أسسها الامام الشهيد الصدر، وسار أبناؤها على نهجه الاسلامي الأصيل. فلقد تفنن هؤلاء في إختلاق مختلف الأجواء من اجل إثارة الغبار في وجه الحركة الاسلامية، في الوقت التي كانت تبذل الدماء بسخاء على جبهات القتال وفي داخل العراق وتحت التعذيب الوحشي للنظام الحاكم في العراق.

لم تكن المعادلة تحتاج الى تفسير وإيضاح، فالنظام البعثي كان يريد القضاء على الحركة الاسلامية بأي شكل، وفي هذا الجو الحساس، رفع هؤلاء شعار القضاء على الحركة الاسلامية. أي أنهم كانوا يريدون تحقيق نفس الهدف الذي يريده نظام صدام حسين.

إن العداء للحركة الاسلامية ينطلق في حقيقته من موقف ثابت معاد لعموم التحرك الاسلامي، ولرمزه الكبير الخالد الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، لذلك كانت حربهم تتجه ضد الحركة وضد رمزها المؤسس. وقد واجهوا في هذه الحرب عقبتين:

الأولى: تمثلت في صعوبة إسقاط الحركة الاسلامية وجرها الى معركة جانبية، فبينما كان هؤلاء يكيلون التهم الباطلة ضد الحركة الاسلامية، كان

[469]

أبناؤها المجاهدون يملأون كل مواقع الجهاد وساحاته، تضحية وصموداً. فلم يكن أمامهم سوى الاستمرار في خلق التهم في غرفهم المظلمة، حتى ملوا من هذه الحرفة التي لا توصل الى أي نتيجة، فكان أن قرروا التصدي لضرب قواها الداعمة من علماء ورموز إسلامية كبيرة.

الثانية: لم يكن بمقدور هؤلاء أن يتوجهوا بحربهم مباشرة الى شخص الامام الشهيد الصدر، لأن ذلك سيجعلهم مكشوفين أمام الأمة، كما أن الأمة الاسلامية لن تسمح لأي جهة أو شخص مهما كان مملوءاً بالمال أن ينال من شخص القائد الشهيد، لذلك قرروا أن يناولوا من الشخصيات التي تمثل إمتداداً للإمام الشهيد، فأشرعوا حرابهم ضد إثنين من أبرز الشخصيات التي تمثل خط الشيد الصدر، وهما العلامة الكبير السيد مرتضى العسكري، وآية الله السيد محمد حسين فضل الله.

فقاموا بكتابة المقالات وإصدار المنشورات التي تثير الشبهات على العلامة العسكري، والملفت بالأمر أن أحد هؤلاء كتب مقالاً في مجلته ـ التي أغلقتها الجمهورية الاسلامية فيما بعد ـ يأخذ على السيد العسكري عدم فهمه للفكر الشيعي!. ولو كان هذا المسكين قد أثار عليه تهمة أخرى لكان أهون عليه، فالسيد العسكري رمز شامخ في عالم التشيع والفكر الاسلامي عامة، وهو الذي قدم الخدمات العظمى للفكر الشيعي والاسلامي من خلال مؤلفاته الرائدة ذات

[470]

الطابع العلمي المتين.

أما السيد فضل الله فقد أثاروا عليه الإشكالات التي ذكرناها سابقاً، والتي كانت إنطلقت من تقديرهم بإنه يمثل خط الوعي الحركي الاسلامي الأصيل.

ثانياً: الخوف من المرجعية الحركية الواعية.

ذكرنا في فصل سابق من هذا الكتاب صور تبين ما تعرض له الامام الشهيد الصدر من مضايقات وتحديات من داخل الحوزة العلمية، وكانت هذه التحديات نابعة من التقليديين الذين تصوروا أن مرجعية الامام الشهيد الصدر تضعف المرجعيات التقليدية، فعملوا على إضعافها بشتى السبل. لكن الحقيقة غير ما تصوروا، فلم تكن مرجعية الامام الشهيد لتتعارض مع المرجعيات التقليدية، بل أنها كانت تسعى الى دعمها وإبقائها مصونة في الساحة من التحدي المعادي للاسلام. لأن الوعي الذي إمتلكته مرجعيته (قدس سره)، كان يفهم أن الوجود الاسلامي كل لا يتجزأ، وأن إضعاف أي طرف إسلامي، هو بالنتيجة إضعاف للوجود الاسلامي. لكن هذه الحقيقة لم يفهمها التقليديون، وخاصة الحواشي المرتبطة بالمرجعيات التقليدية، فقد كانت تنظر الى عالم المرجعية نظرة ضيقة، لا تخلو من الحسابات الذاتية المغلقة، وهذا ما جعلها تهتم بالصراع الداخلي دون أن تهتم أبداً بالصراع الخارجي الكبير والخطير الذي يتعرض له الوجود الاسلامي من قبل السلطة والدوائر المعادية للاسلام.

وقد ظلت هذه النظرة هي الحاكمة لمعظم المرجعيات التقليدية، وهي ثغرة خطيرة في الجسم الشيعي. وقد إستغل المغرضون والمشبوهون هذه الثغرة فولجوا منها لإدارة الحملة ضد أي مرجعية حركية واعية، لا سيما إذا كانت تمثل الامتداد الطبيعي لمرجعية الامام الشهيد الصدر. وهذا ما جعلهم يستهدفون

[471]

ابوقاسم المنامي
07-30-2004, 11:03 PM
مرجعية السيد فضل الله لأنهم وجدوا فيه المكمل لخط الشهيد الصدر.

والذي يؤكد هذه النظرة أن الحملة المغرضة ضد السيد فضل الله إنطلقت بشكل مكثف بعد وفاة السيد الكلبايكاني (قدس سره)، وخلو الساحة تقريباً من المرجعيات الكبيرة المعروفة، فقد برز السيد فضل الله في تلك الظروف كمرجع له بريقه لما يتمتع به من قدرات وإمكانات ووعي وثقافة عصرية، يفتقر إليها بقية المراجع. وهذا يعني أن خط السيد الشهيد الصدر في المرجعية، سيتجدد في مرجعية آية الله السيد فضل الله.

يضاف الى هذا عامل آخر، ذاك هو بروز آية الله السيد الخامنئي قائد الثورة الاسلامية وولي أمر المسلمين كشخصية قائدة لها وزنها في عالم التشيع، لما يحظى به من إمكانات كبيرة على مستوى العالم الاسلامي، وبإعتباره المكمل لخط الامام الخميني (قدس سره).

وبذلك وجد المغرضون أن المرجعيـة الحركية الواعية ستمتلك هذه المرة قـوة هائلة، فالتقارب واضح بين السيدين الخامنئي وفضـل الله، وهما متحدان في التوجهات الاستراتيجية والوعي الحركي، والنظرة الشمولية لمشاكل الأمة، والفهم الدقيق لموقع الاسلام في معركته الحضارية ضد قوى الاستكبار.. كل هذا يعني أن الاتجاه الحركي في المرجعية سيكون هو الغالب في عالم الشيعة، وهذا يعني في المقابل أن الاتجاه التقليدي سينحسر في القريب.

في ضوء هذه المعطيات قرر المغرضون أن ينالوا من المرجعية الحركية بشكل سريع ومكثف قبل أن يحدث التلاحم العملي بين مرجعيتي السيد الخامنئي والسيد فضل الله. ولأن إستهداف مرجعية السيد الخامنئي عملية صعبة، قرر هؤلاء النيل من مرجعية السيد فضل الله. وكانت أمنيتهم لو أن شرخاً يحدث بين

[472]

السيد الخامنئي والسيد فضل الله، فهذا هو المطلوب في مخططهم الاستراتيجي. وقد حاولوا ذلك في عدة مناسبات، حتى أن أحدهم ألقى قصيدة شعرية ينال فيها من السيد فضل الله، خلال اللقاء الاسبوعي العام الذي يعقده سماحة ولي أمر المسلمين كل يوم أثنين، لكن السيد الخامنئي ردّ بشدة على صاحب القصيدة، وإعتبر ذلك عملاً غير لائق، وأصدر تعليماته بسرعة الاتصال بالسيد فضل الله وإحاطته علماً بما حدث وموقف السيد القائد مما حدث.

في تصوري إن هذه الحادثة كانت محاولة لجس النبض من قبل المغرضين، وخطوة تتبعها خطوات أكبر، لكن السيد الخامنئي أحبط اللعبة منذ البداية. إلا ان المحاولات ظلت متواصلة حتى كتابة هذه السطور.

بعد ذلك إتجه المغرضون والمشبوهون والتقليديون الى إثارة الأزمة على مستوى أكبر فقد قرروا جر المرجعيات الى صراع داخلي، وذلك بأن يكون المراجع ضد السيد فضل الله، وفجأة صدر بيان يحمل اسماء عدد من مراجع النجف الأشرف يتهجم على آراء السيد فضل الله، والبيان في حقيقته كان ورقة مزورة إفتراها هؤلاء المتصيدون في الماء العكر. وقد إنكشفت المؤامرة عندما أصدر سماحة السيد السيستاني حفظه الله، بياناً كذّب فيه ما نسب اليه.

كانت ذكرى وفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، مناسبة

[473]

سنوية لإشعال الأزمة وتجديدها، وهكذا حوّل هؤلاء مناسبات المعصومين توقيتاً لبث الفتن والإختلاف بالباطل، بدل أن يعمقوا خط أهل البيت عليهم السلام في نشر فضائلهم وجمع الأمة على نهجهم الحق الأصيل. وبذلك فقدت مناسبة وفاة الزهراء عطاءاتها الروحية والمعنوية، وحولوها الى معترك ساخن، إستخدموا فيه التزوير وقلب الحقائق، مدعين أنهم ينتصرون للزهراء، في حين أن الزهراء قامت ضد الذين زوروا وكتموا الحق وغصبوه عن اهله.. والعبرة واضحة هنا لا تحتاج الى إيضاح.

وحدث في إحدى المناسبات أن صدر بيان موقع من قبل ثمانية علماء في قم المقدسة ينالون من شخص السيد فضل الله، ويعتبرون أن آراءه منحرفة. لكن صدر في أعقابه مباشرة بيان من قبل جمع من طلبة الحوزة العلمية في قم المقدسة تضمن حواراً أجروه مع أحد الموقعين الثمانية، حول الأسس التي إستند اليها في إدانة السيد فضل الله، ولم يستطع هذا العالم أن يدافع عن وجهة نظره، ووقع في مغالطات متتالية حتى إضطر أن ينهي الحوار بخشونة، بعد أن أعياه الحوار العلمي السليم.

وتوالت بعد ذلك هذه المحاولات وكان أهمها هو جر مراجع الدين في قم المقدسة الى هذه الأزمة، وقد نجحت المحاولات في جر أثنين منهم الى حلبة الصراع هما آية الله الشيخ جواد التبريزي وآية الله الشيخ الوحيد الخراساني.

[474]

وقد أدرجنا في الملحق الوثائقي نصوص المراسلات والبيانات الصادرة في هذا الخصوص.

برز في تلك الأجواء الساخنة آية الله الشيخ حسين النوري الهمداني، ليمثل ظاهرة في هذه الأزمة. فقد بدأ معارضاً الاتجاه المغرض، وأصدر عدة بيانات وتصريحات تؤيد السيد فضل الله، وتدافع عنه بقوة. لكنه في شهر آب 1998م، تحول الى الاتجاه الآخر، دون سابق إنذار. ولم يكن يملك مبرراً منطقياً لهذا التحول في الموقف.

في البداية وقف الشيخ النـوري مـوقف الباحث عن الحق والحقيقة، فقد وقف عند الشبهات المثارة على السيد فضل الله، واراد أن يعـرف الحقيقة كما هي، فبعث برسالة الى السيـد فضل الله يستفسر فيها عن آرائه في الموارد التي أثاروها. وأجابه السيد فضل الله برسالة واضحـة بيّن فيها رأيه في كل مـورد من الموارد.

كما قام الشيخ النوري الهمداني بزيارة الى بيروت عام 1997م، حيث إلتقى بالسيد وتحدث معه مباشرة عن آرائه والشبهات التي يثيرها المغرضون حوله، وعاد الى قم وهو يحمل صورة واضحة عن الموقف، فقد أعلن رأيه صراحة بأن آراء السيد فضل الله لا غبار عليها، وأنه يحمل فكر أهل البيت عليهم السلام

[475]

الأصيل، وعارض الاتجاه الذي يحاربه ويحاول إثارة الشبهات حوله.

وقد تعرض الشيخ النوري نتيجة مواقفه هذه لحملة تشويه قادها ضده المغرضون. وكانت هناك محاولات خفية للضغط عليه، من أجل دفعه الى التخلي عن موقفه المؤيد للسيد فضل الله.

وقد فوجىء الجميع بصدور بيان من الشيخ النوري، يتراجع فيه عن مواقفه السابقة، ويعلن عدم تأييده للسيد فضل الله، وقد برر ذلك بأنه كان يؤيده على مواقفه السياسية وليس الفكرية، وقد شكك في هذا البيان بإجتهاد السيد فضل الله.

وقد كان البيان ضعيفاً لأنه كان يناقض البيانات السابقة للشيخ النوري، فقد ذكر الشيخ سابقاً ان السيد فضل الله عالم مجتهد بارع، وأعلن أن آراءه العقائدية هي أفكار صحيحة لا غبار عليها، وان الذي يتعرضون له، إنما يهاجمونه بدافع الصراع على المرجعية، وأنهم متأثرون (بالدينار الكويتي).

وعندما كان يستفسر طلبة الحوزة العلمية منه عن سبب هذا التحول، كان يجيب بأنه تعرض لضغوط كبيرة، وهذا الجواب يمثل إدانة له، لأن المفروض من عالم الدين أن يقول الحق، لا أن يخضع للضغط.

كان يرافق كل هذه التطورات والأحداث صدور العديد من الكراسات والمنشورات التي كانت تلقى في شوارع قم المقدسة وهي خالية من التوقيع والأسماء الصريحة. في حين كانت هناك الكثير من المنشورات والبيانات التي تصدر في مختلف البقاع، وهي تقف الى جانب سماحة آية الله السيد فضل الله، وتدين الحملة المغرضة التي يثيرها المنتفعون المتصيدون في الماء العكر. وقد أدرجنا بعض تلك المنشورات في الملحق الوثائقي من هذا الكتاب.

وهناك ملاحظة جديرة بالتأمل وهي أن الحملة كانت تستعر في بعض

[476]

المواقف والظروف التي تهم المسلمين عموماً والتي يسجل فيها السيد فضل الله موقفه الصريح، مثل إنعقاد مؤتمر شرم الشيخ، حيث شجب السيد فضل الله هذا المؤتمر بعنف وكشف خفاياه وما يراد منه، فسارع المغرضون الى تصعيد حملتهم ضده، وكأنهم يريدون التعمية على القضية الأهم التي تمس واقع المسلمين.

كان الغرض كما أشرنا هو النيل من شخصية السيد فضل الله كمرجع، ولو أنه لم يصبح مرجعاً لما تعرض الى سهام هؤلاء وحرابهم. لكن هؤلاء لم يستوعبوا حقيقة إجتماعية مهمة، وهي أن بعض المراجع لا يتصدون الى المرجعية بمعنى السعي إليها، إنما المرجعية تأتي اليهم طوعاً نتيجة موقف الأمة، فالامام الخميني والسيد الشهيد وغيرهما لم يطرحوا أنفسهم للأمة كمراجع إلا بعد ان نادت بهم الأمة بمرجعيتهم. والسيد فضل الله من هذا الطراز من الشخصيات الاسلامية، فهو لم يرد المرجعية هدفاً، إنما الجماهير التي عرفت تاريخه وثقافته وفكره الحركي المؤثر أرادته أن يكون مرجعها. وهذه الجماهير لن تغير موقفها ببيان مكذوب أو بأوراق صفراء أو بخطبة رجل إنفعالي. إن الجماهير بلغت من الوعي ما يمكنها من فرز الخطأ والصواب بلمحة عين، وهذا هو الذي حصل وسيبقى هو القانون في نظرة الجماهير الى قادتها ومراجعها وعلمائها.

ثالثاً: الموقف العدائي من الثورة الاسلامية في ايران:

منذ بداية إنتصار الثورة الاسلامية في ايران، وقف آية الله السيد فضل الله، مدافعاً عنها وعن قائدها الكبير الامام الخميني قدس سره، وكان يمثل القوة المتصدية لكل محاولات التشويه للثورة، وذلك عبر خطبه ومحاضراته ومقابلاته الصحفية وكتاباته، وقد أثارت مواقفه هذه أجهزة الاستكبار العالمي كما أثارت أعداء الثورة ضده.

لقد كان السيد فضل الله ـ ولايزال ـ الشخصية الاسلامية الوحيدة التي وقفت

[477]

بكل قوة وإخلاص للدفاع عن الثورة الاسلامية، فكان يتعامل معها على أنها قضيته ومسؤوليته، رغم أن هذا الموقف جعله يواجه تحديات حقيقية، كان منها المحاولات العديدة التي حاولت تصفيته جسديا لكن العناية الألهية أنقذته منها، ليواصل مشروعه الكبير في التوعية والاصلاح.

لم يكن أعداء الثورة بحاجة الى التحليل والاستقصاء لمعرفة موقف السيد فضل الله، من الثورة الاسلامية، فلقد كان واضحاً ما ذا تعني الثورة بالنسبة له، وقد أدرك المغرضون أنه يقوم بدور كبير في نصرة الثورة.. دور مؤثر لا يمكن تغافله لا سيما في خطبه المؤثرة ومقابلاته الصحفية المتكررة. فشعر هؤلاء أنهم أمام قوة ضخمة تمتلك كل عناصر القوة المتمثلة في القدرة البيانية والخطابية، والفكر الحيّ الذي يحلل ويفسر ويكشف النقاب عن كل محاولات التشويه المبذولة ضد الثورة.

ولأن المغرضين لم يكن بمقدورهم مواجهة الثورة من الداخل، والنيل من قيادتها، لذلك بدأوا بآية الله السيد فضل الله، وهم في الحقيقة إنما يستهدفون آية الله السيد الخامنئي وكل رمز ثوري إسلامي.

وعلى هذا كانت حربهم المعلنة على السيد فضل الله، تمثل في معناها العميق، الحرب على الوجود الحركي والثوري بأسره. وقد فكر المغرضون أنهم لو أسقطوا السيد وأعاقوا حركته، فإنهم سيحققون إنجازاً كبيراً يتمثل في سلب

[478]

الثورة الاسلامية من نصيرها القوي وسندها الواعي الواقف بصمود أمام أجهزة الاستكبار العالمي.

ومن هنا وجدنا أن أعداء الثورة يتحدون مع بعضهم البعض لشن الحرب الظالمة على السيد فضل الله، بعد أن أدركوا صعوبة شنها ضد ولي أمر المسلمين صراحة.

وقد ادرك المغرضون أن التلاحم بين ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي وبين السيد فضل الله، يشكل جبهة إسلامية قوية لنصرة الاسلام وإنطلاقته في الآفاق إنطلاقة حركية واعية، الأمر الذي يضعف وجودهم بدون شك، ويحولوهم الى وجودات هامشية في الساحات الاسلامية، وهو مما لا ينسجم مع تطلعاتهم وأهوائهم. لذلك ركزوا على اهمية فصل الشخصيتين عن بعضهما، وإضعاف السيد فضل الله، كمقدمة لإضعاف السيد الخامنئي، وبذلك ينتهي التلاحم التاريخي بين الشخصيتين. وللأسف فقد مرت هذه المؤامرة على بعض الأوساط، وتعاملت مع القضية ببساطة ما من المتوقع أن تسقط فيها.

وبشكل عام فإن الحملة المغرضة إستطاعت أن تثير جواً من اللغط والضبابية في بعض الأوساط، لكنها لم تستطع أن تمتد الى خارج ايران، وقد ظلت تعيش حالة من التحفز المؤقت، حيث تطفو على السطح في مناسبات عاشوراء وذكرى وفاة الصديقة الزهراء(عليها السلام)، ثم تنزوي في غرفها المغلقة بعد ذلك.

وفي تقديرنا حتى ساعة كتابة هذه السطور، أن الأزمة المفتعلة هذه لا يمكن أن تستمر طويلاً، لأن الحراب التي تمَّ رفعها باتت واهية تتكسر تدريجياً، كما أن الأمة سأمت هذه الممارسات التي لا تستند الى المنطق العلمي والروح الاسلامية المسؤولة، كما أن أبناءها يعرفون جيداً من هو آية الله السيد محمد حسين فضل الله، ومن هم خصومه.

[479]

فالسيد فضل الله صاحب المدرسة الحركية البارزة، أما خصومه فهم الذين آثروا الجلوس في غرفهم بعيداً عن هموم المسلمين وقضاياهم المصيرية.

لقد قدم السيد فضل الله مشروعاً ضخماً سار عليه طوال سنوات حياته، كان يهدف الى تقديم الاسلام وفق رؤى حركية منهجية، وقد أعطى هذا المشروع ثماره طرية نظرة، من خلال الجو الثقافي والحركي الذي عاشته الساحات الاسلامية. وإستطاع أن يحرك المضامين الفكرية الاسلامية الأصيلة في الاتجاه العملي بشكل واضح، ولا يتعامل معها بشكل نظري تجريدي، باعتبار أن الاسلام هو فكر الحياة في كل عصر ومكان، ولا بد أن يكون فكره متجهاً الى الحياة في كل أبعادها واتجاهاتها.. ليقدم الحلول للمشاكل التي تواجه الانسانية، ويصنع الانسان الذي يحمل رايته للعالم بأسره، وليبني المجتمع الاسلامي الأصيل.

هذه هي الملامح الاساسية في فكر السيد فضل الله، وهي نفسها ملامح الامام الشهيد الصدر وغيره من كبار العلماء والقادة الذين ظهروا في فترات مختلفة من التاريخ الشيعي، وأرادوا التغيير والاصلاح، وكانت لجهودهم المباركة المعطاءة أثرها البالغ في مسيرة التحرك الاسلامي، وفي نشوء الاجيال الاسلامية الهادفة في مسيرتها وحركتها وتوجهاتها.


من كتاب المرجعية الدينية من الذات إلى المؤسسة

تأليف:سماحة السيد حسين بركة الشامي

http://www.darislam.com/home/esdarat/dakhl/marjeyia/data/1.htm