ألنهضة اليمانية
06-05-2008, 10:47 AM
. خلق الله الإنسان لغاية سامية تتمثل بمعرفته سبحانه ، قال تعالى : (( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ، أي ليعرفون كما ورد عن أهل البيت (ع) ، إذ لا عبادة حقيقية دون معرفة حقيقية . ولأجل تحقيق هذه الغاية الشريفة نصب الله قادة و أدلاء يرشدون الناس الى الطريق القويم الذي به بلوغ الغاية ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، ويحيى من حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة .
وكان من ألطافه وحكمته جل وعلا أن وضع للناس قانوناً يعرفون به حجة الله على الخلق ، ويميزونه عن الطواغيت المدعين زوراً وبهتاناً ، والقانون المشار إليه يتشكل من ثلاث حلقات ؛ أولها النص الإلهي أو الوصية ، وثانيها العلم والحكمة ، وثالثها الدعوة الى حاكمية الله عز وجل ، أو راية البيعة لله . ولعل هذا القانون واضح تماماً للفطرة السليمة والعقل السليم (لو إن إنساناً يملك مصنعاً أو مزرعة أو سفينة ، أو أي شئ فيه عمال يعملون له فيه فلابد أن يعيّن لهم شخصاً منهم يرأسهم ، ولابد أن ينص عليه بالإسم ( النص ) وإلا ستعم الفوضى ، كما لابد أن يكون هذا الشخص أعلمهم وأفضلهم ( العلم ) ، ولابد أن يأمرهم بطاعته ( الحاكمية ) ليحقق ما يرجو وإلا فإن قصّر هذا الإنسان في أي من هذه الأمور الثلاثة فسيجانب الحكمة الى السفه ، فكيف يجوّز الناس على الله ترك أي من هذه الأمور الثلاثة وهو الحكيم المطلق ) ؟
بسط الحديث في كل حلقة من هذه الحلقات الثلاث بما يتيسر
1- النص الإلهي أو الوصية :-
منذ اليوم الأول الذي خلق الله فيه آدم (ع) بدأت الرحلة مع قانون الوصية والنص الإلهي ، قال تعالى : ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ))البقرة الآية/30 . وقال تعالى )) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(( الحجر (28ـ31) .
في هذه الآيات الكريمة ينص الله تعالى على استخلاف آدم (ع) بمحضر من الملائكة (ع) وإبليس (لع) ، فيستجيب الملائكة للأمر الإلهي بالسجود لآدم (ع) وإطاعته فينجحوا في الإختبار الذي سيكون المحك في تحديد المؤمنين الى يوم القيامة ، بينما يفشل إبليس ( لعنه الله ) بسبب تكبره وشعوره الطاغي بأناه ( قال أنا خير منه ) . فمحك النجاح والفشل يتمثل بإطاعة حجة الله أو خليفته المنصوص عليه ، ومثلما كان القبول والتسليم بتنصيب الله سبب نجاح الملائكة سيكون سبب نجاح المؤمنين ، وكما كان الجحود والكفر سبب فشل إبليس (لع) واستحقاقه الطرد من رحمة الله ، سيكون كذلك بالنسبة لأتباعه من الإنس والجن (( ستة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا )).
واستمر قانون النص الإلهي بعد آدم (ع) بصورة وصية يوصي بها الحجة السابق إلى من يليه ، وليست هذه الوصية نص من الله على الحجة ، فعن أبي عبد الله (ع) قال : ((…ثم أوحى الله إلى آدم أن يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه إلى هابيل ، ففعل ذلك فلما علم قابيل غضب وقال لأبيه : ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به ؟ فقال يا بني أن الأمر بيد الله وأن الله خصه بما فعلت فإن لم تصدقني فقربا قرباناً فأيكما قبل قربانه فهو أولى بالفضل وكان القربان في ذلك الوقت تنزل النار فتأكله . وكان قابيل صاحب زرع فقرّب قمحا ً رديئا ً وكان هابيل صاحب غنم فقرّب كبشا ً سمينا ً فأكلت النار قربان هابيل . فأتاه أبليس فقال : يا قابيل لو ولد لكما وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به أبوك ولقبول النار قربانه وتركها قربانك وأنك إن قتلته لم يجد أبوك بُدا ً من أن يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل إلى هابيل فقتله ... )) قصص الأنبياء 55 .
وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به )) قال : (( هي الوصية يدفعها الرجل منا الى الرجل )) [غيبة النعماني/60] .
وفي القرآن على لسان عيسى (ع):(( ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )).
وهكذا ف (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(الحج/75 }.
وعن الحارث بن المغيرة النضري، قال:((قلنا لأبي عبدالله (ع): بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة والوقار والعلم والوصية )) بحار الأنوار ج52/ 138.
2- العلم والحكمة :-
بعد أن نص الله تعالى على آدم (ع) خليفة له في الأرض بقوله تعالى : (( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )) اعترض الملائكة بأن (( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}((البقرة 30 -31}. اعتراض الملائكة أجابه الله تعالى بأن آدم (ع) يملك من العلم ما لا تملكون ، فهو (ع) قد استحق خلافة الله في أرضه بسبب هذا المائز وهو العلم الذي منحه الله له ، فالعلم الذي يتميز به حجة الله دليل يُعرف من خلاله هذا الحجة بكل تأكيد .
وقد وردت آيات كثيرة تدل على هذا المعنى منها قوله تعالى : (( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)( {البقرة.247} .
إذن هؤلاء القوم الذين طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكاً و لكنهم بعد أن قال لهم نبيهم : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ، اعترضوا بأن طالوت لا يملك مالاً وفيراً ، وهنا أجابهم نبيهم ، بأن الأمر لا يتعلق بالمال بل بالعلم (( قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم )) . فالمسألة مسألة علم ، فالله جل وعلا يسلح حججه بالسلاح اللازم لرحلة العودة إليه تعالى ، و ليس هذا السلاح سوى العلم .
وقال تعالى : (( وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ )( (الأنبياء74 ) ، (( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُون}(البقرة/ 89}.
هذا وقد وردت أحاديث كثيرة عن المعصومين (ع) تبين هذه الحقيقة وتؤكدها ، ففي محاججة الإمام الرضا ( ع ) في مجلس المأمون ( لع ) ، إذ سأل أحدهم : (( يا إبن رسول الله بأي شيء تصح الإمامة لمدّعيها ؟ قال ( ع ) : بالنص والدليل ، قال له : فدلالة الإمام فيما هي ؟ قال ( ع ) : في العلم واستجابة الدّعوة )) [عيون أخبار الرضا ( ع ) ج2 ص216].
3- حاكمية الله :-
الحلقة الثالثة في قانون معرفة الحجة هي الدعوة الى حاكمية الله ، وإطاعة وإتباع من نصبه الله تعالى دون غيره ، قال تعالى : )) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(( الحجر (28ـ31) . وقال تعالى : (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء )) [آل عمران/26] . وقال تعالى : ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (القصص:68) .
هذه الآيات تؤكد على السجود لحجة الله تعالى ، أي إطاعته ولزومه ، فالملك بيد الله سبحانه يؤتيه من يشاء ، وينزعه ممن يشاء ، وليس للناس أن يختاروا الحاكم ، فاختيار الحاكم أو حاكمية الناس شرك ( سبحان الله وتعالى عما يُشركون ) . ومن الأحاديث ما ورد عن سعد بن عبد الله القمي في حديث طويل إنه سأل الإمام المهدي (ع) وهو غلام صغير في حياة أبيه الحسن العسكري (ع) فقال : (( أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من إختيار الإمام لأنفسهم ؟ قال (ع) : مصلح أم مفسد ؟ قلت : مصلح . قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت : بلى . قال : فهي العلّة التي أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك . أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الإختيار منهم ، مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالإختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت : لا . قال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عز وجل : وأختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا ، إلى قوله : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ، فلما وجدنا اختيار من اصطفاه الله للنبوة واقعا ً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلا ممن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر ... )) إثبات الهداة ج1 ص115ـ116.
وأخيراً أقول إن السيد أحمد الحسن (ع) قد جاءكم محتجاً بالوصية والعلم وراية البيعة لله أو حاكمية الله ، ونبذ حاكمية الناس أو الديمقراطية ، ومن يرجع إلى الكتب الصادرة عن أنصار الإمام المهدي (ع) يجد تفاصيل كثيرة بهذا الخصوص .
وكان من ألطافه وحكمته جل وعلا أن وضع للناس قانوناً يعرفون به حجة الله على الخلق ، ويميزونه عن الطواغيت المدعين زوراً وبهتاناً ، والقانون المشار إليه يتشكل من ثلاث حلقات ؛ أولها النص الإلهي أو الوصية ، وثانيها العلم والحكمة ، وثالثها الدعوة الى حاكمية الله عز وجل ، أو راية البيعة لله . ولعل هذا القانون واضح تماماً للفطرة السليمة والعقل السليم (لو إن إنساناً يملك مصنعاً أو مزرعة أو سفينة ، أو أي شئ فيه عمال يعملون له فيه فلابد أن يعيّن لهم شخصاً منهم يرأسهم ، ولابد أن ينص عليه بالإسم ( النص ) وإلا ستعم الفوضى ، كما لابد أن يكون هذا الشخص أعلمهم وأفضلهم ( العلم ) ، ولابد أن يأمرهم بطاعته ( الحاكمية ) ليحقق ما يرجو وإلا فإن قصّر هذا الإنسان في أي من هذه الأمور الثلاثة فسيجانب الحكمة الى السفه ، فكيف يجوّز الناس على الله ترك أي من هذه الأمور الثلاثة وهو الحكيم المطلق ) ؟
بسط الحديث في كل حلقة من هذه الحلقات الثلاث بما يتيسر
1- النص الإلهي أو الوصية :-
منذ اليوم الأول الذي خلق الله فيه آدم (ع) بدأت الرحلة مع قانون الوصية والنص الإلهي ، قال تعالى : ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ))البقرة الآية/30 . وقال تعالى )) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(( الحجر (28ـ31) .
في هذه الآيات الكريمة ينص الله تعالى على استخلاف آدم (ع) بمحضر من الملائكة (ع) وإبليس (لع) ، فيستجيب الملائكة للأمر الإلهي بالسجود لآدم (ع) وإطاعته فينجحوا في الإختبار الذي سيكون المحك في تحديد المؤمنين الى يوم القيامة ، بينما يفشل إبليس ( لعنه الله ) بسبب تكبره وشعوره الطاغي بأناه ( قال أنا خير منه ) . فمحك النجاح والفشل يتمثل بإطاعة حجة الله أو خليفته المنصوص عليه ، ومثلما كان القبول والتسليم بتنصيب الله سبب نجاح الملائكة سيكون سبب نجاح المؤمنين ، وكما كان الجحود والكفر سبب فشل إبليس (لع) واستحقاقه الطرد من رحمة الله ، سيكون كذلك بالنسبة لأتباعه من الإنس والجن (( ستة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا )).
واستمر قانون النص الإلهي بعد آدم (ع) بصورة وصية يوصي بها الحجة السابق إلى من يليه ، وليست هذه الوصية نص من الله على الحجة ، فعن أبي عبد الله (ع) قال : ((…ثم أوحى الله إلى آدم أن يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه إلى هابيل ، ففعل ذلك فلما علم قابيل غضب وقال لأبيه : ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به ؟ فقال يا بني أن الأمر بيد الله وأن الله خصه بما فعلت فإن لم تصدقني فقربا قرباناً فأيكما قبل قربانه فهو أولى بالفضل وكان القربان في ذلك الوقت تنزل النار فتأكله . وكان قابيل صاحب زرع فقرّب قمحا ً رديئا ً وكان هابيل صاحب غنم فقرّب كبشا ً سمينا ً فأكلت النار قربان هابيل . فأتاه أبليس فقال : يا قابيل لو ولد لكما وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به أبوك ولقبول النار قربانه وتركها قربانك وأنك إن قتلته لم يجد أبوك بُدا ً من أن يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل إلى هابيل فقتله ... )) قصص الأنبياء 55 .
وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به )) قال : (( هي الوصية يدفعها الرجل منا الى الرجل )) [غيبة النعماني/60] .
وفي القرآن على لسان عيسى (ع):(( ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )).
وهكذا ف (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(الحج/75 }.
وعن الحارث بن المغيرة النضري، قال:((قلنا لأبي عبدالله (ع): بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة والوقار والعلم والوصية )) بحار الأنوار ج52/ 138.
2- العلم والحكمة :-
بعد أن نص الله تعالى على آدم (ع) خليفة له في الأرض بقوله تعالى : (( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )) اعترض الملائكة بأن (( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}((البقرة 30 -31}. اعتراض الملائكة أجابه الله تعالى بأن آدم (ع) يملك من العلم ما لا تملكون ، فهو (ع) قد استحق خلافة الله في أرضه بسبب هذا المائز وهو العلم الذي منحه الله له ، فالعلم الذي يتميز به حجة الله دليل يُعرف من خلاله هذا الحجة بكل تأكيد .
وقد وردت آيات كثيرة تدل على هذا المعنى منها قوله تعالى : (( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)( {البقرة.247} .
إذن هؤلاء القوم الذين طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكاً و لكنهم بعد أن قال لهم نبيهم : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ، اعترضوا بأن طالوت لا يملك مالاً وفيراً ، وهنا أجابهم نبيهم ، بأن الأمر لا يتعلق بالمال بل بالعلم (( قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم )) . فالمسألة مسألة علم ، فالله جل وعلا يسلح حججه بالسلاح اللازم لرحلة العودة إليه تعالى ، و ليس هذا السلاح سوى العلم .
وقال تعالى : (( وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ )( (الأنبياء74 ) ، (( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُون}(البقرة/ 89}.
هذا وقد وردت أحاديث كثيرة عن المعصومين (ع) تبين هذه الحقيقة وتؤكدها ، ففي محاججة الإمام الرضا ( ع ) في مجلس المأمون ( لع ) ، إذ سأل أحدهم : (( يا إبن رسول الله بأي شيء تصح الإمامة لمدّعيها ؟ قال ( ع ) : بالنص والدليل ، قال له : فدلالة الإمام فيما هي ؟ قال ( ع ) : في العلم واستجابة الدّعوة )) [عيون أخبار الرضا ( ع ) ج2 ص216].
3- حاكمية الله :-
الحلقة الثالثة في قانون معرفة الحجة هي الدعوة الى حاكمية الله ، وإطاعة وإتباع من نصبه الله تعالى دون غيره ، قال تعالى : )) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(( الحجر (28ـ31) . وقال تعالى : (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء )) [آل عمران/26] . وقال تعالى : ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (القصص:68) .
هذه الآيات تؤكد على السجود لحجة الله تعالى ، أي إطاعته ولزومه ، فالملك بيد الله سبحانه يؤتيه من يشاء ، وينزعه ممن يشاء ، وليس للناس أن يختاروا الحاكم ، فاختيار الحاكم أو حاكمية الناس شرك ( سبحان الله وتعالى عما يُشركون ) . ومن الأحاديث ما ورد عن سعد بن عبد الله القمي في حديث طويل إنه سأل الإمام المهدي (ع) وهو غلام صغير في حياة أبيه الحسن العسكري (ع) فقال : (( أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من إختيار الإمام لأنفسهم ؟ قال (ع) : مصلح أم مفسد ؟ قلت : مصلح . قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت : بلى . قال : فهي العلّة التي أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك . أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الإختيار منهم ، مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالإختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت : لا . قال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عز وجل : وأختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا ، إلى قوله : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ، فلما وجدنا اختيار من اصطفاه الله للنبوة واقعا ً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلا ممن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر ... )) إثبات الهداة ج1 ص115ـ116.
وأخيراً أقول إن السيد أحمد الحسن (ع) قد جاءكم محتجاً بالوصية والعلم وراية البيعة لله أو حاكمية الله ، ونبذ حاكمية الناس أو الديمقراطية ، ومن يرجع إلى الكتب الصادرة عن أنصار الإمام المهدي (ع) يجد تفاصيل كثيرة بهذا الخصوص .