على
07-29-2004, 11:35 AM
محمد حسين فضل الله
جريدة السفير
قد يطرح البعض إشكالية تتصل بعلاقة الشعوب العربية والإسلامية بالأوروبيين، وتنطلق من التعقيدات التي نشأت بفعل الحساسيات التاريخية في عقود الغزوات والاحتلال والانتداب وما إلى ذلك، وقد يحاول البعض الآخر أن يردّ زاعماً أن المشكلة الراهنة تنطلق من الوجود الإسلامي في أوروبا بامتداداته البشرية وتأثيراته السياسية وفي بعض عناوينه الأمنية.
ولكننا نرى في تطور العلاقات الإسلامية الأوروبية والعربية الأوروبية مسألة مهمة وقابلة للتجذّر، لأسباب كثيرة، ليس أقلّها أن الإسلام يسعى للتصالح مع العالم ويحثّ على اقتحام كل الحواجز التي تمنع الحوار الديني أو السياسي أو ما إلى ذلك مع الآخر، ويؤكد على المسلمين أن يصادقوا شعوب العالم، بالإضافة إلى إيمانه بالتفاعل بين الحضارات ورفضه لمبدأ الصدامية مع الآخر ومقولة صدام الحضارات التي تروج لها دوائر سياسية غربية معروفة الهوية والانتماء والتوجه.
كما أن أوروبا التي طلّقت عهود الاستعمار واستعداء الشعوب، وعملت على أن تتقارب مع الشعوب العربية والإسلامية، تجد آذاناً صاغية، ليس على مستوى الدول، بل حتى في الأرض الشعبية العربية والإسلامية التي باتت تشعر بأن أوروبا هي الأقرب إليها على مستوى الفهم لقضاياها وشؤونها من الولايات المتحدة الأميركية، لا بل تجد في بعض مواقفها ما يمكن وصفها بأنها متقدمة حتى على بعض المواقف العربية الرسمية حيال المسألة الفلسطينية وغيرها، هذا في الوقت الذي يعرف الجميع حجم الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على دول الاتحاد الأوروبي، ومحاولاتها المستمرة لمحاصرة أي دور له في المنطقة ومنعه من أن يكون فاعلاً في القضايا الأساسية، وبخاصة المسألة الفلسطينية.
ونحن كمسلمين لا نشعر بأن ثمّة مشكلة في أن تصر الدول الأوروبية أو بعضها على شخصيتها الأوروبية في ما تعتبره من خصوصية ذاتية لها في إطار مصالحها السياسية أو الاقتصادية أو ما إلى ذلك، لا بل قد نشعر بأن هذا الإصرار يحمل في داخله رفضاً لبعض المحاولات التي تسعى الإدارة الأميركية من خلاله الى تطويع هذا الموقف الأوروبي أو ذاك، ونجد في بعض التعبيرات الأوروبية الرافضة للهيمنة الأميركية على قراراتها، كما في موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك الأخير خلال قمة اسطنبول في مواجهة الرئيس الأميركي، ما يوحي بالاستقلالية التي تُشعر الشعوب العربية والإسلامية باحترام هذه الاندفاعة السياسية وتجعلها تطمئن إلى توطيد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وبخاصة فرنسا.
ومن جهة أخرى، فإن على الدول الأوروبية أن لا تخضع للدعاية الصهيونية التي تركز على حجم الانتشار الإسلامي في أوروبا، كما في الحديث الأخير لشارون بأن المسلمين يمثلون عشر الشعب الفرنسي، أو في تحذيرات شمعون بيريز الدائمة من إمكانية طغيان الوجود الإسلامي على الحياة الأوروبية.. فالأوروبيون يعرفون أن الانتشار الإسلامي لم يترك آثاراً سلبية على أوروبا، بل إن المسلمين اندمجوا في الواقع الأوروبي سياسياً وثقافياً، حتى إن بعضهم اندمج في المؤسسات السياسية الأوروبية وأصبح جزءاً من النسيج الأوروبي العام، وإذا كان المسلمون يحافظون على تقاليدهم والتزاماتهم الدينية في أوروبا، فإن ذلك لا يمثل إساءة للاندماج العام، لأن الاندماج لا يعني عدم التنوع، ولأن الأوروبيين متنوعون حتى في التزاماتهم الدينية.
وإذا كان البعض يتحدث عن إساءة أفراد مسلمين أمنيا أو سياسيا لبعض الدول الأوروبية، فإن من الظلم بمكان أن يحمل الإسلام المسؤولية عن هذه الإساءة، خصوصا أن علماء المسلمين كانوا أول من استنكر هذه الأعمال وأدانها على أساس إسلامي شرعي، وإننا نريد لأوروبا العلمانية أن تتخفف من بعض مواقفها عندما تطرح مسألة الوجود الإسلامي في أوروبا، أو عندما يطرح مثلاً انضمام تركيا لدول الاتحاد الأوروبي، ليبدأ الحديث عن الهوية المسيحية لأوروبا بما يتناقض مع علمانيتها على مستوى التزاماتها القانونية، وبما يؤكد ما كان يقوله رئيس وزراء تركيا الراحل <<أوزال>>، ان منع تركيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي يعود لسببب واحد هو هويتها الإسلامية..
إن ذلك يوحي بشيء من العنصرية الدينية حتى عند الذين يتحدثون عن العلمانية، وهو ما قد يفسر الإصرار على عدم إعطاء المسلمين في البوسنة والهرسك استقلالاً تاماً وناجحاً في دولة مستقلة، بحيث يشعر المسلمون بأن ثمة من يرفض رفضاً قاطعاً وجود دولة إسلامية في أوروبا.
إننا في الوقت الذي نعرف أن ثمة ابتزازا إسرائيليا وصهيونيا للأوروبيين في المسألة الإسلامية وفي دفعهم للإحساس بعقدة الذنب حيال اليهود، كما في تهديدات شارون الأخيرة لفرنسا ودعوة اليهود الفرنسيين للهجرة إلى فلسطين المحتلة، وكما في تهديده لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا <<بأن فرص قيام الاتحاد الأوروبي بدور في الشرق الأوسط تبدو ضئيلة ما لم يحدث تحول كبير في موقفه>>..
نريد للدول والحكومات وحتى الشعوب الأوروبية أن تخرج من هاجس الاهتمام باليهود على حساب قضايا الشعوب الأخرى تحت عنوان معاداة السامية.. وإلا فلماذا لا يشعرون بهذا الهاجس حيال ما يمارس ضد العرب إعلامياً وسياسياً وحتى أمنياً في الكثير من البلاد الأوروبية الغربية مع أنهم ساميون؟!
إننا نرى أن ثمة مناخا سياسيا ملائما لتطوير وتعميق العلاقات الأوروبية الإسلامية والعربية بعيدا عن الضغوط الأميركية والابتزازات الإسرائيلية، ولكن المسألة تستدعي حركة سياسية وثقافية للتواصل على مستوى الحدث السياسي، ولجهة شرح المفاهيم الثقافية والفكرية والتواصل بين الشباب الأوروبي والشباب العربي والمسلم، وهذا ما يقع على عاتق الأوروبيين وعلى عاتق العرب والمسلمين، وبخاصة الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، المطالبة بحركة ميدانية فاعلة في هذا الاتجاه.
http://www.assafir.com/iso/today/signature/116.html
جريدة السفير
قد يطرح البعض إشكالية تتصل بعلاقة الشعوب العربية والإسلامية بالأوروبيين، وتنطلق من التعقيدات التي نشأت بفعل الحساسيات التاريخية في عقود الغزوات والاحتلال والانتداب وما إلى ذلك، وقد يحاول البعض الآخر أن يردّ زاعماً أن المشكلة الراهنة تنطلق من الوجود الإسلامي في أوروبا بامتداداته البشرية وتأثيراته السياسية وفي بعض عناوينه الأمنية.
ولكننا نرى في تطور العلاقات الإسلامية الأوروبية والعربية الأوروبية مسألة مهمة وقابلة للتجذّر، لأسباب كثيرة، ليس أقلّها أن الإسلام يسعى للتصالح مع العالم ويحثّ على اقتحام كل الحواجز التي تمنع الحوار الديني أو السياسي أو ما إلى ذلك مع الآخر، ويؤكد على المسلمين أن يصادقوا شعوب العالم، بالإضافة إلى إيمانه بالتفاعل بين الحضارات ورفضه لمبدأ الصدامية مع الآخر ومقولة صدام الحضارات التي تروج لها دوائر سياسية غربية معروفة الهوية والانتماء والتوجه.
كما أن أوروبا التي طلّقت عهود الاستعمار واستعداء الشعوب، وعملت على أن تتقارب مع الشعوب العربية والإسلامية، تجد آذاناً صاغية، ليس على مستوى الدول، بل حتى في الأرض الشعبية العربية والإسلامية التي باتت تشعر بأن أوروبا هي الأقرب إليها على مستوى الفهم لقضاياها وشؤونها من الولايات المتحدة الأميركية، لا بل تجد في بعض مواقفها ما يمكن وصفها بأنها متقدمة حتى على بعض المواقف العربية الرسمية حيال المسألة الفلسطينية وغيرها، هذا في الوقت الذي يعرف الجميع حجم الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على دول الاتحاد الأوروبي، ومحاولاتها المستمرة لمحاصرة أي دور له في المنطقة ومنعه من أن يكون فاعلاً في القضايا الأساسية، وبخاصة المسألة الفلسطينية.
ونحن كمسلمين لا نشعر بأن ثمّة مشكلة في أن تصر الدول الأوروبية أو بعضها على شخصيتها الأوروبية في ما تعتبره من خصوصية ذاتية لها في إطار مصالحها السياسية أو الاقتصادية أو ما إلى ذلك، لا بل قد نشعر بأن هذا الإصرار يحمل في داخله رفضاً لبعض المحاولات التي تسعى الإدارة الأميركية من خلاله الى تطويع هذا الموقف الأوروبي أو ذاك، ونجد في بعض التعبيرات الأوروبية الرافضة للهيمنة الأميركية على قراراتها، كما في موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك الأخير خلال قمة اسطنبول في مواجهة الرئيس الأميركي، ما يوحي بالاستقلالية التي تُشعر الشعوب العربية والإسلامية باحترام هذه الاندفاعة السياسية وتجعلها تطمئن إلى توطيد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وبخاصة فرنسا.
ومن جهة أخرى، فإن على الدول الأوروبية أن لا تخضع للدعاية الصهيونية التي تركز على حجم الانتشار الإسلامي في أوروبا، كما في الحديث الأخير لشارون بأن المسلمين يمثلون عشر الشعب الفرنسي، أو في تحذيرات شمعون بيريز الدائمة من إمكانية طغيان الوجود الإسلامي على الحياة الأوروبية.. فالأوروبيون يعرفون أن الانتشار الإسلامي لم يترك آثاراً سلبية على أوروبا، بل إن المسلمين اندمجوا في الواقع الأوروبي سياسياً وثقافياً، حتى إن بعضهم اندمج في المؤسسات السياسية الأوروبية وأصبح جزءاً من النسيج الأوروبي العام، وإذا كان المسلمون يحافظون على تقاليدهم والتزاماتهم الدينية في أوروبا، فإن ذلك لا يمثل إساءة للاندماج العام، لأن الاندماج لا يعني عدم التنوع، ولأن الأوروبيين متنوعون حتى في التزاماتهم الدينية.
وإذا كان البعض يتحدث عن إساءة أفراد مسلمين أمنيا أو سياسيا لبعض الدول الأوروبية، فإن من الظلم بمكان أن يحمل الإسلام المسؤولية عن هذه الإساءة، خصوصا أن علماء المسلمين كانوا أول من استنكر هذه الأعمال وأدانها على أساس إسلامي شرعي، وإننا نريد لأوروبا العلمانية أن تتخفف من بعض مواقفها عندما تطرح مسألة الوجود الإسلامي في أوروبا، أو عندما يطرح مثلاً انضمام تركيا لدول الاتحاد الأوروبي، ليبدأ الحديث عن الهوية المسيحية لأوروبا بما يتناقض مع علمانيتها على مستوى التزاماتها القانونية، وبما يؤكد ما كان يقوله رئيس وزراء تركيا الراحل <<أوزال>>، ان منع تركيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي يعود لسببب واحد هو هويتها الإسلامية..
إن ذلك يوحي بشيء من العنصرية الدينية حتى عند الذين يتحدثون عن العلمانية، وهو ما قد يفسر الإصرار على عدم إعطاء المسلمين في البوسنة والهرسك استقلالاً تاماً وناجحاً في دولة مستقلة، بحيث يشعر المسلمون بأن ثمة من يرفض رفضاً قاطعاً وجود دولة إسلامية في أوروبا.
إننا في الوقت الذي نعرف أن ثمة ابتزازا إسرائيليا وصهيونيا للأوروبيين في المسألة الإسلامية وفي دفعهم للإحساس بعقدة الذنب حيال اليهود، كما في تهديدات شارون الأخيرة لفرنسا ودعوة اليهود الفرنسيين للهجرة إلى فلسطين المحتلة، وكما في تهديده لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا <<بأن فرص قيام الاتحاد الأوروبي بدور في الشرق الأوسط تبدو ضئيلة ما لم يحدث تحول كبير في موقفه>>..
نريد للدول والحكومات وحتى الشعوب الأوروبية أن تخرج من هاجس الاهتمام باليهود على حساب قضايا الشعوب الأخرى تحت عنوان معاداة السامية.. وإلا فلماذا لا يشعرون بهذا الهاجس حيال ما يمارس ضد العرب إعلامياً وسياسياً وحتى أمنياً في الكثير من البلاد الأوروبية الغربية مع أنهم ساميون؟!
إننا نرى أن ثمة مناخا سياسيا ملائما لتطوير وتعميق العلاقات الأوروبية الإسلامية والعربية بعيدا عن الضغوط الأميركية والابتزازات الإسرائيلية، ولكن المسألة تستدعي حركة سياسية وثقافية للتواصل على مستوى الحدث السياسي، ولجهة شرح المفاهيم الثقافية والفكرية والتواصل بين الشباب الأوروبي والشباب العربي والمسلم، وهذا ما يقع على عاتق الأوروبيين وعلى عاتق العرب والمسلمين، وبخاصة الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، المطالبة بحركة ميدانية فاعلة في هذا الاتجاه.
http://www.assafir.com/iso/today/signature/116.html