المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علاجٌ جينيّ يعيد الى الأعمى بصره!



Osama
05-05-2008, 07:42 AM
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2008/05/05/59011_Untitled-1.jpg


لندن - «إندبندنت»



ساعدت تجربة علاجية جينية رائدة رجلاً أعمى في استعادة بصره، مشكِّلة بذلك اكتشافاً يحمل الأمل إلى ملايين المصابين بأمراض في العين. ادعى علماء بريطانيون أنهم أول مَن ابتكر هذا العلاج الثوري حول العالم، وهو عبارة عن حقنة واحدة في الشبكية في الجزء الخلفي من العين.

يعاني ستيفن هاورث، شاب في الثامنة عشرة من عمره من مدينة بولتون، من مرض وراثي نادر يصيب العين ويؤدي إلى ضعف قوي في البصر، ما يجعله عاجزاً تماماً عن الرؤية في الظلام. لكن حالته تحسنت كثيراً بعد العلاج، حتى انه تمكّن من عبور «متاهة» كانت الإضاءة فيها شبيهة بإضاءة الشوارع أثناء الليل.

أشاد الخبراء بهذا البحث، الذي خصصت له وزارة الصحة مليون جنيه استرليني، واعتبروه تقدماً مهماً في علاج العمى، وتوقعوا أن يؤدي إلى اكتشافات جديدة في العلاج الجيني لحالات أخرى.

وعن هذا الموضوع تقول وزيرة الصحة العامة البريطانية داون بريمارولو: «إنه إنجاز عظيم حققه العلم والخدمات الصحية الوطنية البريطانية. ولا شك في أنه يؤكد أننا رائدون في عالم التجدد والابتكار».

أُدخلت الحقنة إلى الجزء الخلفي من عين هاورث الأكثر تضرراً التي باتت ضعيفة جداً، خصوصاً عندما تكون الأنوار خافتة. قبل أن يخضع هاورث للعلاج، حاول أن يتلمس طريقه عبر متاهة تضم ثلاثة ممرات وهو يغطي عينه الجيدة نسبياً. سُجلت هذه التجربة على شريط فيديو ظهر فيه هذا الشاب وهو يصطدم مراراً بالجدران ويفقد إحساسه بالاتجاهات. ولكن بعد مرور ستة أشهر على تلقيه الحقنة، خضع للامتحان نفسه. نرى من خلال شريط الفيديو أنه أحرز تقدماً مذهلاً، استطاع أن يعبر متاهة مماثلة في ضوء خافت خلال ثوانٍ من دون أي أخطاء.

كان هاورث الأول بين ثلاثة مرضى تلقوا هذا العلاج، الذي ما زال قيد الاختبار، على يد متخصصين في كلية لندن الجامعية ومستشفى مورفيلدز لأمراض العين. لم يعانِ المريضان الآخران (17 و23 سنة) من أية تأثيرات جانبية، إلا أنهما لم يشعرا بأي تحسُّن. نُشرت نتائج هذه التجربة أخيراً في المجلة الطبية New England Journal of Medicine.

وستنشر هذه المجلة قريباً أيضاً نتائج تجربة مماثلة بدأت بعد ثمانية أشهر من التجربة البريطانية ونفذتها مجموعة أميركية منافسة في جامعة بنسيلفانيا. تلقى ثلاثة مرضى، أحدهم في التاسعة عشرة من عمره والاثنان الآخران في السادسة والعشرين، حقنة مشابهة وشعروا بتحسن في البصر، حسبما أظهرت اختبارات البصر المعتمدة. حتى ان مريضاً منهم صار قادراً على عبور ممرات مليئة بالعوائق. إلا أن أحد المرضى الأميركيين أُصيب بثقب في الشبكية يُعتقد أنه ناجم عن العملية الجراحية، على الرغم من أن ذلك لم يكن له أي تأثير على بصره.

أشرف على الدراسة البريطانية روبن علي، بروفسور متخصص في علم الجينات الجزيئي في معهد طب العيون التابع لكلية لندن الجامعية. يقول: «نشعر بحماسة عارمة. بدأنا بعلاج أصعب الحالات المرضية وأكثرها تقدماً. كذلك استخدمنا جرعات منخفضة وحقناها في العين الأكثر تضرراً. ويعود السبب في ذلك إلى أننا كنا نتوخى الحذر، ولكن عندما ننتقل إلى علاج مرضى أصغر سناً ونزيد الجرعة العلاجية، نتوقع الحصول على نتائج أفضل».

سبق أن اكتشف الباحثون أن هذه التقنية فاعلة جداً عند اختبارها على الحيوانات. وأكد علي أن النتائج كانت أفضل في الحالات التي ما زالت في المراحل الأولى من المرض. لذلك ينوي الباحثون الآن اختبارها على تسعة مرضى أصغر سناً تتراوح أعمارهم بين ثمانية وستة عشر عاماً، وهم يأملون التوصل إلى نتائج أفضل.

يوضح علي: «ما زال من المبكر التحدث عن هذه المسألة، لكننا نتوقع تحقيق نجاح إضافي».

ويقول هاورث، وهو طالب وعازف غيتار، إنه شعر بمزيج من القلق والحماسة قبل الخضوع للعلاج. ويوضح أن عينه صارت خشنة الملمس «مثل ورق الزجاج» بعد العلاج، ومضى أسبوع كامل قبل أن تعود إلى طبيعتها.

وعن تأثير هذا العلاج في حياته يذكر: «أشعر الآن أن بصري أصبح أفضل، خصوصاً عندما يحل الظلام أو تكون الإضاءة خافتة. صحيح أن هذا تغيير بسيط، ولكن كان له تأثير كبير في حياتي. فقبل العملية، كنت أسرع في العودة إلى المنزل بعد الجامعة عندما يبدأ الظلام يخيِّم، بسبب خشيتي من التنقل وحيداً في العتمة. أما الآن، لم يعد هنالك من داع للعجلة. صار بإمكاني أن أتأخر قدر ما أشاء كي أنهي التمارين مع فرقة العزف وغيرها من الأمور».

يعاني هاورث والمريضان الآخران منذ الولادة من «عمى ليبر الخلقي»، وهو اضطراب وراثي تنكسي يؤدي إلى فقدان البصر تدريجياً بسبب تشوه في جينة واحدة هي PRE65. شملت هذه العملية الجراحية التي أجراها جايمس باينبريدج، طبيب عيون في مستشفى مورفيلدز لأمراض العين، حقن نسخ سليمة من الجينة المشوَّهة في الجزء الخلفي من العين تحت الشبكية.

تطلب حقن المحلول، الذي يحتوي على الجينات الطبيعية، دقة جراحية بالغة. فعلى الطبيب أن يرفع برفق الشبكية ليحدث انفصالاً موقتاً، ويمكن لأي خطأ بسيط أن يمزق الشبكية ويطفئ عين المريض بالكامل.

علاوة على ذلك، يقول البروفسور علي إن العلاج لم يوقف تفاقم المرض فحسب، بل حسّن أيضاً بصر المريض. ويستطرد: «تُعتبر هذه خطوة بالغة الأهمية. فهي تبرهن مبدأ العلاج الجيني لأمراض العين الوراثية وتمهد الطريق أمام تطوير مقاربات تعتمد على العلاج الجيني تشمل نطاقاً أوسع من أمراض العين».

ويُذكر أن هذه هي المرة الثانية التي تُثبَّت فيها فاعلية العلاج الجيني في مداواة الأمراض البشرية. وكانت المرة الأولى عندما بُرهنت فاعليته في علاج مرض وراثي نادر يُدعى «القصور الشديد المركب في الجهاز المناعي»، الذي يحرم الأطفال من جهاز مناعة سليم، حتى انهم يُضطرون إلى العيش داخل غرفة زجاجية لحمايتهم من الإصابة بالأمراض. ويمكن لهذا التقدم أن يفتح الباب أمام تطوير علاجات لأمراض أخرى، بما فيها اضطرابات الدم والجهاز المناعي، على حد تعبير علي.

ويقول لين سيمور، بروفسور متخصص في العلاجات الجينية في جامعة أكسفورد ورئيس الجمعية البريطانية للعلاج الجيني: «تبرهن الدراسات المعمقة والمتقنة، مثل هذه الدراسة، قدرة العلاج الجيني المذهلة على تصحيح أسس أي مرض. ولا شك في أن التشجيع الذي ستمنحه هذه الدراسة للمرضى والعلماء على حد سواء يجب أن يزيد الثقة في تطبيق مقاربات مماثلة في علاج مجموعة كبيرة من الأمراض الموهنة، مما يتيح التوصل إلى اكتشافات كبيرة من خلال الطب الجيني».