زوربا
04-25-2008, 07:07 AM
الوسط البحرينية
محمد حسين فضل الله
يجول المسئولون الإسرائيليون والأميركيون في العواصم العربية - جيئةً وذهاباً - كما تجول الطائرات الأميركية والإسرائيلية في سماء أكثر من عاصمة إسلامية وعربية، من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان إلى بلدان أخرى، وصولاً إلى فلسطين المحتلة.
وعلى بُعد أقل من شهر من الزمن، وهو الوقت الذي يستعد فيه الكيان الصهيوني للاحتفال بالذكرى الستين لقيامه على حساب الشعب الفلسطيني، تتوالى لقاءات مسئولي العدو بالمسئولين العرب، وتُشرَّع لهم الندوات الحوارية والمنابر الإعلامية، مع كل ما يعنيه ذلك من امتهان للشعب الفلسطيني، واستخفاف بحقوقه، والرقص على مأساته اليومية في المجازر والحصار المضروب عليه، والإمعان في تجويعه لدفعه إلى الاستسلام.
وإلى جانب ذلك، تتواصل لقاءات رئيس السلطة الفلسطينية مع رئيس وزراء العدو، من دون أن يحصل منه على شيء في مسألة تخفيف المعاناة القاسية عن الشعب الفلسطيني، وبالتالي، فهو لن يحصل على أيّ شيء فيما يخص المسألة السياسية والتفاوضية؛ لتكون هذه اللقاءات وسيلةً من وسائل تمرير الوقت الضائع الذي يساعد «إسرائيل» على استكمال استراتيجيتها، كما يساعد الإدارة الأميركية المحافظة في الحصول على تأييد اللوبي اليهودي في أميركا.
أما وزيرة خارجية العدو التي حلّت ضيفةً على منتدى الدوحة في قطر، فقد حاولت - من هناك - أن ترسم للعرب استراتيجية يتنكّرون فيها لتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم، لينخرطوا في جبهة عربية - إسرائيلية تواجه إيران، ولتسعى هذه الجبهة إلى تحقيق تفاهم سياسي وأمني يتصدى لما أسمته «التهديد الإيراني»، وقد جاء ذلك في الوقت الذي أظهرت استطلاعات للرأي جرت مؤخراً، أنّ غالبية العرب ينظرون إلى «إسرائيل» كعدوّ، ولا يعتبرون أنّ إيران تشكّل خطراً عليهم أو تهديداً لهم.
إننا نلاحظ هبوطاً مخيفاً على مستوى الموقف الرسمي العربي، بالتوازي مع تصاعد حركة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والأميركي، كما نلحظ ضغطاً أميركياً متوالياً على الأنظمة العربية لدفعها إلى الابتعاد عن إيران والاقتراب من الكيان الصهيوني؛ لتعديل التوازن الذي يعتبر الأميركيون أنه اختل لمصلحة قوى المقاومة والممانعة في المنطقة منذ هزيمة «إسرائيل» في يوليو/ تموز من العام 2006، إلى التخبّط الأميركي في العراق، وصولاً إلى معركة غزّة الأخيرة.
حذر من إيران وتدمير في العراق
إنّ مشكلة إيران لدى أميركا و«إسرائيل»، هي في كونها تنفتح على حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، إلى جانب انفتاحها على العالم العربي كلّه، في علاقات صداقة وتعاون سياسي واقتصادي، وتكامل أمني في مسألة الدفاع عن أمن الخليج، ولكن المطلوب أميركياً من إيران، هو أنْ تنخرط في الخط المعادي لقضايا الأمّة، وأنْ تنفتح على أميركا و«إسرائيل»، وأن تبقى في سياق دول العالم الثالث، فلا تفكر في تحديث اقتصادها، ولا في الانفتاح على المشاريع العلمية في إطار ملفها النووي السلمي، ولذلك يُطلب من العرب - على مستوى الكثير من الأنظمة - أنْ يلوّحوا لها بخيارات الفتنة تارةً، أو أنْ يفتحوا أبوابهم لعدوّها وعدوّ الأمّة تارةً أخرى، ضمن محاولات تهويلية للضغط عليها، وفي سياق متزامن مع الضغوط الأميركية للتفاوض معها حول الواقع العراقي.
إننا نقول لبعض العرب ممن يستعجلون اللقاء مع الصهاينة: رويداً رويداً، وإذا كنتم لا تحسبون حسابات شعوبكم، فعليكم أنْ تدرسوا الواقع جيّداً من حولكم؛ لتعرفوا أنّ «إسرائيل» التي لا يمكن أنْ تتخلى عن خطها البياني في ارتكاب المجازر ضد العرب، كما فعلت وتفعل بالفلسطينيين، وكما فعلت باللبنانيين والسوريين والمصريين... إنّ «إسرائيل» هذه، لا يمكن أن تكون صديقةً للعرب إلا على طريقة الصداقة بين الذئب والحمل، وإن «إسرائيل» النووية لا يمكن أن تكون المخلّص للعرب من تهديد مزعوم لجارٍ إسلامي لا يطمح إلا للتكامل معهم على المستوى النووي السلمي، وإن هذه «الجبهة» التي تدعوكم وزيرة الخارجية الصهيونية إلى الانخراط فيها، تقع في دائرة الخطر والتدمير الكبير للواقع العربي والإسلامي ولواقع المنطقة بأكملها.
وإننا في الوقت نفسه، نحذر من الحركة الاستكبارية التدميرية في العراق، والتي يتحرك فيها الموساد الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع الأميركيين، بالإضافةً إلى التطابق في الدور بين الطائرات الأميركية التي تقصف المدنيين الأبرياء في مدينة الصدر والبصرة وغيرهما، وبين الطائرات الإسرائيلية التي تقصف المدنيين في غزّة وغيرها، من دون أن يُنكر عليهما أحد إرهابهما وبطشهما، ثم تلقي الإدارة الأميركية باللائمة في وصول الوضع في العراق إلى هذا المستوى على إيران، في الوقت الذي يعرف الجميع، أن ما يصيب العراقيين من مآسٍ وآلام وفوضى تدميرية، تتحمّل مسئوليته القوّات الأميركية المحتلة، التي خلقت هذا الواقع، وعملت على رعايته لحساب خططها الساعية للسيطرة على منابع النفط، والإمساك بالمواقع الاستراتيجية في المنطقة.
تمديد للفراغ السياسي
أمّا في لبنان، فنلتقي ببشرى أميركية جديدة زفتها إلينا «رايس»، وتبشّر فيها باستمرار الفراغ في الرئاسة الأولى، على أساس أنه لا «يُضير الأميركيين»، على حدّ قولها، وتدعو إلى التمديد للمجلس النيابي الحالي، وكل ذلك في نطاق الديمقراطية التي تحمل الإدارة الأميركية رسالتها التبشيرية إلى منطقتنا.
إننا أمام ذلك نسأل اللبنانيين، كما نسأل العرب في مبادرتهم: هل أبقت الإدارة الأميركية لهم من شيء يختبئون خلفه؟ وهل بقي هناك مَن يشك في الدور الأميركي التعطيلي الذي يريد للأزمة أن تستمر وتُرحَّل إلى العام القادم؟!
إننا نعتقد أنّ لبنان لا يزال يتحرك في داخل المأزق الذي تشرف المخابرات المركزية الأميركية وإدارتها السياسية عليه، لإبقاء الأزمة في دائرة التعقيد، ولتحريك الجدل السياسي العقيم الذي يدير المسألة على أساس مسؤولية هذا الفريق أو ذاك، بينما يعرف الجميع أنّ المسألة في تعقيداتها السياسية ليست لبنانية، بل هي خاضعة للعبث الأميركي بالواقع العربي كله، والذي يشرف حتى على الاتهامات التي تلقيها هذه الجهة العربية على الجهة العربية الأخرى أو العكس، حيال المسألة اللبنانية.
وهكذا، يستمر لبنان في الحلقة المفرغة، والدوّامة الخانقة التي تنطلق فيها الخطابات الاستهلاكية التي تثير الحديث عن حقوق المواطن الذي أضحى فريسة للتراشق الكلامي الاستهلاكي، ولغول الجوع الذي يفتح فاه ليبتلع الفقراء والمستضعفين من دون أن يسأل عن طوائفهم ومذاهبهم وخطوطهم السياسية، ولوحش الغلاء الذي يأكل مدّخراتهم الصغيرة، ليترك دولة مهشّمة في صورة الزعامات التي لا ترى إلا نفسها، ولا تتطلّع إلى الناس إلاّ كأرقام قابلة للاستخدام في لعبة الإثارة السياسية والطائفية والمذهبية التي أكلت الكثير من البلد، ولم يبقَ منه إلا القليل.
محمد حسين فضل الله
يجول المسئولون الإسرائيليون والأميركيون في العواصم العربية - جيئةً وذهاباً - كما تجول الطائرات الأميركية والإسرائيلية في سماء أكثر من عاصمة إسلامية وعربية، من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان إلى بلدان أخرى، وصولاً إلى فلسطين المحتلة.
وعلى بُعد أقل من شهر من الزمن، وهو الوقت الذي يستعد فيه الكيان الصهيوني للاحتفال بالذكرى الستين لقيامه على حساب الشعب الفلسطيني، تتوالى لقاءات مسئولي العدو بالمسئولين العرب، وتُشرَّع لهم الندوات الحوارية والمنابر الإعلامية، مع كل ما يعنيه ذلك من امتهان للشعب الفلسطيني، واستخفاف بحقوقه، والرقص على مأساته اليومية في المجازر والحصار المضروب عليه، والإمعان في تجويعه لدفعه إلى الاستسلام.
وإلى جانب ذلك، تتواصل لقاءات رئيس السلطة الفلسطينية مع رئيس وزراء العدو، من دون أن يحصل منه على شيء في مسألة تخفيف المعاناة القاسية عن الشعب الفلسطيني، وبالتالي، فهو لن يحصل على أيّ شيء فيما يخص المسألة السياسية والتفاوضية؛ لتكون هذه اللقاءات وسيلةً من وسائل تمرير الوقت الضائع الذي يساعد «إسرائيل» على استكمال استراتيجيتها، كما يساعد الإدارة الأميركية المحافظة في الحصول على تأييد اللوبي اليهودي في أميركا.
أما وزيرة خارجية العدو التي حلّت ضيفةً على منتدى الدوحة في قطر، فقد حاولت - من هناك - أن ترسم للعرب استراتيجية يتنكّرون فيها لتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم، لينخرطوا في جبهة عربية - إسرائيلية تواجه إيران، ولتسعى هذه الجبهة إلى تحقيق تفاهم سياسي وأمني يتصدى لما أسمته «التهديد الإيراني»، وقد جاء ذلك في الوقت الذي أظهرت استطلاعات للرأي جرت مؤخراً، أنّ غالبية العرب ينظرون إلى «إسرائيل» كعدوّ، ولا يعتبرون أنّ إيران تشكّل خطراً عليهم أو تهديداً لهم.
إننا نلاحظ هبوطاً مخيفاً على مستوى الموقف الرسمي العربي، بالتوازي مع تصاعد حركة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والأميركي، كما نلحظ ضغطاً أميركياً متوالياً على الأنظمة العربية لدفعها إلى الابتعاد عن إيران والاقتراب من الكيان الصهيوني؛ لتعديل التوازن الذي يعتبر الأميركيون أنه اختل لمصلحة قوى المقاومة والممانعة في المنطقة منذ هزيمة «إسرائيل» في يوليو/ تموز من العام 2006، إلى التخبّط الأميركي في العراق، وصولاً إلى معركة غزّة الأخيرة.
حذر من إيران وتدمير في العراق
إنّ مشكلة إيران لدى أميركا و«إسرائيل»، هي في كونها تنفتح على حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، إلى جانب انفتاحها على العالم العربي كلّه، في علاقات صداقة وتعاون سياسي واقتصادي، وتكامل أمني في مسألة الدفاع عن أمن الخليج، ولكن المطلوب أميركياً من إيران، هو أنْ تنخرط في الخط المعادي لقضايا الأمّة، وأنْ تنفتح على أميركا و«إسرائيل»، وأن تبقى في سياق دول العالم الثالث، فلا تفكر في تحديث اقتصادها، ولا في الانفتاح على المشاريع العلمية في إطار ملفها النووي السلمي، ولذلك يُطلب من العرب - على مستوى الكثير من الأنظمة - أنْ يلوّحوا لها بخيارات الفتنة تارةً، أو أنْ يفتحوا أبوابهم لعدوّها وعدوّ الأمّة تارةً أخرى، ضمن محاولات تهويلية للضغط عليها، وفي سياق متزامن مع الضغوط الأميركية للتفاوض معها حول الواقع العراقي.
إننا نقول لبعض العرب ممن يستعجلون اللقاء مع الصهاينة: رويداً رويداً، وإذا كنتم لا تحسبون حسابات شعوبكم، فعليكم أنْ تدرسوا الواقع جيّداً من حولكم؛ لتعرفوا أنّ «إسرائيل» التي لا يمكن أنْ تتخلى عن خطها البياني في ارتكاب المجازر ضد العرب، كما فعلت وتفعل بالفلسطينيين، وكما فعلت باللبنانيين والسوريين والمصريين... إنّ «إسرائيل» هذه، لا يمكن أن تكون صديقةً للعرب إلا على طريقة الصداقة بين الذئب والحمل، وإن «إسرائيل» النووية لا يمكن أن تكون المخلّص للعرب من تهديد مزعوم لجارٍ إسلامي لا يطمح إلا للتكامل معهم على المستوى النووي السلمي، وإن هذه «الجبهة» التي تدعوكم وزيرة الخارجية الصهيونية إلى الانخراط فيها، تقع في دائرة الخطر والتدمير الكبير للواقع العربي والإسلامي ولواقع المنطقة بأكملها.
وإننا في الوقت نفسه، نحذر من الحركة الاستكبارية التدميرية في العراق، والتي يتحرك فيها الموساد الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع الأميركيين، بالإضافةً إلى التطابق في الدور بين الطائرات الأميركية التي تقصف المدنيين الأبرياء في مدينة الصدر والبصرة وغيرهما، وبين الطائرات الإسرائيلية التي تقصف المدنيين في غزّة وغيرها، من دون أن يُنكر عليهما أحد إرهابهما وبطشهما، ثم تلقي الإدارة الأميركية باللائمة في وصول الوضع في العراق إلى هذا المستوى على إيران، في الوقت الذي يعرف الجميع، أن ما يصيب العراقيين من مآسٍ وآلام وفوضى تدميرية، تتحمّل مسئوليته القوّات الأميركية المحتلة، التي خلقت هذا الواقع، وعملت على رعايته لحساب خططها الساعية للسيطرة على منابع النفط، والإمساك بالمواقع الاستراتيجية في المنطقة.
تمديد للفراغ السياسي
أمّا في لبنان، فنلتقي ببشرى أميركية جديدة زفتها إلينا «رايس»، وتبشّر فيها باستمرار الفراغ في الرئاسة الأولى، على أساس أنه لا «يُضير الأميركيين»، على حدّ قولها، وتدعو إلى التمديد للمجلس النيابي الحالي، وكل ذلك في نطاق الديمقراطية التي تحمل الإدارة الأميركية رسالتها التبشيرية إلى منطقتنا.
إننا أمام ذلك نسأل اللبنانيين، كما نسأل العرب في مبادرتهم: هل أبقت الإدارة الأميركية لهم من شيء يختبئون خلفه؟ وهل بقي هناك مَن يشك في الدور الأميركي التعطيلي الذي يريد للأزمة أن تستمر وتُرحَّل إلى العام القادم؟!
إننا نعتقد أنّ لبنان لا يزال يتحرك في داخل المأزق الذي تشرف المخابرات المركزية الأميركية وإدارتها السياسية عليه، لإبقاء الأزمة في دائرة التعقيد، ولتحريك الجدل السياسي العقيم الذي يدير المسألة على أساس مسؤولية هذا الفريق أو ذاك، بينما يعرف الجميع أنّ المسألة في تعقيداتها السياسية ليست لبنانية، بل هي خاضعة للعبث الأميركي بالواقع العربي كله، والذي يشرف حتى على الاتهامات التي تلقيها هذه الجهة العربية على الجهة العربية الأخرى أو العكس، حيال المسألة اللبنانية.
وهكذا، يستمر لبنان في الحلقة المفرغة، والدوّامة الخانقة التي تنطلق فيها الخطابات الاستهلاكية التي تثير الحديث عن حقوق المواطن الذي أضحى فريسة للتراشق الكلامي الاستهلاكي، ولغول الجوع الذي يفتح فاه ليبتلع الفقراء والمستضعفين من دون أن يسأل عن طوائفهم ومذاهبهم وخطوطهم السياسية، ولوحش الغلاء الذي يأكل مدّخراتهم الصغيرة، ليترك دولة مهشّمة في صورة الزعامات التي لا ترى إلا نفسها، ولا تتطلّع إلى الناس إلاّ كأرقام قابلة للاستخدام في لعبة الإثارة السياسية والطائفية والمذهبية التي أكلت الكثير من البلد، ولم يبقَ منه إلا القليل.