yasmeen
04-22-2008, 07:08 AM
كتب:الشيخ حسن الصفار
في عصور التخلف التي عاشتها الأمة اختفت عناوين كثيرة لمبادئ وتشريعات اسلامية أساسية. تحت ضغط واقع التخلف المناقض لتلك المبادئ والتشريعات. وحين أفاقت الأمة على واقعها الفاسد، وتحركت تطلعات التغيير والاصلاح في نفوس أبنائها، وانفتحت الأمة من جديد على مفاهيم دينها في ظل الصحوة الاسلامية الواسعة، عادت لساحة الأمة تلك العناوين الغائبة والمغيبة، كعنوان حقوق الانسان، وحقوق المرأة، والديموقراطية، والتعددية، والحرية، والشفافية، وسيادة القانون... وهي عناوين اسلامية أصيلة قد أُغفلت، وأصبح البعض ينظر اليها بريبة وكأنها أفكار دخيلة ومفاهيم مستوردة..
ومن تلك العناوين الغائبة المغيبة عنوان الوحدة والتقارب والانفتاح بين طوائف الأمة ومدارسهم المذهبية والفكرية.
ان أي مسلم لديه شيء من المعرفة بمبادئ الاسلام لا يستطيع انكار مبدأ الدعوة الى وحدة الأمة، فهو مبدأ أساس نصّت عليه آيات محكمة من كتاب الله، وأحاديث صحيحة من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما يؤيده العقل والوجدان، وتؤكد عليه تجارب الأمم القوية الناجحة.
فقضية وحدة الأمة ليست من القضايا النظرية التي تقبل الأخذ والردّ، وتحتاج الى البرهنة والاستدلال، بل هي من ضروريات الدين المسلّم بها عند فقهاء المسلمين. لكن عصور الاستبداد والتخلف، التي عاشت الأمة في ظلها انقساماً مذهبياً حاداً، على الصعيد الثقافي والنفسي والاجتماعي، صيّر الفرقة والقطيعة والانطواء واقعاً مقبولاً، وكأنه الحال الطبيعي الذي يجب أن يستمر في حياة الأمة.
بينما أصبحت عناوين الوحدة والتقارب والانفتاح، وكأنها شعارات وهمية براقة، ينخدع بها الحالمون، وضعاف العقيدة في مذاهبهم، واللاهثون خلف المصالح السياسية.
ان دعاة الوحدة والانفتاح والتقارب بين أتباع المذاهب، تلاحقهم علامات الاستفهام، وتثار أمام حركتهم الاشكالات، وكأنهم يدعون الى منكر، أو يرفعون شعارات تشكل خطراً على مصلحة المذهب وصدق الاعتقاد.
وتتبنى هذا الموقف المناوئ لدعوة الوحدة والتقارب أوساط دينية من السنة والشيعة، تظهر الحماس لحماية المذهب وحراسة العقيدة.
وبدل أن يتجه السؤال نحو العلماء المتقاعسين عن وظيفتهم الشرعية في الدعوة الى الوحدة، والسعي الى التقارب، وبدل أن يُدان ويحاكم المحرضون على الفرقة والنزاع باسم الدين والمذهب، أصبح الدعاة الى الوحدة والتقارب في موقع السؤال والاتهام!!
ويبدو أن هذه الأوساط المذهبية المتحفظة على دعوات الوحدة والتقارب، تريد باثارة الشكوك والاتهامات تجاه دعاة الوحدة، التبرير لتقاعسها وتخليها عن مبدأ هو من أهم مبادئ الاسلام، أو أن لها مصالح في هذا الواقع الفاسد، أو أنها لا تجيد غير لغة التعبئة الطائفية واثارة العواطف ودغدغة المشاعر المذهبية.
انهم يثيرون بعض الاشكالات والشبهات تجاه الوحدة والتقارب، لمنع جماهير الأمة من التفاعل معها، ولتشويه صورة دعاة التغيير والاصلاح.
ان الأمة الآن على مفترق طرق فيما يرتبط بعلاقات طوائفها المذهبية، وخاصة بعد الأحداث المرعبة في العراق، فاما الاستمرار في خط المفاصلة والتخندق المذهبي، واما تدشين عصر جديد من الانفتاح والتقارب.
ولأن الرهان على وعي أبناء الأمة، فلا بد من تسليط الأضواء على ما يثار حول الموضوع من تساؤلات واشكالات، ليكون جمهور الأمة على بيّنة من أمره، وليكون اختيار المسار عن بصيرة ووعي.
وللالتفاف على مطلب الوحدة يطرح بعض المتشددين شرطاً تعجيزياً لتحقيق الوحدة، وهو الغاء الطرف الآخر، حيث يقول بعض علماء السنة: ان الوحدة لا تتحقق الا اذا اجتمع المسلمون على مذهب أهل السنة والجماعة.
ويقابلهم علماء من الشيعة يقولون: ان الوحدة لا تتحقق الا اذا اجتمع المسلمون على امامة وولاية أهل البيت (عليهم السلام).
ومؤدى كل من الطرحين الغاء الآخر، بأن يصبح الجميع سنّة وينتهي وجود مذهب الشيعة، ضمن الطرح الأول، أو يصبح الجميع شيعة وينتهي وجود مذهب السنة حسب الطرح الثاني.
انه شرط تعجيزي، اذ كيف يمكن الغاء أي من الطرفين؟ هل بالابادة الجماعية؟ أو باجبارهم على اعتناق المذهب الآخر؟ أم بالسعي لاقناعهم بالتنازل عن مذهبهم؟ وماذا اذا لم يقتنعوا أو لم يقتنع بعضهم؟
تاريخ النشر: الثلاثاء 22/4/2008
في عصور التخلف التي عاشتها الأمة اختفت عناوين كثيرة لمبادئ وتشريعات اسلامية أساسية. تحت ضغط واقع التخلف المناقض لتلك المبادئ والتشريعات. وحين أفاقت الأمة على واقعها الفاسد، وتحركت تطلعات التغيير والاصلاح في نفوس أبنائها، وانفتحت الأمة من جديد على مفاهيم دينها في ظل الصحوة الاسلامية الواسعة، عادت لساحة الأمة تلك العناوين الغائبة والمغيبة، كعنوان حقوق الانسان، وحقوق المرأة، والديموقراطية، والتعددية، والحرية، والشفافية، وسيادة القانون... وهي عناوين اسلامية أصيلة قد أُغفلت، وأصبح البعض ينظر اليها بريبة وكأنها أفكار دخيلة ومفاهيم مستوردة..
ومن تلك العناوين الغائبة المغيبة عنوان الوحدة والتقارب والانفتاح بين طوائف الأمة ومدارسهم المذهبية والفكرية.
ان أي مسلم لديه شيء من المعرفة بمبادئ الاسلام لا يستطيع انكار مبدأ الدعوة الى وحدة الأمة، فهو مبدأ أساس نصّت عليه آيات محكمة من كتاب الله، وأحاديث صحيحة من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما يؤيده العقل والوجدان، وتؤكد عليه تجارب الأمم القوية الناجحة.
فقضية وحدة الأمة ليست من القضايا النظرية التي تقبل الأخذ والردّ، وتحتاج الى البرهنة والاستدلال، بل هي من ضروريات الدين المسلّم بها عند فقهاء المسلمين. لكن عصور الاستبداد والتخلف، التي عاشت الأمة في ظلها انقساماً مذهبياً حاداً، على الصعيد الثقافي والنفسي والاجتماعي، صيّر الفرقة والقطيعة والانطواء واقعاً مقبولاً، وكأنه الحال الطبيعي الذي يجب أن يستمر في حياة الأمة.
بينما أصبحت عناوين الوحدة والتقارب والانفتاح، وكأنها شعارات وهمية براقة، ينخدع بها الحالمون، وضعاف العقيدة في مذاهبهم، واللاهثون خلف المصالح السياسية.
ان دعاة الوحدة والانفتاح والتقارب بين أتباع المذاهب، تلاحقهم علامات الاستفهام، وتثار أمام حركتهم الاشكالات، وكأنهم يدعون الى منكر، أو يرفعون شعارات تشكل خطراً على مصلحة المذهب وصدق الاعتقاد.
وتتبنى هذا الموقف المناوئ لدعوة الوحدة والتقارب أوساط دينية من السنة والشيعة، تظهر الحماس لحماية المذهب وحراسة العقيدة.
وبدل أن يتجه السؤال نحو العلماء المتقاعسين عن وظيفتهم الشرعية في الدعوة الى الوحدة، والسعي الى التقارب، وبدل أن يُدان ويحاكم المحرضون على الفرقة والنزاع باسم الدين والمذهب، أصبح الدعاة الى الوحدة والتقارب في موقع السؤال والاتهام!!
ويبدو أن هذه الأوساط المذهبية المتحفظة على دعوات الوحدة والتقارب، تريد باثارة الشكوك والاتهامات تجاه دعاة الوحدة، التبرير لتقاعسها وتخليها عن مبدأ هو من أهم مبادئ الاسلام، أو أن لها مصالح في هذا الواقع الفاسد، أو أنها لا تجيد غير لغة التعبئة الطائفية واثارة العواطف ودغدغة المشاعر المذهبية.
انهم يثيرون بعض الاشكالات والشبهات تجاه الوحدة والتقارب، لمنع جماهير الأمة من التفاعل معها، ولتشويه صورة دعاة التغيير والاصلاح.
ان الأمة الآن على مفترق طرق فيما يرتبط بعلاقات طوائفها المذهبية، وخاصة بعد الأحداث المرعبة في العراق، فاما الاستمرار في خط المفاصلة والتخندق المذهبي، واما تدشين عصر جديد من الانفتاح والتقارب.
ولأن الرهان على وعي أبناء الأمة، فلا بد من تسليط الأضواء على ما يثار حول الموضوع من تساؤلات واشكالات، ليكون جمهور الأمة على بيّنة من أمره، وليكون اختيار المسار عن بصيرة ووعي.
وللالتفاف على مطلب الوحدة يطرح بعض المتشددين شرطاً تعجيزياً لتحقيق الوحدة، وهو الغاء الطرف الآخر، حيث يقول بعض علماء السنة: ان الوحدة لا تتحقق الا اذا اجتمع المسلمون على مذهب أهل السنة والجماعة.
ويقابلهم علماء من الشيعة يقولون: ان الوحدة لا تتحقق الا اذا اجتمع المسلمون على امامة وولاية أهل البيت (عليهم السلام).
ومؤدى كل من الطرحين الغاء الآخر، بأن يصبح الجميع سنّة وينتهي وجود مذهب الشيعة، ضمن الطرح الأول، أو يصبح الجميع شيعة وينتهي وجود مذهب السنة حسب الطرح الثاني.
انه شرط تعجيزي، اذ كيف يمكن الغاء أي من الطرفين؟ هل بالابادة الجماعية؟ أو باجبارهم على اعتناق المذهب الآخر؟ أم بالسعي لاقناعهم بالتنازل عن مذهبهم؟ وماذا اذا لم يقتنعوا أو لم يقتنع بعضهم؟
تاريخ النشر: الثلاثاء 22/4/2008