سلسبيل
04-10-2008, 07:28 AM
مخاوف من صراع شيعي على السلطة في بلاد الرافدين
محمد بازي - كريستيان ساينس مونيتور
خلال الأسبوع الماضي وفيما كانت القوات العراقية تقاتل المليشيات الشيعية بمدينة البصرة الجنوبية، نأى المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني بنفسه عن مسرح الأحداث، مفضلاً الصمت على التحرك. والحقيقة أن هذا التطور يضاف إلى الأخبار السيئة الأخرى سواء بالنسبة للعراق، أو الولايات المتحدة.
فغياب السيستاني عن الساحة في هذه الأوقات الحاسمة من الصراع الداخلي الشيعي في الجنوب يؤشر على مدى ابتعاده عن الحياة العامة، وما قد يؤدي إليه ذلك من فراغ في سلطة القيادة الدينية وفتح للمجال أمام الصراع الشيعي لاجتياح بلاد الرافدين. وبسبب هذا الغياب لم يعد بمقدور الولايات المتحدة ولا الحكومة العراقية الاعتماد على السيستاني كقوة مساعدة على فرض الاستقرار في المناطق الشيعية بجنوب العراق. لكن الأمر لم يكن دائماً على هذا النحو، لا سيما بالقياس إلى أداء السيستاني في أغسطس 2004 عندما توسط في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الحكومة العراقية والمليشيات المتمردة التابعة لرجل الدين مقتدى الصدر.
فقد ساهمت تلك الصفقة، التي لعب فيها السيستاني دوراً أساسياً، في تجنيب مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة هجوماً أميركياً كان سيلحق بها دماراً كبيراً، وهو ما مهد الطريق أمام مقتدى الصدر للمشاركة في العملية السياسية بعد عام على ذلك.
وكان تدخل السيستاني وقتها إنجازاً حقيقياً نجح من خلاله في الوصول إلى اتفاق مع مقتدى الصدر بعد يومين فقط على رجوعه من مستشفى في لندن. وبالنسبة لرجل دين يحرص على تجنب الأضواء والسياسة، فرض السيستاني بتدخله مكانته كأحد أهم الضامنين للاستقرار في العراق. واليوم يقف السيستاني على الهامش، وكلما التزم الصمت وابتعد عن الحياة العامة تراجع نفوذه وقلت قدرته على الحركة والتأثير في مجريات الأحداث.
وكما أشارت إلى ذلك بعض التقارير العراقية ربما يكون السبب راجعاً إلى صحة السيستاني التي لم تعد تسعفه، حيث يقول بعض المساعدين إنه سلم العديد من المهام إلى ابنه ''محمد رضا''، أحد رجال الدين الشباب.
والواقع أنه في ظل هذه المتغيرات يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها العراقيين البدء في التخطيط لمرحلة ما بعد السيستاني، والبحث عن طرق لتفادي صراع أكبر على السلطة بين الفصائل الشيعية المختلفة.
ولا ننسى في هذا السياق أنه لا يوجد من يخلف السيستاني في هذه اللحظة، إذ رغم وجود ثلاثة رجال دين في النجف يمكن التعامل معهم كمرجعيات بالنظر إلى رتبهم الدينية المتقدمة، فإنه لا أحد منهم يتمتع بشعبية كبيرة، كما لم يظهروا المهارة السياسية التي أبان عنها السيستاني منذ الاجتياح الأميركي للعراق في العام .2003 ولعل النتيجة الأبرز لتراجع نفوذ السيستاني في العراق وغياب خليفة حقيقي يتولى المهام بعده هي تعزيز مكانة مقتدى الصدر في النجف، لا سيما وأنه يسعى في هذه الأثناء إلى تلميع مؤهلاته الدينية واكتساب موقع متقدم في التراتبية الدينية لدى الشيعة.
فقد أعلن مساعدو الصدر في شهر ديسمبر الماضي أن زعيمهم يستكمل دراسته ليصبح آية الله، وبأنه سيصل إلى تلك المرتبة بعد عامين. والحقيقة أن هذا المسار يعد سريعاً للغاية بالنظر إلى نظام الدراسة الصارم جداً المتبع في المذهب الشيعي، بحيث ما أن يحوز لقب آية الله حتى يصبح بمقدوره إصدار فتاوى خاصة به دون الحاجة إلى رجال الدين الأكبر منه.
لكن حتى قبل الوصول إلى هذه المرتبة سبق لمقتدى الصدر أن أبدى ازدراءه لرجال الدين الأعلى منه مرتبة، منتقداً خضوعهم للأميركيين وعدم معارضتهم للاحتلال. ولأن السيستاني وباقي علماء الشيعة تجنبوا التدخل المباشر في السياسة، فقد أدى ذلك إلى خلق فراغ كبير في السلطة لدى شيعة العراق، وهو ما شجع مقتدى الصدر وأتباعه على المبادرة إلى ملء الفراغ بعد الغزو الأميركي للعراق.
وقد ظهر ذلك بوضوح خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر ،2005 حيث استغل مقتدى الصدر شعبيته المتنامية في أوساط الفقراء الشيعة وحولها إلى نفوذ سياسي ضارب ما سمح له بانتزاع 30 مقعدا برلمانيا من أصل 275 مقعدا، وليحصل بذلك على أكبر حصة في البرلمان يفوز بها فصيل واحد. وفي الوقت نفسه، كانت مليشيات الصدر المعروفة باسم جيش المهدي تُسير ''فرق الموت'' التي تقتل السُنة وتطردهم خارج الأحياء الشيعية في بغداد. والحال أنه من غير المألوف في العالم الشيعي أن يحصل رجل دين شاب بمؤهلات علمية متواضعة على هذا الحجم من الشعبية، إذ مازالت تفصل الصدر سنوات عديدة عن مرتبة ''آية الله'' التي يتطلب الوصول إليها عقوداً من الدراسة والتحصيل.
لكنه يبقى مع ذلك الابن الوحيد على قيد الحياة لآية الله محمد صادق الصدر الذي قتله النظام العراقي السابق في العام ،1999 حيث كان أحد كبار العلماء الشيعة والذي، خلافاً للسيستاني، كان يدافع عن دور أكبر لرجال الدين في الحياة السياسية.
ففيما كان السيستاني محط انتقاد دائم لعدم تنديده بالجرائم التي يرتكبها صدام حسين ضد الشيعة، كان محمد صادق الصدر يتحدى النظام عبر مجموعة من الخطب التي أدت في النهاية إلى اغتياله. ورغم المرتبة الدينية المتدنية لمقتدى الصدر مقارنة مع أبيه الأوسع علماً، فإن العديد من أتباعه يعتبرونه الوريث الشرعي لأبيه، وهم لذلك مستعدون لاتخاذه مرجعية بدلا من العلماء الأكبر سناً.
محمد بازي - كريستيان ساينس مونيتور
خلال الأسبوع الماضي وفيما كانت القوات العراقية تقاتل المليشيات الشيعية بمدينة البصرة الجنوبية، نأى المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني بنفسه عن مسرح الأحداث، مفضلاً الصمت على التحرك. والحقيقة أن هذا التطور يضاف إلى الأخبار السيئة الأخرى سواء بالنسبة للعراق، أو الولايات المتحدة.
فغياب السيستاني عن الساحة في هذه الأوقات الحاسمة من الصراع الداخلي الشيعي في الجنوب يؤشر على مدى ابتعاده عن الحياة العامة، وما قد يؤدي إليه ذلك من فراغ في سلطة القيادة الدينية وفتح للمجال أمام الصراع الشيعي لاجتياح بلاد الرافدين. وبسبب هذا الغياب لم يعد بمقدور الولايات المتحدة ولا الحكومة العراقية الاعتماد على السيستاني كقوة مساعدة على فرض الاستقرار في المناطق الشيعية بجنوب العراق. لكن الأمر لم يكن دائماً على هذا النحو، لا سيما بالقياس إلى أداء السيستاني في أغسطس 2004 عندما توسط في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الحكومة العراقية والمليشيات المتمردة التابعة لرجل الدين مقتدى الصدر.
فقد ساهمت تلك الصفقة، التي لعب فيها السيستاني دوراً أساسياً، في تجنيب مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة هجوماً أميركياً كان سيلحق بها دماراً كبيراً، وهو ما مهد الطريق أمام مقتدى الصدر للمشاركة في العملية السياسية بعد عام على ذلك.
وكان تدخل السيستاني وقتها إنجازاً حقيقياً نجح من خلاله في الوصول إلى اتفاق مع مقتدى الصدر بعد يومين فقط على رجوعه من مستشفى في لندن. وبالنسبة لرجل دين يحرص على تجنب الأضواء والسياسة، فرض السيستاني بتدخله مكانته كأحد أهم الضامنين للاستقرار في العراق. واليوم يقف السيستاني على الهامش، وكلما التزم الصمت وابتعد عن الحياة العامة تراجع نفوذه وقلت قدرته على الحركة والتأثير في مجريات الأحداث.
وكما أشارت إلى ذلك بعض التقارير العراقية ربما يكون السبب راجعاً إلى صحة السيستاني التي لم تعد تسعفه، حيث يقول بعض المساعدين إنه سلم العديد من المهام إلى ابنه ''محمد رضا''، أحد رجال الدين الشباب.
والواقع أنه في ظل هذه المتغيرات يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها العراقيين البدء في التخطيط لمرحلة ما بعد السيستاني، والبحث عن طرق لتفادي صراع أكبر على السلطة بين الفصائل الشيعية المختلفة.
ولا ننسى في هذا السياق أنه لا يوجد من يخلف السيستاني في هذه اللحظة، إذ رغم وجود ثلاثة رجال دين في النجف يمكن التعامل معهم كمرجعيات بالنظر إلى رتبهم الدينية المتقدمة، فإنه لا أحد منهم يتمتع بشعبية كبيرة، كما لم يظهروا المهارة السياسية التي أبان عنها السيستاني منذ الاجتياح الأميركي للعراق في العام .2003 ولعل النتيجة الأبرز لتراجع نفوذ السيستاني في العراق وغياب خليفة حقيقي يتولى المهام بعده هي تعزيز مكانة مقتدى الصدر في النجف، لا سيما وأنه يسعى في هذه الأثناء إلى تلميع مؤهلاته الدينية واكتساب موقع متقدم في التراتبية الدينية لدى الشيعة.
فقد أعلن مساعدو الصدر في شهر ديسمبر الماضي أن زعيمهم يستكمل دراسته ليصبح آية الله، وبأنه سيصل إلى تلك المرتبة بعد عامين. والحقيقة أن هذا المسار يعد سريعاً للغاية بالنظر إلى نظام الدراسة الصارم جداً المتبع في المذهب الشيعي، بحيث ما أن يحوز لقب آية الله حتى يصبح بمقدوره إصدار فتاوى خاصة به دون الحاجة إلى رجال الدين الأكبر منه.
لكن حتى قبل الوصول إلى هذه المرتبة سبق لمقتدى الصدر أن أبدى ازدراءه لرجال الدين الأعلى منه مرتبة، منتقداً خضوعهم للأميركيين وعدم معارضتهم للاحتلال. ولأن السيستاني وباقي علماء الشيعة تجنبوا التدخل المباشر في السياسة، فقد أدى ذلك إلى خلق فراغ كبير في السلطة لدى شيعة العراق، وهو ما شجع مقتدى الصدر وأتباعه على المبادرة إلى ملء الفراغ بعد الغزو الأميركي للعراق.
وقد ظهر ذلك بوضوح خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر ،2005 حيث استغل مقتدى الصدر شعبيته المتنامية في أوساط الفقراء الشيعة وحولها إلى نفوذ سياسي ضارب ما سمح له بانتزاع 30 مقعدا برلمانيا من أصل 275 مقعدا، وليحصل بذلك على أكبر حصة في البرلمان يفوز بها فصيل واحد. وفي الوقت نفسه، كانت مليشيات الصدر المعروفة باسم جيش المهدي تُسير ''فرق الموت'' التي تقتل السُنة وتطردهم خارج الأحياء الشيعية في بغداد. والحال أنه من غير المألوف في العالم الشيعي أن يحصل رجل دين شاب بمؤهلات علمية متواضعة على هذا الحجم من الشعبية، إذ مازالت تفصل الصدر سنوات عديدة عن مرتبة ''آية الله'' التي يتطلب الوصول إليها عقوداً من الدراسة والتحصيل.
لكنه يبقى مع ذلك الابن الوحيد على قيد الحياة لآية الله محمد صادق الصدر الذي قتله النظام العراقي السابق في العام ،1999 حيث كان أحد كبار العلماء الشيعة والذي، خلافاً للسيستاني، كان يدافع عن دور أكبر لرجال الدين في الحياة السياسية.
ففيما كان السيستاني محط انتقاد دائم لعدم تنديده بالجرائم التي يرتكبها صدام حسين ضد الشيعة، كان محمد صادق الصدر يتحدى النظام عبر مجموعة من الخطب التي أدت في النهاية إلى اغتياله. ورغم المرتبة الدينية المتدنية لمقتدى الصدر مقارنة مع أبيه الأوسع علماً، فإن العديد من أتباعه يعتبرونه الوريث الشرعي لأبيه، وهم لذلك مستعدون لاتخاذه مرجعية بدلا من العلماء الأكبر سناً.