جمال
03-29-2008, 03:42 PM
قناة المنار - زينب الطحان
29/03/2008 إلى الأمس القريب لم يكن اسم جزر القمر أو جزيرة أنجوان يعني الكثير للجمهور العربي، إلى أن قفزت هذه الدولة إلى واجهة الأحداث إثر تمّرد رئيس أنجوان ومحاولته الانفصال، ما أثار علامات استفهام عن آلية الحكم وأهمية هذا الاتحاد المؤلّف من ثلاث جزر.
ويكاد النزاع على الصلاحيات بين الجزر والحكومة الاتحادية في «بلد التوابل وخلاصات العطور»، أن يضع النظام الفدرالي القائم على المحك. وسعياً لإرساء الاستقرار في الأرخبيل الذي يبلغ عدد سكانه 710 آلاف نسمة، تعتمد جمهورية القمر المتحدة، نظاماً سياسياً يسمح بوجود 4 رؤساء. وتملك كل من الجزر الثلاث دستورها ومؤسساتها الخاصة، من رئاسة وبرلمان ومحكمة دستورية. ومنذ حصولها على الاستقلال عام 1975، شهدت جزر القمر التي تصل نسبة المسلمين بين سكانها إلى 99.7 في المئة، نحو عشرين انقلاباً عسكرياً.
ويبدو أن الأزمة السياسية في جزر القمر، التي تعدّ من الدول الأكثر فقراً في العالم، هي في حقيقة أمرها صراع من أجل السيطرة السياسية بين جماعات النخبة التي تجد مصالحها في إبقاء يد الحكومة الاتحادية أعلى من سواها في أمور السلطة والثروة، وبين الذين يسعون إلى تأسيس نمط من الفدرالية الهشة لصالح تقوية مراكز الأقاليم.
ويسعى الرئيس أحمد عبد الله السامبي إلى إعادة النظر في الإطار الفدرالي للبلاد، حيث يرى أن دولة صغيرة مثل جزر القمر لا يمكن أن تدار بأربعة رؤوس، وأربعة مجالس برلمانية وأربعة جيوش مستقلة، إذ يرى أن مثل هذا الإطار ذو كلفة عالية لا تقدر عليه جزر القمر.
ويجد سامبي دعماً لمشروعه الإصلاحي الرامي ترسيخ أواصر التكامل الاتحادي بين الجزر الثلاث، القمر الكبرى وموهيلي وأنجوان، التي كان رئيسها العقيد محمد بكر يقف حجر عثرة أمام تنفيذه.
وكانت جزيرة أنجوان، التي تحجز 424 كيلومتراً مربعاً من مساحة اتحاد جزر القمر التي لا تتجاوز 2.236 كيلومتراً مربعاً، أعلنت انفصالها عام 1997 قبل أن تعود إلى أحضان الأرخبيل رسمياً عام 2001، بعد تأسيس النظام الفدرالي. إلا أن ذلك لم يمنع ولادة نزاعات أخرى تتعلق بتوزيع الصلاحيات بين السلطات الفدرالية والجزر، رغم تبني قانون جديد بشأن تقاسم الصلاحيات في آذار 2005 بعد نزاع استمر ثلاث سنوات.
غير أن بدايات بوادر الأزمة السياسية في جزيرة أنجوان ظهرت على خلفية رفض العقيد محمد بكر، الذي تولى الرئاسة في الجزيرة عام 2002، التنحي عن السلطة تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية التي رأت أنه استنفد فترة ولايته القانونية في نيسان عام 2007. وطالبت موروني بكر بالاستقالة ليترك المكان خلال بضعة أسابيع لرئيس انتقالي، لكنه رفض ذلك ومنع سامبي من المجيء إلى أنجوان، حيث أُطلق نار في مطار الجزيرة قبل وصول طائرة الرئيس التي لم تستطع الهبوط، ما أجج الضغائن بينهما.
وسمّى الرئيس الاتحادي الكعبي حميدي رئيساً مؤقتاً لأنجوان إلى أن يُنتخب رئيس جديد، بيد أن العقيد محمد بكر تحدّى الحكومة الفدرالية وأجرى الانتخابات في حزيران 2007، ونصّب نفسه رئيساً على الجزيرة.
انتخابات سارع الاتحاد الأفريقي والحكومة الفدرالية لجزر القمر إلى رفض نتائجها واعتبارها باطلة، كما فرض عقوبات على قادة التمرد في أنجوان. ورغم تجديد هذه العقوبات أكثر من مرة، إلا أنها لم تؤتِ ثمارها، وهو ما أدى إلى تبني خيار التدخل العسكري في الجزيرة وإطاحة العقيد بكر، الذي فرّ من قصره قبل اقتحامه من الجيش القمري والقوات الأفريقية، رغم تأكيده في وقت سابق «الاستعداد للموت» من أجل جزيرته، وأن «الفرار ليس خياراً»، وأنه سيستقبل في مكتبه أولئك الذين يهاجمونه بتقديم الشاي لهم.
وكما تتسم الأزمة في جزر القمر بنزعات انفصالية لسلطات جزيرة أنجوان، تتميز بالانجذاب إلى نمط عيش أوروبي وحلم بالثراء يتمثل بجزيرة مايوت التابعة لإدارة فرنسا، التي تطالب بها الدولة الاتحادية. وكانت مايوت قررت البقاء فرنسية، فيما نال بقية الأرخبيل استقلاله في عام 1975.
ورأى العالم الأنتربولوجي دمير بن علي «أن الحركة الانفصالية التي انطلقت في أنجوان في 1995 استمرت زمناً طويلاً بسبب مايوت ومستوى المعيشة فيها الذي غذّى حلم الثراء السهل المنال». وأشار إلى «أن أمة جزر القمر موجودة فعلاً، لكن ليس فكرة الدولة، فالمعيار الأساسي لمجتمع جزر القمر هو نفسه في الجزر الأربع، لكن امتلاك بنى الدولة الحديثة لم يتوافر».
ويتضح مما سبق، أن أزمة جزر القمر ذات طبيعة معقدة ومركبة، تعكس واقع الدول الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال. فقد أخفقت النخب السياسية المتعاقبة منذ عام 1975 في تحقيق مشروع بناء الدولة الوطنية، وعوضاً عن ذلك دخلت في صراعات وانقسامات سياسية حادة أدخلت الجزر في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، وهو ما تجسده ظاهرة الانقلابات العسكرية والاغتيالات التي ميّزت الحياة السياسية القمرية.
ورغم أن جزر القمر كانت آخر المنضمين لجامعة الدول العربية، يلاحظ غياب الدور العربي عن أزمتها، إذ فضلت الجامعة العربية ترك هذا الملف للاتحاد الأفريقي، مكتفيةً بالدعوة إلى تمويل «صندوق دعم جزر القمر».
ويبقى أن أزمة أنجوان لن تنتهي بدحر العقيد بكر لأنها أعمق بكثير، وبالتالي لا بد من حل جذري ليس على شاكلة الاحتواء العسكري، بل على أساس سياسي يعيد ترتيب الأمور في الجزر، بحيث يضمن مشاركة الجميع في تقاسم الثروة والحكم.
تأثيرات فرنسيّة
لا يمكن تجاهل الدور الفرنسي الفاعل في جزر القمر، الذي تحركه المصالح الاستراتيجية، ليس فقط في الجزر، بل في منطقة المحيط الهندي. وعلى الرغم من الإنكار الفرنسي الرسمي للتورط في الأزمات القمرية، فإن الشواهد تؤكد أن ثمة يداً فرنسية خفية تحرك الأمور في الجزر، ولا سيما أن باريس تمتلك قاعدة عسكرية في جزيرة مايوت. وخلال أزمة الانفصال عام 1997، أيدت فرنسا، بشكل غير مباشر، الانفصاليين في أنجوان من خلال السماح لهم باستخدام مايوت لغرض توفير الدعم اللوجيستي. كما أن استمرار الأوضاع القلقة في جزر القمر من شأنه أن يخفف الضغط على فرنسا ويحول دون المطالبة بضم مايوت.
ويأتي ولوج الولايات المتحدة المنطقة بعد أحداث 11 أيلول والحرب على الإرهاب، ليضيف متغيراً دولياً جديداً، ولا سيما أن السياسة الأميركية تخشى من تأثير التنظيمات الإسلامية الراديكالية على سكان هذه المنطقة، وعليه، أضحت الأهمية الاستراتيجية لجزر القمر ومنطقة المحيط الهندي وعلاقتها بالشرق الأوسط في قائمة أولويات السياسة
الأميركية.
وكالات
29/03/2008 إلى الأمس القريب لم يكن اسم جزر القمر أو جزيرة أنجوان يعني الكثير للجمهور العربي، إلى أن قفزت هذه الدولة إلى واجهة الأحداث إثر تمّرد رئيس أنجوان ومحاولته الانفصال، ما أثار علامات استفهام عن آلية الحكم وأهمية هذا الاتحاد المؤلّف من ثلاث جزر.
ويكاد النزاع على الصلاحيات بين الجزر والحكومة الاتحادية في «بلد التوابل وخلاصات العطور»، أن يضع النظام الفدرالي القائم على المحك. وسعياً لإرساء الاستقرار في الأرخبيل الذي يبلغ عدد سكانه 710 آلاف نسمة، تعتمد جمهورية القمر المتحدة، نظاماً سياسياً يسمح بوجود 4 رؤساء. وتملك كل من الجزر الثلاث دستورها ومؤسساتها الخاصة، من رئاسة وبرلمان ومحكمة دستورية. ومنذ حصولها على الاستقلال عام 1975، شهدت جزر القمر التي تصل نسبة المسلمين بين سكانها إلى 99.7 في المئة، نحو عشرين انقلاباً عسكرياً.
ويبدو أن الأزمة السياسية في جزر القمر، التي تعدّ من الدول الأكثر فقراً في العالم، هي في حقيقة أمرها صراع من أجل السيطرة السياسية بين جماعات النخبة التي تجد مصالحها في إبقاء يد الحكومة الاتحادية أعلى من سواها في أمور السلطة والثروة، وبين الذين يسعون إلى تأسيس نمط من الفدرالية الهشة لصالح تقوية مراكز الأقاليم.
ويسعى الرئيس أحمد عبد الله السامبي إلى إعادة النظر في الإطار الفدرالي للبلاد، حيث يرى أن دولة صغيرة مثل جزر القمر لا يمكن أن تدار بأربعة رؤوس، وأربعة مجالس برلمانية وأربعة جيوش مستقلة، إذ يرى أن مثل هذا الإطار ذو كلفة عالية لا تقدر عليه جزر القمر.
ويجد سامبي دعماً لمشروعه الإصلاحي الرامي ترسيخ أواصر التكامل الاتحادي بين الجزر الثلاث، القمر الكبرى وموهيلي وأنجوان، التي كان رئيسها العقيد محمد بكر يقف حجر عثرة أمام تنفيذه.
وكانت جزيرة أنجوان، التي تحجز 424 كيلومتراً مربعاً من مساحة اتحاد جزر القمر التي لا تتجاوز 2.236 كيلومتراً مربعاً، أعلنت انفصالها عام 1997 قبل أن تعود إلى أحضان الأرخبيل رسمياً عام 2001، بعد تأسيس النظام الفدرالي. إلا أن ذلك لم يمنع ولادة نزاعات أخرى تتعلق بتوزيع الصلاحيات بين السلطات الفدرالية والجزر، رغم تبني قانون جديد بشأن تقاسم الصلاحيات في آذار 2005 بعد نزاع استمر ثلاث سنوات.
غير أن بدايات بوادر الأزمة السياسية في جزيرة أنجوان ظهرت على خلفية رفض العقيد محمد بكر، الذي تولى الرئاسة في الجزيرة عام 2002، التنحي عن السلطة تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية التي رأت أنه استنفد فترة ولايته القانونية في نيسان عام 2007. وطالبت موروني بكر بالاستقالة ليترك المكان خلال بضعة أسابيع لرئيس انتقالي، لكنه رفض ذلك ومنع سامبي من المجيء إلى أنجوان، حيث أُطلق نار في مطار الجزيرة قبل وصول طائرة الرئيس التي لم تستطع الهبوط، ما أجج الضغائن بينهما.
وسمّى الرئيس الاتحادي الكعبي حميدي رئيساً مؤقتاً لأنجوان إلى أن يُنتخب رئيس جديد، بيد أن العقيد محمد بكر تحدّى الحكومة الفدرالية وأجرى الانتخابات في حزيران 2007، ونصّب نفسه رئيساً على الجزيرة.
انتخابات سارع الاتحاد الأفريقي والحكومة الفدرالية لجزر القمر إلى رفض نتائجها واعتبارها باطلة، كما فرض عقوبات على قادة التمرد في أنجوان. ورغم تجديد هذه العقوبات أكثر من مرة، إلا أنها لم تؤتِ ثمارها، وهو ما أدى إلى تبني خيار التدخل العسكري في الجزيرة وإطاحة العقيد بكر، الذي فرّ من قصره قبل اقتحامه من الجيش القمري والقوات الأفريقية، رغم تأكيده في وقت سابق «الاستعداد للموت» من أجل جزيرته، وأن «الفرار ليس خياراً»، وأنه سيستقبل في مكتبه أولئك الذين يهاجمونه بتقديم الشاي لهم.
وكما تتسم الأزمة في جزر القمر بنزعات انفصالية لسلطات جزيرة أنجوان، تتميز بالانجذاب إلى نمط عيش أوروبي وحلم بالثراء يتمثل بجزيرة مايوت التابعة لإدارة فرنسا، التي تطالب بها الدولة الاتحادية. وكانت مايوت قررت البقاء فرنسية، فيما نال بقية الأرخبيل استقلاله في عام 1975.
ورأى العالم الأنتربولوجي دمير بن علي «أن الحركة الانفصالية التي انطلقت في أنجوان في 1995 استمرت زمناً طويلاً بسبب مايوت ومستوى المعيشة فيها الذي غذّى حلم الثراء السهل المنال». وأشار إلى «أن أمة جزر القمر موجودة فعلاً، لكن ليس فكرة الدولة، فالمعيار الأساسي لمجتمع جزر القمر هو نفسه في الجزر الأربع، لكن امتلاك بنى الدولة الحديثة لم يتوافر».
ويتضح مما سبق، أن أزمة جزر القمر ذات طبيعة معقدة ومركبة، تعكس واقع الدول الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال. فقد أخفقت النخب السياسية المتعاقبة منذ عام 1975 في تحقيق مشروع بناء الدولة الوطنية، وعوضاً عن ذلك دخلت في صراعات وانقسامات سياسية حادة أدخلت الجزر في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، وهو ما تجسده ظاهرة الانقلابات العسكرية والاغتيالات التي ميّزت الحياة السياسية القمرية.
ورغم أن جزر القمر كانت آخر المنضمين لجامعة الدول العربية، يلاحظ غياب الدور العربي عن أزمتها، إذ فضلت الجامعة العربية ترك هذا الملف للاتحاد الأفريقي، مكتفيةً بالدعوة إلى تمويل «صندوق دعم جزر القمر».
ويبقى أن أزمة أنجوان لن تنتهي بدحر العقيد بكر لأنها أعمق بكثير، وبالتالي لا بد من حل جذري ليس على شاكلة الاحتواء العسكري، بل على أساس سياسي يعيد ترتيب الأمور في الجزر، بحيث يضمن مشاركة الجميع في تقاسم الثروة والحكم.
تأثيرات فرنسيّة
لا يمكن تجاهل الدور الفرنسي الفاعل في جزر القمر، الذي تحركه المصالح الاستراتيجية، ليس فقط في الجزر، بل في منطقة المحيط الهندي. وعلى الرغم من الإنكار الفرنسي الرسمي للتورط في الأزمات القمرية، فإن الشواهد تؤكد أن ثمة يداً فرنسية خفية تحرك الأمور في الجزر، ولا سيما أن باريس تمتلك قاعدة عسكرية في جزيرة مايوت. وخلال أزمة الانفصال عام 1997، أيدت فرنسا، بشكل غير مباشر، الانفصاليين في أنجوان من خلال السماح لهم باستخدام مايوت لغرض توفير الدعم اللوجيستي. كما أن استمرار الأوضاع القلقة في جزر القمر من شأنه أن يخفف الضغط على فرنسا ويحول دون المطالبة بضم مايوت.
ويأتي ولوج الولايات المتحدة المنطقة بعد أحداث 11 أيلول والحرب على الإرهاب، ليضيف متغيراً دولياً جديداً، ولا سيما أن السياسة الأميركية تخشى من تأثير التنظيمات الإسلامية الراديكالية على سكان هذه المنطقة، وعليه، أضحت الأهمية الاستراتيجية لجزر القمر ومنطقة المحيط الهندي وعلاقتها بالشرق الأوسط في قائمة أولويات السياسة
الأميركية.
وكالات