مرتاح
03-27-2008, 12:48 PM
السبت 16 يونيو الاهرام المصرية
الخُبث والخداع عادة الأولين
رجب البنا- الاهرام
كانت أول وأكبر فتنة في الإسلام يوم رفع فريق من المسلمين المصاحف لاثارة المشاعر الدينية, بينما كانت أهدافهم تحقيق مصالح سياسية لا علاقة لها بالدين. كان ذلك يوم موقعة صفين بين أنصار الإمام علي وأنصار معاوية. فقد رفع أنصار معاوية المصاحف علي الرماح وطلبوا تحكيم كتاب الله.
ونجحت الخديعة فاختار معاوية عمرو بن العاص ليمثله, واختار أنصار علي أبا موسي الأشعري, بينما انشقت جماعة رفعت شعار لا حكم إلا لله, أي لا حكم لعلي ولا لمعاوية ولن يحكم المسلمين إلا الله. وهو شعار شديد الغموض والديماجوجية, ولكنه وجد من يردده بعد ذلك كثيرا. واتفق المحكمان علي عزل علي ومعاوية معا لوقف نزيف الدم بين أنصار كل منهما وترك اختيار حاكم آخر لجموع المسلمين.
وبالفعل أعلن أبوموسي الأشعري عزل الإمام علي, لكن عمرو بن العاص كشف الخدعة فأعلن أنه يثبت معاوية, وبذلك تحولت هذه الفتنة إلي جزء من تراث المسلمين يكررها كل من له أغراض سياسية فيرفع المصحف ويستغل شعار لا حكم إلا لله, وما أن يصل إلي السلطة حتي يكشف عن حقيقة نواياه فيكون الحكم له وليس لله, ويمارس سلطة دينية إلهية ـ ليست من حق البشر ـ فيحكم علي من يخالفه بالكفر وبالخروج علي الشريعة, وما أسهل, وما أكثر ما ألصقت هذه التهمة بمسلمين يؤمنون بالله ورسوله.
وكان الشيخ محمد عبده أول من تصدي لكشف هذا الخداع بخلط الدين بالسياسة واستغلال المشاعر الدينية للوصول إلي تحقيق أهداف دنيوية لا علاقة لها بالدين, وحارب بقوة ادعاءات طائفة من المسلمين بأنهم هم وحدهم الممثلون للشريعة والناطقون باسمها, وأنهم الأصلح والأقدر علي تطبيق الشريعة والحكم علي المختلفين معهم بالكفر. وكان صريحا في بيان أن الإسلام لا يعرف الحكومة الدينية, بل إنه يفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية لاختلاف طبيعة كل منهما, وفي كتاباته أوضح أن الإسلام جاء ليهدم السلطة الدينية, وبحسب تعبيره فإن الإسلام لم يبق للسلطة الدينية أثرا.
ولم يدع لأحد من البشر سلطانا علي أحد من الناس في أمور الدين, وأن الإسلام يعتق المسلم من كل رقيب عليه فيما يتعلق بالإيمان فهذا أمر بين العبد وربه وليس عليه رقيب سوي الله وحده وليس لمسلم مهما تكن منزلته أن يتدخل في عقيدة غيره إلا بالنصيحة, وليس له أن يفرض فكرا أو عملا, فلكل مسلم أن يأخذ أصول عقيدته وما يعمل به من الكتاب والسنة دون وسيط. ليس في الإسلام وسطاء بين الخلق والحق.. وعلي كل مسلم أن يحصل من الوسائل ما يؤهله لهذا الفهم.
محمد عبده كان رائدا في بيان أن الإسلام لا يعرف الحاكم المعصوم, ولا يعطي للحاكم الحق في أن ينفرد بتفسير أحكام الشريعة, وأن رؤية الإسلام لنظام الحكم هي ذاتها الرؤية السائدة في العصر الحديث وهي أن الأمة مصدر السلطات, ويقول صراحة: إن الحاكم في الإسلام حاكم مدني ولا يجوز له أن يخلط أمور الحكم والسياسة بما يسميه الأفرنج ثيوقراطية, أي سلطان إلهي يسبغ عليه حصانة دينية تمنع المسلمين من مخالفته.
ومن المدهش أن يقول محمد عبده في وقت مبكر جدا: إن من أعمال التمدن الحديث الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية, ولذلك أصبحت للكنيسة أمور الاعتقاد ومعاملة العبد لربه, وتركت للسلطة المدنية أمور التشريع وما يحفظ نظام المجتمع. وقد تصدي للقائلين بأن الإسلام يحتم الجمع بين السلطتين بقوله: إن لم يكن للحاكم سلطة دينية فهل تكون هذه السلطة للمفتي أو لشيخ الإسلام؟ إن الإسلام لم يجعل لهؤلاء أدني سلطة علي العقائد وتقرير الأحكام, وكل سلطة لهؤلاء هي سلطة مدنية فلا يسوغ لواحد منهم أن يدعي الحق في السيطرة علي إيمان أحد أو علي عبادته لربه.
هكذا كان محمد عبده منارة أضاءت الطريق الصحيح للإسلام. وقال إن معظم ما تراه مما يسمونه إسلاما ليس بإسلام, نعوذ بالله منهم وما يفترون علي الله ودينه.
الخُبث والخداع عادة الأولين
رجب البنا- الاهرام
كانت أول وأكبر فتنة في الإسلام يوم رفع فريق من المسلمين المصاحف لاثارة المشاعر الدينية, بينما كانت أهدافهم تحقيق مصالح سياسية لا علاقة لها بالدين. كان ذلك يوم موقعة صفين بين أنصار الإمام علي وأنصار معاوية. فقد رفع أنصار معاوية المصاحف علي الرماح وطلبوا تحكيم كتاب الله.
ونجحت الخديعة فاختار معاوية عمرو بن العاص ليمثله, واختار أنصار علي أبا موسي الأشعري, بينما انشقت جماعة رفعت شعار لا حكم إلا لله, أي لا حكم لعلي ولا لمعاوية ولن يحكم المسلمين إلا الله. وهو شعار شديد الغموض والديماجوجية, ولكنه وجد من يردده بعد ذلك كثيرا. واتفق المحكمان علي عزل علي ومعاوية معا لوقف نزيف الدم بين أنصار كل منهما وترك اختيار حاكم آخر لجموع المسلمين.
وبالفعل أعلن أبوموسي الأشعري عزل الإمام علي, لكن عمرو بن العاص كشف الخدعة فأعلن أنه يثبت معاوية, وبذلك تحولت هذه الفتنة إلي جزء من تراث المسلمين يكررها كل من له أغراض سياسية فيرفع المصحف ويستغل شعار لا حكم إلا لله, وما أن يصل إلي السلطة حتي يكشف عن حقيقة نواياه فيكون الحكم له وليس لله, ويمارس سلطة دينية إلهية ـ ليست من حق البشر ـ فيحكم علي من يخالفه بالكفر وبالخروج علي الشريعة, وما أسهل, وما أكثر ما ألصقت هذه التهمة بمسلمين يؤمنون بالله ورسوله.
وكان الشيخ محمد عبده أول من تصدي لكشف هذا الخداع بخلط الدين بالسياسة واستغلال المشاعر الدينية للوصول إلي تحقيق أهداف دنيوية لا علاقة لها بالدين, وحارب بقوة ادعاءات طائفة من المسلمين بأنهم هم وحدهم الممثلون للشريعة والناطقون باسمها, وأنهم الأصلح والأقدر علي تطبيق الشريعة والحكم علي المختلفين معهم بالكفر. وكان صريحا في بيان أن الإسلام لا يعرف الحكومة الدينية, بل إنه يفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية لاختلاف طبيعة كل منهما, وفي كتاباته أوضح أن الإسلام جاء ليهدم السلطة الدينية, وبحسب تعبيره فإن الإسلام لم يبق للسلطة الدينية أثرا.
ولم يدع لأحد من البشر سلطانا علي أحد من الناس في أمور الدين, وأن الإسلام يعتق المسلم من كل رقيب عليه فيما يتعلق بالإيمان فهذا أمر بين العبد وربه وليس عليه رقيب سوي الله وحده وليس لمسلم مهما تكن منزلته أن يتدخل في عقيدة غيره إلا بالنصيحة, وليس له أن يفرض فكرا أو عملا, فلكل مسلم أن يأخذ أصول عقيدته وما يعمل به من الكتاب والسنة دون وسيط. ليس في الإسلام وسطاء بين الخلق والحق.. وعلي كل مسلم أن يحصل من الوسائل ما يؤهله لهذا الفهم.
محمد عبده كان رائدا في بيان أن الإسلام لا يعرف الحاكم المعصوم, ولا يعطي للحاكم الحق في أن ينفرد بتفسير أحكام الشريعة, وأن رؤية الإسلام لنظام الحكم هي ذاتها الرؤية السائدة في العصر الحديث وهي أن الأمة مصدر السلطات, ويقول صراحة: إن الحاكم في الإسلام حاكم مدني ولا يجوز له أن يخلط أمور الحكم والسياسة بما يسميه الأفرنج ثيوقراطية, أي سلطان إلهي يسبغ عليه حصانة دينية تمنع المسلمين من مخالفته.
ومن المدهش أن يقول محمد عبده في وقت مبكر جدا: إن من أعمال التمدن الحديث الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية, ولذلك أصبحت للكنيسة أمور الاعتقاد ومعاملة العبد لربه, وتركت للسلطة المدنية أمور التشريع وما يحفظ نظام المجتمع. وقد تصدي للقائلين بأن الإسلام يحتم الجمع بين السلطتين بقوله: إن لم يكن للحاكم سلطة دينية فهل تكون هذه السلطة للمفتي أو لشيخ الإسلام؟ إن الإسلام لم يجعل لهؤلاء أدني سلطة علي العقائد وتقرير الأحكام, وكل سلطة لهؤلاء هي سلطة مدنية فلا يسوغ لواحد منهم أن يدعي الحق في السيطرة علي إيمان أحد أو علي عبادته لربه.
هكذا كان محمد عبده منارة أضاءت الطريق الصحيح للإسلام. وقال إن معظم ما تراه مما يسمونه إسلاما ليس بإسلام, نعوذ بالله منهم وما يفترون علي الله ودينه.