المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مظلومية الزهراء(ع) في ميزان المصلحة الرسالية -السيد علي فضل الله



احقاقي خرافي
07-23-2004, 12:24 AM
هناك من يعتبر ومن خلال استعادتنا لذكرى وفاة السيد الزهراء(ع) أن علينا أن نثير مظلوميتها كأسلوب تربوي وتوجيهي ، حتى تتعمق العلاقة بالزهراء(ع) وبأهل البيت(ع)، ونربط المجتمع بخطهم.

ذلك أن المظلومية توجد حالة شعورية عاطفية، ترسخ حالة الارتباط الفكري، وتجعله يستند إلى الذات الإنسانية نفسها، وخصوصاً أن كينونة الإنسان تميل فطرياً للتعاطف مع المظلوم، فكيف إذا مثل ذروة المظلومية، فهنا تأتي المشاعر والأفكار لتشكل وحدة منسجمة تجسد التفاعل مع الخط وتوجه الذات نحو الفعل، ليكون الارتباط يحمل معنى الالتزام فكراً وسلوكاً.

تعميق العاطفة:

ويؤكد هؤلاء على ضرورة إثارة جميع المواقف التي تعرضت لها الزهراء(ع)، وأثرت على مسار الخط الإسلامي، وذلك لإبراز مظلوميتها من جهة، وكشف مكامن الانحراف من جهة أخرى، فمن مظلوميتها في فدك، ارثها من رسول الله(ص) إلى السعي لاحراق المنزل، من أجل إخراج الإمام علي(ع) ومن معه للمبايعة، من دون أي رادع، حتى أنه عندما قيل أن في البيت فاطمة كان الجواب وإن... أو غير ذلك من الأمور.

ويؤكد هؤلاء على ارادة ابراز ظلامتها المتمثلة في حرصها على أن تدفن في الليل سراً وإحاطة مكان قبرها بالغموض، وذلك كتعبير عن رفضها لكل اولئك الذين وجهوا إليها وإلى الإسلام ابلغ الاساءات، ولكي يبقى هذا الأمر شاهداً على مدى المظلومية التي لحقت بها.

ويدعو أصحاب هذا الرأي إلى تجنب الجدل العلمي والتاريخي في كثير من مفردات المظلومية التي تعرضت لها، حتى لا يؤدي ذلك إلى الاخلال بمبدأ المظلومية، ذلك أن تناول المفردات التي قد تتحمل النقاش والجدل، قد يؤدي إلى توهين الحقيقة الكبرى الساطعة، وهو ما يمهد للإطاحة بهذه الحقيقة، وتزوير التاريخ ومسار الرسالة.

لذا يرى هؤلاء ضرورة التأكيد على مظلوميتها التي تؤكد عدم جدارة من تولى الخلافة من ظالميها، لأمور المسلمين، من خلال إغضابهم لعترة الرسول(ص) وغصب حقها في فدك وعدم احترام وصية الرسول الأكرم(ص) الذي اعتبر الزهراء بضعة منه، من أذاها أذاه، فهؤلاء الذين يخالفون وصية الرسول(ص) في ابنته سيدة النساء، لن يتورعوا عن المخالفة والتجاوز في جميع الأمور الأخرى.

لذلك يرى هؤلاء أن التأكيد على المظلومية ستساهم في تثبيت الحق لأصحابه، وإيجاد ثغرة وسط الجدار الكبير الذي صنعه هؤلاء عندما فرضوا الأمر الواقع على المسلمين.

مظلومية القضية:

ويؤكد هؤلاء أن هذا الشعور بالمظلومية هو الذي عمق الارتباط بالأئمة وعزز محبة المؤمنين لهم على مدى الزمن. ولكن هناك من يرى الأمور من زاوية أخرى، فإن أهل البيت هم أصحاب رسالة، وقد عملوا على تعميق رسالتهم في ساحة الحياة، ولذلك دعوا المسلمين ليكون ارتباطهم بهم ارتباط السلوك والنهج لا ارتباط العاطفة فقط.

فهم دعوا إلى شعار "أحبوا حب الإسلام"، فالتأكيد كان دائماً على الهدف، وهو أن يبقى الإسلام نقياً صافياً، حاضراً في وجدان وفكر الأمة. وهم تحملوا الظلم الكبير من أجل مواجهة الانحراف الذي هز واقع الأمة الفكري والسياسي.

فقد واجهوا كل دعاة الانحراف وتحملوا الإساءات في سبيل حفظ الواقع من أي خلل. وهذا ما نلاحظه في منهج السيد الزهراء، فهي لم تتحرك من أجل قضاياها الخاصة، أو كردة فعل على مهاجمة دارها بل تحركت من أجل إحياء الحق وإطفاء الباطل الذي يتهدد الأمة.

فلقد لاحظت انحرافاً كبيراً عن خط الرسول(ص) سواء على مستوى القمة أو على مستوى التفاصيل. لذا أثارت هذا الجو لمواجهة الانحراف ، ما يعني إننا لا يمكن أن نفصل المظلومية عن القضية الأساس التي كانت تسعى إليها الزهراء(ع)، وإبرازها كان وسيلة لتصويب المسار.

خصوصية المرحلة:

لذلك فقد استخدمت الزهراء(ع) هذا النهج، لكونه يملك القدرة على التأثير في الناس في تلك المرحلة. ولكن ذلك قد لا ينطبق على كافة المراحل، إذ لكل مرحلة خصوصيتها، خاصة مع وجود التعقيدات المذهبية في بعض الأحيان التي قد تجعل إثارة المظلومية سبباً للشقاق المذهبي وإشعال فتنة مذهبية لا بدّ من توقيها في واقع الأمة.

فقد يكون إثارة حديث المظلومية مفيداً مع الذين يدرسون الواقع التاريخي علمياً، في حين قد يكون الأمر سلبياً مع عامة الناس التي قد تتحرك بفعل غرائزها المذهبية.

لذا يرى هؤلاء ضرورة أن نقدم الزهراء(ع) كنموذج للإنسان الرسالي والقدوة في مواجهة الظلم والانحراف والتضحية من أجل إحقاق الحق.

لذلك ينبغي مراعاة الأسلوب الذي نعزز به حضور الزهراء(ع) في الواقع الإسلامي فالأساليب تتعدد بحسب المراحل.فقد يكون الأسلوب الناجع هو المواجهة المباشرة أو الأسلوب الهادئ أو الثوري أو التنظيمي، حيث كان كل إمام يتحرك بحسب طبيعة مرحلته وزمانه وما يقتضيه ذلك. فلكل مرحلة أسلوبها والمظلومية التي عاشتها الزهراء أمر جلّي وواضح ويجب تحريكها بالأسلوب الذي يفيد الأمة من أجل تأكيد الهدف الذي سعى إليه المعصومون الأطهار(ع).

الأسلوب الحكيم:

إننا أمام هدين الاتجاهين لا بدّ من التأكيد على عدة أمور:

1- إن التأكيد على مظلومية الزهراء(ع)، هو تأكيد على حقيقة واقعية، لكن الحديث عن المظلومية ليس هدفاً بحد ذاته بل هو وسيلة للفت الناس إلى ما عاناه أهل البيت(ع) من أجل الإسلام، ما يؤدي إلى تعزيز الارتباط بالأهداف الكبيرة التي كانوا يسعون إليها وهي حفظ الواقع الإسلامي واستمراره على أصالته الروحية والفكرية والعملية في ساحة الحياة.

2- لا بدّ من حسن تقديم صورة أهل البيت(ع) وذلك باستخدام الأساليب والوسائل المناسبة في هذا المجال، فرُبّ أسلوب قد يصل بنا إلى الهدف ورب أسلوب يسبب الإضرار ويشوه الصورة، ويثير الفتن.

3- لا بدّ من التوقف كثيراً أمام الصورة التي رسمها الإمام علي(ع) عندما قال: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين"، وهو بذلك لم يكن موقفه مناقضاً لموقف السيدة الزهراء(ع) عندما رفعت صوتها في وجه الانحراف، بل يصبّان في مصب واحد، وهو حفظ الواقع الإسلامي ما يعني أن الأسلوب قد يكون ضرورياً في مرحلة، فيما الحاجة لأسلوب آخر قد تتطلبه مرحلة أخرى.

4- إن الحرص على إظهار النقد لبعض المفردات ، ينطلق من السعي لإظهار حقيقة المظلومية من دون أية شائبة، وذلك من أجل أن لا تشكل بعض الأحداث أو المواقف التي لا تستند إلى أساس تاريخي أو علمي، ذريعة يتسلح بها الآخرون للتجريح بالحقيقة الساطعة،وخصوصاً أن التأكيد على مظلومية الزهراء لا يحتاج إلى الاعتماد على رواية ضعيفة أو حدث غير دقيق، وهنا تأتي المصداقية في عرض الحدث سواء في السند والمضمون أو مجرى الأحداث، لتؤدي الغرض وتؤيد الموقف.

5- العمل الجاد على إبراز تراث الزهراء(ع) وأهل البيت(ع) الروحي والفكري والأخلاقي والعبادي والاجتماعي والسياسي، دون أن نستغرق في جانب واحد من جوانب حياتهم، حتى نجعل أهل البيت(ع) يعيشون الحضور الدائم في كل العصر، بحيث نراهم يعيشون كل التطلعات التي يعشها الرجال والنساء والشباب والفتيات، وعندما لا يجدون الزهراء(ع) والأئمة(ع) إلا وهم معهم، يعطونهم القيم والوعي والأخلاق للحياة، وبذلك نحفظ أمانة رسول الله(ص) في الحاضر والمستقبل.

صندوق:

إن التأكيد على مظلومية الزهراء(ع)، هو تأكيد على حقيقة واقعية، لكن الحديث عن المظلومية ليس هدفاً بحد ذاته بل هو وسيلة للفت الناس إلى ما عاناه أهل البيت(ع) من أجل الإسلام، ما يؤدي إلى تعزيز الارتباط بالأهداف الكبيرة التي كانوا يسعون إليها.

سيد مرحوم
07-23-2004, 04:27 AM
احسنت اخي العزيز00

موضوع رائع وتحليل اروع...