المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شباب الغجر في غزة: ملامح حياة بعيدًا عن الرقص والغناء



مرتاح
03-18-2008, 02:13 PM
إندماج مجتمعي أم تكيف على طريقتهم الخاصة؟؟

"هل يستغنون عن المنقش والرقص"؟؟


ميرفت ابو جامع من غزة - ايلاف


يعيش عبد السلام جلو ( 23 عامًا) على أطراف حارة النور شمال قطاع غزة، وسط عائلته المكونة من 7 شباب و5 فتيات معظمهم متعلمين على حد قوله. وقد إندفع الدم إلى وجهه عندما أخبرناه أننا نجري تقريرًا عن (الغجر) في غزة، وقال متلبكًا نحن لسنا (غجرًا)، وإنما (نَور)، سألناه وما الفرق؟ أجابنا: "(الغجر) سمعتهم سيئة جدًا ونحن نمقتهم يقال إنهم قطاع طرق وتجار مخدرات".

جلسنا وعبد السلام أمام باب كبير لبيت يتكون من ثلاثة طوابق مغلقة نوافذه بالأسلاك الحديدية، ويطل رأس خروف بقرنين من الأعلى "لطرد عيون الحسود"، حسب قوله. وأضاف: " لا يزال المجتمع ينظر إلينا نظرة ازدراء، وينبذنا ويخشى ان يحتك بنا، فمجرد الحديث أنني نَوري، تتسلل الريبة إلى نفوس من أتعامل معهم .

وأكد في الوقت ذاته، انه لا يخجل من أصله بل يفتخر به، وقال: " فأنا نوري ومتعلم لأثبت للجميع أننا تغيرنا".
ويرفض عبد السلام الحاصل على دبلوم المحاسبة، ويواصل دراسته الجامعية بجامعات غزة، بعضًا من عاداتهم وتقاليدهم، ويقول: "لا اقبل أن تعمل المرأة في التسول او حتى في الرقص والحفلات ، فأنا أصلي وديننا ينهى عن هذه الأشياء، "هذا فرض وذاك ذنب، والله يقبل التوبة" استطعنا ان نقدم نموذج جيدًا في علاقاتنا مع الجيران والمجتمع عبر تعلمنا ، ويسرد عدة مواقف أثرت في نفسه، منها حسبما يقول:

"كنت في سيارة للأجرة وتحدث الركاب عن النَور بأنهم مميزون وتعرفهم، فلهم أذناب للنساء وللرجال في مؤخرتهم، وقال صرخت في وجههم "أنا نوري ومتعلم ولا ذنب لي". مشيرًا إلى انه حرم من الزواج من فتاة أحبها بسبب رفض أهلها، لأنه نوري ويقول: "حتى أننا نعاني على صعيد العمل في المؤسسات والمطاعم عندما يعرفون أننا نور يتم رفضنا مباشرة، مؤكدًا انه حال وجوده لعمل في مجال تخصصه سيقبله.

وتوافقه الرأي شقيقته منار "20 عامًا" التي ترتدي الجلباب والمنديل أنها لا تخجل من أصلها، وإن كانت لا تحبذ عمل بنات جنسها من النَور في التسول او حتى الرقص في الحفلات، وتقول مدافعة: "بناتنا اجدع بنات، فهن لسن ساقطات ولا يضحك عليهن أحد"، وتضيف: حاولت التأثير على قريبات لي في العودة للمدرسة وأهمية التعليم ولكن لا جدوى، وأشفق عليهن أثناء رؤيتهن في أحد الشوارع .
وتشكو منار من المدرسات حين ينعتن سلوك الطالبات الهمجي في الفصل بالنَور "يضايقني جدًا، الناس لديهم فكرة سيئة عن النَور بأنها فئة فاسدة وجاهلة" .

فيما يشير عوني طالب الإعلام بأنه استطاع أن يكسب ود زملائه بالجامعة بعد معركة عنيفة وصلت إلى العراك بالأيدي حين شتموه بقولهم (نوري )، شعر فيها بإذلال وضعف ، لذا هَم بضربهم ويضيف :" بعد ذلك احترمني أصدقائي كثيرًا بل وشاركوني في زياراتهم إلى بيتنا ويضيف بابتسامة عريضة "هذه جولة كسبتها معهم". ثم تتدخل منار بالحديث "لسنا مسؤولين عن تصرفات أشخاص منا، فأصابع اليد ليست واحدة، ولا نقدر أن نغير في التاريخ". وتكمل منار تعليمها الثانوي بعد فترة انقطاع بسبب مرض الم بها _ حسب قولها_ وتتمنى دراسة الصحافة والإعلام لشغفها بحب المغامرات، والارتباط من خارج أصلها، بينما يحلم عوني بوسيلة إعلام يتحدث خلالها للمجتمع بأنهم تغيروا عل وعسى يصدقونهم ويفتح أبوابه غير المتشككة لهم .

أصول هندية ام عربية

وتشير الروايات التاريخية أن أصول النَور تعود إلى الهند، لكن النَور في غزة ينفون صحة هذه الرواية، و‏يصرون على أنهم عرب اقحاح من (بني مرة) مستندين إلى الرواية التاريخية عن (حرب ‏‏البسوس) وعن (سيرة الزير سالم) الذي انتقم من بني مرة، وأمر بتشتيتهم في الأرض، ‏فيما ترى صديقتي التي رافقتني فيهم ملامح الجمال الهندي الهادئ ‏ .

وتوضح ام يوسف في الخمسينات من عمرها،" هناك خلاف حول أصلنا من الهند وأؤكد أننا من بني مرة من عشيرة الزير سالم وكان عددنا كبيرًا في فلسطين، وبعد حرب 48 تم ترحيل عدد كبير منا إلى غزة وإلى البلدان المجاورة وبقينا فقط بحدود 50 عائلة هنا، والباقي يتوزعون على المحافظات المختلفة وبيننا اتصالات بالنور في مختلف ارجاء العالم .
وتشير أن والدها كان يحدثها عن خيم أقاموها ببئر السبع. فيما تروي إحدى قريباتها بأنها سمعت من أجدادها أن "شيخًا كبيرًا للنَور عندما تضايق منهم قال لهم :" روحوا الله يجعل رزقتكم من وراء نسوانكم ورحيلكم في عز الحر "القايلة"، "هذا ما ترفضه فادية، وتقول: "مجرد خرافات وأساطير"، على الرغم من اقترابه من واقعهم المعاش .

وتفخر ام يوسف ذات الجذور المصرية، انه لم يخرج عميل من النَور او عميلة ولا ساقط أخلاقيًا، وتضيف:" هذا بفضل توعيتنا لأبنائنا وبناتنا منذ الصغر" .فيما توضح فادية الثلاثينية أنهم قدموا ضريبة الوطنية، على الرغم من عدم حبهم للسياسة " ووجع الرأس" ثلاثة شهداء، أحدهم شقيقها الذي يعمل بالسلطة وذلك في أثناء حصار كنيسة المهد ببيت لحم، والآخر من أقاربها والثالث عمها بعد حرب 67 .

بعيدًا عن أطراف الحارة يحتشد الأطفال والشباب والرجال في ساعات الظهيرة أمام بيوتهم الإسمنتية المتلاصقة والمطلة منها حبال غسيل، فيما تنتشر النساء في شوارع غزة ومحافظاتها في التقاط أرزاقهن، بعد أن بات التسوّل المهنة الوحيدة لهن، وبعد أن تغير المناخ الذي كان يغذي الرقص والغناء وإقامة الحفلات المختلفة، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى.

واستطعنا الحديث مع الشباب، بعد أن رفض بعض الرجال الحديث للإعلام، فؤاد الجبالي 16 سنة لم يشعر بأي نوع من الخجل من عمل النساء النوريات في التسول أو إحياء الحفلات، على اعتبار ان هذا هو عملهم الذي ألفوه واعتادوا عليه منذ نشأتهم وهو العمل الذي مارسه أجدادهم الأوائل لكي يبقوا على قيد الحياة ، في حين ان شقيقه عرفات الجبالي 21 عامًا يعتقد بأن النور لو وجدوا فرص عمل لن يرفضوها.

ويضيف: سجلنا في الشرطة سابقًا وحتى الحكومة الحالية ولأننا نَور حرمنا من العمل، مشيرًا إلى أنهم لم يستطيعوا منع نسائهم من الخروج بعد أن تعودن على ذلك.

لغة نَورية وطقوس خاصة

ويردد الشباب بعض كلمات من لغة خاصة بهم تسمى باللغة "النَّوريَّة، أو "العصفورية "، وهي لغة شفاهيَّة، غير مكتوبه. اندثر معظمها وبقي الجيل الكبير يحتفظ ببعض منها، وما استطعنا التقاطه مما تحدثوا به: (المنقش) وهو التسول وجمعها (مناقيش)، وهي أشهر كلمة عندهم، (دادياتي) وتعني أمي، و(قولد) شاي و(دفة) سيجارة وجمعها (دف) سجائر و(فشقة) حشيش و(كليلات) فلوس و(صدي) اسكتي . ويشيرون انهم يتحدثونها فيما بينهم وقد ورثوها عن أجدادهم .

وللنور عادات خاصة بالزواج ، منها أنهم لا يحبذون تزويج الغرباء حفاظًا على نسلهم ولأن المرأة عندهم مصدر الرزق، فهم أيضًا يبتاعونها بأسعار مرتفعة للغريب كأن تسجل الشقة باسمها ويكون مهرها فوق 10 آلاف دولار، أما الزواج من داخل النور فلا يكلف الا مبلغًا لا يتجاوز 3 آلاف دولار ، وطقوس الزواج عندهم تشبه على حد قولهم عاداتنا وتقاليدنا ، غير أنهم يهتمون بتبرئة بناتهم من التفريط بشرف العائلة بالإعلان عن ذلك بطريقتهم الخاصة وسط جمع من النساء والرجال، مشيرين أنهم يحتفظون بنسب كبرى للعائلات في قطاع غزة.

ولا تحبذ نسرين وهي متزوجة من فلاح فلسطيني يعيش في الضفة الغربية، زواج النَورية من غير نوري " وتشرح انها عانت مع اهل زوجها وهو " الفلاح "، بدءًا بمراسم زواج بحدود العائلة فقط وانتهاء بنظرات تثير الشعور بالدونية وتقول :"رغم علاقتي الجيدة مع زوجي إلا أنني لو عاد بي الزمن للوراء كنت رفضت الزواج بغير النوري ،كي لا أشعر بحاجز بيننا وأضمن انه لن يعيرني باصلي ولن احمل هم حضانة أولادي اذا ما حدث وافترقنا".

وتعمل فادية "36عامًا" وأخواتها الخمس في مهنة التصوير منذ أعوام طويلة وتقول: "على الرغم من ان المجتمع حرمني بنظرته الدنيئة لنا من مواصلة تعليمي، فلا زلت اطمح في دراسة الحقوق كي أدافع عن حقوق النَور، مشيرة إلى أنها التحقت حالًيا ببرنامج محو الأمية. وتطالب المدارس بعدم التمييز بين الطلبة، خاصة النوريين حتى لا تتكرر ماساتها على حد قولها.
وتقول دينا الطالبة الجامعية التي تصر على الارتباط بنوري أيضًا: "نحن نحب المرح والضحك والناس وعاداتنا لا تختلف عنهم في شيء " أملي أن ينقرض من حياة النَور الرقص والغناء والتسول".

في حين ترى ام يوسف :"بان عمل النساء بالرقص لا ينتقص من شرفهن، بل إنهن يعملن كأي عمل ووظيفة بعد ان يؤدينه يعدن إلى البيت دون ان ينتقص منهن شيء، موضحة ان هذا المنبوذ بمجتمعنا يسمى في مصر (فنا)، وانهم احترامًا لأرواح الشهداء عقب انتفاضة الاقصى أقلعوا عن بعض عاداتهم من بينها الرقص بالحفلات. وتشير أنهن يهتممن بتربية البنات منذ الصغر وتعليمهن بالتدريج على الحيطة والحذر وتمكينهن من وسائل تقوية شخصياتهن ليواجهن المجتمع. ولا تخفي أنها تحارب وأفراد أسرتها لحرصهم على التعليم وتغيير الصورة النمطية السائدة عنهم ، من قبل النَور أنفسهم ، وأنهم لا يتمتعون بعلاقات جيدة معهم .

عادات تعيق الاندماج

د. موسى حلس عميد كلية الدراسات المتوسطة في جامعة الأزهر بغزة يقول :"النَور في المجتمع الفلسطيني لهم ثقافة خاصة بهم، مستمدة من التاريخ المتمثل في الصراع بين (جساس والزير سالم) ، عندما بدأت المعركة وسبت نساؤهم ، وشردوا فبدأوا بامتهان مهنة الرقص وبعض الألعاب البهلوانية، ليوفروا قوت يومهم ويتابع: " هناك نظرة تبادلية للكره الطبقي والحقد المجتمعي كثقافة سادت لدى النّور باعتبار ان المجتمع الاصلي هو الذي جعل منهم راقصين واستخدمهم في الترفيه عن نفسه.

وعن اندماجهم بالمجتمع يشير حلس إلى أن العادات والتقاليد الخاصة بالنّور حدت من عملية إندماجهم في المجتمع، فلم يندمجوا فعليًا بالمجتمع، وبدأت نظرة الازدراء من الأنا الآخر متمثلة في عدم قبولهم بأفراد المجتمع وأصبحوا يعتبرون أنفسهم أقلية كما الأقليات التي لها ثقافتها وعاداتها وتقاليدها وتحارب عملية الاندماج باعتبار ان للأقليات مشاكل خاصة بالثقافة والمهنة والحياة الاجتماعية .

ويزيد حلس: "لم يستطيعوا ان يتشربوا القيم الثقافية السائدة ولا النظام الاجتماعي المحدد بالقواعد الاجتماعية الخاصة في المجتمع الأم، حتى مهنة التسول هي مهنة أساسية من خلالها يستخدمون أساليب للتحايل على الآخر باعتبار أنها من الأساليب التي يستطيعون الانتقام ورد الاعتبار لهم". مشيرًا إلى أن الشخصية النّورية تحتفظ بخصائص نفسية وسيكلوجية خاصة بها مدللاً: "أنهم يلبسون لباس المجتمع ، أما لمهنهم فلباس خاصة بهم".

ويواصل: "يمتهنون "مهنة الرقص" في أماكن للسهر للحصول على الأموال بتقديم المشروبات الروحانية وجلسات المزاج وهذا لا يعني أنهم يفرطون في العرض بل مجال للسمر والإشباع لرغبات الآخر من خلال الحديث او الرقص والمشروبات الروحية ".

ويوضح حلس أن المجتمع لا يرفضهم ولا يحدد وظائف بل هناك ثقافة لديهم بأن الرجل في جماعتهم هو فقط سيد الاسرة، لا يبحث عن عمل لأنه يوفر له إمكانياته لجني الأموال من المرأة النورية باعتبارها مصدر الرزق، "فلا يبحث الرجل عن عمل باعتبار انها طقوس خاصة بهم في بعض الجماعات الـ "غجرية "يقسم العمل كما حدده امير دوركايم في كتاب تقسيم العمل حسب الجنس والنوع، فللأطفال أعمال خاصة بهم التسول وتقديم خدمات في سهرات السمر والمرأة الرقص وللرجال أعمال بهلوانية .

ويؤكد حلس أنهم يحافظون على النوع ولا يسمحوا بالاندماج في الثقافات الأخرى، وأن هناك ثقافة الأنوثة الطاغية على ثقافة النور باعتبار انهم تجلب الرزق لذا ان كان العربي غير النوري يفضل الذكور على الإناث، فإن النّوري يفضل الإناث على الذكور باعتبارها مصدر الرزق للعائلة.

ويشير د.سليم المبيض المؤرخ والباحث في تاريخ غزة بأن أصل الغجر " النور " يختلف المؤرخون في معرفتة فهم عبارة عن قبائل قدمت من أماكن مختلفة وامتهنت 3 حرف، منها الحدادة والرقص وإحياء الحفلات والتسول، مضيفًا ان رجالهم يعملون في الحدادة وتزخر الأمثال الشعبية بلفظ النّور او النّوري " معظمها كانت تضرب في النصب والاحتيال والشتيمة منها "زي النوري من غير كور"" الكور " النفخ في النار وهو له علاقة بمهنة الحدادة " زي النورية الي راح دفها "" الدف هو الغناء".

مضيفًا أنهم ينزلون الأماكن الهادئة والخلوية كنوع من الانعزال عن المجتمع، ولهم قدرة على التكيف وتبدل الثياب في كل مناسبة، فوقت الهدوء والانتعاش تعمل نساؤهم في الرقص والحفلات، أما وقت الفقر تعمل نساؤهم بالتسول، وكلٌّ له ثيابه الخاصة، مشيرًا إلى أنهم يتوزعون في معظم المدن الفلسطينية منهم من اندمج بالمجتمع وآخرون لا تزال العلاقة التي تربطهم بالمجتمع وظيفية فقط .

ويبقى السؤال مشرعًا على احتمالات كثيرة، هل يعيش النَور على طريق الاندماج الحقيقي في المجتمع كغيرهم، من السلالات التي جاءت إلى هنا، وذابت في تفاصيل المكان ولغته وثقافته، واستقرت؟ وهل سيدفعون ضريبة ذلك التخلي عن عاداتهم وتقاليدهم التي نبذهم المجتمع بسببها، أم هو تكيف موقت تتطلبه طبيعة الأوضاع وتبدل السلطات الحاكمة؟؟.



http://65.17.227.80/ElaphWeb/ElaphGuys/2008/3/313390.htm