سمير
03-17-2008, 05:16 AM
محمد عبدالقادر الجاسم
يتداول الناس باستغراب شديد عدة أسماء يرون أنها تقف وراء التصعيد الأمني والقانوني في قضية تنظيم "حزب الله". وهناك من يردد أن البلاغات الكاذبة عن وجود متفجرات هنا وهناك هي أيضا جزء من مخطط "داخلي"، من دون علم السلطة، يهدف إلى خلق أجواء تدفع الحكم، بحسن نية، إلى حل مجلس الأمة وتعليق العمل بالدستور وصولا إلى تعديله على نحو يقلص الحريات السياسية ويهمش صلاحيات مجلس الأمة تحت عنوان حماية المصلحة العليا للبلاد!
ويقول هؤلاء، ومعهم كل الحق، أن ما يلفت النظر في تطورات الأحداث هو أن المراجع العليا المسؤولة في الدولة، وبمواقعها المختلفة، اتفقت قبل نحو أسبوع على وجوب السيطرة على قضية تنظيم "حزب الله"، وعدم السماح لمعالجتها بأن تجر البلاد نحو مواجهة طائفية، وأن "التهدئة" هي الخيار الأول. وبحسب معلومات حصلت عليها شخصيا، كان "تخفيف" دور مباحث أمن الدولة وأسلوب عرض المطلوبين على النيابة العامة هو من بين التفاصيل التي تم الاتفاق عليها بحيث يترك للنيابة العامة حرية "إدارة" القضية، من دون أبعاد سياسية، باعتبارها جهة مستقلة، ومن دون محاولة التأثير على سير التحقيقات من قبل أي جهة، وتحديدا وزارة الداخلية. غير أن مسار القضية خرج عن سياق ما تم الاتفاق عليه بين دوائر القرار، وهناك من يصر على جر البلاد نحو مواجهة طائفية، وهو الأمر الذي يثير أسئلة مخيفة حول المرجعية الحقيقية للقرار في الدولة هذه الأيام. فإذا كانت الدوائر الرسمية للقرار قد اختارت التهدئة، فمن الذي يملك سلطة أكبر من سلطة تلك الدوائر؟ بل من يجرؤ على مخالفة القرارات والتعليمات والأوامر العليا؟ بالطبع ليس وزير الداخلية!
هناك "تحليل" غير مريح إطلاقا للمشهد السياسي الحالي. وهو تحليل، لو صح، يستدعي منا الحذر، بل ويستدعي تحرك فوري من كافة القوى السياسية. وقد بينت بعض جوانب هذا التحليل في مقالي الذي نشرته في صحيفة عالم اليوم الخميس الماضي.
يعتمد التحليل على فكرة وجود "ارتخاء" نسبي في مركزية القرار، وأن هذا الارتخاء سمح مؤخرا ببروز مرجعية جديدة للقرار داخل الأسرة الحاكمة لاسيما الأمني. وعلى الرغم من تمتع صاحب السمو الأمير بالصحة والعافية، أدامهماالله عليه، وعلى الرغم من استمرار سموه في ممارسة دوره القيادي ومتابعته للشأن العام، فإن هناك من يقارن المشهد الحالي، بالسنوات المتقدمة من حكم المرحوم الشيخ جابر الأحمد حيث اضطر المرحوم الشيخ جابر، ولأسباب صحية وبعد مرض الشيخ سعد العبدالله السالم ولي العهد آنذاك، إلى الاستعانة المكثفة بالمحيطين به وتنازل لهم عن معظم قرارته.
بيد أن الفارق الجوهري بين السنوات المتقدمة من حكم المرحوم الشيخ جابر الأحمد والمشهد الحالي يكمن في أن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد كان اليد اليمنى للشيخ جابر الأحمد بعد مرض الشيخ سعد، فكان انتقال السلطة الفعلية آنذاك لا يتسم بالمخاطرة. فسمو أمير البلاد كان يتحمل المسؤولية الفعلية قبل مرض ووفاة المرحوم الشيخ جابر الأحمد بسنوات، أي منذ مرض الشيخ سعد العبدالله السالم. ولدى سموه خبرة حكم تؤهله لإدارة شؤون الدولة، بل أن المطالبة بإسناد رئاسة مجلس الوزراء إلى سموه في العام 2003 لم تكن مطالبة خاصة وإنما كانت أغلب القوى السياسية تدفع في الاتجاه نفسه. ما أريد قوله هو أن عنصر الأمان كان متوفرا ولم يكن لدى الشعب الكويتي أي قلق من خروج السلطة الفعلية من يد المرحوم الشيخ جابر الأحمد باعتبار أنها خرجت من يده، رحمه الله، إلى يد أمينة وحكيمة هي يد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد. بل أن أزمة الخلافة التي كان يمكن لها أن تأخذ مسارات خطرة، انتهت بأسلوب ديمقراطي لم تتخلله أية اضطرابات أمنية أو اعتقالات أو استخدام للجيش أو الحرس الوطني، وهو ما دل على مقدار حكمة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد.
وإذا كان وجود صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد إلى جانب المرحوم الشيخ جابر الأحمد ضمانة مهمة لاستقرار الأوضاع، فما هي ضمانات المشهد الحالي؟ هل يتمكن سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد من السيطرة على تداعيات "ارتخاء" مركزية القرار لوحدهما ومن دون "شراكة" مفروضة مع أطراف أخرى من داخل الأسرة الحاكمة؟ وهناك سؤال أكثر أهمية وهو هل سيتم "تمكين" سمو ولي العهد وسمو رئيس مجلس الوزراء من "تعضيد" الحكم حين يلزم الأمر، أم ستوضع أمامهما حواجز تحول دون قيامهما بدور أساسي؟ إن الشعور بالإمان سوف يستمر في حال تعاظم دور سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد وسمو رئيس مجلس الوزراء شخصيا، بيد أن الشعب الكويتي لن يشعر بالإطمئنان في حال فرضت قيود ووضعت حواجز في طريقهما. وهنا لابد لي من الاعتراف بأن وجود الشيخ ناصر صباح الأحمد كوزير للديوان الأميري سيكون ضمانة إيجابية تحول دون زحف شيوخ آخرين نحو السلطة أو تسللهم إليها من الباب الخلفي، وهو بالتاكيد لن يسمح لكائن من كان باتباع سياسة "التغييب والعزل والوصاية والوشاية"، فهو لديه خبرة مميزة في هذه المسائل اكتسبها خلال فترة أزمة الحكم حين كانت بعض الأطراف تقدم "خدماتها"!
من جهة أخرى، فإنه من المفترض أن تسعى القوى السياسية للعب دور مهم ومبكر في حماية الشرعية ومنع أي زحف على السلطة من قبل مراكز النفوذ التي برزت في الفترة الأخيرة. إن تكلفة المواجهة المبكرة أقل بكثير من تكلفة المواجهة المتأخرة، فمن المتوفع أن تظهر تحالفات جديدة وسط الأسرة الحاكمة قد تكون لها قوة سياسية هائلة في الشارع أيضا وليس وسط الأسرة فقط، وسوف يكون من الصعب تفتيتها لاحقا!
على أي حال، وبصرف النظر عن واقعية التحليل السابق، فإن المطلوب من القوى السياسية ومن الشيوخ الذين يملكون ما يكفي من وعي التصدي لأي محاولة تستبق الزمن وتحاول اختطاف مستقبل الحكم والدولة عن طريق الزحف "المبرمج" على السلطة!
إن الحكم والدولة أمام طرق متقاطعة... وآخر دعوانا أن يديم الله نعمة الصحة والعافية على صاحب السمو أمير البلاد، وأن يحفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه، وأن يبقيها دار حرية وديمقراطية ولو كره الكارهون!!
8/3/2008
يتداول الناس باستغراب شديد عدة أسماء يرون أنها تقف وراء التصعيد الأمني والقانوني في قضية تنظيم "حزب الله". وهناك من يردد أن البلاغات الكاذبة عن وجود متفجرات هنا وهناك هي أيضا جزء من مخطط "داخلي"، من دون علم السلطة، يهدف إلى خلق أجواء تدفع الحكم، بحسن نية، إلى حل مجلس الأمة وتعليق العمل بالدستور وصولا إلى تعديله على نحو يقلص الحريات السياسية ويهمش صلاحيات مجلس الأمة تحت عنوان حماية المصلحة العليا للبلاد!
ويقول هؤلاء، ومعهم كل الحق، أن ما يلفت النظر في تطورات الأحداث هو أن المراجع العليا المسؤولة في الدولة، وبمواقعها المختلفة، اتفقت قبل نحو أسبوع على وجوب السيطرة على قضية تنظيم "حزب الله"، وعدم السماح لمعالجتها بأن تجر البلاد نحو مواجهة طائفية، وأن "التهدئة" هي الخيار الأول. وبحسب معلومات حصلت عليها شخصيا، كان "تخفيف" دور مباحث أمن الدولة وأسلوب عرض المطلوبين على النيابة العامة هو من بين التفاصيل التي تم الاتفاق عليها بحيث يترك للنيابة العامة حرية "إدارة" القضية، من دون أبعاد سياسية، باعتبارها جهة مستقلة، ومن دون محاولة التأثير على سير التحقيقات من قبل أي جهة، وتحديدا وزارة الداخلية. غير أن مسار القضية خرج عن سياق ما تم الاتفاق عليه بين دوائر القرار، وهناك من يصر على جر البلاد نحو مواجهة طائفية، وهو الأمر الذي يثير أسئلة مخيفة حول المرجعية الحقيقية للقرار في الدولة هذه الأيام. فإذا كانت الدوائر الرسمية للقرار قد اختارت التهدئة، فمن الذي يملك سلطة أكبر من سلطة تلك الدوائر؟ بل من يجرؤ على مخالفة القرارات والتعليمات والأوامر العليا؟ بالطبع ليس وزير الداخلية!
هناك "تحليل" غير مريح إطلاقا للمشهد السياسي الحالي. وهو تحليل، لو صح، يستدعي منا الحذر، بل ويستدعي تحرك فوري من كافة القوى السياسية. وقد بينت بعض جوانب هذا التحليل في مقالي الذي نشرته في صحيفة عالم اليوم الخميس الماضي.
يعتمد التحليل على فكرة وجود "ارتخاء" نسبي في مركزية القرار، وأن هذا الارتخاء سمح مؤخرا ببروز مرجعية جديدة للقرار داخل الأسرة الحاكمة لاسيما الأمني. وعلى الرغم من تمتع صاحب السمو الأمير بالصحة والعافية، أدامهماالله عليه، وعلى الرغم من استمرار سموه في ممارسة دوره القيادي ومتابعته للشأن العام، فإن هناك من يقارن المشهد الحالي، بالسنوات المتقدمة من حكم المرحوم الشيخ جابر الأحمد حيث اضطر المرحوم الشيخ جابر، ولأسباب صحية وبعد مرض الشيخ سعد العبدالله السالم ولي العهد آنذاك، إلى الاستعانة المكثفة بالمحيطين به وتنازل لهم عن معظم قرارته.
بيد أن الفارق الجوهري بين السنوات المتقدمة من حكم المرحوم الشيخ جابر الأحمد والمشهد الحالي يكمن في أن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد كان اليد اليمنى للشيخ جابر الأحمد بعد مرض الشيخ سعد، فكان انتقال السلطة الفعلية آنذاك لا يتسم بالمخاطرة. فسمو أمير البلاد كان يتحمل المسؤولية الفعلية قبل مرض ووفاة المرحوم الشيخ جابر الأحمد بسنوات، أي منذ مرض الشيخ سعد العبدالله السالم. ولدى سموه خبرة حكم تؤهله لإدارة شؤون الدولة، بل أن المطالبة بإسناد رئاسة مجلس الوزراء إلى سموه في العام 2003 لم تكن مطالبة خاصة وإنما كانت أغلب القوى السياسية تدفع في الاتجاه نفسه. ما أريد قوله هو أن عنصر الأمان كان متوفرا ولم يكن لدى الشعب الكويتي أي قلق من خروج السلطة الفعلية من يد المرحوم الشيخ جابر الأحمد باعتبار أنها خرجت من يده، رحمه الله، إلى يد أمينة وحكيمة هي يد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد. بل أن أزمة الخلافة التي كان يمكن لها أن تأخذ مسارات خطرة، انتهت بأسلوب ديمقراطي لم تتخلله أية اضطرابات أمنية أو اعتقالات أو استخدام للجيش أو الحرس الوطني، وهو ما دل على مقدار حكمة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد.
وإذا كان وجود صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد إلى جانب المرحوم الشيخ جابر الأحمد ضمانة مهمة لاستقرار الأوضاع، فما هي ضمانات المشهد الحالي؟ هل يتمكن سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد من السيطرة على تداعيات "ارتخاء" مركزية القرار لوحدهما ومن دون "شراكة" مفروضة مع أطراف أخرى من داخل الأسرة الحاكمة؟ وهناك سؤال أكثر أهمية وهو هل سيتم "تمكين" سمو ولي العهد وسمو رئيس مجلس الوزراء من "تعضيد" الحكم حين يلزم الأمر، أم ستوضع أمامهما حواجز تحول دون قيامهما بدور أساسي؟ إن الشعور بالإمان سوف يستمر في حال تعاظم دور سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد وسمو رئيس مجلس الوزراء شخصيا، بيد أن الشعب الكويتي لن يشعر بالإطمئنان في حال فرضت قيود ووضعت حواجز في طريقهما. وهنا لابد لي من الاعتراف بأن وجود الشيخ ناصر صباح الأحمد كوزير للديوان الأميري سيكون ضمانة إيجابية تحول دون زحف شيوخ آخرين نحو السلطة أو تسللهم إليها من الباب الخلفي، وهو بالتاكيد لن يسمح لكائن من كان باتباع سياسة "التغييب والعزل والوصاية والوشاية"، فهو لديه خبرة مميزة في هذه المسائل اكتسبها خلال فترة أزمة الحكم حين كانت بعض الأطراف تقدم "خدماتها"!
من جهة أخرى، فإنه من المفترض أن تسعى القوى السياسية للعب دور مهم ومبكر في حماية الشرعية ومنع أي زحف على السلطة من قبل مراكز النفوذ التي برزت في الفترة الأخيرة. إن تكلفة المواجهة المبكرة أقل بكثير من تكلفة المواجهة المتأخرة، فمن المتوفع أن تظهر تحالفات جديدة وسط الأسرة الحاكمة قد تكون لها قوة سياسية هائلة في الشارع أيضا وليس وسط الأسرة فقط، وسوف يكون من الصعب تفتيتها لاحقا!
على أي حال، وبصرف النظر عن واقعية التحليل السابق، فإن المطلوب من القوى السياسية ومن الشيوخ الذين يملكون ما يكفي من وعي التصدي لأي محاولة تستبق الزمن وتحاول اختطاف مستقبل الحكم والدولة عن طريق الزحف "المبرمج" على السلطة!
إن الحكم والدولة أمام طرق متقاطعة... وآخر دعوانا أن يديم الله نعمة الصحة والعافية على صاحب السمو أمير البلاد، وأن يحفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه، وأن يبقيها دار حرية وديمقراطية ولو كره الكارهون!!
8/3/2008