المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شباب الجزائر... والحلم الكندي الهارب



فاطمة
02-15-2008, 08:22 PM
كامل الشيرازي من الجزائر

بعد أن ظلّ الوصول إلى أستراليا وبريطانيا وبدرجة أقل فرنسا وإيطاليا، مرادفًا منذ سنوات لتطلعات آلاف الشباب الجزائري المسكون بتحدي الهجرة، صار هؤلاء مهووسون الآن بالحلم الكندي، ما ضاعف من حدة التوافد الجزائري إلى كندا، أين يرون في الأخيرة (التجلي المطلق والاستقرار التام)، وزاد من ولع الشباب الجزائري بمعانقة الضفاف الكندية، صعوبة الحصول على تأشيرة إلى فرنسا، إضافة إلى قوانين الهجرة الصارمة نحو سائر الدول الأوروبية، فماذا وراء هذا الانجراف الجزائري وراء ارتسامات طيف كندي هارب؟، "إيلاف" بحثت الموضوع مع المعنيين، تابعوا:

غزو جعل الجزائريين في الصدارة

بلغة الأرقام، يتواجد الجزائريون في صدارة المهاجرين الذين اختاروا كندا وإقليم الكيبك للاستقرار، حيث تقدرهم بيانات رسمية اطلعت عليها "إيلاف" بـ18.10 في المائة من مجموع الجاليات الأجنبية المستقرة هناك، واستنادا لإحصاءات وزارة الهجرة والجاليات الثقافية بكندا، فإنّ إقليم الكيبك لوحده استقبل خلال السداسي الأخير من العام 2007، 20519 مهاجر، ما رفع من إجمالي الجزائريين* ‬المقيمين* ‬بكندا* ‬إلى حدود 50 ألف شخص قدم ربعهم في الفترة ما بين 2001* ‬و2005*، وتبيّن الأرقام أنّ 70 في المئة من جزائريي كندا هم شبان من حاملي الشهادات الجامعية العليا، إضافة إلى مهنيين مؤهلين وأزواج شباب يتقنون اللغة الفرنسية ويجدون سهولة كبيرة في الاندماج* ‬في* ‬عالم* ‬الشغل، علمًا أنّ السلطات الكندية تعتمد معيار الإنتقائية، لذا تشدد إجراءاتها في قبول ملفات الهجرة، وتختار سعداء الحظ ممن تتوفر فيهم الكفاءات والشروط التي تحددها الجهات المكلفة بالهجرة.

وتقول مصادر على صلة بالملف لـ"إيلاف"، إنّ السلطات الكندية إذا ما طبقت الاتفاق المبرم حول الجزائر بشـأن "معادلة الشهادات" فإنّ عددًا إضافيًا من خريجي الجامعات الجزائرية سيلتحقون بالركب الكندي، لأنّ الحاصل حاليًا وفي ظل استمرار عدم تطبيق الاتفاق المذكور، إنّ قطاعًا غير محدود من الجزائريين المتحصلين على شهادات جامعية لا يستسيغون الهجرة إلى كندا بغاية الانطلاق من الصفر هناك.

الفردوس المفقود (..)

الظاهرة في اتساع، فكندا تضم وحدها نحو 90 في المئة من المهاجرين الجزائريين، بينهم نحو 20 ألف شخص لا يملكون وثائق رسمية، بينما الكثير يفضل التشبث بابقاء على الأراضي الكندية بسبب القوانين المختلفة التي تحكمه، بحسب المعنيين، ما يجعل * ‬مونريال وأوتاوا وتورنتو ولا سيما إقليم الكيبك قبلة الشبان الجزائريين على اختلاف مستوياتهم التعليمية والاجتماعية.

ويتفق أخصائيون في علم الاجتماع على أنّ تنامي معدلات الهجرة، سببها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الجزائر، والتي تتفاقم عامًا بعد عام، ويرى بدر الدين إلياس أنه من الطبيعي جدًا أن يحلم أي شاب جزائري بالاستقرار في كندا أو إحدى دول الشمال، خشية عدم الوقوع في فخ اليأس، فيما تتصور الأخصائية النفسانية خديجة بكوش أنّ الشبان أحسوا كأنهم في سجن، لا سيما خلال سنوات الإرهاب، لذلك نمت لديهم الرغبة في الهجرة إلى الشمال بأي ثمن أو طريقة.

حلم لا متناهي

حلم الهجرة لا متناهي عند قطاع واسع من الشباب الذين يعتقدون أنّ بلادهم هي الجحيم وأنّ الجنة هي كندا، لذا لا يهمهم سوى الهروب من الوطن حتى ولو كان الجحيم ينتظرهم، لذلك لم يتردد ما لا يقل عن 700 شاب في الهجرة العام الماضي، يمنّون أنفسهم بفرصة العمر في الدول المستقبلة للمهاجرين، وتتّم محاولات الهجرة بشكل يومي من طرف شباب من الجنسين يصرفون ما يربو عن 2500 دولار لقاء تحقيق الهدف.

دافعهم اقتصادي ممزوج بالقهر الاجتماعي، حيثما تلتقي بهم، يحدثونك بشوق غريب عن أملهم في العبور إلى الجنة المفقودة هناك في " كندا "، فريد (27 سنة) الذي جرّب حظّه في الهجرة نحو كندا ولم ينجح، يقول: "لست أحسن من رئيس وزراء إسبانيا الأسبق الذي صرّح (لو كنت مواطنًا من دول الجنوب، لغامرت أكثر من مرة حتى الوصول إلى كندا)، بينما يؤكد نسيم (22 سنة): "أريد الهجرة إلى كندا، والسبب في هذا أني أهوى الإخراج وعندي أفكار وخيالي واسع يحتاج فقط لامكانيات، وهو ما ليس متوفرا هنا"، ويشاطره فضيل (23 سنة): "أبحث عن إثبات ذاتي، والمجتمع الجزائري لم يسمح لي بتحقيق ذلك".

من جهتهم، يستغرب وسيم، نبيل وأحمد وهم شباب في العشرينات من عمق العاصمة: "عجبًا، ألا ترون لأحوالنا في البلد؟ نرنو إلى الهجرة الى كندا لأنها بلد الأمان والحريات، أريد أن أبدأ حياتي من جديد هناك، لأنّ كندا هي بلد تحقيق الأحلام وتساعدني على المضي قدمًا نحو المستقبل"، ويدافع رضا (27 سنة) عن هذه الهجرة بقوله: "من الأجدر أن يكون شاب في 30 سنة متزوج وله أولاد وعمل وحياة مستقرة، لكن الواقع عكس ذلك، فغالبية الشباب يعيشون حياة قاب قوسين أو أدنى، لو أبقى هنا في الجزائر مدة 50 سنة لا أستطيع أن أملك سيارة ولا يمكنني الزواج"، ويعلّق عبد الحميد (29 سنة) بلسان خبير: "عانيت كثيرًا من البطالة، لا يوجد شيء في هذه البلاد، لقد ضقت ذرعًا بواقع كهذا، وأمام الظروف اهتديت إلى الهجرة لكن الظروف كانت صعبة، فرجعت، لكني أخطط للعودة إلى هناك رفقة خطيبتي".

بالمقابل، لم يخف ياسين (24 سنة) رغبته الكبيرة في الهجرة إلى تورنتو، وعلّق بتفاؤل كبير: "لقد قمت بجميع الإجراءات لأسافر قبل حلول العام الجاري، لكنني حاليًا أنتظر الرد الذي ستقدمه لي السفارة الكندية"، وعلى الرغم من أن طلبات الهجرة إلى هذا البلد كثيرة وتعد بالآلاف، إلاّ أنّ القليل منهم يتلقى ردودًا إيجابية، خاصة حملة الشهادت العليا أو من يملكون أرصدة مصرفية لا بأس بها.

وعلى الرغم من أنّ المولوعين بالهاجس الكندي، يعترفون بأنّ الجزائر قدمت لهم الكثير من الخدمات، مثل ضمان الدراسة المجانية في مختلف مراحل التعليم، غير أنّ سمير (28 سنة) يقول بحسرة: "لا أفهم لماذا تضمن الدولة الدراسة المجانية وتتحمل جميع أعباء التعليم طوال سنوات عدة، لكنها في المقابل لا تهتم بهم بعد تخرجهم بحيث أنها لا تضمن لهم مناصب تليق بالمستوى الدراسي الذي وصلوا إليه".
وبلهجة ساخرة، يصرخ رشيد (27 سنة): "لدي دبلوم عالي في علوم الحاسبات، لكني موظف في إمبراطورية البطّالين!"، ويضيف: "أريد الهجرة إلى أي بقعة في العالم تحترم انسانيتي وتوفر لي الأمن المادي والمعنوي"، ويؤيده سليمان (31 سنة) ومصطفى (29 سنة) ورفيق (24 سنة) بقولهم:" كل الشبان الجزائريين يحلمون بالهجرة نحو الشمال بحثاً عن حياة أفضل".

في مهب الريح

الكثيرون ممن هاجروا، يقرّون بأنّ أحلامهم ذهبت أدراج الرياح لحظة وصولهم إلى ما اعتقدوه "فردوس الدنيا"، وتبدأ هناك رحلة جديدة من العذاب، إذ يعترفون أنّهم ارتموا من حيث لم يتوقعوا في براثن جحيم أقسى وأشدّ من الواقع الذي هربوا منه، ويروي رستم (29 سنة) كيف أنّه ذاق الويلات في مدينة سردينيا الايطالية، التي قصدها بغاية الوظيفة المحترمة والعيش الرغد، لكنه وجد نفسه يتصارع مع واقع مرير أرغمه على العودة من حيث أتى.

بينما يحكي نبيل (25 سنة) وإسحاق (27 سنة)، كيف أنهما شاهدا الموت رؤيا العين عندما انقلب بهما قاربا على مشارف السواحل الاسبانية، وكادا أن يلقيا حتفهما لولا إنقاذهما في الوقت المناسب، وتضيف نائلة (28 سنة):" هاجرت إلى كندا وكنت أظنها أرض أحلامي، لكن كل شيئ تحطّم، عندما فشلت في الحصول على فرصة عمل واضطررت إلى قضاء أيام سوداء بعيدا عن أهلي مدة عام تقريبا، قبل أن أقرّر الرجوع إلى مسقط رأسي".

المؤلم والخطير، هو انتشار الهجرة غير المشروعة التي استوعبت 1500 شاب العام الماضي، كما أودت بحياة 42 شابا وفقدان عدد غير محدد من "المغامرين" جراء مآسي (قوارب الموت) التي يستخدمها كثير من هؤلاء للوصول إلى الضفة الأخرى، وبينهم محمد (28 سنة) الذي حاول في مرات ثلاثة الهروب عبر البحر، لكن خططه باءت كلها بالفشل.

وإذا كانت السلطات وفي خطة يائسة منها لمجابهة موجة الهجرة الزاحفة، دفعت وزارة الأوقاف إلى استصدار فتوى تحرم الهجرة غير الشرعية عبر ما يعرف بقوارب الموت، إلا أنّ الظاهرة في تنام، كون كثير من الشبان المحرومين يمنون أنفسهم بـ"الجنة الأوروبية"، على الرغم من المفارقة القائمة، بحيث يجزم الكثير من هؤلاء بسرابية تلك (الجنة).