المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : احذروا تقديس الرموز المذهبية



جمال
02-01-2008, 08:29 AM
محمد حسين فضل الله - الوسط البحرينية


هل هناك عالم عربي يحترم نفسه ويتحمل مسئوليته عن الشعب الفلسطيني الذي مضى على احتلاله من قبل اليهود بمعاونة دول الغرب ستين سنة، ومازال يفرض عليه الحصار الغذائي والتمويني والطبي، كما حدث لدى قطع الإمدادات الطبية عن مستشفيات غزة، إضافة إلى القصف الهمجي الذي يستهدف كل حي فيها، من دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال، أو بين البيوت والمقرات الرسمية وأكواخ البؤساء والعاطلين عن العمل المعاقبين من سلطتهم ومن السلطات الشقيقة والصديقة، المحرومين وأطفالهم من الدفء في هذا الشتاء القارس، والممنوعين من مغادرة القطاع حتى للاستشفاء أو الدراسة أو البحث عن الرزق؟!

إن العالم يفرض على غزة الموت بصمت، فلا يسمح لها بالصراخ، ولا بالاحتجاج، لئلا تقلق الغرب الذي لا يرى أن للإنسان العربي حقوقاً، بل هي لليهود وحدهم، ولئلا تزعج المسئولين العرب الذين يستقبلون بين وقت وآخر مسئولاً يهودياً من دون أن يحاسبوه على إبادة الشعب الفلسطيني، بل يقدمون له المواقف التي تستعطفه للقبول بالسلام بشروطه المهينة المذلّة!

لقد ذهب العرب في لهاث حماسي إلى أميركا لحضور مؤتمر «أنابوليس»، لأن الإدارة الأميركية فرضت عليهم ذلك، من دون أن يحصلوا على شيء قد يساهم في حل المشكلة الفلسطينية على مستوى الحلول النهائية، بل إنها شرطت عليهم الدخول في حرب داخلية لإنهاء الانتفاضة وقتال المجاهدين وتصفية السلاح الفلسطيني. وقد أعلنت الإدارة الأميركية أنها تتفهَّم حرب الإبادة وحركة الحصار والتخطيط لموت الفلسطينيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً، بحجة أن «إسرائيل» في حال دفاع عن النفس.

أميركا: سياسة التخويف من إيران

إن أميركا، ومعها مسئول العدو، تزعم أن المشكلة هي في الصواريخ الفلسطينية التي تطلق على المستوطنات الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل هذا العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني ردّ فعل لما يسمونه عدوان الانتفاضة، ولكن الإسرائيليين لم يلتزموا بالامتناع عن الاغتيالات والاجتياحات والاعتقالات والتدمير للمدنيين مما يقومون به في الضفة وغزة؛ لأن المطلوب ألا يدافع الفلسطينيون عن أنفسهم، وهذا ما تمثل في زيارة الرئيس الأميركي الذي لم يطلب من اليهود الانسحاب من الأرض المحتلة؛ لأنه لا يعترف بالاحتلال لهذه الأرض، بل يعتبرها أرضاً متنازعاً عليها؛ ولأنه يترك الحرية لليهود في تحصين كيانهم ضد الوجود العربي، ويخدع العرب بالحديث عن الدولة الفلسطينية التي يعرف أنها ليست قابلةً للحياة بالشروط الإسرائيلية التي مزقت الأرض الفلسطينية كل ممزّق.

ويبقى السؤال: هل هناك عالم عربي يتحمل مسئوليته عن الأوضاع العربية المقهورة، أو أن هؤلاء الناس الذين يحكمون شعوبهم لايزالون يلهثون وراء الراعي الأميركي الذي يتجول في بلدانهم ليعقد الصفقات العسكرية التي لا تحقق للعرب أية قوة، بل تدعم الاقتصاد الأميركي ومصانع السلاح؟ وإلى جانب ذلك، تستمر حركة التطبيع العربية مع «إسرائيل»، بينما يستمر السعي لتكون إيران هي العدو، لأنها في موقع العداوة لأميركا و «إسرائيل».

وإلى جانب السعي لفرض عقوبات عليها، لايزال الرئيس الأميركي يتابع اتهامه للجمهورية الإسلامية في إيران بتخطيطها لصنع القنبلة النووية التي يزعم أنها تهدد استقرار العالم بما يضحك الثكلى، في الوقت الذي تملك أميركا آلاف الأسلحة النووية، فيما تملك «إسرائيل» أكثر من مئتي رأس نووي. وذلك إضافةً إلى دول الغرب التي تتحرك بالسلاح النووي بأعداد كبيرة. ومن الطريف أن الرئيس الأميركي في جولته العربية، كان يحذر الدول الخليجية من الخطر الإيراني، ولم ينطق أحد من المسئولين هناك لتذكيره بتقرير أجهزة الاستخبارات الأميركية الذي أكدت فيه امتناع إيران عن صنع السلاح النووي منذ أكثر من خمس سنوات، وتقرير وكالة الطاقة النووية الذي أفاد أن إيران قد أوضحت في أجوبتها عن الأسئلة الموجهة إليها؛ ما من شأنه أن يُبعد الاتهام الدولي الأوروبي الخاضع لأميركا، التي تطلب من الأوروبيين المشاركة في العقوبات الاقتصادية التي يراد فرضها على إيران للضغط عليها لإيقاف التخصيب...

إن أميركا، ومعها «إسرائيل»، تريد إقحام العرب في حرب لا مصلحة لهم فيها، ودفعهم نحو مشكلات كبرى قد تصل إلى تدمير المنطقة، بينما يمثل السلام المعروض عليهم من إيران، القوة والتقدم والرخاء والانفتاح الاقتصادي الذي يحقِّق الخير للجميع.

لبنان: تعطيل الحوار وفوضى أمنية

أما لبنان، فقد أصيبت المبادرة العربية بشأنه بالشَّلل السياسي الذي عطّل أكثر من حلّ، وخصوصاً أن بعض العرب الذين وقَّعوا على المبادرة، التزموا خط السياسة الأميركية التي لاتزال تلعب بالمصير اللبناني تحت تأثير عناوين معينة تجتذب فيها مشاعر اللبنانيين في شكل يثير الشك في سذاجة نظرتهم إلى الأمور، ويعطل الحوار الموضوعي الهادف الذي يمكن أن يصل إلى نتيجة إيجابية في حال أخلص النادي السياسي للوطن. ولعل ما يلفت النظر، أن التصريحات المتنقلة من موقع إلى موقع، لا تراعي الدقة في المفردات التي تنطلق من هذا الفريق أو ذاك.

هذا إضافةً إلى أسلوب السباب السياسي، والسعي إلى خلق ظروف معقدة تساهم في تحريك المسألة المذهبية والطائفية، ما قد يجعل المسألة منفتحة على المتاهات السحيقة الضائعة التي تجعل الوطن كله في قبضة الأزمة المعقدة في المنطقة لحساب الإدارة الأميركية.

ويبقى البلد في قبضة الجوع والحرمان، وفي أجواء الظلام الذي يواجه شعبه ويجتاح أوضاعه في خدماته الحيوية، ويخدّر حركته الوطنية، ويصادر وعيه السياسي، ليظل يلاحق هذا الرمز الطائفي أو المذهبي أو السياسي، من دون أن يفكر جيداً في المضمون الصادر عنه، ما قد يضاعف من الأزمة ويزيدها تعقيداً...

إن المشكلة في هذا البلد، تتمثل أيضاً بهذا الخضوع للمقدسات الطائفية للذين لا قداسة لهم، وتقديمهم كأشخاص يملكون العصمة في الفكر، ومن الخطورة أن بعض المواقع الدينية وأتباعها، يعملون على أساس تقديس الرموز المذهبية، في عملية ترويج للطائفة والمذهب، بعيداً عن أية قاعدة وطنية تعالج مشاكل الناس في وطنهم الصغير.

إننا نهيب بالشعب اللبناني الذي يحترم عقله ومستقبله، أن يتابع كل ما يصدر من الشخصيات السياسية والدينية، وأن يدرس المضمون السياسي الذي تطرحه في الساحة تحت تأثير خلفيات إقليمية أو دولية وطموحات شخصية وحزبية، حتى لا يسقط في تعقيدات التاريخ الذي صنعه بعض هؤلاء في الماضي، بالطريقة التي جعلت البلد يعيش في تاريخه المزيد من المآزق، والكثير من المجازر، إضافةً إلى استهلاك المال العام، وإفقاره بالديون، وتركه فريسةً للمشاكل الكبرى.

وأخيراً، إننا أمام هذه الاستباحة المتواصلة للأمن اللبناني، من خلال هذه التفجيرات الوحشية التي تطاول شخصيةً هنا وشخصيةً هناك، وتحصد المزيد من الضحايا المدنيين في طريقها، نريد للبنانيين أن يعملوا على جميع المستويات لحماية أمنهم من عبث المجرمين، ومن كلِّ الساعين لإدخال البلد في أتون الاهتزاز الأمني والسياسي الممتد عبر المنطقة كلّها، ولن يكون ذلك إلا بالعمل الدائب للوصول إلى التوافق السياسي الذي يحمي السلم الأهلي، ويقطع الطريق على كلِّ المتربصين شراً بلبنان.