زهير
01-28-2008, 10:14 AM
تحقيـق: ثـائـرة محـمـد
كلنا نعرف ان «اولاد الكار» هم زملاء المهنة الواحدة، التي يفترض ان يكونوا يداً واحدة لكننا غالباً ما نسمع عن المشاكل التي يسببها الزملاء بعضهم لبعض ، هذا تعرض للوقيعة بينه وبين المدير بسبب زميله الحاقد، وآخر حرم من الترقية بسبب نفاق بعض الزملاء امام مسؤوله، وثالث يذهب الى عمله كارها لا يطيق نفسه لانه ضاق بما يفعله الآخرون به، وغيره يشعر ببغض وكره زملائه على الدوام من دون ذنب اقترفه.. وغيرهم الكثير.
ولهذا فاننا غالبا ما نقول بالعامية «لا تخاف الا من ابن الكار»، فالخوف من ابن الكار تعدى الافراد في المكان الواحد ليصل الى الشركات الكبرى والمؤسسات العظمى التي تتنافس على المنتج نفسه في صراع لا ينتهي، حتى سمعنا عن «الجاسوسية الصناعية» في الخارج والتي هي عادة ما تكون بين المصانع الكبرى للتجسس على منتجاتها الجديدة وآخر تطوراتها نحو تقديم الافضل.
فاذا كانت هذه الجاسوسية من وجهة نظرنا لخدمة البشرية في تقديم الاحدث مما يتيح للناس فرصة اكبر في اقتناء الافضل، فهل هذا هو ما يحدث بين زملاء العمل الواحد في المكان الواحد؟.
واذا سلمنا بأن الغيرة في العمل امر طبيعي ووارد في كل مكان، فكيف نوظف هذه الغيرة الموجودة في الطبيعة البشرية لخدمة الاخرين متجنبين في الوقت نفسه غدر اولاد الكار؟ تحقيقنا التالي يكشف اسباب غدر اولاد الكار وكيفية تحويله الى محبة والفة.
الغدر في وقتنا هذا بات من كل حدب وصوب، ولا يقتصر على عمل بعينه.
فما ان تدير ظهرك حتى تتلقفك سهام الغدر من الخلف وتسمع الواحد منا يقول عند تعرضه لذلك. «عادي تعودت»، ثم يكمل آخر فيقول «لان الغدر عادي لن تجد من يحمي ظهرك عندما تستدير» او من «لا ينتف فروتك» لان وجود ذلك الشخص في ايامنا هذه نادر جداً.
ابو فراس الشهابي من هؤلاء.. يعمل في احدى الشركات الخاصة، رجل مسالم ليس له علاقة باحد، جعل همه في عمله ولا يربطه بزملائه سوى «السلام عليكم والتحية» ومع هذا لم «يملص» ابو فراس من الوشاية في العمل، فقد تكاتف عليه زملاؤه واتهموه زورا بخطأ لم يرتكبه حتى تم ايقافه عن العمل. وعلى الرغم من ان التحقيقات اثبتت لاحقا براءته مع ظهور المذنب الحقيقي الا انه رفض العودة الى العمل ذاته، لانه لم يعد يطيق زملاء السوء الذين وشوا به وسببوا له تلك الالام التي ترك على اثرها العمل.
ابو فراس لديه قناعة مسبقة بان اولاد الكار لا يمكن ان يكونوا اصدقاء، ولهذا غالبا ما يتجنب الحديث معهم خيرا او شرا.. وهو مع هذا لم يأمن غدرهم.
فرق الرواتب
والتقينا بحسام حنتولي مدير المشاريع في احدى المؤسسات الذي اعتبر ان الغدر غالبا ما يأتي من القريب:
- الغدر قد يكون بين الاقرباء وبين الاصدقاء المقربين جدا، اما الزملاء غير الاصدقاء في العمل فخطأهم ليس غدرا، حيث ان الغيرة والحسد يكونان دافع الزميل الى ارتكاب الخطأ في حق زميله. وفرق الرواتب من الاسباب الرئيسية والمهمة لبغض الزملاء وحسدهم وغيرتهم من بعضهم البعض.
والسبيل لحل هذه الازمة بين الزملاء في العمل كما يراه هو اقحام الزملاء بالاحترام والتغاضي عن الاساءة ومقابلتها بالحسنى لان سيئ الخلق سينصاع مع الوقت مع الزميل كريم الخصال.. فالاخلاق الحسنة هي السبيل الوحيد لكسب الزملاء والاصدقاء وتجنب شرورهم..
هدى احمد توقفت ايضا عند فرق الرواتب وقالت:
- ان فرق الرواتب بين الزملاء هو ما يجعل فلانا يحقد على علان، خصوصا اذا كان الثاني افضل من الاول، حيث يشعر بالظلم لانه صاحب كفاءة افضل وخبرة اطول.
واصحاب العمل انفسهم يكونون سببا في وجود جو مشحون بالغيرة بين زملاء العمل الواحد، لعدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب هذه الايام.
الصعود على الكتف
اتذكرون المثل القائل «علمناهم الشحاذة سبقونا على الأبواب»؟
هذا المثل تذكرته عندما سمعت ما قالته علياء التركي المسؤولة في احدى الوزارات قالت:
- نقوم بتدريب الدفعات الجديدة من العاملات في وزارتنا وتعليمهن اصول العمل، بتعليمات من المسؤول الاعلى. ولا خلاف في ذلك، ولكن الغريب في الامر ان المستجد في الوظيفة الذي لم يكمل عامه الاول يصعد بعد تدريبه على كتفك بل يسحب البساط من تحت قدميك اما بالواسطة او اما بأساليبه. فكيف تكون هناك محبة وزمالة مع هذه الفئة التي لا تعرفك الا اذا احتاجت منك شيئا؟ وكيف بالله عليكم يدرب مسؤول خريجين صغاراً وجدداً في العمر والخبرة على انهم ابناؤه ثم يجلسون مكانه، ويعمل المسؤول تحت امرتهم.
وهذه ليست غيرة انما عدم عدالة المسؤولين في كل مكان.
واكد ذلك ايضا جابر محمد الذي اضاف:
- ان غدر اولاد الكار يكون بسبب صعود احد الزملاء على كتف الآخرين بالكذب والخديعة. فالبعض يظهر الولاء للموظف المجتهد وصاحب الخبرة، ليكتسب منه خبرته وطريقة سير العمل ومشن ثم يصعد على كتفه امام المسؤولين رغم انه لولا زميله لما كان له شأن اصلا. وهذا هو الغدر بعينه.
المدير المناسب في المكان المناسب
منذر الحاج مدير مالي في احدى القطاعات الخاصة رأى ان وجود المدير المناسب في المكان المناسب من اهم اسباب سير العمل على خير ما يرام، خصوصا اذا كان المدير يشغل منصبه بوجه حق ويعرف كيف يفرق جيدا بين الموظف المتميز حقا وآخر المعتمد على النفاق، واضاف الحاج:
- من اهم شروط نجاح المدير للقضاء على الضغائن بين الزملاء في العمل وايضا تجنب الغيرة بين زملاء العمل الواحد تتمثل في ما يلي:
- اشغالهم بالعمل فلا يسمح لهم بأن يضيعوا الوقت هباء.
- عدم السماح بالقيل والقال والافضل هو من يعمل لا من يتكلم.
- عدم السماح بأجواء «الغم والنكد» في العمل، لانها تؤثر سلبا على سير العمل والجو العام بين الموظفين.
- عدم توقع الكثير من الآخرين وبناء كثير من الآمال عليهم، خصوصا بين الزملاء في العمل حتى تتحمل الصدمة فيهم ان احتجت إليهم فعلا في وقت لاحق.
- ان يهتم الموظف بأداء عمله على اكمل وجه والا يترك وراءه اخطاء تكون سببا في انتقاده او مساءلته.
- ان يهتم الموظف بنفسه من دون ان يقارن بغيره.. وكذلك على المسؤول ان يقدر الافضل خبرة والاكفأ في المكانة والراتب.
الرزق على الله
البعض يرى ان الغيرة في العمل أمر طبيعي، وعلينا استيعابها والتعامل معها، ومن هؤلاء دانية ابو حوسة، التي اعتبرت:
- ان الغيرة في العمل سلاح ذو حدين، احدهما ايجابي واهمه تقديم الافضل للتميز.. والآخر سلبي وهو الانشغال عن العمل بطعن الآخرين وتحطيم قدراتهم، والغيرة لا ضرر فيها اذا كانت ايجابية، واذا اقتنع الناس بأن الرزق من رب العالمين «اجر جري الوحوش غير رزقك لن تحوش»..
امتصاص الطاقة السلبية
اما يوسف آرتي فيرى:
- ان كل مبدع في عمله سيواجه بالحسد من الآخرين «فلا تُرمى الا الشجرة المثمرة»، لكن المعاملة الحسنة والابتسامة والتسامح والتغاضي عن اخطاء الزملاء وسيلة لامتصاص الطاقة السلبية عندهم، ووسيلة لتحويل البغض والكره والغيرة الى حب وألفة وتعاون.
وأيدته سامية بوخريس قائلة:
- الزملاء في العمل لا بد ان يتحلوا بالاخلاق الكريمة لانهم سيقضون مع بعضهم اطول الاوقات ربما تفوق الاوقات التي يقضونها مع اهلهم، لهذا من الصعب ان تجد جوا من الكراهية بين الذين يعملون في المكان نفسه.
لكي تزول مشاعر الغضب
هدى اميل محاسبة اولى في احدى الشركات ومسؤولة عن موظفين ايضا، تقول:
- ضغوط العمل كثيرة وضغوط الحياة اليوم اكثر من الماضي، وهذه الضغوط مجتمعة تجعل الانسان لا يستطيع ان يفكر احيانا بالصورة الصحيحة، فتحدث ردود افعال سريعة بين الزملاء في العمل، اما عبر ظهور مشاعر الغيرة او الحقد او حتى الغدر، الذي بات يتضح اكثر اليوم بين الاصدقاء.
والناس خارج العمل احيانا يعملون على اثارة الفتن والايقاع بين الزملاء، ربما من دون قصد منهم، احيانا عندما يتحدث هذا الزميل بشكل عفوي عما يحدث معه في عمله.. ستجد من يسمعه يدلى بنصائح ثرية من باب انه «ابو العريف» مما يورط هذا الرجل في مشكلة مع زملائه لاحقا.
ونصحت هدى كل المسؤولين والعاملين في اي مكان بعدم التسرع، واخذ الوقت قبل الرد على اي اتهام او مقولة تصدر عن الزملاء في العمل، وحتى تقل مشاعر الغضب يحسن التحدث من دون الاساءة، وحتى تُكشف الحلقة المفقودة سبب النزاع لتبقى روح المحبة طاغية في العمل، معتبرة ان البغض والكره شعوران لا يمكن تحملهما، خصوصا في العمل، لهذا فان نجاح زمالتنا في العمل تحتاج منا الى قدرة وطاقة وضبط النفس للسيطرة على ما قد يقال.
كيف تكتشف خديعة الزملاء ونفاقهم؟
كيف نكتشف خديعة الزملاء ونفاقهم؟ الدكتور مروان المطوع الاستشاري النفسي يحدثنا عن غدر أولاد الكار وكيفية كشفهم قبل ان يغدروا بنا.
ويقول اولاد المهنة الواحدة في الجسم الصحي او الصحفي او الهندسي او غيره ينشأ بينهم نوع من الغيرة بشكل فطري وغريزي، والبعض قد يظهر لزميله عكس ما يبطن لانه يجيد النفاق الى درجة يصعب معها اكتشافه. والمبدع عادة هو اكثر المتعرضين لزملاء النفاق، فيظهرون له المحبة و«الجدعنة» وهم على خلاف ذلك، لان تميزه وابداعه يخلقان له (اتوماتيكيا) اعداء بين ابناء الكار الواحد، ويتمنى هؤلاء لو يزيحونه تماما من الوجود ليرتاحوا، فيبدع هؤلاء المنافقون في اظهار الحب للشخص المبدع ليبعدوا عن انفسهم الشبهات، بل ان البعض من المنافقون يظهرون على انهم «الناصح الامين» للمبدع، بل وتقوى تلك العلاقة حتى يظن المبدع ان هؤلاء اقرب اليه من اخوته، وكثيرة هي الحالات التي يقع فيها المبدعون ضحايا غدر زملائهم ابناء الكار الواحد.
اما كيف نكتشف المخادعين من زملائنا فيقول كشفت الدراسة النفسية ان 70% من الحالات لا يمكن اكتشافها الا بعد حصول الغدر، في حين يتم اكتشاف او التنبؤ بـ30% من الحالات قبل فوات الاوان، عن طريق حركات الشخص وتصرفاته المشبوهة، اذ يتضح ذلك من خلال نقله اخبار الآخرين والاستمتاع بنقل مصائب الزملاء وكوارثهم.
واشار الى ان بعض الشخصيات السكيوباتية العدائية وهم «الشياطين في صورة انسان»، يستمتع الواحد منهم بإيذاء الآخرين. وهؤلاء سلوكياتهم تكشف نفسياتهم من دون قصد، فمثلا تظهر عليهم السلوكيات العنيفة والضرب والعصبية الحادة غير المبررة حتى تجاه «الفرّاش»، فهو عندما يوقع الضرر بالآخرين يبتسم لآلامهم ويفرح لخراب البيوت وتدمير العلاقات.
اما بالنسبة لامكانية توقع الشخص الذي يمكن ان يغدر بنا، فأمثال هذا لا يظهرون تآلفا اصيلا او مشاعر اصيلة، ويتصنعون الحزن والفرح، ويبدو ذلك جليا من خلال جسمه وحركاته ومن عينيه ايضا، وكذلك الشخص الذي لا يمتلك حب العمل والانتاج الاصيل والابداع، وبمعنى آخر هو المهمل والاتكالي وغير المنجز. مثل هذه الشخصيات ترغب في تدمير الآخرين لان تميزهم يكشف قصور هؤلاء فيسعون لتحطيمهم.
وكذلك هناك كثرة المترددين على الرؤساء لمجاملتهم والاطراء عليهم وتقديم الهدايا لهم، وهؤلاء الاشخاص يتركون اعمالهم ويكون الابداع من وجهة نظرهم في صداقة المسؤول وارضائه، ومع الاسف فان بعض الرؤساء يفرحون بهذه الفئة من المنافقين.
اما عن السبيل الى القضاء على الغدر بين الزملاء واشاعة الحب وروح الالفة، فيقول المطوع ان ذلك موجود في الافلام العربية وفي المجتمع الافلاطوني المثالي، فالحب بين الزملاء موجود، لكنه لا يستمر، فحالات الحب والكره والغيرة والحقد والتنافس غير الشريف موجودة على طول الخط ومرتبطة باستمرار الحياة، وهذا الكوكتيل الجميل هو ما يجعل هذا يبدع وذاك ينجز، وهو ما يجعل للحياة طعما، لان وجود الفئة التي تحطم الآخرين تثير عند المتميز الطاقات الابداعية، ففي ذلك تحدٍّ يدفعه الى الابداع، اذ انه يحتاج الى هذه البيئة «المشعللة» حتى يبدع، فالنهر او المياه الراكدة لا تثير الابداع الذي يأتي مع الحب والكراهية.
ويشير الى ان هذا هو واقع الحياة، فهي ليست حلوة دائما ولا مرّة باستمرار، لكن يبقى اهم ما في الامر هو جوهر الانسان نفسه وما يحتويه من مشاعر حب وكره تنمو وتكبر وتصغر، حسب الظروف التي يعيشها الانسان، الا ان النبتة الاصيلة للحب تبقى في داخل الانسان، ولهذا علينا الا نستسلم لمشاعر معينة على طول الخط.
كلنا نعرف ان «اولاد الكار» هم زملاء المهنة الواحدة، التي يفترض ان يكونوا يداً واحدة لكننا غالباً ما نسمع عن المشاكل التي يسببها الزملاء بعضهم لبعض ، هذا تعرض للوقيعة بينه وبين المدير بسبب زميله الحاقد، وآخر حرم من الترقية بسبب نفاق بعض الزملاء امام مسؤوله، وثالث يذهب الى عمله كارها لا يطيق نفسه لانه ضاق بما يفعله الآخرون به، وغيره يشعر ببغض وكره زملائه على الدوام من دون ذنب اقترفه.. وغيرهم الكثير.
ولهذا فاننا غالبا ما نقول بالعامية «لا تخاف الا من ابن الكار»، فالخوف من ابن الكار تعدى الافراد في المكان الواحد ليصل الى الشركات الكبرى والمؤسسات العظمى التي تتنافس على المنتج نفسه في صراع لا ينتهي، حتى سمعنا عن «الجاسوسية الصناعية» في الخارج والتي هي عادة ما تكون بين المصانع الكبرى للتجسس على منتجاتها الجديدة وآخر تطوراتها نحو تقديم الافضل.
فاذا كانت هذه الجاسوسية من وجهة نظرنا لخدمة البشرية في تقديم الاحدث مما يتيح للناس فرصة اكبر في اقتناء الافضل، فهل هذا هو ما يحدث بين زملاء العمل الواحد في المكان الواحد؟.
واذا سلمنا بأن الغيرة في العمل امر طبيعي ووارد في كل مكان، فكيف نوظف هذه الغيرة الموجودة في الطبيعة البشرية لخدمة الاخرين متجنبين في الوقت نفسه غدر اولاد الكار؟ تحقيقنا التالي يكشف اسباب غدر اولاد الكار وكيفية تحويله الى محبة والفة.
الغدر في وقتنا هذا بات من كل حدب وصوب، ولا يقتصر على عمل بعينه.
فما ان تدير ظهرك حتى تتلقفك سهام الغدر من الخلف وتسمع الواحد منا يقول عند تعرضه لذلك. «عادي تعودت»، ثم يكمل آخر فيقول «لان الغدر عادي لن تجد من يحمي ظهرك عندما تستدير» او من «لا ينتف فروتك» لان وجود ذلك الشخص في ايامنا هذه نادر جداً.
ابو فراس الشهابي من هؤلاء.. يعمل في احدى الشركات الخاصة، رجل مسالم ليس له علاقة باحد، جعل همه في عمله ولا يربطه بزملائه سوى «السلام عليكم والتحية» ومع هذا لم «يملص» ابو فراس من الوشاية في العمل، فقد تكاتف عليه زملاؤه واتهموه زورا بخطأ لم يرتكبه حتى تم ايقافه عن العمل. وعلى الرغم من ان التحقيقات اثبتت لاحقا براءته مع ظهور المذنب الحقيقي الا انه رفض العودة الى العمل ذاته، لانه لم يعد يطيق زملاء السوء الذين وشوا به وسببوا له تلك الالام التي ترك على اثرها العمل.
ابو فراس لديه قناعة مسبقة بان اولاد الكار لا يمكن ان يكونوا اصدقاء، ولهذا غالبا ما يتجنب الحديث معهم خيرا او شرا.. وهو مع هذا لم يأمن غدرهم.
فرق الرواتب
والتقينا بحسام حنتولي مدير المشاريع في احدى المؤسسات الذي اعتبر ان الغدر غالبا ما يأتي من القريب:
- الغدر قد يكون بين الاقرباء وبين الاصدقاء المقربين جدا، اما الزملاء غير الاصدقاء في العمل فخطأهم ليس غدرا، حيث ان الغيرة والحسد يكونان دافع الزميل الى ارتكاب الخطأ في حق زميله. وفرق الرواتب من الاسباب الرئيسية والمهمة لبغض الزملاء وحسدهم وغيرتهم من بعضهم البعض.
والسبيل لحل هذه الازمة بين الزملاء في العمل كما يراه هو اقحام الزملاء بالاحترام والتغاضي عن الاساءة ومقابلتها بالحسنى لان سيئ الخلق سينصاع مع الوقت مع الزميل كريم الخصال.. فالاخلاق الحسنة هي السبيل الوحيد لكسب الزملاء والاصدقاء وتجنب شرورهم..
هدى احمد توقفت ايضا عند فرق الرواتب وقالت:
- ان فرق الرواتب بين الزملاء هو ما يجعل فلانا يحقد على علان، خصوصا اذا كان الثاني افضل من الاول، حيث يشعر بالظلم لانه صاحب كفاءة افضل وخبرة اطول.
واصحاب العمل انفسهم يكونون سببا في وجود جو مشحون بالغيرة بين زملاء العمل الواحد، لعدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب هذه الايام.
الصعود على الكتف
اتذكرون المثل القائل «علمناهم الشحاذة سبقونا على الأبواب»؟
هذا المثل تذكرته عندما سمعت ما قالته علياء التركي المسؤولة في احدى الوزارات قالت:
- نقوم بتدريب الدفعات الجديدة من العاملات في وزارتنا وتعليمهن اصول العمل، بتعليمات من المسؤول الاعلى. ولا خلاف في ذلك، ولكن الغريب في الامر ان المستجد في الوظيفة الذي لم يكمل عامه الاول يصعد بعد تدريبه على كتفك بل يسحب البساط من تحت قدميك اما بالواسطة او اما بأساليبه. فكيف تكون هناك محبة وزمالة مع هذه الفئة التي لا تعرفك الا اذا احتاجت منك شيئا؟ وكيف بالله عليكم يدرب مسؤول خريجين صغاراً وجدداً في العمر والخبرة على انهم ابناؤه ثم يجلسون مكانه، ويعمل المسؤول تحت امرتهم.
وهذه ليست غيرة انما عدم عدالة المسؤولين في كل مكان.
واكد ذلك ايضا جابر محمد الذي اضاف:
- ان غدر اولاد الكار يكون بسبب صعود احد الزملاء على كتف الآخرين بالكذب والخديعة. فالبعض يظهر الولاء للموظف المجتهد وصاحب الخبرة، ليكتسب منه خبرته وطريقة سير العمل ومشن ثم يصعد على كتفه امام المسؤولين رغم انه لولا زميله لما كان له شأن اصلا. وهذا هو الغدر بعينه.
المدير المناسب في المكان المناسب
منذر الحاج مدير مالي في احدى القطاعات الخاصة رأى ان وجود المدير المناسب في المكان المناسب من اهم اسباب سير العمل على خير ما يرام، خصوصا اذا كان المدير يشغل منصبه بوجه حق ويعرف كيف يفرق جيدا بين الموظف المتميز حقا وآخر المعتمد على النفاق، واضاف الحاج:
- من اهم شروط نجاح المدير للقضاء على الضغائن بين الزملاء في العمل وايضا تجنب الغيرة بين زملاء العمل الواحد تتمثل في ما يلي:
- اشغالهم بالعمل فلا يسمح لهم بأن يضيعوا الوقت هباء.
- عدم السماح بالقيل والقال والافضل هو من يعمل لا من يتكلم.
- عدم السماح بأجواء «الغم والنكد» في العمل، لانها تؤثر سلبا على سير العمل والجو العام بين الموظفين.
- عدم توقع الكثير من الآخرين وبناء كثير من الآمال عليهم، خصوصا بين الزملاء في العمل حتى تتحمل الصدمة فيهم ان احتجت إليهم فعلا في وقت لاحق.
- ان يهتم الموظف بأداء عمله على اكمل وجه والا يترك وراءه اخطاء تكون سببا في انتقاده او مساءلته.
- ان يهتم الموظف بنفسه من دون ان يقارن بغيره.. وكذلك على المسؤول ان يقدر الافضل خبرة والاكفأ في المكانة والراتب.
الرزق على الله
البعض يرى ان الغيرة في العمل أمر طبيعي، وعلينا استيعابها والتعامل معها، ومن هؤلاء دانية ابو حوسة، التي اعتبرت:
- ان الغيرة في العمل سلاح ذو حدين، احدهما ايجابي واهمه تقديم الافضل للتميز.. والآخر سلبي وهو الانشغال عن العمل بطعن الآخرين وتحطيم قدراتهم، والغيرة لا ضرر فيها اذا كانت ايجابية، واذا اقتنع الناس بأن الرزق من رب العالمين «اجر جري الوحوش غير رزقك لن تحوش»..
امتصاص الطاقة السلبية
اما يوسف آرتي فيرى:
- ان كل مبدع في عمله سيواجه بالحسد من الآخرين «فلا تُرمى الا الشجرة المثمرة»، لكن المعاملة الحسنة والابتسامة والتسامح والتغاضي عن اخطاء الزملاء وسيلة لامتصاص الطاقة السلبية عندهم، ووسيلة لتحويل البغض والكره والغيرة الى حب وألفة وتعاون.
وأيدته سامية بوخريس قائلة:
- الزملاء في العمل لا بد ان يتحلوا بالاخلاق الكريمة لانهم سيقضون مع بعضهم اطول الاوقات ربما تفوق الاوقات التي يقضونها مع اهلهم، لهذا من الصعب ان تجد جوا من الكراهية بين الذين يعملون في المكان نفسه.
لكي تزول مشاعر الغضب
هدى اميل محاسبة اولى في احدى الشركات ومسؤولة عن موظفين ايضا، تقول:
- ضغوط العمل كثيرة وضغوط الحياة اليوم اكثر من الماضي، وهذه الضغوط مجتمعة تجعل الانسان لا يستطيع ان يفكر احيانا بالصورة الصحيحة، فتحدث ردود افعال سريعة بين الزملاء في العمل، اما عبر ظهور مشاعر الغيرة او الحقد او حتى الغدر، الذي بات يتضح اكثر اليوم بين الاصدقاء.
والناس خارج العمل احيانا يعملون على اثارة الفتن والايقاع بين الزملاء، ربما من دون قصد منهم، احيانا عندما يتحدث هذا الزميل بشكل عفوي عما يحدث معه في عمله.. ستجد من يسمعه يدلى بنصائح ثرية من باب انه «ابو العريف» مما يورط هذا الرجل في مشكلة مع زملائه لاحقا.
ونصحت هدى كل المسؤولين والعاملين في اي مكان بعدم التسرع، واخذ الوقت قبل الرد على اي اتهام او مقولة تصدر عن الزملاء في العمل، وحتى تقل مشاعر الغضب يحسن التحدث من دون الاساءة، وحتى تُكشف الحلقة المفقودة سبب النزاع لتبقى روح المحبة طاغية في العمل، معتبرة ان البغض والكره شعوران لا يمكن تحملهما، خصوصا في العمل، لهذا فان نجاح زمالتنا في العمل تحتاج منا الى قدرة وطاقة وضبط النفس للسيطرة على ما قد يقال.
كيف تكتشف خديعة الزملاء ونفاقهم؟
كيف نكتشف خديعة الزملاء ونفاقهم؟ الدكتور مروان المطوع الاستشاري النفسي يحدثنا عن غدر أولاد الكار وكيفية كشفهم قبل ان يغدروا بنا.
ويقول اولاد المهنة الواحدة في الجسم الصحي او الصحفي او الهندسي او غيره ينشأ بينهم نوع من الغيرة بشكل فطري وغريزي، والبعض قد يظهر لزميله عكس ما يبطن لانه يجيد النفاق الى درجة يصعب معها اكتشافه. والمبدع عادة هو اكثر المتعرضين لزملاء النفاق، فيظهرون له المحبة و«الجدعنة» وهم على خلاف ذلك، لان تميزه وابداعه يخلقان له (اتوماتيكيا) اعداء بين ابناء الكار الواحد، ويتمنى هؤلاء لو يزيحونه تماما من الوجود ليرتاحوا، فيبدع هؤلاء المنافقون في اظهار الحب للشخص المبدع ليبعدوا عن انفسهم الشبهات، بل ان البعض من المنافقون يظهرون على انهم «الناصح الامين» للمبدع، بل وتقوى تلك العلاقة حتى يظن المبدع ان هؤلاء اقرب اليه من اخوته، وكثيرة هي الحالات التي يقع فيها المبدعون ضحايا غدر زملائهم ابناء الكار الواحد.
اما كيف نكتشف المخادعين من زملائنا فيقول كشفت الدراسة النفسية ان 70% من الحالات لا يمكن اكتشافها الا بعد حصول الغدر، في حين يتم اكتشاف او التنبؤ بـ30% من الحالات قبل فوات الاوان، عن طريق حركات الشخص وتصرفاته المشبوهة، اذ يتضح ذلك من خلال نقله اخبار الآخرين والاستمتاع بنقل مصائب الزملاء وكوارثهم.
واشار الى ان بعض الشخصيات السكيوباتية العدائية وهم «الشياطين في صورة انسان»، يستمتع الواحد منهم بإيذاء الآخرين. وهؤلاء سلوكياتهم تكشف نفسياتهم من دون قصد، فمثلا تظهر عليهم السلوكيات العنيفة والضرب والعصبية الحادة غير المبررة حتى تجاه «الفرّاش»، فهو عندما يوقع الضرر بالآخرين يبتسم لآلامهم ويفرح لخراب البيوت وتدمير العلاقات.
اما بالنسبة لامكانية توقع الشخص الذي يمكن ان يغدر بنا، فأمثال هذا لا يظهرون تآلفا اصيلا او مشاعر اصيلة، ويتصنعون الحزن والفرح، ويبدو ذلك جليا من خلال جسمه وحركاته ومن عينيه ايضا، وكذلك الشخص الذي لا يمتلك حب العمل والانتاج الاصيل والابداع، وبمعنى آخر هو المهمل والاتكالي وغير المنجز. مثل هذه الشخصيات ترغب في تدمير الآخرين لان تميزهم يكشف قصور هؤلاء فيسعون لتحطيمهم.
وكذلك هناك كثرة المترددين على الرؤساء لمجاملتهم والاطراء عليهم وتقديم الهدايا لهم، وهؤلاء الاشخاص يتركون اعمالهم ويكون الابداع من وجهة نظرهم في صداقة المسؤول وارضائه، ومع الاسف فان بعض الرؤساء يفرحون بهذه الفئة من المنافقين.
اما عن السبيل الى القضاء على الغدر بين الزملاء واشاعة الحب وروح الالفة، فيقول المطوع ان ذلك موجود في الافلام العربية وفي المجتمع الافلاطوني المثالي، فالحب بين الزملاء موجود، لكنه لا يستمر، فحالات الحب والكره والغيرة والحقد والتنافس غير الشريف موجودة على طول الخط ومرتبطة باستمرار الحياة، وهذا الكوكتيل الجميل هو ما يجعل هذا يبدع وذاك ينجز، وهو ما يجعل للحياة طعما، لان وجود الفئة التي تحطم الآخرين تثير عند المتميز الطاقات الابداعية، ففي ذلك تحدٍّ يدفعه الى الابداع، اذ انه يحتاج الى هذه البيئة «المشعللة» حتى يبدع، فالنهر او المياه الراكدة لا تثير الابداع الذي يأتي مع الحب والكراهية.
ويشير الى ان هذا هو واقع الحياة، فهي ليست حلوة دائما ولا مرّة باستمرار، لكن يبقى اهم ما في الامر هو جوهر الانسان نفسه وما يحتويه من مشاعر حب وكره تنمو وتكبر وتصغر، حسب الظروف التي يعيشها الانسان، الا ان النبتة الاصيلة للحب تبقى في داخل الانسان، ولهذا علينا الا نستسلم لمشاعر معينة على طول الخط.